ملخص
تراجع النقل البري بنسبة 90 في المئة منذ اندلاع الحرب في السودان
كان مهنا عبدالرحمن يمضي أيامه خلف مقود شاحنته متنقلاً بين مختلف أنحاء السودان لتوزيع البضائع بعد تحميلها من الموانئ، لكنه أصبح منذ اندلاع النزاع في الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" شبه عاطل عن العمل، يقضي أوقاته في احتساء القهوة وتدخين النارجيلة.
قبل اندلاع المعارك في الـ15 من أبريل (نيسان) كان عبدالرحمن الذي يعمل سائقاً منذ 20 عاماً، يتوجه بشاحنته أربع مرات شهرياً إلى شرق السودان لتحميل بضائع من موانئ واقعة على البحر الأحمر، قبل توزيعها على مختلف ولايات البلاد، لكنه بات يمضي فترات طويلة في انتظار عمل.
وقال عبدالرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية في أحد مقاهي مدينة ود مدني، "مرت ثلاثة أسابيع منذ آخر حمولة قمت بتوزيعها".
لم يكن عبدالرحمن وحيداً في مقهى ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة والواقعة على مسافة 200 كيلومتر جنوب الخرطوم، بل برفقته جلس مئات السائقين الذين أوقفوا شاحناتهم بسبب تعطل عملهم يلعبون الورق ويحتسون الشاي والقهوة، آملين في أن تتبدل الأحوال وتعود الحياة لطبيعتها في بلاد تعاني حرباً أدت في ثلاثة أشهر إلى مقتل أكثر من 3 آلاف شخص ونزوح أكثر من 3 ملايين سواء داخل السودان أم خارجه.
وشكلت ود مدني نقطة استقطاب رئيسة لمئات آلاف النازحين خصوصاً من الخرطوم التي فر منها أكثر من مليون ونصف مليون شخص منذ بدء الحرب.
وأدت المعارك بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" إلى تراجع حركة النقل البري بنسبة 90 في المئة، بحسب إحصاءات أولية أجرتها غرفة النقل السودانية.
كذلك تراجعت حركة الصادرات لتسجل 282 مليون دولار منذ مطلع عام 2023، مقارنة بـ2.5 مليار دولار في النصف الأول من 2021، وفق هيئة الموانئ السودانية.
ويحاول بعض السائقين مواصلة عملهم على رغم استمرار المعارك والقصف في مناطق مختلفة، أبرزها العاصمة وإقليم دارفور غرب البلاد، لكنهم يضطرون إلى القيادة لمسافات أطول لتفادي المرور في مناطق القتال.
وقال محمد تيجاني (50 سنة) الذي يعمل سائقاً لحساب إحدى شركات النقل "رحلاتنا إلى الموانئ أصبحت تطول بمسافة إضافية تصل إلى 400 كيلومتر"، لتجنب القصف الجوي والمدفعي ونقاط التفتيش التي نصبها طرفا النزاع في مناطق مختلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وضعت هذه المسافة الإضافية السائقين بين حجري الرحى، إذ أصبحوا واقعين من جهة بين خطر التعرض إلى الاشتباكات والمعارك، ومن جهة أخرى نار الوقود الذي بات سلعة نادرة وارتفعت أسعاره بنحو 20 ضعفاً منذ اندلاع الحرب.
حتى حافلات الركاب التي بلغ نشاطها ذروته في الأيام الأولى من الحرب حينما نقلت الفارين من العاصمة إلى الحدود السودانية المصرية على بعد ألف كيلومتر تقريباً شمالاً، أصبحت رحلاتها تقتصر على ما بين الولايات والمدن خارج العاصمة لتعذر دخولها.
وقال سائق الحافلة حسين عبد القادر إن "نحو 70 في المئة من رحلاتنا كانت بين الخرطوم والولايات الأخرى"، لكنه بات يعتمد فقط على الرحلات بين الولايات.
وأوضح زميله معتز عمر الذي اعتاد في المراحل الأولى من الحرب التنقل بشكل دوري بين العاصمة والحدود المصرية لنقل الفارين، "مع تفاقم القتال أصبح من المستحيل دخول الخرطوم الآن".
لتفادي المرور في العاصمة بات على السائقين القيادة لمسافة مضاعفة واعتماد مسار مضن عبر شرق السودان لنقل الراغبين إلى الحدود الشمالية.
وأوضح عمر أن خط سير الرحلة أصبح شاقاً وطويلاً، إذ كان يضطر إلى الذهاب شرقاً إلى ولاية البحر الأحمر ثم عبور ولايتي كسلا والقضارف عند الحدود الجنوبية الشرقية مع إثيوبيا، قبل التوجه شمالاً إلى ود مدني، مشيراً إلى أنه ينتظر أياماً للعثور على عدد كاف ممن يرغبون في السفر إلى الوجهات التي يمر بها.
إضافة إلى الشاحنات والحافلات كانت السكك الحديد من وسائل النقل البري الأساسية في السودان، إلا أن حركة قطارات نقل الركاب على الخطين بين الخرطوم وود مدني وبين العاصمة وعطبرة إلى الشمال منها توقفت بدورها جراء النزاع الراهن، كما شمل التوقف أيضاً قطارات نقل البضائع.
وأوضح مسؤول في مصلحة السكك الحديد أن القطارات التي كانت تنقل البضائع بين الموانئ وبقية أجزاء البلاد توقفت بدورها، نظراً إلى أن خط السكك يعبر الخرطوم وضاحية بحري اللتين باتتا ساحة للمواجهات.
ومع دخول النزاع شهره الرابع من دون أي أفق للحل، يخشى السائقون من أن تتأثر قدرتهم على توفير قوتهم اليومي.
وقال تيجاني "أخشى أن نفقد وظائفنا، وألا تدفع الشركات رواتبنا إذا لم تكن تحقق ربحاً".