Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتظر المخرج السوفياتي زوال ستالين ليحقق الفيلم الأفضل عن "أوتيلو"

يوتكفيتش وضع لينين وشكسبير وماياكوفسكي في سلة واحدة وفاجأ خروتشيف في باريس

مشهد من فيلم "أوتيلو" ليوتكفيتش (موقع الفيلم)

ملخص

يوتكفيتش وضع لينين وشكسبير وماياكوفسكي في سلة واحدة وفاجأ خروتشيف في باريس

قد يكون المخرج السوفياتي سيرغاي يوتكفيتش منسياً تماماً اليوم كما تنسى أشياء كثيرة تنتمي إلى الزمن السوفياتي، ومع ذلك ما إن تذكر السينما العالمية التي اقتبست مواضيعها عن مسرحيات شكسبير حتى يسود إجماع على أن من بين عشرات الاقتباسات الكبيرة وبالتحديد عن مسرحية "أوتيلو" لشاعر الإنجليز الأكبر، من حول الفيلم الذي حققه يوتكفيتش انطلاقاً من تلك المسرحية. وهو إجماع قد يفضل هذا الاقتباس على الاقتباس المعياري الذي حققه أورسون ويلز في الصويرة المغربية فكان من أول الأفلام العالمية الفائزة بـ"سعفة كان الذهبية" بل أول فيلم في التاريخ رفع راية عربية تحلق في فضاء أكبر مهرجان للسينما في العالم، راية المغرب التي اعتبرت البلد صاحب الفيلم حتى ولو لأسباب غريبة تحدثنا عنها قبل حين في هذه الزاوية تحديداً. مهما يكن لئن كان الإجماع من حول فيلم ويلز لا يخرقه عادة سوى إجماع من حول فيلم يوتكفيتش، فإن السؤال الأساسي يبقى: لماذا انتظر المخرج السوفياتي رحيل ستالين وزوال عهده حتى يقدم على تحقيق فيلمه الشكسبيري هذا؟ والحقيقة أن أحداً لم يأت بجواب عن هذا السؤال حتى اليوم.

مبدع مجدد

وكذلك ما من ناقد أو مؤرخ طلع حتى اليوم بتحليل واف يتناول تميز هذا الاقتباس الذي لا يزال مبجلاً وأيقونياً حتى اليوم إلى درجة أن الناقد الفرنسي جورج سادول لم يتوان عن القول إنه "لو أن شكسبير عاد للحياة وشاهد التفسير الذي اقترحه يوتكفيتش لمسرحيته (أوتيلو)، لعاد إلى قبره مرتاحاً إذ وجد حقاً فيه فهماً عميقاً للأبعاد الأساسية التي تحملها، إذ بينما فسر الجميع هذه المسرحية على أنها مأساة غيرة، تميز يوتكفيتش عنهم بتفسيرها على أنها صراع خالد ومستمر بين الخير والشر، حيث يمثل اياغو الشر المطلق والقوي، ويمثل أوتيلو الخير المطلق إنما المتردد". كان هذا ما كتبه سادول في معرض حديثه عن فيلم "أوتيلو" ("عطيل" بالعربية!) معتبراً إياه واحداً من أجمل الاقتباسات التي حققت عن شكسبير، بحيث قيل دائماً إنه لو لم يحقق هذا المخرج سوى هذا الفيلم لكان حسبه أن يعيش على مجده حتى آخر أيامه، لكن يوتكفيتش حقق أفلاماً أخرى بالطبع، كان معظمها علامات أساسية في سينما سوفياتية لم يخل تاريخها من إبداعات معلمين كبار. وفي جميع الحالات كان يوتكفيتش مجدداً، لا سيما حين قدم أول فيلم عن لينين نظر إليه نظرة حميمية وإنسانية، بدلاً من الاكتفاء بتقديم مظهره البطولي وآيات كفاحه كبطل إيجابي كما فعلت الأفلام السوفياتية التي تحدثت عن حياة الزعيم الشيوعي.

تفسير متفرد

ويقيناً أن التفسير الذي قدمه يوتكفيتش لمسألة الشر والخير في "أوتيلو" والذي كان يجدر به أن يميز نظرة أورسون ويلز إلى ما تتضمنه رائعة شكسبير، هو المسؤول المباشر عن "تردد" يوتكفيتش في تحقيق فيلمه طوال عشرين عاماً ظل خلالها يحضر لإنجازه ثم يتراجع حتى تأخر بعض السنوات عن إنجاز ويلز فيلمه. ويقيناً أن خشية يوتكفيتش طوال الزمن الستاليني – الجدانوفي كمنت في أنه كان واثقاً من أن مشروعه لن يرى النور طالما أن العقلية الرسمية حتى في تبجيلها شكسبير لا يمكنها أن تقبل معالجة للخير والشر تبتعد عن المفاهيم الطبقية وترتضي بألا يكون ثمة نهايات بطولية سعيدة تضع "الخلق الإنساني" على "الصراط المستقيم". ومن هنا انتظر المخرج رياح الحرية ولو النسبية إذ أطلت مع العهد الخروتشوفي الذي كان من مهامه الرئيسة نزع الستالينية وإدانتها. فكانت النتيجة فيلماً "كان من شأن شكسبير أن يكون راضياً عنه" لو أنه "حي بيننا"! بخاصة أن الفيلم أتى ليقول لنا إننا لسنا هنا في صدد بطل سلبي غيور، بل بصدد رجل كمنت مأساته في طيبته وثقته بالآخرين. ولعل ما كان من شأنه أن يزعج السلطات خلال فترة العشرين عاماً التي انتظرها يوتكفيتش قبل إقدامه على تحقيق فيلمه أن هذا الرجل الطيب والواثق والذي يقع ضحية طيبته تاجر وثري!

الحرب وستالين فاجآه

مهما يكن من أمر، لا بد أن نذكر هنا أن السيناريو الذي كتبه يوتكفيتش عن "أوتيلو" كان قد أنجزه قبل الحرب العالمية الثانية وكان يريد له أن يكون سيناريو فيلم يكتبه ويخرجه بنفسه، لكن الحرب فاجأت الجميع دافعة مثل تلك "المشاريع البورجوازية" بعيداً... ثم كانت الفورة الجدانوفية التي أنبأت السينمائي الشاب بأن من المستحيل عليه أن ينال الموافقة الرقابية الآن على مشروع كهذا فنحاه جانباً والحزن يعصر فؤاده كما سيقول. وكان سيرغاي يوتكفيتش منذ بداياته متمرداً على القوالب الجامدة، ومن هنا كان عليه على الدوام أن يخوض المعارك إثر المعارك في سبيل فرض آرائه ونظرته إلى السينما. صحيح أنه كان يحدث له أن يقدم التنازلات لسلطات ثقافية - سياسية كانت كثيرة التطلب، تريد من الفن أن يكون في خدمة الدولة والحزب، لكنه وسط التنازلات عرف كيف يرفد سينما بلاده بأعمال حقق بعضها للسينما السوفياتية مكانة عالمية. وفي هذا الإطار، لعل خير ما يوصف به يوتكفيتش أنه كان خصباً متنوعاً، تجاور لديه ماياكوفسكي مع لينين، وشكسبير مع تشيخوف، كما تجاورت الأفكار والمدن، أنقرة وبراغ، باريس وموسكو، وعرف كيف ينهل من التاريخ ومن الزمن الحاضر، بالتالي كان من الطبيعي أن نجده، بعد رحيل ستالين وزوال جمودية عهده، يغدو من أوائل السينمائيين الذين انفتحوا على تجربة خروتشوف إلى درجة أنه اختير لمرافقته في رحلته الباريسية الشهيرة، حيث حقق يوتكفيتش فيلماً عن تلك الرحلة التي خلالها استبدت الدهشة بالزعيم السوفياتي حين اكتشف أن السينمائي الذي يرافقه كان أكثر شهرة منه لدى الأوساط الفنية والثقافية الفرنسية. ومن هنا كان من الطبيعي له وقد بات ذا حظوة لدى زعيم البلاد أن يعود إلى مشروعه المخبوء ويحققه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثوري على طريقته

ولد سيرغاي يوتكفيتش عام 1904 في مدينة سانت بطرسبورغ، وكان لا يزال يافعاً حين فاجأته الثورة البلشفية فاستبدت به الحماسة لها، وانضم إليها من فوره مقتنعاً بأنها تحمل الحرية إلى البلد كما إلى الفن الذي كان قد اختاره طريقاً لحياته. وهكذا انخرط في الفن الثوري وهو ابن السادسة عشرة، وكان في الثامنة عشرة حين أسس مع السينمائيين الشابين كوزنتسيف وتراوبرغ تجمعاً سينمائياً ثورياً قيض له أن يلعب دوراً كبيراً في نهضة الفنون السوفياتية عامة وهو الذي عرف باسم "فيكس". أما عمله كمخرج سينمائي فقد بدأ في 1928 حين حقق أول أفلامه بعنوان "الدانتيلا" عن قصة أزعر أفاق تحول إلى عامل في مصنع. ولقد أتاح له نجاح ذلك الفيلم أن يحقق فيلماً تالياً هو "الحجاب الأسود" (1929) ليتبعه في 1931 بـ"جبال الذهب" الذي كان أول فيلم ناطق له.

في أفلامه التالية وحتى نهاية سنوات الثلاثين واصل يوتكفيتش تحقيقه أفلاماً تمتزج فيها الحكايات الواقعية مع التحليل السيكولوجي للمجتمع، مع شيء من خفة الظل، لا سيما في فيلم "رجل البندقية" (1938) الذي يتناول حياة لينين وشؤونه الخاصة. لقد كان لافتاً أن يقوم لينين في الفيلم بتصرفات تثير مرح وضحك المتفرجين، وتضفي عليه إنسانية أكيدة. وكان في وسع يوتكفيتش أن يواصل تلك الطريق لو لم يحل عام 1940 وتبدأ الصعوبات إذ يدعو ستالين المثقفين والمبدعين إلى سلوك "درب الجدية".

مع هذا واصل مخرجنا في 1943 أسلوبه المجدد في فيلم عنوانه "المغامرات الجديدة للجندي الشجاع شفايك". وكانت تلك هي الفترة التي بدأت فيها كاميرا يوتكفيتش بتخطي الحدود حيث حقق فيلماً عن براغ، ثم فيلماً عن فرنسا عبر فيه عن حب كبير لهذا البلد. وهذا الترحال سيواصله يوتكفيتش حتى يصل إلى ألبانيا في 1954 حين حقق فيلماً تاريخياً آخر بعنوان "إسكندر بيك"، لكنه خلال ذلك كله كان لا يكف عن إعلان رغبته في تحقيق فيلم حر مقتبس عن "أوتيلو" شكسبير، وهو ما أتيح له كما قلنا في 1956 مع موجة التحرر الخروتشوفية، كان فيلمه الأكبر، وقد مثل دوره الرئيس بوندارتشوك وكتب موسيقاه آرام خاتشادوريان. وحقق يوتكفيتش في أواخر سنواته فيلمين ارتبطا باسم ماياكوفسكي، أولهما فيلم رسوم متحركة عن نص "الحمامات" (1962). والثاني بعنوان "ماياكوفسكي يضحك" (1975).

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة