Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يعني حسم معارك أم درمان بداية النهاية لحرب الخرطوم؟

يواصل الجيش عملياته العسكرية لإنهاء وجود قوات "الدعم السريع" في المدينة

إحدى طرق الأحياء في أم درمان مقطوعة بالحجارة (أ ف ب) 

ملخص

كيف تؤثر معارك أم درمان في ميزان السيطرة على العاصمة السودانية؟

تشهد مدينة أم درمان غرب العاصمة السودانية الخرطوم تركيزاً عسكرياً ومعارك ضارية ومواجهات شرسة دخلت أسبوعها الثاني، دفع فيها الجيش بقوات النخبة لتنفيذ عمليات تمشيط برية واسعة مسنودة جواً، شملت كثيراً من الأحياء فيها، فما هي أهمية أم درمان الاستراتيجية؟ وأي اختراق سيشكله النجاح في إخراج قوات الدعم السريع منها؟ وكيف يؤثر ذلك في موازين المعارك بين الطرفين لإحكام السيطرة على العاصمة السودانية؟

تمشيط ومواجهات

حرص الجيش خلال الحملة في أم درمان على إحداث اختراق كبير عبر عمليات نوعية داخل أحياء المدينة التي تضم مناطق عسكرية مهمة، من بينها قاعدة وادي سيدنا الجوية وسلاح المهندسين ورئاسة السلاح الطبي، وهي جميعها تحت سيطرته، فخلال أسابيع الحرب الأولى كان "الدعم السريع" ينتشر في مساحات واسعة من أحياء المدينة السكنية ويسيطر على منافذها وطرقها الرئيسة.
ومع استمرار عمليات التمشيط البري وتواصل الاشتباكات والمطاردات التي وصفت بأنها الأشرس في معظم مناطق وأحياء مدينة أم درمان القديمة وأحياء المهندسين وأبو سعد و الفتيحاب وصالحة والسوق الشعبية وكرري وحارات الثورات وشارع الشنقيطي، يشدد الجيش السوداني الضغط على محيط مباني الإذاعة والتلفزيون ويسعى إلى استعادة السيطرة على الجسور الرابطة بين مدن العاصمة الثلاث، (الخرطوم وبحري وأم درمان.
وأشاد والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة بالتقدم الذي تحرزه القوات المسلحة في معركة العزة والكرامة التي قال إنها أسفرت عن "توسيع رقعة المناطق الآمنة في أم درمان يوماً بعد يوم مما يحقق الأمن والاستقرار".

العودة والحماية

وأجرى حمزة زيارة ميدانية لرئاسة محلية كرري بأم درمان وتجول في عدد من الشوارع وتفقد المحال التجارية والمرافق الخدمية بعد مغادرة "الدعم السريع"، ودعا مواطني المحلية إلى العودة لمنازلهم بغرض حمايتها من السرقات، منوهاً بأن شباب المحلية انتظموا في دوريات لحماية الأحياء وتأمينها بالتروس، مؤكداً بدء استقرار خدمات المياه والكهرباء وتوفر السلع الضرورية مثل الخبز والخضراوات.

وفي غضون ذلك وبينما يتواصل ضغط عمليات الجيش العسكرية لإنهاء وجود قوات "الدعم السريع" في المدينة، جددت الأخيرة الهجوم على مقر القيادة العامة للجيش تزامناً مع الهجوم على مدن بارا شمال كردفان ونيالا وزالنجي وسط وجنوب دارفور، كما ظلت تضغط بشدة من أجل تحقيق تقدم ملموس للسيطرة على معسكر قوات شرطة الاحتياط المركزي في أم درمان.

عمليات نوعية

من جانبه أعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبدالله أن "عمليات دحر الدعم السريع تسير بالشكل المخطط له"، مشيراً إلى "استمرار عمليات التمشيط في مدن العاصمة الثلاث"، متهماً "الدعم السريع بفرض إتاوات على المواطنين في المعابر التي يسلكونها إلى خارج العاصمة".
وأكد الجيش تكبيد مناوئيه خسائر بشرية ومادية كبيرة عبر العمليات النوعية التي تنفذها قوات العمل الخاص في أم درمان، والتي أسفرت عن مقتل 20 متمرداً وتدمير معدات قتالية تابعة لهم.
وفي بيان منفصل رداً على بيان لقوات الدعم السريع اتهمت فيه الجيش بشن غارة جوية على منطقة أم بدة جنوب أم درمان أدت إلى مقتل أكثر من 20 مدنياً، نفى الجيش أن يكون قد تعامل جوياً مع أي أهداف معادية في أم درمان، متهماً الميليشيات بأنها "درجت على قصف المناطق السكنية بالمدفعية والصواريخ تزامناً مع تحليق طائرات الجيش في محاولة إلصاق تهمة استهداف المواطنين زوراً به"، وهي الحادثة التي دانها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وفي المقابل حرصت قوات الدعم السريع على بث مقاطع فيديو تؤكد استمرار سيطرتها على مباني الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون وأجزاء حيوية أخرى من مدينة أم درمان ووسط الخرطوم، ونجاحها في إسقاط طائرة "ميغ" وأخرى مسيّرة تتبعان الجيش.

تجفيف وعزل

وفي السياق أوضح الباحث الأمني في مركز الدراسات الدولية اللواء أمين إسماعيل مجذوب أن "الجيش يسعى من خلال عمليات التمشيط إلى تجفيف مصادر وقنوات الإسناد والدعم والإمداد التي تحاول من خلالها قوات الدعم السريع إدخال تعزيزات عبر مداخل المدينة الغربية، مما يعني أن خسارة الدعم السريع لمدينة أم درمان تعني استراتيجياً فقدانها خطوط الإمداد باتجاه الحدود الغربية للبلاد التي يمكن أن يصل عبرها الدعم البشري واللوجستي، وتعني أيضاً إغلاق منافذ الهرب غرباً نحو أراضي ومناطق الحاضنة القبلية والاجتماعية في دارفور مباشرة أو عبر ولايات النيل الأبيض وشمال كردفان التي تتاخم حدودها محلية أم درمان.
وأكد مجذوب أن "مدينة أم درمان على وشك أن تعلن منطقة خالية من قوات الدعم السريع بعد عزل قواتها بإغلاق الجسور وربط متحركات مشاة الجيش بنقاط ارتكاز تمنع عودة المتمردين للمناطق التي طردوا منها مرة أخرى"، مشيراً إلى أن "التدخل الباكر لسلاح الطيران في المعارك وتدميره معظم معسكرات ومقار سيطرة وقيادة الدعم السريع أحدث تحولاً في موازين المعارك، مما حدّ بدرجة واضحة من قدرة الدعم السريع على المناورة والتحرك الذي بات يتم في حدود ضيقة وأماكن محددة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مظاهر الحياة

وأوضح الباحث الأمني أن "نجاح عمليات التمشيط البري بدا واضحاً في تزايد حركة المواطنين والمواصلات العامة في مناطق وأحياء عدة بمدينة أم درمان، وتوقع أن تتسع خلال الأيام المقبلة بعد قطع الإمداد عن قوات الدعم السريع عبر المداخل الغربية ووقف حركة تبادل إسناد قواتها البشرية من مدن العاصمة الثلاث بإغلاق كل الجسور والمنافذ".
وعلى نحو متصل قال الباحث الأمني أرباب عبدالرحيم إن "طبيعة مراحل وخطط وتطورات المعارك تتطلب استخدام أسلحة وتكتيكات تتسق مع مسار المعارك وما يتطلبه الوضع لبسط السيطرة"، مشيراً إلى أن "الجيش نشّط استراتيجية التمشيط البري المصحوب بالإسناد والاستطلاع الجوي لمواجهة تغلغل قوات الدعم السريع داخل الأحياء والمرافق الخدمية وتقاطعات الطرق، لعزلها وقطع خطوط إمدادها تمهيداً للشروع في مرحلة حسم المعركة".
ولاحظ عبدالرحيم أنه "على رغم الانتشار الواسع لقوات الدعم السريع في أرجاء العاصمة واعتمادها أسلوب الهجوم الكثيف النيران، لكنها تحولت في الآونة الأخيرة إلى الدفاع عن النقاط التي تحتلها وتشكل حلقة وصل بين قواتها الموجودة في مدن العاصمة الثلاث، وبات تجمع القوات يشكل هاجساً يعرضهم للقصف الجوي والطيران المسير".
أما عن الوضع الميداني الحالي فيشير عبدالرحيم إلى أن "قوات الدعم السريع فقدت قدرتها على أي تمدد جغرافي جديد يقيها تدخلات الجيش وهجماته البرية المباشرة، مما يحرمها سرعة إسناد قواتها لتعزيز كثافة الحضور والانتشار، ويجعل في الوقت ذاته قوات الدعم السريع مضطرة إلى البقاء ضمن نقاط ارتكازها، وبذلك تصبح هدفاً سهلاً لقوات العمل الخاص التي تقوم بالتمشيط البري مدعومة بالطيران الراصد والمقاتل".

الهجوم على القيادة

بدوره يشير المراقب السياسي محسن عبداللطيف إلى أن "معاودة قوات الدعم السريع مساء الخميس الماضي الهجوم على مقر القيادة العامة للجيش من جهة الشمال والتصدي لها، وكذلك توسيع مناوشاتها وهجماتها على مدينتي الأبيض وبارا شمال كردفان، تأتي ضمن محاولات تخفيف ضغط المعارك الشرسة التي تتعرض لها في العاصمة عموماً وأم درمان خصوصاً".
ورأى عبداللطيف أن "محاولات الدعم السريع المتكررة للاستيلاء على معسكر قوات شرطة الاحتياط المركزي في أم درمان تهدف إلى تحقيق نصر عسكري تقطع به الطريق أمام التحام القوة القادمة من شمال أم درمان مع جنوبها، وهو ما يفسر تراجع قوات الدعم السريع في تلك المناطق".

وأضاف، "يبدو أن الخطة العسكرية التي اتبعتها قوات الدعم السريع قائمة على الانتشار والتمدد الأفقي ونشر نقاط ارتكاز في أنحاء مدن الخرطوم الثلاث وأحيائها كافة، بغرض التجمع داخل المناطق السكنية المجاورة لمهاجمة قوات التمشيط الأرضي واعتراض أي متحرك للإمداد".

تدريب المتطوعين

وفي سياق متصل انطلقت نهاية الأسبوع الماضي بمدينة شندي بولاية نهر النيل شمال الخرطوم التدريبات العسكرية لعشرات من الشباب للمتطوعين اللذين استجابوا لدعوة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان للانضمام إلى صفوفه لمواجهة قوات الدعم السريع.
وقال ممثل قائد الفرقة الثالثة مشاة بمدينة شندي العميد عادل الأفندي خلال افتتاح معسكر التدريب بمنطقة شقالوة، إن "القوات المسلحة تنتظر دور الشباب في الدفاع عن مناطقهم أو دعم وسند الجيش"، مطالباً المتطوعين بالقتال إلى جانب القوات المسلحة والتحلي بالروح العالية وتلقي التدريبات العسكرية بالسرعة اللازمة خلال اليومين المقبلين. كما أعلن قائد قوات سلاح المدفعية بمدينة عطبرة البدء في استقبال وتدريب المتطوعين للانخراط في القتال إلى صفوف الجيش، مؤكداً أن جموع الوافدين إلى التطوع تمثل رسالة بليغة لمن وصفهم بالخونة والأعداء والمرجفين.
وكان قائد الجيش دعا الشباب السودانيين إلى التطوع للدفاع عن مناطقهم أو دعم القوات المسلحة في حربها مع قوات "الدعم السريع"، من أجل بقاء الدولة السودانية التي تداعت عليها المؤامرات الداخلية والخارجية.

عراقة أم درمان

وتمثل مدينة أم درمان الضلع الثالث الأكثر عراقة في مدن العاصمة السودانية، حيث تمتد على طول الشريط الغربي لنهر النيل وبمحاذاة النيل الأبيض، ويقدر عدد سكانها بحوالى 3 ملايين نسمة كأكبر مدينة في البلاد، إذ تبلغ مساحتها 4948 كيلومتراً مربعاً.
وتكنى أم درمان اختصاراً بلقب "أم در" وتشتهر بصروحها الثقافية المتعددة، كما  ويوجد بها إلى جانب القاعدة الجوية بوادي سيدنا المقر الرئيس للهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، إلى جانب مبنى البرلمان وسلاح المهندسين ورئاسة السلاح الطبي، وتحفة مسجد النيلين المعمارية ومقار أكبر الأندية الرياضية في السودان (الهلال والمريخ والموردة) إلى جانب المسرح القومي وهيئة إذاعة وتلفزيون ولاية الخرطوم.
وكان الصراع اندلع بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في الـ 15 من أبريل (نيسان) الماضي، مما أدى إلى معارك يومية في العاصمة وأجج عمليات القتل على أساس إثني في إقليم دارفور، واضعاً البلاد أمام محاذير وخطر الانزلاق نحو حرب أهلية شاملة قد يطول أمدها.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات