Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القصة الكاملة... ماذا يحدث في فرنسا؟

مقتل نائل المرزوقي أذكى شكاوى قديمة في المناطق الحضرية بعنف الشرطة وعنصريتها وأعاد التذكير بأعمال العنف في الضواحي الباريسية عام 2005

جانب من أعمال الشغب في فرنسا (أ ف ب)

اتسعت دائرة الفوضى والعنف التي تعم فرنسا منذ ليل الثلاثاء الماضي على إثر مقتل مراهق يدعى نائل المرزوقي يبلغ من العمر 17 سنة برصاص شرطي في ضاحية نانتير غرب العاصمة باريس، مما خلف موجة احتجاجات واسعة في كل أنحاء البلاد.

وفيما شيعت، أمس السبت، جنازة نائل ذي الأصول الجزائرية، تعيش فرنسا "حال أزمة" في وقت أحصت وزارة الداخلية اعتقال أكثر من 1300 شخص وإصابة 79 شرطياً في الليلة الرابعة من الاحتجاجات (حتى يوم الجمعة)، وحدوث 31 هجوماً ضد مراكز الشرطة و11 هجوماً ضد ثكنات قوات الدرك، فضلاً عن إضرام النيران في نحو 1350 سيارة وتعرض 234 مبنى للحرق أو التخريب وإحصاء 2560 حريقاً على الطرقات العامة، بينما لم تتمكن السلطات من إعادة الهدوء إلى البلاد بعد.

وأمام ارتفاع وتيرة التساؤلات في الداخل الفرنسي حول تداعيات الاحتجاجات الراهنة وانعكاساتها السياسية، فضلاً عن عنف الشرطة إذ يُعد نائل الشخص الثاني هذا العام الذي يقتل بإطلاق النار من قبل الشرطة عند نقطة تفتيش مرورية، وذلك بعد عام مضى شهد مقتل 13 شخصاً بالطريقة ذاتها، ونحصر في هذا التقرير القصة الكاملة لما يحدث في فرنسا وتسارع تطوراته.

كيف بدأت القصة؟

بدأت القصة صباح الثلاثاء الماضي، 27 يونيو (حزيران)، بعد أن أقدم شرطي فرنسي على قتل قاصر لم يمتثل لنقطة تفتيش مرورية وحاول تجاوزها في ضاحية نانتير غرب باريس.

وبينما تضاربت الرواية الرسمية في بداية الواقعة، إذ تبنت الشرطة في بادئ الأمر أن الشاب قاد سيارته باتجاه شرطيين على دراجتين ناريتين لمحاولة دهسهما، إلا أن انتشار فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي أظهر شرطياً يصوب مسدسه نحو سائق السيارة قبل أن يسمع صوت إطلاق النار ثم تصطدم السيارة وتتوقف، كان سبباً في اندلاع الاحتجاجات والفوضى ليل الثلاثاء الماضي.

وبحسب الفيديو ذاته، ظهر شرطيان إلى جوار سيارة، يوجه أحدهما سلاحه نحو السائق عبر النافذة ويبدو أنه يطلق النار من مسافة قريبة جداً، بينما يحاول المراهق الهروب بالسيارة.

وبعدما أطلق أحد الشرطيين النار من نافذة السيارة على السائق عندما حاول الانطلاق، اصطدمت السيارة لاحقاً بجدار جانبي، بعد أن تحركت مسافة قصيرة إلى الأمام. ولاحقاً حاولت خدمات الإسعاف إنعاش السائق الشاب في موقع الحادثة، لكنه توفي بعد ذلك بوقت قصير متأثراً بعيارات نارية في صدره.

ووفق تقارير إعلامية فرنسية، فإن شخصاً في الفيديو يمكن سماعه يقول "سوف يتم إطلاق النار عليك في الرأس" ولكن من غير الواضح من قال ذلك، مشيرة إلى أنه كان هناك شخصان آخران في السيارة لدى إطلاق النار، فرّ أحدهما بينما ألقت الشرطة القبض على الآخر وهو أيضاً مراهق.

 

من جانبه قال مكتب الادعاء العام إن المراهق يدعى نائل المرزوقي البالغ 17 سنة كان يقود سيارة مستأجرة في وقت مبكر الثلاثاء الماضي عندما أوقفه حاجز للشرطة لمخالفته قوانين السير، وأضاف مكتب الادعاء في نانتير أن الضابط المتهم بإطلاق النار على السائق احتجز بتهمة القتل.

وأبلغ وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان البرلمان أنه يجري استجواب ضابطي الشرطة، مقراً بأن مقطع الفيديو المنشور "صادم جداً"، وحض الناس على "احترام حزن الأسرة وقرينة البراءة للشرطة". بدوره اعترف قائد شرطة باريس لوران نونيز في مقابلة مع تلفزيون "بي أف أم" أن تصرف الشرطي "يثير تساؤلات"، على رغم إشارته إلى أنه ربما شعر بالتهديد.

يأتي ذلك في وقت فتحت السلطات الفرنسية المختصة تحقيقين منفصلين عقب وفاة المراهق، أحدهما للتحقيق في احتمال قتل من قبل موظف عام، والآخر للتحقيق في سبب عدم إيقاف السائق سيارته والمحاولة المزعومة لقتل ضابط شرطة.

وما زاد "فاجعة الحادثة" خلو سجل المراهق القتيل من أية سوابق جنائية، إذ بحسب موقع "لا فوا دو نور" الفرنسي، فإن نائل المرزوقي، وهو شاب جزائري الأصل، كان يعمل في وظيفة توصيل وجبات "البيتزا"، ونقلت عن محامي أسرته قوله إنه "كان محبوباً في الحي الذي يقطنه مع والدته"، مضيفاً أنه لا يحمل سجلاً إجرامياً، لكنه معروف في المحاكم الفرنسية بسبب "خلافاته مع الشرطة ورفضه الامتثال لقوانينهم مرات عدة".

كذلك ذكر موقع "ميديابارت" الفرنسي أن نائل أعطى قبلة لوالدته قبل ذهابها إلى العمل صباح يوم مقتله، مودعاً إياها بعبارة "أحبك يا أمي"، وهو الأمر الذي ذكرته والدته لاحقاً في مقطع فيديو، مضيفة أنه "بعد ساعة من خروجه وصلني خبر أنه قتل على يد الشرطة"، أما مدربه في فريق الركبي، فأكد أنه شخص ناجح اجتماعياً وكان عازماً على تغيير مسار حياته والخروج من الفقر، وتابع أنه لم يتاجر بالمخدرات ولم يقم بالسرقات مثل كثيرين في ضاحيته.

وغداة الحادثة، قال محامي أسرة القتيل ياسين بوزرو لتلفزيون "بي أف أم" إنه بينما يتعين على جميع الأطراف انتظار نتيجة التحقيق، فإن الفيديو المنتشر "أظهر بوضوح شرطياً يقتل شاباً بدم بارد"، وأضاف أن الأسرة تقدمت بشكوى تتهم فيها الشرطة بـ"الكذب" من خلال الزعم في البداية أن السيارة حاولت دهس رجال الشرطة، مشدداً في الوقت ذاته على أن ذلك ليس دفاعاً مشروعاً.

وأزكت وفاة الشاب التي رصدتها إحدى الكاميرات شكاوى قديمة من المناطق الحضرية التي يقطنها أصحاب الدخل المنخفض والأعراق المختلطة بأن الشرطة تمارس العنف والعنصرية، إلا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفى وجود عنصرية منهجية في أجهزة إنفاذ القانون المحلية.

كما أن الحادثة أعادت التذكير بسلسلة من أعمال العنف في الضواحي الباريسية عام 2005 حين أثارت وفاة مراهقَين صعقاً بالكهرباء في سين سان دوني شمال باريس خلال ملاحقة الشرطة لهما، أعمال شغب استمرت ثلاثة أسابيع ودفعت الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ.

الاحتجاجات تشتعل وتتسع

وعلى وقع حادثة نائل وانتشار فيديو مقتله بشكل واسع، بدأت الاحتجاجات تعم فرنسا تدريجاً، إذ أظهرت مقاطع مصورة ليل الثلاثاء خروج مئات المحتجين في مناطق مختلفة من البلاد، فضلاً عن اشتعال حرائق بعد أن أطلق متظاهرون ألعاباً نارية على الشرطة وأحرقوا سيارات وممتلكات عامة وتم تدمير محطات الحافلات، في المقابل استخدمت قوات مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، فيما أقام آخرون حواجز طوال الليل.

وشملت الاحتجاجات والاضطرابات في بدايتها إضافة إلى نانتير، بلدات أزنيير وكولومب وسورين وأوبيرفيلييه وكليشي سو بوا ومانت لا جولي.

في الأثناء، وبينما عبر ماكرون غداة الحادثة عن تأثره بمقتل مراهق على أيدي الشرطة، دعت حكومته إلى الهدوء بعد ليلة من التوتر في ضواحي باريس، فيما قالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن إن "الصور الصادمة" لإطلاق النار على الشاب "تظهر تدخلاً من الواضح أنه غير متوافق مع قواعد التدخل لقوات إنفاذ القانون"، مشددة على "الضرورة المطلقة للتوصل إلى الحقيقة لتغليب التهدئة على الغضب".

 

من جانبه، أعلن دارمانان، الأربعاء الماضي، إصابة 31 شرطياً واعتقال 31 شخصاً خلال أعمال العنف التي حدثت مساء الثلاثاء، ودعا إلى الهدوء وقال "لا بد من تحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة". وذكر أنه تمت تعبئة نحو ألفي شرطي في المنطقة، مضيفاً أنه سيتم إيقاف رجل الشرطة عن العمل إذا ثبتت التهم الموجهة إليه. وأعلن كذلك أن الشرطيين اللذين أوقفا السيارة تتراوح أعمارهما بين 38 و40 سنة وهما من ذوي الخبرة.

وأفادت قناة "بي أف إم تي في" التلفزيونية الفرنسية بأن نحو 25 سيارة دمرت وأضرمت النار في عدد من المباني الإدارية وحطمت سيارات شرطة وإطفاء، إضافة إلى إقامة حواجز من براميل القمامة في الشوارع.


وأمام فشل دعوات التهدئة من قبل الحكومة كان مساء الأربعاء الماضي أكثر عنفاً وفوضى واتساعاً في رقعة الاحتجاجات والاشتباكات مع قوات الأمن تجاوزت العاصمة الفرنسية وضواحيها، بحيث أضرمت نيران في مبنى ملحق بمقر بلدية مانت لا جولي في مقاطعة إيفلين المجاورة، كذلك في مدينة تولوز الجنوبية أحرقت سيارات عدة وألقيت قنابل حارقة على رجال الشرطة والإطفاء بينما تصاعد دخان أسود كثيف في السماء، الأمر الذي دفع ماكرون إلى عقد اجتماع خلية أزمة في اليوم التالي، 29 يونيو، ندد في بدايته بـ"مشاهد عنف لا يمكن تبريرها" ضد "المؤسسات والجمهورية".

وتزامن ذلك مع إعلان وزير الداخلية توقيف 150 شخصاً فجر الخميس الماضي وإصابة 24 شرطياً بجروح طفيفة واحتراق نحو 40 سيارة، وندد دارمانان بأعمال عنف "لا تحتمل ضد رموز الجمهورية"، بينما تواصل الغضب مشوباً بأعمال عنف وشغب لليلة الثانية على التوالي في ضواحي العاصمة الفرنسية باريس. وكتب على "تويتر" أنه تم "إحراق أو مهاجمة بلديات ومدارس ومراكز شرطة" مضيفاً "عار على الذين لم يدعوا إلى الهدوء".

وفيما أعلنت بلدية نانتير (موقع الحادثة) في اليوم الثالث للاحتجاجات أن "عدداً من المباني العامة والخاصة، بينها مدارس، تعرضت لأضرار كبيرة وغير مقبولة"، مطالبة بإنهاء "هذه الدوامة المدمرة"، دعت والدة نائل الناس للانضمام إليها في مسيرة تضامنية لابنها بعد ظهر الخميس الماضي في نانتير، قائلة في مقطع فيديو نشر على "تيك توك"، "تعالوا جميعاً، أتوسل إليكم، سنكون جميعاً هناك".

ومع دخول الاحتجاجات والفوضى في فرنسا يومها الرابع من دون أفق واضح لاستعادة الهدوء، أعلن دارمانان، الجمعة، تعزيز انتشار قوات الأمن في كل أنحاء البلاد وتعبئة 45 ألف عنصر من الشرطة والدرك تحسباً لليلة رابعة من أعمال الشغب، وفي إطار سعيها إلى حتواء الشغب والتخريب سمحت الحكومة الفرنسية للدرك بإنزال عربات مصفحة إلى الشوارع من دون أن تعلن حالة الطوارئ.

 

من جانبه، توعد ماكرون بالتعامل بحزم مع من يهددون أساس الدولة الفرنسية، فيما أصدرت وزارة الداخلية قراراً بإيقاف عمل وسائل النقل العام بعد التاسعة مساء في جميع محافظات البلاد، وأعلن ماكرون نشر تعزيزات أمنية إضافية للسيطرة على أعمال الشغب، محذراً من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التحريض على إذكاء العنف في البلاد.

وقال الرئيس الفرنسي أثناء ترؤسه اجتماعاً لخلية الأزمة (هو الثاني في غضون يومين) لبحث التطورات الأمنية إن منصات التواصل الاجتماعي كان لها دور في الأحداث التي شهدتها بلادنا خلال الأيام الأخيرة وتابع "على هذه المنصات سحب المواد الحساسة وندعوها إلى التحلي بالمسؤولية".

وكان الإليزيه ذكر أن ماكرون مستعد لاعتماد آلية للحفاظ على الأمن من دون محاذير، وتزامنت تصريحات الإليزيه مع مغادرة الرئيس الفرنسي القمة الأوروبية المنعقدة في بروكسل وإلغائه مؤتمراً صحافياً كان مقرراً له هناك.

وفي رسالة إلى قوات الشرطة أمس الجمعة كشف دارمانان عن أن الحكومة أعطت الأولوية المطلقة لاستعادة النظام وحماية الناس وممتلكاتهم العامة والخاصة، وأضاف أن الأقلية ممن سماهم "المخربين" لا تمثل إطلاقاً معظم سكان أحياء الطبقة العاملة الذين قال إنه يعرفهم جيداً. وفي شأن التعزيزات الأمنية التي أرسلتها الحكومة، أوضح أنها ستمنح المحافظين ورؤساء البلديات وسيلة للدفاع عن الجمهورية وقيمها.

ورداً على سؤال عما إذا كان بإمكان الحكومة إعلان حالة الطوارئ، قال دارمانان أمس "بكل بساطة، نحن لا نستبعد أي فرضية وسنرى بعد هذه الليلة ما سيختاره رئيس الجمهورية".

وفرضت أربع مدن في منطقة إيل دو فرانس حظر التجول الليلي بعد أن شهدت باريس وضواحيها ومدن أخرى أعمال نهب وتخريب لليلة الثالثة على التوالي، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر أمني قوله إن مذكرة استخبارية تحذر من احتمال اتساع رقعة العنف وأن تزيد الأعمال التي تستهدف الشرطة ورموز الدولة والسلطة.

جنازة نائل والفوضى مستمرة

وبعد ليلة كانت "أقل حدة" على مستوى الاحتجاجات والفوضى، على رغم إحصاء وزارة الداخلية اعتقال أكثر من 1300 شخص وإصابة 79 شرطياً في الليلة الرابعة من الاحتجاجات وحدوث 31 هجوماً ضد مراكز الشرطة و11 هجوماً ضد ثكنات قوات الدرك، فضلاً عن إضرام النيران في نحو 1350 سيارة وتعرض 234 مبنى للحرق أو التخريب وإحصاء 2560 حريقاً على الطرقات العامة، بدا المشهد أكثر احتداماً، السبت، مع مراسم تشييع الشاب نائل، في وقت اضطر ماكرون إلى إلغاء زيارة رسمية لألمانيا كان من المقرر أن تبدأ اليوم الأحد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشيع جثمان نائل من مسجد نانتير الكبير، حيث اصطف مئات عدة لدخول المسجد الذي كان يحرسه متطوعون يرتدون سترات صفراء، بينما تابع المشهد عشرات المارة عند الجانب الآخر من الشارع، واصطف المشيعون في الشارع لأداء صلاة الجنازة.

وجاء تشييع جثمان نائل غداة نشر الحكومة 45 ألف شرطي وعربات مدرعة عدة خلال الليل للتصدي لأسوأ أزمة تواجه ماكرون منذ احتجاجات "السترات الصفراء" التي أصابت فرنسا بالشلل في أواخر عام 2018، وذلك في وقت شهدت مرسيليا، ثاني أكبر مدن البلاد، مساء الجمعة ليلة مضطربة، مما دفع وزير الداخلية إلى إرسال تعزيزات إليها.

في مدينتي ليون وغرونوبل في وسط شرقي البلاد، كذلك جرت مواجهات حتى ساعة متقدمة من الليل بين مجموعات من الشباب الملثمين في معظم الأحيان يتنقلون مهرولين أو على دراجات ويطلقون المقذوفات باتجاه عناصر الشرطة الذين كانوا يردون بإطلاق الغاز المسيل للدموع، وفي فول أن فلان في ضاحية ليون أطلق أحد المشاغبين النار من بندقية باتجاه عناصر الشرطة على ما أفادت وزارة الداخلية.

وقالت وزارة الداخلية على "تويتر" إن الشرطة ألقت القبض على 1311 شخصاً الليلة الماضية بخلاف 875 في الليلة السابقة في أحداث عنف وصفتها بأنها كانت "أقل حدة"، وأضافت أن أكثر من 200 فرد من الشرطة أصيبوا بجروح، موضحة أن متوسط أعمار من ألقي القبض عليهم هو 17 سنة.

وبينما ذكر وزير العدل إريك دوبون موريتي إن 30 في المئة من الذين ألقي القبض عليهم لا تتجاوز أعمارهم 18 سنة، قال وزير المالية برونو لو مير إن أكثر من 700 متجر ومطعم وفرع بنكي تعرضت "للنهب والسرقة وأحياناً للحرق حتى دمرت تماماً منذ الثلاثاء الماضي"، وأعلنت السلطات المحلية في أنحاء البلاد فرض حظر على التظاهرات وأمرت وسائل النقل العام بالتوقف عن العمل في المساء.

وبحسب إحصاءات إعلامية فرنسية أضرم لصوص النار في نحو ألفي سيارة منذ اندلاع أعمال الشغب التي امتدت إلى مدن منها مرسيليا وليون وتولوز وستراسبورغ وليل.

قلق غربي لافت

من بين ما كان لافتاً في التعاطي مع الحال التي تعم فرنسا منذ خمسة أيام، تفاعل عدد من الدول الغربية مع الأحداث، إذ حذرت وزارة الخارجية البريطانية رعاياها من أعمال الشغب في فرنسا وأشارت في توجيهاتها المتعلقة بالسفر إلى خطر تعطل وسائل النقل واحتمال فرض حظر تجول، وأفادت الوزارة بأن "المواقع والأوقات التي تنطلق فيها أعمال الشغب لا يمكن التنبؤ بها".

وبينما دعت النرويج رعاياها الموجودين في فرنسا إلى تجنب التجمعات، عبرت الحكومة الألمانية عن "قلقها" تجاه الوضع المحتقن هناك.

بدوره، أعرب وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني عن أسفه "للتعاسة الواضحة" في الضواحي الفرنسية التي عاشت أمس ليلتها الرابعة على التوالي من أعمال الشغب والنهب والصدامات بين قوات الأمن ومحتجين على مقتل شاب برصاص الشرطة.

 

ورداً على سؤال حول الاحتجاجات العنيفة في الجارة الشمالية لبلاده، قال تاياني الذي يتولى أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء في الحكومة اليمينية المتشددة برئاسة جورجيا ميلوني إن "هذه مسألة تخص فرنسا حصراً"، وأضاف في مقابلة مع محطة "راديو 1" الإذاعية "من الواضح أن هناك تعاسة، خصوصاً في الضواحي الفرنسية الكبرى وانفجرت عندما حدثت هذه الواقعة المحزنة للغاية التي لم يكن ينبغي أن تحصل"، ودعا إلى "اتباع تعليمات قوات الأمن وعدم الاقتراب من أماكن الصدامات لأن هذا الأمر قد يكون خطراً جداً".

من جهتها، خلال مؤتمر صحافي روتيني في جنيف، حضت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان فرنسا على "معالجة جدية لمشكلات العنصرية والتمييز العنصري المتجذرة في صفوف قوات الأمن"، إلا أن وزارة الخارجية الفرنسية ردت على الفور معتبرة أن "لا أساس" لهذا الاتهام، قائلة إن "أي اتهام لقوات الشرطة في فرنسا بالعنصرية أو التمييز المنهجي لا أساس له من الصحة" وأن "الفحص الدوري الشامل الأخير الذي خضعت له بلادنا مكننا من إثبات ذلك".

أين وصلت تحقيقات الحادثة؟

لم تصدر بعد نتائج التحقيقات النهائية في شأن الحادثة، إلا أنه ووفق المعلومات المتاحة بحسب مكتب الادعاء العام، فإن الضابط فلوريان المتهم بإطلاق النار على نائل والذي يبلغ من العمر 38 سنة أوقف بتهمة القتل، وأشار مكتب المدعي العام في نانتير إلى استجواب الموقوف في إطار تحقيق بالقتل العمد بعد أن أقر بإطلاق رصاصة قاتلة على الشاب، مؤكداً تمديد توقيفه الاحتياطي على ذمة التحقيق.

وبينما نقل تلفزيون "بي أف أم" الفرنسي عن محامي الضابط المتهم لوران فرانك لينارد قوله إن موكله أراد التصويب على ساق سائق السيارة، لكنه تعثر عندما انطلقت السيارة فجأة، مما تسبب في إطلاق النار باتجاه صدره، مضيفاً أنه "من الواضح أن الشرطي لم يرغب في قتل السائق".

وبدت الصحف الفرنسية أكثر تعاطياً مع تفاصيل التحقيقات ونشرت بعض تفاصيلها، فأوردت صحيفة "لو باريزيان" أن الشرطي فلوريان قال في البداية خلال جلسات الاستماع الأولى له أمام محققي المفتشية العامة للشرطة الوطنية إنه حاول إيقاف السيارة التي كان يقودها نائل بعدما حاول دهسه، مما دفعه إلى إطلاق النار عليه دفاعاً عن النفس"، إلا أن تلك الرواية لم تتوافق مع الشهادات المختلفة للأشخاص الذين حضروا المشهد ولا مع الفيديو المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفة أنه كان هناك تناقض في الروايتين المقدمتين من فلوريان م. وزميله جوليان الذي كان يقود الدراجة النارية الثانية.

 

وذكرت الصحيفة ذاتها معلومات في شأن الحادثة، قائلة إنه صباح الثلاثاء الماضي وصلت مكالمة إلى مركز الشرطة تخبر برفض أحد الأشخاص الامتثال لأوامر ضابط للشرطة، وبعدها بـثلاث دقائق ورد الحديث عن إطلاق نار من قبل شرطي أدى إلى إصابة بفتحتين على جسم الضحية في الصدر والرئة، وبعد ذلك بأقل من ساعة تم تسجيل وفاة الشاب الذي أصيب بتلك الرصاصة على رغم الإسعافات الأولية في مكان الحادثة، مشيرة إلى أنه تبين أن السيارة التي كان يقودها الضحية ارتطمت بعمود وتوقفت، وكان على متنها شخصان آخران غير السائق، أحدهما صغير قدم شهادته وأعيد إلى منزله، أما الثاني، فلاذ بالفرار. وأظهر مقطع فيديو بثه مشاهد بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي بوضوح الشرطي على الجانب الأيسر من السيارة وهو يطلق رصاصة واحدة على السائق من مسافة قريبة، أما ما قبل ذلك، فلم يصوره المشاهد ولكن محافظ الشرطة لوران نونيز تحدث عن رفض لامتثال الأوامر وعن تفتيش وقع خلاله إطلاق النار.

والخميس الماضي، كان المدعي العام في نانتير باسكال براش قال خلال مؤتمر صحافي إنه بعد الاطلاع على كاميرات المراقبة لمسار السيارة، تم التأكد أن الشاب كان برفقة شخصين آخرين وكان يقود السيارة بسرعة فائقة ولم يمتثل لإشارات رجال الشرطة المرورية بالتوقف، مضيفاً أنه عند ملاحقة عناصر الشرطة له، توقف عند إشارة الضوء الأحمر، وحينها وجه له أحد رجال الشرطة السلاح لأنه شعر بأن هناك خطراً على حياة السائقين الآخرين، وكان في البداية مجرد تهديد بالسلاح، ولكن عند ذلك فر الشخصان الآخران بينما السائق الشاب انطلق بالسيارة من جديد فأطلق الشرطي النار على السيارة وأصابت الشاب رصاصة واحدة بالقفص الصدري.

وعليه فتح المدعي العام تحقيقاً قضائياً في جريمة القتل العمد ضد الشرطي ووضع رهن الاحتجاز، مع الأخذ في الاعتبار أن الشروط القانونية لاستخدام السلاح من قبل الشرطي غير مستوفاة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات