ملخص
البرلمان ومجلس الدولة في ليبيا يدخلان مفاوضات رسمية لتشكيل حكومة جديدة بمهمات محددة وعلى رأسها التجهيز للعملية الانتخابية.
بدأت الأجسام التشريعية الليبية تجري تحركات على الأرض لتشكيل حكومة جديدة تسعى إلى تحقيق هدفين رئيسين، قيادة البلاد إلى الانتخابات العامة والإشراف عليها والتمهيد لها، وتوحيد مؤسسات الدولة المنقسمة منذ تشكيل البرلمان لحكومة جديدة العام الماضي برئاسة فتحي باشاغا قبل استقالته من منصبه في مايو (أيار) الماضي.
وما يعزز فرص تشكيل الحكومة الجديدة في ليبيا هو وجود توافق تام بين مجلسي النواب والدولة على هذه الخطوة وبداية طرح الأسماء المرشحة لرئاستها، على رغم محاولات رئيس حكومة الوحدة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة قطع الطريق على محاولات إقالته بالسعي إلى التصالح مع رئيس مجلس الدولة خالد المشري وإعادة المياه إلى مجاريها السابقة معه.
حكومة جديدة
رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح قال أمس الإثنين إن "البرلمان سيعمل مع مجلس الدولة على تشكيل حكومة تعد لإجراء الانتخابات في أقرب الآجال"، لافتاً الأنظار إلى أنه "سيجري عرض مقترح قوانين الانتخابات التي أصدرتها لجنة (6+6) على النواب لإصداره بطريقة دقيقة وطبقاً للتعديل الدستوري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعبر عن "رضاه على ما أنجزته لجنة (6+6) وما توصلت إليه لتقريب وجهات النظر بغية الوصل إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية"، آملاً أن "يستمر أعضاء اللجنة في التشاور وتنفيذ ما ورد في الاتفاق بشكل يؤدي إلى الأمن الشامل لليبيين وتوحيد مؤسسات الدولة"، وقال صالح "نحن قادرون على حل مشكلاتنا لإخراج ليبيا من أزماتها إلى الوحدة والاتفاق".
ضيف يثير الجدل
وفي بنغازي شهدت جلسة البرلمان حضوراً لافتاً ومثيراً للتساؤلات لرئيس البرلمان المصري حنفي الجبالي بالنظر إلى المواضيع التي تناقشها الجلسة، وهي حساسة ومصيرية للأزمة الليبية وتتعلق بالانتخابات العامة وتشكيل حكومة جديدة للبلاد.
وأدلى رئيس البرلمان المصري بكلمة خلال الجلسة قال فيها إن "التدخلات الخارجية تتخذ من ليبيا قواعد لها لتهديد دول الجوار"، متمسكاً بـ "حرص القيادة السياسية المصرية على تقديم جميع أشكال الدعم لكل ما من شأنه تحقيق استقرار ووحدة ليبيا".
ودعا الجبالي "جميع أطراف الأزمة الليبية إلى تغليب المصلحة الوطنية ودعم جهود استكمال مؤسسات الدولة"، وحث "مجلسي النواب والدولة على مواصلة دورهما في إطار الصلاحيات المنصوص عليها في اتفاق الصخيرات"، في إشارة إلى الاتفاق السياسي الليبي الموقع في المغرب عام 2015.
ودخلت مصر في خلافات كثيرة أخيراً مع حكومة الوحدة الليبية في طرابلس برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وأعلنت صراحة دعمها قرار البرلمان الليبي إقالتها وتشكيل حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا العام الماضي.
تحرك مجلس الدولة
وفي خطوة أظهرت التوافق التام بين البرلمان ومجلس الدولة على تشكيل حكومة جديدة، أعلن الأخير ترشيح محمد المزوغي لرئاسة حكومة مصغرة تتولى إدارة الانتخابات في البلاد، خلفاً لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة.
وجاء الإعلان من مجلس الدولة مباشرة بعد لقاء بين رئيس المجلس خالد المشري ورئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس، بحضور قيادات عسكرية وسياسية بعد أشهر من القطيعة، في خطوة سعى إليها الدبيبة لحل الخلافات بينهما وإيجاد صيغة توافقية للمرحلة المقبلة.
واعتبر طرح مجلس الدولة بشكل صريح اسم مرشح جديد لتولي رئاسة الوزراء في الحكومة الجديدة بعد لقاء المشري والدبيبة رسالة ورداً صريحاً على محاولات رئيس حكومة الوحدة البقاء في منصبه، عبر إعادة حبال الود المقطوعة مع مجلس الدولة ورئيسه لدعمه من جديد في معركته المحتدمة منذ سنوات مع البرلمان ورئيسه عقيلة صالح.
لقاء مع المرشح الجديد
ولم يكتف مجلس الدولة بالكشف عن اسم مرشحه لرئاسة الحكومة، بل قال المكتب الإعلامي لمجلس الدولة في بيان إن "عدداً من أعضائه التقوا المرشح لرئاسة الحكومة محمد المزوغي للتشاور والتواصل في ما يتعلق بتشكيل حكومة أزمة أو حكومة مصغرة".
وأضاف أن "الاجتماع الذي عقد بديوان المجلس بطرابلس تمحور حول الرؤية المستقبلية للمرشح من خلال إجاباته عن بعض تساؤلات الأعضاء حول برنامجه الحكومي"، مشيراً إلى أن "اللقاء يأتي ضمن رغبة كل الأطراف في تشكيل حكومة واحدة تبسط سيطرتها ونفوذها على كامل الوطن لتهيئة المناخ والظروف المناسبة لإقامة انتخابات يرتضيها الجميع".
وبدأت مسألة تشكيل حكومة جديدة تأخذ طابعاً جدياً من مجلسي النواب والدولة، كما باتت الشغل الشاغل لكل المهتمين بالشأن السياسي الليبي وأثارت كثيراً من الجدل والتحليلات والتوقعات بخصوص قدرة المجلسين على حل هذه المعضلة، وتداعيات قرارهما هذا على المستوى السياسي والأمني.
المتخصص في الشأن السياسي الليبي توفيق الشهيبي قال إنه "لو صدق مجلسا النواب والدولة بخصوص حكومة لتسيير الانتخابات فقط فلا نحتاج إلا لحكومة مصغرة من الوزارات السيادية ومدة عمل هذه الحكومة يجب ألا تزيد على ستة أشهر، والوزارات الأخرى تسير تسييراً".
خيار مستبعد
وفي المقابل استبعد عضو مجلس النواب علي التكبالي أن "يتمكن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والدولة خالد المشري من تحقيق هدفهما بتشكيل حكومة جديدة، على رغم أنها تحتل الأولوية بأجندتهما منذ أشهر عدة مقارنة بإجراء الانتخابات".
وأشار التكبالي إلى أن "من العوائق أمام رغبة المجلسين رفض البعثة الأممية محاولات المجلسين ربط إنجازهما القوانين الانتخابية بوجود تلك الحكومة، وهو ما ترجمه بعضهم بعدم رغبة البعثة والمجتمع الدولي في التخلي عن حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة".
وحتى لو شكلت هذه الحكومة يرى التكبالي أنه "من الصعب أن تكون حكومة مصغرة لرغبة الأطراف جميعاً في الحصول على نصيب لهم من وزاراتها"، مرجحاً أن" يعمل المجتمع الدولي على تحقيق ما يتم تداوله إعلامياً في شأن وجود صفقة لترميم حكومة الدبيبة يتم بمقتضاها تقاسم السلطة بين الدبيبة وقيادة الجيش الوطني التي ستحصل على عدد من الحقائب السيادية، وستتم أيضاً ترضية صالح والمشري فيها".
موقف الحكومتين المتنافستين
ويتخوف كثيرون في ليبيا من رد فعل الحكومتين المتنافستين في بنغازي وطرابلس من الحكومة الجديدة حال تشكيلها، خصوصاً رئيس حكومة الوحدة في العاصمة عبدالحميد الدبيبة الذي رفض سابقاً قرار مجلس النواب في مارس (آذار) 2022 تشكيل حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، ومنعها بالقوة من دخول طرابلس والسيطرة على مقار الحكومة، وهو أمر من المرجح تكراره مع الحكومة الجديدة بعد أن أعلن الدبيبة خلال أكثر من مناسبة أنه لن يسلم السلطة إلا بعد تنظيم انتخابات تفرز جسماً تشريعياً جديداً لليبيا.
من جانبها تبدو الحكومة المكلفة من البرلمان في بنغازي والتي يترأسها حالياً أسامة حماد بعد استقالة رئيسها السابق فتحي باشاغا، أكثر انفتاحاً على التسليم لأي حكومة يختارها البرلمان ومجلس الدولة.
وظهر هذا الموقف اللين جلياً في تصريحات لرئيس الحكومة المكلف أسامة حماد قال فيها إن "الوضع الحالي لا يحتمل مزيداً من الانقسام المؤسساتي الذي يدفع ثمنه المواطن ويزيد معاناته اليومية".
وفي تغريدة على موقع "تويتر" دعا حماد "الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا عبدالله باتيلي والبعثة الأممية إلى بذل مزيد من الجهود من أجل جمع كل الفرقاء الليبيين حول تشكيل حكومة واحدة تشرف على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أقرب الآجال".