Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حادثة مدينتي" تسمح للإخوان بالتسلل من "تحت عقب الباب"

مع كل واقعة مأسوية في مصر تحيي قواعد الجماعة حلم العودة

مشهد جوي لضفتي النيل بمحافظتي القاهرة والجيزة المصريتين (أ ف ب)

ملخص

تفاصيل ما جرى في حادثة مدينتي بمصر ضبابية مما يؤجج علامات الاستفهام والتعجب عن أسباب غياب التوضيح الرسمي المعتاد في مثل هذه الأحوال أو حتى التغطية الإعلامية العادية والتي تزخر بتفاصيل الحوادث اليومية ما خف منها وما ثقل

انطفأت جماعة الإخوان المسلمين على رغم جهود البقاء على قيد الاهتمام والاحتفاظ بقدر من الأضواء ولو بين حين وحين. قيادات الجماعة تفرقت في الخارج، بين دول إقليمية غيرت بعضها سياساتها فبات وجودهم حملاً لا مصلحة، وأخرى لا سيما في نصف الكرة الغربي حيث بقايا محطات تلفزيونية تشغل فئة أصحاب الياقات البيضاء ممن لا يمتلكون الثروات الناجمة عن إمبراطوريات الأعمال أو أموال الجماعة "الخيرية"، إضافة إلى القيادات التي لا تحتاج إلى عمل يدر عليها دخلاً شهرياً معتمدة على حسابات بنكية وسبل إعاشة تضمن حياة الرفاهية.

وعلى رغم هذا الانطفاء فإنها لم تخب تماماً، بل تنفث القواعد فيها النيران في المواسم والأعياد لتبدو وكأن لهيبها مستعد للاضطرام وألسنتها في حالة استعداد لا احتضار.

تحضير سنوات

التحضير لمثل هذه الأيام من كل عام على مدى السنوات العشر الماضية يختلف باختلاف الأجواء والأحداث والحوادث. قيادات الجماعة الكلاسيكية أصغرها سناً تجاوز السبعين بسنوات، والقيادات من جيل الوسط الإخواني لكن غير المعلنة رسمياً باعتبارها "قيادات" ربما يختلفون في ما بينهم على سبل الإبقاء على شعلة الجماعة مشتعلة، ولو خافتة، لكن القواعد التي "يتمتها" أحداث صيف عام 2013 والتي انتهت بخلع التنظيم من حكم مصر تبقي الجماعة على "نار هادئة" خوفاً عليها من الانطفاء وأملاً في أن تبث فيها نيران العودة يوماً ما.

هذا "اليوم ما" يلوح في أفق قواعد التنظيم مع كل حدث أو حادثة أو حديث يجري في مصر. وكلما كان ما جرى خطراً أو مأسوياً أو مؤسفاً أو دموياً أو مميتاً، اعتبرت القواعد ذلك فرصة ذهبية للدق على أوتار حلم العودة، ولو بالتسلل من "تحت عقب الباب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عقب وقوع حادثة دهس مأسوية في أحد التجمعات السكنية الراقية المتاخمة للقاهرة قبل أيام، انتشرت أقاويل - لم تتأكد صحتها من عدمها - عن تفاصيل الحادثة تفيد بأن ضابطاً دهس أسرة من جيرانه بسبب خلاف حول لعب الأطفال ما نجم عنه وفاة الأم وإصابة الأب والأبناء الثلاثة فيما تردد أنه دهسهم عمداً. وكعادة "الأقاويل" من هذا النوع المرتبط بحادثة مأسوية بشعة انتشرت انتشار النار في الهشيم في خلال ثوان معدودة، لا ساعات أو حتى دقائق.

جدل السوشيال ميديا

على صفحات "السوشيال ميديا" التي تجمع ملاك ومستأجري التجمع السكني الذي شهد الحادثة تفجرت حالة من الجدل والقيل والقال والرأي والرأي الآخر، ناهيك بـ"اجتهادات" حول تفاصيل الحادثة. إلى هنا والأمر طبيعي في ظل عصر الثورة الرقمية و"السوشيال ميديا" التي مكنت الجميع من أزرار القول والسرد والنقل والتحليل والنشر وإعادة النشر، لكن ضلوع كلمة "ضابط" في الحادثة، وتزامن ما جرى والذكرى العاشرة لأحداث صيف عام 2013 التي انتهت بخلع الإخوان وتشرذم البعض خارج البلاد وتفرق البعض الآخر حاملاً كراهية الجيش وضغينة من شارك في الهتاف ضد المرشد وعداوة كل من طالب بإنهاء حكم الجماعة أينما ذهبوا، كشفت عن فرصة ذهبية لممارسة جهود النفخ في نيران مظلومية الجماعة وكراهية الجيش الذي خلع الجماعة وبغضاء المصريين العاديين الذين انقلبوا على حكم "الناس بتاعة ربنا".

