Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كزافييه دولان قتل أمه سينمائيا واعتزل باكرا مثيرا سجالا

"ما عادت لي رغبة ولا قوة لتكريس عامين من حياتي لفيلم لن يشاهده أحد"

من فيلم "قتلت أمي" باكورة دولان في العشرين من عمره (ملف الفيلم)

ملخص

أثار خبر اعتزال المخرج الكندي كزافييه دولان ابن الـ34 زوبعة من التعليقات على وسائل التواصل لم يصب معظمها في مصلحته.

أثار خبر اعتزال المخرج الكندي كزافييه دولان ابن الـ34 زوبعة من التعليقات على وسائل التواصل لم يصب معظمها في مصلحته. ففي مقابلة مع جريدة إسبانية نشرت مقاطع منها في الإعلام الغربي، قال دولان "ما عادت لي رغبة ولا قوة لتكريس عامين من حياتي لمشروع سينمائي لن يشاهده أحد. أضع كثيراً من الشغف لأتلقى في المقابل كل هذه الخيبة. أتساءل إذا ما كانت السينما التي أقدمها سيئة على رغم معرفتي بأنها ليست كذلك. لا أجد فائدة أن نحكي القصص عندما ينهار كل شيء من حولنا. الفن غير مفيد، والسينما مضيعة وقت".

أن يصدر مثل هذا الكلام من سينمائي نال كل الفرص ورد له الاعتبار منذ نعومة أظفاره يوم كان في الـ20 فقط، وبعدما عرض معظم أفلامه في مهرجان "كان"، حيث نال الجوائز (واحدة منها أعطيت له بالمناصفة مع جان لوك غودار)، فهذا ما أثار استغراب كثيرين ورفضهم وسخريتهم. دولان، الفتى المدلل للمهرجانات، نال ما لم ينله كثر من السينمائيين حتى أكثرهم موهبة، هؤلاء الذين ينجزون الأفلام منذ سنوات، ولا أحد يلتفت إليهم. 

 

تعود بدايات دولان إلى "كيف قتلت أمي" (2009)، يومها كان في الـ20 من عمره، وعرض الفيلم في قسم "أسبوعا المخرجين والمخرجات" في مهرجان "كان"، حيث نال ثلاث جوائز غير رسمية. منذ ذلك اليوم، لم يتوقف عن الإخراج، وكان له تقريباً عمل جديد في كل عام، إلى حد أنه وصل إنتاجه في غضون 10 سنوات (2009 - 2019) ثمانية أفلام.

لوثة السينما

انتقلت "لوثة" السينما إلى دولان عندما شاهد "تايتانيك" لجميس كاميرون وهو في سن الثامنة. كان للفيلم أثر عميق فيه، ومع ذلك لم يخرج من الصالة مقرراً انه سيكون مخرجاً، بل قال لأمه إنه سيكتب رسالة إلى ليوناردو ديكابريو. واعترف دولان في ندوة عقدها في مهرجان روما السينمائي قبل ستة أعوام، بأن السينما كانت "حلاً" للبطالة التي عاناها في شبابه، إذ إنها أعطته الشعور بأنه يحقق شيئاً ما في حياته. كان أصدقاؤه موزعين بين الدراسة والعمل، وهذا طبيعي في مثل أعمارهم، أما هو فكان "بين جدران أربعة، لم أكن أمارس أي نشاط ولا أملك أي مال"، وفق تصريحه في روما، بيد أن الشغف السينمائي الذي انطلق عند دولان من خلال حبه للتمثيل بعدما انبهر بديكابريو في "تايتانيك"، تحول سريعاً "إلى حاجة لسرد الحكايات وكشف ما في داخله من هواجس". وهذا ما يؤكده فيلمه باكورته "كيف قتلت أمي" الذي يحكي عن العلاقة الملتبسة والمضطربة بين مراهق (دولان) وأمه (آن دورفال). عندما أنجز هذا الفيلم، كانت تلك المرة الأولى يقف فيها خلف كاميرا، إذ لم يسبق له حتى على إخراج فيلم قصير، وطبعاً لم يدرس السينما أكاديمياً وتحصيله العلمي محدود جداً، لكن، كانت لدى هذا العصامي ضرورة تخطت كل الضرورات لإسماع صوته، إضافة إلى جرأته في إقناع الآخرين بأنه فنان. ولأن أحداً لم يقترح عليه التمثيل، فكان قراره أن "يختار نفسه" ليمثل فيلماً عن حياته.

 

يعترف دولان أن إنجاز فيلم كان عملية "أعقد مما توقعه"، ذلك أنه استثمر كل رصيده المصرفي. الأطراف التي آمنت بقدرته على تحقيق فيلم كانت قليلة، ومنهم الممثلون الذين وقفوا في صفه وأخلصوا له. يقول دولان "كانت هناك مشكلة أريد حلها، من أجلي ومن أجل الآخرين، ومشكلتي في هذا الفيلم كانت: كيف أنطلق في الحياة وأصبح فناناً؟ لا أحد كان سيدعني أفعل لو لم أتول الأمر بنفسي". 

سعادة مشترطة

 

هكذا بدأ دولان إذاً، وببضع كلمات مقتضبة اختتم مسيرته، علماً أنه عاد ووضح بعض التفاصيل، قائلاً إنه متصالح مع قراره "كثر قالوا لي إنها مجرد استراحة، لكن حالتي النفسية وحال العالم لا تدفعانني إلى مواصلة ما اعتقدت يوماً أنه دعوتي التي لا تهتز. الآن، أصبحت أنوي تكريس وقتي لصحتي وأصدقائي وعائلتي. لي أيضاً هوايات أخرى آمل أن أكرس وقتي لها". أما قوله إن "السينما مضيعة وقت"، فنكره مؤكداً أن الفن يداوي واقعنا الخانق، وقد ينقذ حيوات. وتابع "إنني مستعد دائماً لتشجيع الفنانين والسينمائيين، لكني، لن أنجز مزيداً من الأفلام، لأنها ما عادت تسعدني، لكنها أسعدتني في مرحلة من المراحل. اطمئنكم، إني بصحة جيدة".

 

من المعروف أن الجدل إذا انطلق فلا يعود من السهل الحد من انتشاره، وقد يستدرج مسائل سجالية أخرى، لذلك فكان من المتوقع أن يتحول هذا الاعتزال مناسبة للحديث عن مشكلات يعانيها السينمائيون الذين يأتون من خارج الاستوديوهات الكبرى، أي الذين يصنفون أنفسهم بالمستقلين. وكتب المخرج الفرنسي برتران بونيللو على صفحته في "فيسبوك" مهاجماً كل من هاجم قرار دولان واصفاً إياهم بأنهم قليلو الفهم في مهنة الإخراج "أتفهم دولان في كثير من النقاط. ما نطلبه اليوم من المخرجين الذين يسلكون توجهاً شخصياً في عملهم بات إلزامياً. كيف من الممكن ألا نتفهم أن يفقد بعضهم الرغبة في مواجهة هذه الضغوط التي تهدف إلى إخضاعنا لإملاءات الزمن الحالي؟ (…). من لا يقبل أن يكون محبوباً على الدوام ويواصل الإيمان في تفرده، هؤلاء يدفعون أحياناً الثمن باهظاً. حتى تارانتينو أعلن قبل فترة اعتزاله، "أريد أن أنسحب وأنا في الذروة. لأنه يعلم جيداً بأنه لن يبقى في الذروة لفترة طويلة. بدلاً من السخرية من الذين ما عادت لديهم الرغبة والقوة، علينا أن نقلق من النحو الذي يحاول النظام القضاء على فكرة معينة عن السينما". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم تكن ردود الجمهور أقل حدة من كلام المحترفين. في منشور وضعته على وسائل التواصل حصل على تفاعل كبير، استنكر كثر ما اتفقوا على تسميته "نوعاً من دلع"، فكتب أحدهم يقول "أعتقد أنه (دولان) يمر في حالة نفسية موقتة، وسيعود عن قراره عند تجاوزه لها". شخص آخر اعتبر أن "الحياة تصنع قبولاً غير مفهوم للبعض، حتى وإن كانت جودة عملهم متوسطة، ورفضاً مبهماً للبعض الآخر، حتى وإن كانت جودة عملهم قياسية. وأحياناً الحياة تمنع وصوله للجمهور من دون أن يفهم أحد السبب". وعلق ثالث بالقول "ألهم دولان كثيراً من الشباب، والآن تشعر بأنه أحبطهم. أعتقد أن قصصه الأخيرة أصبحت شخصية بحتة، ومواضيعها لا تلامس الجميع، خلافاً لأفلامه الأولى. دولان مبدع، ولكنه قد يعاني الإحباط". وصنف أستاذ في الجامعة الأميركية بالقاهرة اعتزال دولان بـ"دلع من النوع المعاصر"، قائلاً ان لديه طلاباً في قسم السينما ينطلقون وهم في مثل هذه الحالة، حتى قبل إنهاء فيلم التخرج، علماً أنهم لم يواجهوا ربع الصعوبات التي كان يواجهها فنانو القرن الماضي". 

أخيراً، ثمة فكرة جاهزة مفادها أن أفلام دولان لم تلقَ نجاحاً جماهيرياً وتجارياً، مما أدى إلى اعتزاله، وهذه فكرة غير صحيحة تماماً لأن بعضها، وعلى رغم طابعه غير الجماهيري، حقق إيرادات جيدة ونال إقبالاً واسعاً. فيلمان له تجاوزا المليون مشاهد في فرنسا، البلد الذي دعمه نقدياً منذ بداياته، هما: "مامي" (2014) و"فقط نهاية العالم" (2016). أما الفكرة القائلة إن العمل السينمائي مضن وبعضهم يعاني لإنتاج أفلامه، فيجب القول إن دولان لا يصنف في هذه الخانة. ثم، منذ متى يعمل الفنانون للحظة الراهنة؟ أعمال كثيرة أعيد اكتشافها بعد سنوات من ظهورها الأول، وأحياناً بعد رحيل أصحابها. الفنان على عكس التاجر، لا يضع قرشاً اليوم كي يكسب ضعفه بأسرع وقت.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما