Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نقص المساعدات الأممية يغرق السوريين في بحر الجوع

تحذيرات من سوء تغذية يحاصر الأمهات وتقزم يلاحق الأطفال

مخاوف واسعة من أزمة غذائية وشيكة الحدوث مع تخفيض المساعدات الإنسانية الأممية في سوريا (أ ف ب)

ملخص

معدلات سوء التغذية تحاصر أكثر من نصف الشعب السوري ومساعدات الأمم المتحدة غير قادرة على تلبية جميع المحتاجين.

تحترق دمعة الأب في مقلة عينيه، وتغص كلماته العاجزة عن تأمين حبات من فاكهة صيف هذا العام، حاله كحال أغلب السوريين من أرباب الأسر بعد أن تثاقلت عليهم أعباء المعيشة، وباتوا على حافة العوز وجل سعيهم تأمين لقمة تسد رمقهم وحسب.

يروي أبوجابر، الموظف والأب لعائلة مكونة من ثلاثة أفراد، مأساته مع دخول فصل الصيف ووصول الفاكهة بشتى أصنافها وألوانها إلى الأسواق، لكنه يقف "لا حول له ولا قوة" أمام غلاء طاول كل المنتجات، ونهش الجيوب بلا هوادة.

يقول أبوجابر "ليس بمقدوري وأنا من أصحاب الدخل المحدود شراء سوى الحاجات الأساسية، راتبي لا يكفي إلا لذلك، ولولا مساعدة إخوتي المقتدرين مالياً لما استطعت إكمال الشهر".

الأولوية لغير القادرين

في غضون ذلك ومع تشابه مشهد الحياة المعيشية بواقعها السوداوي، وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية في عموم الأراضي السورية، تسري مخاوف واسعة من أزمة غذائية وشيكة الحدوث مترافقة مع تخفيض المساعدات الإنسانية الأممية الواصلة إلى النصف من المستفيدين والمقدر بالملايين، واستبعادهم من الدعم الغذائي، وهذا يحدث في بلد يعاني 90 في المئة من سكانه وصولهم إلى مستوى خط الفقر، بحسب إحصاءات أممية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يسود القلق الشارع السوري العاجز والمنهك اقتصادياً بعد سنوات طويلة من الحرب والحصار فحسب، بل طال منظمات أممية تقف مكتوفة الأيدي أمام تخفيض المساعدات، لعل برنامج الأغذية العالمي أحدها، إذ اضطر إلى الإعلان عن تخفيض عملياته في سوريا عشية انعقاد مؤتمر بروكسل السابع حول دعم سوريا والمنطقة، 14 يونيو (حزيران) الماضي، فيما سيصيب التخفيض نحو 2.5 مليون شخص بعد أن كان يقدم إلى خمسة ملايين ونصف المليون مساعدات غذائية.

مشهد قاتم

ممثل برنامج الأغذية العالمي المدير القطري في سوريا، كين كروسلي، تحدث عن الأوضاع في سوريا التي أنهكتها ويلات الحرب فيقول "نواجه مشهداً قاتماً يتمثل في انتزاع المساعدات من الناس في وقت هم في أشد الحاجة إليها".

وأضاف كروسلي في بيان صحافي له "من المستحيل تخفيض حجم الحصص الغذائية أكثر، والحل الوحيد هو تخفيض عدد المستفيدين، لقد عانى الأشخاص الذين نخدمهم ويلات الصراع والهرب من منازلهم وفقدان أفراد عائلاتهم ومصادر رزقهم، ومن دون مساعدتنا ستتضاعف معاناتهم".

هذا التخفيض المقلق للناس يأتي بعد 12 عاماً من الصراع المسلح مع ما تلاه من أزمات كثيرة منها موجات النزوح المتلاحقة، إذ اضطرت الأسرة الواحدة إلى النزوح لأكثر من مدينة أو محافظة دارت في أرجاء أراضيها المعارك.

وترافق هذا كله مع أزمة اقتصادية عالمية وقف خلفها الإغلاق بسبب جائحة "كوفيد-19" التي زادت على أثرها أسعار المواد الغذائية والدوائية معاً، علاوة على ما ألحقه زلزال السادس من فبراير (شباط) الماضي في شمال وغرب البلاد من خسائر مادية وبشرية فادحة، وأحال البلد إلى حالة من النزوح والطوارئ المتلاحقة ووضع 12.1 مليون شخص بمناطق سوريا في قبضة الجوع.

الأمن الغذائي مهدد

حلت سوريا بالمرتبة السادسة عالمياً من جهة عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي، ويكافح أهلها أكثر من أي وقت لوضع الطعام على موائدهم شبه الخاوية وسط انتشار الفقر وارتفاع أسعار الغذاء وتفاقم حدة تأمينه مع اندلاع الحرب الأوكرانية التي مضى عليها أكثر من عام.

ولم تخف مسؤول التواصل في برنامج الأغذية العالمي في مكتب سوريا لينا قصاب في حديثها إلى "اندبندنت عربية" قلق البرنامج العميق في شأن تأثير هذه التخفيضات في الأسر التي تعتمد إلى حد كبير على المساعدة الغذائية، في بلد لا يغطي فيه متوسط الأجر الشهري سوى نحو ربع حاجات الأسرة الغذائية.

وتذكر قصاب "غالبية السوريين يعانون أصلاً الارتفاع المتسارع لأسعار الغذاء ونقص إمدادات الوقود والقمح، بخاصة خلال السنوات القليلة الماضية، مع 12 عاماً من الصراع والنزوح المطول والنظم الغذائية المعطلة وتوتر شبكات الأمان الاجتماعي التي دفعت المدنيين إلى نقطة الانهيار".

وتشير إلى القلق حول ما ستؤول إليه أحوال المستبعدين، مرجحة غرقهم أكثر في الفقر والجوع، ويجبرون على الاعتماد بشكل متزايد على استراتيجيات التأقلم الضارة مثل إرسال الأطفال إلى العمل أو الزواج المبكر أو الغرق في الديون.

وتمضي في تفسيرها للأوضاع "تخفيض المساعدات يشكل خطراً كبيراً على السكان بالنظر إلى معدلات سوء التغذية الآخذة في الارتفاع أصلاً، أكثر من 50 في المئة من الأسر السورية غير القادرة على تلبية حاجاتها اليومية من السعرات الحرارية، أولئك الذين ستتوقف المساعدة الغذائية عنهم ربما يصابون بمضاعفات صحية دائمة وناجمة عن سوء التغذية المزمن مثل التقزم".

في المقابل وصلت معدلات التقزم وسوء التغذية لدى الأسر إلى مستويات قياسية، بحلول نهاية عام 2022، إذ بلغ معدله بين الأطفال 28 في المئة في بعض أنحاء البلاد بينما سجل مستوى سوء التغذية بين الأمهات 25 في المئة.

دائرة الخطر

منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، يحذر من تحويل 90 في المئة من سكان سوريا إلى مرحلة العيش دون خط الفقر، حينها سيواجه الملايين تقليصاً في المساعدات الغذائية جراء نقص التمويل، مضيفاً "نداء الأمم المتحدة الإنساني لسوريا بقيمة 5.4 مليار دولار وصل منه 12 في المئة فقط، مما يعني قطع المساعدات الغذائية عن 40 في المئة من السكان يوليو (تموز) الجاري".

وبالعودة إلى قصاب والحديث عن ضوابط استبعاد الأشخاص من المساعدات الأممية، نبهت إلى تقييم منتظم يجرى للعائلات، إذ يراجعون أهلية الأسر لتلقي المساعدة على أساس الاحتياج.

ببساطة يستخدم برنامج الأغذية العالمي بيانات الاحتياج المتاحة لتحديد أولئك الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدة الغذائية، وقد يكون لهذه التخفيضات آثار خطرة على وصوله وشركائه إلى الناس، وعلى تقبل المجتمعات للبرنامج وثقتها فيه.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير