Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رسامات فرنسيات سلكن طرق الشرق وأفريقيا مطلع القرن الـ20

معرض فرنسي يكشف إنجازاتهن الباهرة التي أهملها تاريخ الفن

لوحة للرسامة فيرجيني ديمون إسماعيل (خدمة المعرض)

ملخص

معرض فرنسي يكشف إنجازاتهن الباهرة التي أهملها تاريخ الفن

حين نتحدث عن عصر "الأنوار" في فرنسا، غالباً ما ننسى الإشارة إلى أن ثمار هذا العصر كانت حكراً على الرجال، ولم تتذوقها بالتالي النساء اللاتي توجب عليهن انتظار نهاية القرن الـ19 كي يتمكن، بفضل كفاح الحركات النسوية، من الخروج من الفضاء المنزلي والإمساك بزمام مصيرهن، وكي يحظين بحق الدراسة في "كلية باريس للفنون الجميلة". وهذا لا يعني أن أولئك اللاتي التحقن بهذه الكلية أو بأكاديميات خاصة أخرى، حظين بالاعتراف الذي يستحققنه، بعد خطهن مسارات فنية فريدة. بالعكس، بقيت إنجازاتهن في دائرة الظل حتى سبعينيات القرن الماضي، وحين توقف النقاد عند عمل واحدة منهن، قاربوه بنظرة ذكورية مشوبة بحكم مسبق عليه كفن "قاصر".

ولتبديد بعض من هذا الغبن الذين وقعت هذه الفنانات ضحيته، وتسليط الضوء على قيمة ما أنجزنه، ينظم "متحف مدينة بون آفن" الفرنسي، بالتعاون مع "قصر النور" في مدينة إيفيان السويسرية، معرضاً ضخماً لعدد كبير منهن (نحو 30)، يحمل عنوان "فنانات ــ رحالة، نداء البعيد". معرض مهم لكشف عنه النقاب عن نحو 150 لوحة ومنحوتة ومحفورة وصورة فوتوغرافية تفلت بأساليبها الفنية المختلفة من تصنيفات تاريخ الفن المكرس، ولتشكيله دعوة مثيرة إلى سفر في الزمن والجغرافيا نتتبع خلاله أثر فنانات سلكت مساراتهن طرق الشرق وأفريقيا، وبشكل أكثر تحديداً، خريطة التوسع الاستعماري الفرنسي، لكنهن ألقين على سكان المستعمرات نظرة تختلف كلياً عن نظرائهن الذكور.

الإرث الإستشراقي

في الجزء الأول من المعرض، الذي يحمل عنوان "الإرث الاستشراقي"، نعرف أن كتاب الليدي ماري مونتاغو، "رسائل من تركيا"، شكل الحافز الرئيس لعديد من النساء لخط ونشر سرديات ترحالهن في الشرق. نعرف أيضاً أن هنرييت براوني تقف خلف أول لوحات تشكيلية مرسومة داخل حريم، عام 1860، وأن إعادة النظر بإرث الرسم الاستشراقي حصلت على يد فنانات فرنسيات منذ نهاية القرن الـ19، لدى سفرهن إلى تونس وطنجة، وخصوصاً إلى واحة بسكرة الجزائرية التي كان المستعمر الفرنسي قد حولها إلى منتجع سياحي.

خلال إقامتها في هذا المكان مع زوجها الرسام جان كير، أنجزت ماري تونوار أجمل لوحاتها التي تعكس رغبة حقيقية في التواصل مع السكان المحليين، بخلاف زوجها الذي اكتفى برسم مناظر طبيعية. وأثناء السنوات التسع التي أمضتها في ترحال دائم داخل الجنوب الجزائري، رسمت ماري لوكا روبيكيه مئات اللوحات بألوان حية حولت فيها المدن والقرى المرسومة إلى أماكن خيالية ساحرة. أما أندريه كاربوليس، فشكل الهند إطار معظم لوحاتها، إثر إقاماتها العديدة فيه، وبلورت أسلوباً خاصاً يحاكي أسلوب الفنان والشاعر طاغور الذي تصادقت معه وأصدرت كتبه في فرنسا مزينة برسوم لها.

في الجزء الثاني من المعرض، يتبين لنا أن شق قناة السويس عام 1869، ثم وضع قطار "الشرق السريع" في الخدمة عام 1883، أتاحا فرصة السفر إلى شرقنا لطبقة بورجوازية جديدة في أوروبا. وفي هذا السياق، طلب من عدة فنانات فرنسيات تصميم وتزيين الملصقات والوثائق الترويجية للرحلات البحرية إلى المستعمرات، بغية تقديمها بطريقة مغرية. هكذا اشتغلت جان ثيل على مدى ثلاثة عقود لصالح "شركة الأطلسي العامة"، وأنجزت تيريز لو برات عدة ريبورتاغات فوتوغرافية لصالح "شركة البريد البحري"، بموازاة عملها التصويري الخاص الذي عرضت ثماره في "القصر الكبير" تحت عنوان "مداريات حزينة"، وتمكنت فيه من تطوير رؤية شخصية فريدة لشرقنا. أما الرسامة لوسي كوستورييه، فتوجهت إلى داكار عام 1921 بعد تصادقها مع الجنود الأفارقة الذين كانوا موجودين في مدينتها فريجوس، وحققت بأسلوب بسيط بورتريهات تبعد كل البعد عن التمثلات النمطية للإنسان الأفريقي التي كانت سائدة آنذاك.

أفريقيا بين الحربين

وبين الحربين العالميتين، وصلت عدة فنانات فرنسيات إلى الشرق وأفريقيا بفضل منح فنية، مثل مارسيل أكين التي حطت في المغرب عام 1919، ومارت فلاندرين التي أقامت عدة مرات في هذا البلد عام 1928، وجان تيركاف التي قصدت الكونغو البلجيكي ثلاث مرات، وآنا كينكو التي أنجزت ثلاث رحلات إلى أفريقيا بين 1925 و1934: الأولى أثمرت عدة منحوتات برونزية حققتها في داكار وتمبكتو، والثانية عدة بورتريهات مثالية، بخط دقيق وسطوح ملساء، لسكان جبال فوتا دجالون في غينيا، والثالثة لوحات مشهدية مستوحاة من طبيعة مدغشقر والحبشة. واللافت في عمل جميع هذه الفنانات هو عدم سعيهن إلى تمثيل نماذج إثنية، كما فعل نظراؤهن الرجال، بل إلى خط بورتريهات حقيقية تعكس قرابة كبيرة، وأحياناً علاقات حميمة، مع السكان المحليين.

ورصد الجزء الثالث من المعرض لفنانات صينيات سمح تأسيس "المعهد الفرنسي ــ الصيني" لهن بالمجيء إلى باريس للتدرب على تقنيات الرسم الغربي، مثل بان يوليانغ التي درست الرسم في "كلية الفنون الجميلة" عام 1923، ثم النحت في روما، قبل أن تعود إلى شنغهاي للتعليم، لكن هوسها بموضوع العري في رسومها، وماضيها المؤلم في بيت دعارة، إثر بيعها إلى صاحب هذا المكان في سن العاشرة، أجبراها على العودة إلى فرنسا في نهاية الثلاثينيات. من جهتها، وصلت فإن تشونبي إلى باريس مع عائلتها الميسورة عام 1912، وكانت في سن الـ14. وعام 1920، كانت أول فنانة صينية تلتحق بـ"كلية الفنون الجميلة"، لكنها ما لبثت أن عادت إلى وطنها لدراسة الرسم بالخط والحبر. ومن خلال جمعها بين أمثولات الحداثة الباريسية وفن الخط الصيني، تمكنت من ابتكار أسلوب فني فريد يتعذر تصنيفه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي القسم الرابع والأخير من المعرض، الذي يحمل عنوان "مسارات آسيوية، بين مجلوبية وإثنوغرافيا"، نتعرف إلى فنانات فرنسيات توجهن إلى الشرق الأدنى لتطوير عملهن الفني. إنه حال أليكس إيميه التي درست الرسم في هانوي، ثم تنقلت في مختلف أنحاء لاوس بالزورق، على ظهر حصان أو سيراً على الأقدام، بغية رسم مشاهد من الحياة اليومية في هذا البلد. أعمال عرضتها في "المعرض الاستعماري الدولي" عام 1931، ويتجلى فيها أسلوب مبتكر بلورته الفنانة انطلاقاً من تأثيرات مختلفة تتراوح بين أسلوب معلمها موريس دوني، أسلوب بول غوغان وفن الأكواريل الصيني. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مواطنتها سيمون غوزيه التي عبرت سلسلة جبال "أناماتيك" التي تمتد من لاوس إلى كمبوديا، مروراً بالفيتنام، قبل أن تستكشف منطقة يونان الصينية. مغامرة رسمت خلالها بورتريهات كثيرة جسدت فيها بشعرية مرهفة مشاهد حميمة من حياة نساء وأطفال القرى التي عبرتها.

ولا ينسى منظمو المعرض التوقف عند العمل الفوتوغرافي لأول امرأة غربية دخلت إلى عاصمة التبت، لاسا، عام 1924، وعاشت فيها متنكرة بزي امرأة تبتية عجوز، ونقصد الفرنسية ألكسندرا ديفيد نيل. مغامرة روت هذه المستكشفة أحداثها المشوقة في كتاب بعنوان "رحلة امرأة باريسية إلى لاسا" (1927)، جلب لها شهرة دولية كبيرة، ونشاهد في خاتمة المعرض نسخة من طبعته الأولى إلى جانب صور كثيرة لصاحبته، تحاكيها لوحات لمواطنتها ليا لافوجي التي أنجزت بعدها ثلاث رحلات استكشافية إلى التبت، بين عامي 1926 و1931، خطت خلالها بورتريهات لكهنة الأديرة تعود قيمتها إلى كونها الأولى من داخل هذه الأمكنة المحرمة على الأجانب، وإلى أسلوبها الساحر الذي يجمع بطريقة مبتكرة بين مكتسبات الحداثة الغربية وتقليد الرسم الصيني.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة