Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الإشكالات التي واجهها مشروع "طريق التنمية" في العراق؟

الميليشيات وغياب منظومة الطاقة الوطنية يعرقلان احتمالات نجاحه

السوداني أعلن عن مشروع "طريق التنمية الذي يتضمن ربط ميناء الفاو الكبير الذي لم يكتمل إنجازه حتى الآن بتركيا وصولاً إلى أوروبا (رويترز)

ملخص

تطرح حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ملف "طريق التنمية" في مسعى منها لتدعيم الاستثمار والاستغناء التدريجي عن النفط

مع حديث الحكومة العراقية المستمر حول التنمية الاقتصادية في البلاد، تتزايد التساؤلات بشأن إمكانية تحقيق ذلك في ظل الإشكالات التي يعيشها العراق، خصوصاً ما يتعلق بسيطرة الميليشيات المسلحة على الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد، فضلاً عن تفشي الفساد واعتماد العراق على دول الجوار في ملف الطاقة الكهربائية.

ويمثل ملف الطاقة واعتماد العراق على إيران في رفد نحو ثلث الاحتياج المحلي لها، معرقلاً رئيساً في إحداث التنمية، بحسب مراقبين، خصوصاً مع اعتماد البلاد بشكل رئيس على الاستيراد من إيران، إذ تصل حدود التبادل التجاري أحادي الجانب إلى نحو 20 مليار دولار سنوياً.

وبالتزامن مع أزمة الطاقة الكهربائية التي يعيشها العراق، تطرح حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ملف "طريق التنمية" في مسعى منها لتدعيم الاستثمار والاستغناء التدريجي عن النفط كمصدر رئيس لموازنة البلاد.

"طريق التنمية"

وكان السوداني أعلن عن مشروع "طريق التنمية"، نهاية مايو (أيار) الماضي، والذي يتضمن ربط ميناء الفاو الكبير الذي لم يكتمل إنجازه حتى الآن بتركيا وصولاً إلى أوروبا.

وتظهر الدول العربية ودول المحيط الإقليمي بالعراق اهتماماً بهذا المشروع، إذ يشهد مشاركة العديد من الدول من بينها السعودية وتركيا والأردن وسوريا والكويت والامارات وقطر والبحرين وإيران.

وفي حال إنجاز المشروع الذي يتطلب نحو 17 مليار دولار، سيسهم، بحسب مراقبين، في تطوير الاقتصاد العراقي وتعزيز قطاعات عدة فيه لعل أبرزها قطاع النقل، في حين يتخوّف العديد من الباحثين من احتمال أن يكون مجرد "دعاية سياسية" كغيره من المشاريع التي أعلنتها الحكومات العراقية المتعاقبة.

وأعلنت وزارة النقل العراقية بدء خطوات إنجاز مشروع "طريق التنمية"، وقالت المتحدثة باسم الوزارة شذى راضي إن إسبانيا رحبت بـ"المساهمة في مشروع طريق التنمية"، وأضافت، في تصريحات صحافية، أن الوزارة "بصدد إنجاز الطريق الرابط الذي يربط ميناء الفاو الكبير بالنفق المغمور أو بميناء أم قصر، ويرتبط هذا الخط بالطريق السريع الدولي أو طريق مشروع التنمية، ويبلغ طوله 63 كيلومتراً".

ويهدف المشروع إلى تقليل اعتماد العراق على النفط ورفد مشاريع التنمية في البلاد، ومن المخطط أن تنتهي المرحلة الأولى للمشروع بحلول عام 2028.

النفقات التشغيلية والاعتماد على الاستيراد

في المقابل، يعتقد المتخصص في الاقتصاد ماجد الصوري أن "غياب الإرادة السياسية" كان السبب الرئيس خلف إشكالية الطاقة الكهربائية في العراق، مؤكداً "استحالة حدوث أي تطور صناعي وزراعي من دون الاعتماد على مصادر للطاقة الوطنية".

ويمثّل الاتجاه العام لصانعي السياسة الاقتصادية في العراق في "الزيادة الدائمة للنفقات التشغيلية" عاملاً معرقلاً للتنمية، بحسب الصوري الذي لفت أن زيادة تلك النفقات يعني استمرار الاعتماد على الاستيراد، وأشار إلى أن أحد أبرز الأدلة على "عدم الرغبة في التنمية" هو توجه الموازنة الأخيرة نحو النفقات التشغيلية والتزام العراق بنحو 112 تريليون دينار (نحو 84 مليار دولار) مخصصة للرواتب، مبيناً أن صياغة الموازنات بهذه الطريقة تعني "غياب النزعة لتنمية قطاعي الصناعة والزراعة المحليتين".

وكشف الصوري عن بلوغ إيرادات العراق، منذ عام 2003 وحتى الآن، أكثر من 1.34 ترليون دولار، لافتاً أن هذا الرقم كان ليحدث "ثورة كبيرة في التنمية" إلا أن توجه السياستين الاقتصادية والمالية لزيادة النفقات التشغيلية حال دون ذلك، وأشار إلى أن "طريق التنمية" لا يعني التنمية الاقتصادية، مبيناً أنه "ربما يساعد على إحداث التنمية"، إلا أن جملة إجراءات يجب أن تسبقه من بينها "إعادة النظر بالسياسة الضريبية والسيطرة على المنافذ الحدودية ومراجعة السياستين المالية والاقتصادية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفت الصوري إلى وجود "بوادر تطبيق إرادة عراقية في ملف التنمية في الوقت الحالي"، إلا أن هذا الأمر لا يكفي خصوصاً مع "النزعة الدائمة لصانعي القرار في التوجه نحو الخارج في رفد منظومة الطاقة"، وتابع أن توقيع العراق اتفاقاً مع شركة "توتال إنرجيز" تمثّل "عملية جريئة لاستغلال الغاز تحصل للمرة الأولى في العراق"، لافتاً إلى أن تلك التحركات تبيّن وجود "بوادر جدية لحل إشكالية الطاقة، بغض النظر عن بعض الملاحظات المحيطة بالعقد".

"طريق التنمية" منصة غير آمنة للغرب

ويعرقل وجود الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران إحراز العراق أي تقدم في ملف الاستثمار، خصوصاً أن معظم الدول والشركات العالمية تعتبر البيئة الاستثمارية في البلاد غير آمنة ولا يمكن المجازفة في إقامة مشاريعها فيه.

ويعتقد مراقبون أن اعتماد العراق على استيراد الغاز من إيران، التي تصدّر أيضاً جزءاً كبيراً من احتياج السوق المحلية للسلع والخدمات الأساسية، يمثّل معوقاً رئيساً لإمكانية التنمية الاقتصادية، مع إدراك صانعي القرار في إيران أن أي استثمارات في العراق ستعني الاستغناء بشكل تدريجي عن الصادرات الإيرانية.

ويقول المستثمر العراقي رمضان البدران إن فكرة إنشاء "طريق التنمية" يتطلب توافر موارد لا يملكها العراق، في الوقت الحالي، وترتبط بشكل مباشر بـ "التوجه نحو زبائن اقتصاديين غير الصين وإيران"، مبيناً أن على العراق التركيز على الأسواق الغربية في تسويق هذا المشروع قبل الشروع بخطوات أنجازهن وأضاف أن الصين وإيران تمثلان أكثر الدول استفادة من النشاط الاستهلاكي العراقي، الأمر الذي يجعل التوجه نحوهما في إنجاح المشروع "غير مجدٍ".

إضافة إلى اختيار الأسواق المستهدفة، يتطلب الشروع بالخطوات الأولى لـ"طريق التنمية" جملة من الإجراءات الرئيسة لعل أبرزها "إبعاد الجماعات المسلحة ومافيات الفساد عن الملف الاقتصادي للبلاد"، بحسب البدران الذي أشار إلى أن أحد أبرز الإشكالات التي يعانيها ملف التنمية الاقتصادية في العراق هو "غياب منظومة الطاقة الوطنية واعتماد العراق على إيران في رفد حاجاته من الغاز"، مبيناً أن العديد من المافيات المسلحة "مستفيدة من شراء الغاز من إيران بأسعار مبالغ بها، وهو ما يعرقل إمكانية تحقيق العراق اكتفاء وطنياً من الطاقة".

وحذّر البدران من أن الدول الغربية "تشعر أن العراق ليس منصة آمنة لمرور بضائعها من خلاله ما لم يحسم ملف السلاح خارج إطار الدولة"، وتابع أن تفضيل هذه الميليشيات الشركات الصينية على حساب الشركات الغربية، جعل الدول الغربية تنظر إلى العراق "كمناخ غير ملائم للاستثمار" ما يجعل "الوضع مثالياً بالنسبة للصين وغيرها من الدول التي تتعامل مع الميليشيات".

استعراض وكسب جماهيري

وقال مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة "غالوب الدولية" منقذ داغر إن ملف التنمية في العراق "يجري بشكل استعراضي" وتولي الحكومات العراقية المتعاقبة أهمية "للاستعراض وكسب النقاط أمام الجمهور أكثر من الرغبة في إحداث تطوير اقتصادي"، وأضاف أن إدارة ملف التنمية يتطلب وجود عوامل عدة، أبرزها "توافر البنية التحتية، والقانون الذي يحمي الاستثمارات، وضبط المنافذ الحدودية، وتطوير النظام المصرفي"، مبيناً أن غياب هذه العوامل يعني أن ما يجري يمثل "دعاية لا أكثر".

وفي ما يتعلق بالحماسة الكبيرة التي تبديها الحكومة العراقية في التعاطي مع مشروع "طريق التنمية"، نوّه داغر إلى "استحالة تحقيق هذا المشروع" في ظل عدم حسم ملف سطوة السلاح المنفلت على الدولة العراقية، وختم أن العمل على تحقيق تلك المشاريع "يتم بطريقة تراكمية"، مبنياً أن البدء بمشاريع جديدة مع كل حكومة يعطي انطباعاً بأن "الغاية الحقيقية من إطلاق تلك المشاريع هي الاستعراض والكسب الجماهيري".

في المقابل، رأى الباحث في الشأن الاقتصادي صالح الهماشي أن الحكومات المتعاقبة في العراق، منذ عام 2003 وحتى الآن، "لا تملك خطة قابلة للقياس في تحقيق ملف التنمية"، مبيناً أن كل ما يطرح لا يعدو كونه "عبارة عن تنظير"، ويمثّل الفساد المالي والإداري الذي بات "سمة رئيسة للدولة"، بحسب الهماشي، السبب الرئيس في "تراجع الخدمات وزيادة العجز في الموازنة"، مبيناً أنه يعد أحد أبرز العوامل "الطاردة للاستثمار".

ولا تقتصر إشكالات ملف التنمية في العراق على الفساد، إذ يمثل غياب منظومة الطاقة الوطنية أحد أبرز معوقات التنمية، وأشار الهماشي إلى أن "تأثير دول إقليمية منتجة للغاز وتماهي صانعي القرار الاقتصادي في العراق معها يحول دون تحقيق أي تقدم في إطار التنمية"، وعلى رغم إعلان العراق توقيع عقد لاستثمار الغاز مع شركة "توتال إنرجيز"، رأى الهماشي أن تضمّن العقد تعاوناً مع قطر المنتج الأكبر للغاز "يثير العديد من علامات الاستفهام وربما لا يعدو سوى محاولة تسويق لمنجزات وهمية"، وختم أنه بالإضافة إلى كل تلك العوامل، يمثّل تعدد مراكز القرار الاقتصادي في العراق ووجود الجماعات المسلحة فضلاً عن سلاح العشائر "إضعافاً إضافياً لثقة رؤوس الأموال من الاستثمار في العراق".

المزيد من تقارير