ملخص
إلى متى تصمد القوات المسلحة و"الدعم السريع" في القتال من دون إمداد عسكري؟ وكيف ينظر المراقبون العسكريون والسياسيون إلى هذا الواقع الذي لا يزول؟
على رغم مرور 77 يوماً من الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، لا تلوح في الأفق أية مؤشرات متعلقة بإمكان توقفها أو في الأقل الدخول في تفاوض لإيجاد مخرج ينقذ البلاد من هذا المنحنى الخطر، بل على العكس استمر القتال العسكري واندلعت معارك هي الأعنف منذ بداية الاشتباكات المسلحة مع مسعى كل طرف للتمادي في المواجهة من دون النظر إلى الإنهاك الذي حدث للجانبين خلال الأشهر الثلاثة الماضية في ظل تناقص الأسلحة والذخائر وأعداد القتلى والجرحى والأسري.
ومنذ اندلاع المعارك في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي قتل نحو 2800 شخص ونزح أكثر من 2.8 مليون داخل البلاد وخارجها.
فإلى متى تصمد القوات المسلحة و"الدعم السريع" في مواصلة القتال من دون إمداد عسكري؟ وكيف ينظر المراقبون العسكريون والسياسيون إلى هذا الواقع الذي لا يزول؟
احتمالات مفتوحة
يعتقد العميد متقاعد ساتي محمد سوركتي بأن "المشهد الحالي يشير إلى احتمالات مفتوحة في شأن المعارك الحربية وأن هناك أخطاء بدأت منذ السماح لقوات الدعم السريع بالتمدد حتى تبني قوتها لتوازي قوة جيش الدولة، كما أن إدارة المعركة من قبل القوات المسلحة لا تتناسب مع هذه الحرب الشاملة لأنها ضد المجتمع والدولة كلها وكان ينبغي التعامل معها بصورة أفضل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن "الجيش لم يستخدم قوته كاملة ويجب الاستعانة بالدفاع الشعبي والشرطة في المعارك لأن الدعم السريع تملك عدداً كبيراً من الجنود، فضلاً عن أنها مسنودة من الخارج".
وأوضح أن "إطالة أمد الحرب أنهكت الطرفين، وبالتالي فهما يحتاجان إلى الإمداد، لكن الأمر مرتبط بحدود دولية، أما خيار التفاوض، فهو مرهون بالتحولات السياسية في السودان، علاوة على جدية الأطراف الدولية".
ويشير المتخصص في الأزمات أمين إسماعيل مجذوب إلى أن "الإمداد العسكري مكمل للعمليات الحربية وجزء من الخطة الاستراتيجية لحسم المعارك، وبالنسبة إلى القوات المسلحة فقد تم وضع حسابات دقيقة للعمليات العسكرية بما فيها الإمداد".
ويرى أن "من يملك المصانع والمعامل الخاصة هو الطرف الأطول نفساً وصموداً في الحرب لأن هناك ثلاثة مؤشرات مهمة منها استعواض الأفراد والمواد اللوجستية والأسلحة، وهي ميزات تحسب لمصلحة الجيش"، مؤكداً أن "إطالة أمد المعارك تقود إلى احتجاجات واستعواض".
تبادل الاتهامات
ثمة مخاوف من أن تتدخل قوى دولية لدعم طرفي النزاع بالسلاح، مما سيؤدي إلى طول أمد الحرب وامتداد ساحات المواجهة إلى مناطق أوسع في بلد أنهكته الحروب الطويلة.
وملامح التدخل الدولي بدأت بالظهور، فمن جهة يقول الجيش السوداني إنه يملك معلومات دقيقة "لعملية تآمر ومؤشرات قوية إلى تورط أطراف إقليمية ومحلية" في الحرب مع "الدعم السريع"، فيما تتهم الأخيرة طيراناً أجنبياً بقصف عدد كبير من قواتها.
ولم تعلن أية دولة دعمها رسمياً لأي طرف، لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية نقلت عن مصادر أن قائد قوات الشرق الليبي خليفة حفتر أرسل طائرة واحدة في الأقل لنقل إمدادات عسكرية لقوات "الدعم السريع" في السودان.
كما ادعت الصحيفة أن مصر أرسلت في الوقت نفسه طائرات حربية وطيارين لدعم الجيش السوداني، في وقت أعلنت القاهرة رسمياً عدم التدخل في السودان.
ويبلغ عمر الجيش السوداني نحو 100 عام في حين نشأت قوات "الدعم السريع" عام 2013، غير أنها نمت بسرعة خلال سنوات قليلة، ويراها بعضهم جيشاً موازياً في القوة العسكرية للجيش النظامي ولا يعلم أحد على وجه الدقة عدد وعتاد القوتين العسكريتين.
أفق الصمود
بدوره يقول الباحث السياسي ماهر أبو الجوخ إن "قضية الإمداد من الجوانب المرتبطة بالحرب وحاجاتها، سواء على المستوى البشري أو المعدات، ومن وقائع سير الحرب نجد أن الطرفين خلقا وسائل بديلة لتعويض النواقص، فالدعم السريع مثلاً تستخدم سيارات مدنية ودراجات بخارية وتقوم بالهجوم على مواقع جديدة لتوفير الإمدادات بالذخائر والمؤن وتستثمر سيطرتها على مصفاة ’الجيلي‘ لضمان الإمداد بالوقود".
ويتابع "أما بالنسبة إلى الجيش فمن الواضح أنه يستفيد من وجود إمدادات غذائية بكميات كبيرة في معسكراته، كما يستغل حركة الطيران لجلب مؤن من خارج الخرطوم وإسقاطها جواً فوق خطوط القتال الأمامية، بخاصة في المناطق التي تصعب الحركة حولها أو الوصول إليها كالقيادة العامة ومنطقة أم درمان العسكرية ووادي سيدنا، بجانب توظيف الطيران لنقل القوات البرية من حاميات الولايات بخلاف التي تدخل العاصمة عن طريق النيل الغربي شمال أم درمان إلى ولاية نهر النيل".
ويبين الباحث السياسي أن "هذا المشهد يظهر وضع الطرفين الإمدادي الذي يحتاج تغييره إلى حدوث معطيات جديدة على الأرض وقطع خطوط سير الإمداد الحالية، وفي تقديري فإن حدوث هذا الأمر سيترتب عليه في حال فشل إعادة الأوضاع لما كانت عليه استخدام بدائل جديدة".
وأوضح أبو الجوخ أن "المراهنة على تأثر استمرار طرفي الحرب بنقص الإمداد هي فرضية أثبتت وقائع هذه المعارك عدم صحتها، فالدعم السريع التي فقدت قواعدها بعد تدميرها لا تزال موجودة، والأمر ذاته ينطبق على الجيش الذي يجابه فعلياً حصاراً شرساً في الخرطوم وعدد من المدن، إذ كشفت هذه الحرب أن طرفيها لديهما قدرة على ابتكار واختراع بدائل تمكنهما من الصمود والاستمرار".