"الناس بتاعة ربنا" تلك المقولة الشعبية التي انقلبت على ألسنة المصريين من نقيض التعظيم والتبجيل إلى نقيض التنديد والتقريع بعد عام من حكم الجماعة تكشف عن مزيد من الوجوه الخفية في مثل هذا الوقت من كل عام على مدى العقد الماضي.

وبدلاً من الاكتفاء بالمطالبة بكشف تفاصيل ما جرى من المصادر الرسمية، والتعبير عن الغضب والاستياء جراء إتيان أحدهم بفعل أقل ما يمكن أن يوصف به الفجر البغيض في حال كان صحيحاً عقلياً ونفسياً، أو الجنون الشنيع في حال كان مريضاً نفسياً، تفجرت وسائل "السوشيال ميديا" حرباً ضارية بين ثلاث فرق رئيسة.

ثلاث فرق

الفريق الأول إخواني الانتماء والهوى والعقيدة، أخذ على عاتقه مهمة دس سموم "الدولة الظالمة" و"الجهات السيادية الطائحة" و"الظلم الجائر من السلطات" و"المحاباة الطاغية من قبل الحكومة لأجهزة الجيش والشرطة ومن ينتمون لها ولو على حساب المواطنين الأبرياء".

ومع هذا الفريق انضم البعض من غير المنتمين للجماعة، لا فكراً أو تنظيماً، ولكن ممن تنامت لديهم ميول المعارضة للنظام المصري الحالي لأسباب شتى تتعلق بالاستياء من التضييق السياسي أو الاعتراض على فقه الأولويات الاقتصادي أو الضجر من الأوضاع المعيشية والاجتماعية والسكوت على تغلغل ما يسمونه بـ"المحلل الديني" عبر توغل جماعات دينية أخرى أبرزها السلفيون في المجتمع من دون ضابط أو رادع.

الفريق الثاني هو المنزعج من الحادثة ومأسويتها ودمويتها، ولكن في الوقت نفسه يجد نفسه في مواجهة صراخ إخواني يعرفه جيداً ويخشى تسلله المعتاد عبر فجوات سياسية وشقوق اجتماعية، فيطالب بالكشف عن تفاصيل الحادثة من دون الزج بالرئاسة والجيش والشرطة والقضاء (رباعي أعداء الإخوان المعروف) في المسألة. وهذا الفريق يتعرض للسب والشتم من قبل الأول باعتباره مهادناً أو منافقاً أو متآمراً بالضرورة. ويتضح في التعليقات أن الفريق الأول يرفع راية "من لا يسير على دربنا المندد بالدولة ومؤسساتها لا سيما السيادية فهو خائن أو كتائب إلكترونية تابعة للدولة".

أما الفريق الثالث والذي يمثل الغالبية فلا ناقة له في الإخوان أو جمل له في الدفاع عن النظام السياسي والذود عن الوطن، هذا الفريق يطلب الرحمة للأم التي رحلت إضافة إلى الكشف عن تفاصيل ما جرى.

ضبابية التفاصيل

تفاصيل ما جرى تظل ضبابية خفية مخفية، مما يؤجج علامات الاستفهام ويشعل علامات التعجب ويفجر طاقات التساؤل عن أسباب غياب التوضيح الرسمي المعتاد في مثل هذه الأحوال أو حتى التغطية الإعلامية العادية والتي تزخر بتفاصيل الحوادث اليومية ما خف منها وما ثقل.

وقبل قليل، صدر بيان عن القوات المسلحة المصرية يفيد بـ"أنه فى إطار حرص القوات المسلحة على توضيح الحقائق للرأي العام بشأن واقعة إحدى التجمعات السكنية بالقاهرة الجديدة دون الإخلال بسير التحقيقات الجارية بواسطة الجهات القضائية المختصة، تم تحرير المحضر رقم (22/ 23) بتاريخ 1 - 7 - 2023 جنح عسكرية قسم شرطة التجمع الأول عن الواقعة.

وتباشر النيابة العسكرية التحقيقات، وقُيدت بالقضية رقم (170/ 2023) "جنايات عسكرية" شرق القاهرة، وأسندت للمتهم جرائم "القتل العمد والشروع فيه" وتقرر حبسه احتياطياً على ذمة القضية، وجار إحالته على المحكمة العسكرية للجنايات.

ويشار إلى أن الأشخاص التابعين للمؤسسة العسكرية المصرية يتم التعامل معهم في مثل هذه الحالات عبر الشرطة العسكرية وليس الشرطة التابعة لوزارة الداخلية. ويتم التحقيق معهم من خلال النيابة العسكرية، ويقدمون إلى المحاكم العسكرية، ويقعون تحت طائلة القانون والقضاء العسكري.

وأورد البيان الصادر عن القوات المسلحة في شأن الحادثة "تأكيد القوات المسلحة على كامل احترامها لمبدأ سيادة القانون".

ورغم ذلك يظل الثقل الناجم عن تأجيل أو تأخير إعلان حقيقة ما يجري في مثل هذه الحوادث التي تبدأ بـ"قيل وقال" تنتهي من حيث بدأت أي بمزيد من "قيل وقال". وعلى رغم أن وزارة الداخلية المصرية نفت في بيان بعد يومين من الحادثة "ضلوع ضابط شرطة في حادثة الدهس التي أسفرت عن وفاة سيدة وإصابة آخرين"، فإن تفاصيل الحادثة تبقى بعيدة عن الإشهار وعصية على التوضيح. من جهة أخرى، فإن أغلب "القيل والقال" المثارين حول الحادثة يشيران إلى أن الضالع في الحادثة ضابط ولكن ليس ضابط شرطة.

على صفحات "فيسبوك" وحسابات "تويتر" وغيرهما تتصاعد حدة المعارك الكلامية والنقاشات المحتدمة التي وجدت في الحادثة البشعة ما يشفي غليل البعض أو يستدعي تجييش جهود الدفاع أو محاولات الانقضاض لدى البعض الآخر. نقطة الانطلاق هي الحادثة، لكن تفاصيل الغليل والتجييش والدفاع والانقضاض لا تعكس إلا نوايا مسبقة وأيديولوجيات جاهزة ومشاعر محتقنة تنتظر اللحظة الفارقة الحاسمة لتنطلق أو تنفجر.

تفجر الإشاعات

تفجرت الإشاعات من رحم السكوت. وانطلقت الاجتهادات المبنية على الإشاعات تارة في أقصى اليمين تدق على أوتار 30 يونيو (حزيران) "التي أطاحت الإخوان لتأتي بنظام يحابي الجهات السيادية على حساب المواطن" وأخرى في أقصى اليسار حيث "عادة الإخوان الغارقة في المظلومية والمفعمة بأحلام التمكين وشهوة السلطة وحلم الخلافة المتبدد في هواء الجمهورية الجديدة".

"حادثة مدينتي" الترند رقم واحد على "تويتر". وفي المرتبة الثانية "التجمع الأول" وهو الهاشتاغ الباحث عن معلومة ضائعة، هل الحادثة التي تشغل مصر جرت في "مدينتي" (تجمع سكني على طريق القاهرة السويس) أم في "التجمع الأول"؟ كلاهما يدور في دوائر الحادثة منزوعة المعلومات الخالية من المكاشفة المفعمة بالغموض نفسه.

الغموض تربة الإشاعات

الغموض هو التربة الصالحة لزراعة أجود أنواع الإشاعات. علماء النفس والاجتماع والإعلام والأمن يعرفون أن الغموض أو المواقف الملتبسة غير الواضحة تدفع الجماهير إلى التفكير في ما وراء المعنى وما قد يمثله حدث ما والخروج باستنتاجات تحتمل الخطأ وربما الصواب.

ويعرف الخبراء أن الافتقار إلى الوضوح يجعل الجماهير أكثر إقبالاً وتصديقاً لما يعرض عليها من تفسيرات، حتى وإن بدا بعضها ضرباً من الخيال. ومعروف كذلك أن ضبابية المعلومات أو تأخرها أو عدم وضوحها غالباً تؤدي إلى عواقب وخيمة لا تصلحها إتاحة المعلومات في وقت لاحق.

وقد لحق بجموع المغردين والمدونين والمنقبين في أغوار "السوشيال ميديا" آخرون يصفهم البعض بـ"هواة الصيد في المياه العكرة" فيما يعتبرهم البعض الآخر "أشخاصاً عاديين يتفاعلون ويفعلون".

مستخدمون عرب من جنسيات مختلفة تنضح صفحاتهم وحساباتهم بالاهتمام بأحداث غزة والضفة، أو بما جرى في إدلب ودير الزور، أو خطوط سير المهاجرين غير النظاميين (غير الشرعيين) وهربهم من صراع الفصائل المسلحة هنا أو بقايا "داعش" وحلم الخلافة هناك، يدلون بدلوهم ويشاركون بآرائهم ويعيدون نشر ما يرد إليهم من قيل وقال بعد إضافة اجتهاداتهم الذاتية وكأنهم كانوا شهود عيان وقت الحادثة في "مدينتي".

موقع "مجهل"

المثير أيضاً أن موقعاً مجهلاً يقدم نفسه باعتباره "متخصصاً في تتبع ورصد تصريحات المسؤولين وأصحاب القرار لتفنيدها والتدقيق في المعلومات والبحث عن الحقائق وكشف الأكاذيب"، والذي ينفي عن نفسه وأعضائه العاملين فيه "أي انتماء سياسي أو أيديولوجي ذي تأثير"، مع "التزام إنتاج محتوى غير خاضع لأي تأثير من أي حزب أو تيار سياسي أو ديني أو جماعة ضغط أو أي موقف سياسي أو أيديولوجي"، إضافة إلى "عدم قبول التبرعات أو أي شكل من أشكال التمويل من مصادر مجهولة أو دول أو أحزاب أو تيارات أو جماعات سياسية ودينية أو مصادر تمويل قد تؤثر في قيم ومبادئ المشروع المتعلقة بعدم الانحياز والإنصاف والشفافية وأهدافه الخاصة بالمساءلة وحق المعرفة ومكافحة التضليل" هو الوحيد الذي توصل إلى زوج ضحية الحادثة وتحدث معه ونشر صوراً للأطفال المصابين والزوج، كما أن "المعلومات" الوحيدة المتداولة حول الحادثة مصدرها هذا الموقع الذي لا يحمل اسم صحافي واحد من المنتسبين إليه.

وجاء ضمن تصريحات زوج السيدة المتوفاة للموقع "التصحيحي" أنه نفى وجود خلافات سابقة مع "الضابط" وقال "إحنا مش مقيمين في مصر، ودي كانت أول مرة نشوفه فيها، اشترينا البيت من فترة، بس ماكناش نعرف إنه جارنا من الأساس... الكاميرات صورت كل اللي حصل، والفيديوهات مع النيابة العسكرية".

وبحسب الموقع، فقد سلم الشخص الذي يعتقد أنه ارتكب الدهس نفسه للسلطات.

سلطة "السوشيال ميديا" حاكمة

سلطة "السوشيال ميديا" حالياً حاكمة تتجاذبها قوى تنتظر اللحظة الفارقة لتنتقم أو تثير الفتن أو تدس البلبلة أو تمعن في دق الشك في الدولة وعدالتها، وأخرى تدافع عن الدولة خوفاً من شقوق وثقوب وخروم تتيح للكيانات المتربصة التسلل والتسرب عبرها، وثالثة لا تسعى إلا لقراءة خبر متكامل الأركان ومعرفة معلومات شاملة التفاصيل.

خبراء الجماعات الدينية - غير المؤدلجين مسبقاً - يرون أن جماعة الإخوان المسلمين كحركة سيتعين عليها إما إعادة هيكلة نفسها أو مواجهة احتمالية التلاشي تدريجاً. وقد تفسح المجال لكيانات دينية سياسية عشوائية أو جهود تبذلها قواعدها المبعثرة بعد 2013 بحثاً عن ثغرات تستغلها للعودة. وقد يحدث ذلك عبر استغلال فرصة حادثة أو الانتفاع من مأساة أو الافتئات على تقصير في التعامل أو إغفال خطورة موقف أو تأخر في توضيح.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات