Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غناء القصائد "إبداع الفصحى" لا يجيده غالبية الفنانين

باستثناء كاظم الساهر وثلة قليلة لا يهتم النجوم العرب بلغة الضاد

تخصص كاظم الساهر في غناء القصائد يعود إلى طريقة إلقائه وشكله واعتياد الجمهور على سماعها منه (أ ف ب)

ملخص

نقاد فنيون شنوا هجوماً عنيفاً على المغنين واعتبروا جهلهم سبباً في عدم تقبل الجمهور للون القصائد المكتوبة باللغة العربية الفصحى مع بعض الاستثناءات مثل كاظم الساهر

بين أجيال فنية متلاحقة بدا المطرب العراقي كاظم الساهر وقلة من حوله كقوة غنائية خارقة تحاول التشبث باللغة الفصحى في وطن عربي مترامي الأطراف، على عكس الجيل القديم الذي برع في غناء القصائد ومختلف الأنواع والألوان الغنائية، حتى إن القصيدة الواحدة ترددت ونجحت مع أكثر من فنان على غرار "لا تكذبي" التي انتشرت بصوت محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة.

حاول بعض النجوم الموجودين على الساحة الفنية حالياً كسر قاعدة العامية وغنوا القصائد، ولكنهم لم يوفقوا، ولم يتقبلهم الجمهور بدليل أنهم لم يعيدوا الكرة ووجدوا أنه من الأفضل الابتعاد عن اللعب في غير ملعبهم لتجنب انتكاسات جديدة، بخاصة أن الكلفة عالية جداً على المستويين المادي والمعنوي.

ويعيد نقاد عدم نجاح القصيدة على لسان من غنوها إلى تغير الزمن، لكن هناك من يرى أن شخصية الفنان تلعب دوراً أساسياً في تقبل الجمهور له في هذا اللون، بينما يعتبر آخرون أن المشكلة ليست في القصيدة، بل بجهل الفنانين.

مدرسة واحدة

الموزع المصري عادل حقي تحدث إلى "اندبندنت عربية" عن تخصص كاظم الساهر في غناء القصائد ونجاحه في الاستحواذ على هذا اللون، مرجعاً ذلك إلى عدة أسباب من بينها طريقة إلقائه وشكله واعتياد الجمهور على سماع القصيدة منه، وليس من غيره. وقال "نانسي عجرم مثلاً لا يليق عليها غناء القصيدة لأننا اعتدنا عليها بلون غنائي معين، كما أننا نستسيغ سماع صوتها بطريقة معينة، صحيح أن عبدالحليم حافظ قدم كل الألوان الغنائية، وغنى كثيراً من القصائد، لكن حتى أغاني (البوب) التي قدمها تعد قصائد مع أنها باللهجة العامية، لأن الكلام خلال الأربعينيات والخمسينيات كان عميقاً، أما اليوم فمستوى الكلمة انحدر كثيراً والفرق شاسع على مستوى الكلمة بين الأغاني العادية والقصائد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أضاف حقي "أم كلثوم جمعت بين الغناء بالفصحى والعامية، ويمكن تصنيف أغانيها العادية اليوم على أنها قصائد لأنها كتبت بكلام عميق جداً، بينما أغنية (أخاصمك آه) فكلامها سطحي، وهنا أتكلم بشكل عام ولا أقصد نانسي عجرم بكلامي، لذا لا يمكننا أن نتقبل القصيدة من فنان يغني كلاماً تافهاً على عكس كاظم الساهر الذي تعرفنا عليه بالغناء بالفصحى".

وذهب إلى أن "شخصية الفنان وتمكنه من اللغة العربية وقدرته على التفاعل مع الكلام الذي يغنيه، وأهمية التناغم بين صناع الأغنية. في الماضي كان الشاعر والملحن والمغني والموزع الموسيقي للأوركسترا من مدرسة واحدة حتى الجمهور نفسه، أما اليوم فلا بد أن نفتقد عاملاً من هذه العوامل".

نجاح غير مضمون

الملحن المصري محمود خيامي يتحدث عن القضية نفسها، فيقول "اليوم، نحن لا نعيش زمن القصائد، بل أصبحت الموسيقى في مكان مختلف، ويظهر بين فترة وأخرى نوع جديد منها، والقصائد هي تلك التي تربينا عليه نحن وآباؤنا وأجدادنا. وفي الأساس استغنى المغنون عن الألبومات واستبدلوا بها الأغاني المنفردة، بينما تعادل كلفة القصيدة الواحدة أربع أو خمس أغاني عدا عن أن نجاحها غير مضمون".

 

واعتبر خيامي أن سبب فشل محاولات بعض نجوم الصف الأول بالوطن العربي في غناء القصيدة على رغم نجاحهم في ألوان أخرى يعود إلى "أننا لسنا في زمن القصيدة، حتى كاظم الساهر نفسه لم تعد تحظى قصائده بالنجاح في السنوات الأخيرة، وغناؤه للقصيدة لا يعني أن يسير الكل على خطاه حتى إنه تراجع عن طرح القصائد في الـ15 عاماً الأخيرة".

ومضى في حديثه "غياب القصيدة ليس مهماً بدليل أن المغنين لا يقدموها والتعويض يكون بسماع القصائد التي غناها الكبار، وشخصياً لحنت خلال مسيرتي الفنية قصيدتين الأولى (مشاعري) لآمال ماهر، والثانية (قولي شيئاً) لوائل جسار، ولكنهما لم تنتشرا. تلحين القصيدة يحتاج إلى جهد كبير، وفي حال طلب مني أن ألحن قصيدة فإنني أشترط أن يعادل ثمنها ثمن أربع أغانٍ، ولكنني لا أميل إلى تلحين القصائد لأنني ألحن من أجل الناس، فإذا هم لم يتقبلوها فلماذا أتعب نفسي؟!".

خارج اللعبة

قائد الأوركسترا اللبناني إيلي العليا يرى أن السوشيال ميديا فرضت على الناس وعلى الفنانين نوعاً معيناً من الأعمال، وإلا فإنهم يصبحون خارج اللعبة الفنية، قائلاً "لا يميل الفنان إلى غناء القصيدة لاعتبارات عدة في مقدمتها أن البعض لا يعتبرها عملاً شعبياً يحقق الانتشار، لكن كاظم كسر القاعدة ومعه انتشرت القصيدة، وكذلك مع ماجدة الرومي التي ردد معها كل الناس (يا بيروت). القصيدة تنجح مع الفنان عندما تكون الحالة كلها تشبه بعضها من خلال تبنيه الفن الملتزم بجميع أشكاله، سواء على مستوى المسارح التي يقف عليها أو الجمهور الذي يسمعه أو حتى ملابسه".

 

في المقابل، يتمسك الفنان اللبناني مروان خوري بأن نجاح القصيدة مع فنان دون آخر لا يرتبط بجمال الصوت، ويقول "مع أننا نفكر أن الصوت الجميل قادر على أداء القصيدة بطريقة أفضل، بل إن المسألة ترتبط بشخصية الفنان وقدرته على بناء فكرة عند الناس وعلى غناء مواضيع خفيفة ودسمة لأن المواضيع الثقيلة ترتبط تلقائياً باللغة الفصحى مع أن المواضيع الخفيفة عندما تغنى بالفصحى تعطيها نوعاً من الثقل والقيمة".

وتابع "المسألة ترتبط بشخصية الفنان وتصديق الناس له ليس بالصوت، وهذه الناحية نجح فيها النجوم الكبار مثلاً فيروز غنت (ع هدير البوسطة) وقدمت القصيدة، وكذلك وديع الصافي ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة، وهؤلاء لهم وزن عند الناس، ولا شك أن كاظم يتمتع بهذا الوزن أيضاً وبهذه القيمة، عدا أنه ربط تجربته بقصائد مهمه لنزار قباني، وبالنسبة لباقي الفنانين وجدوا صعوبة بالانتقال فجأة إلى الغناء باللغة الفصحى لأنهم لم يعودوا الناس على ذلك".

المشكلة في الفنان

إلا أن الناقد الفني السعودي يحيى زريقان صب غضبه على الجيل الفني الحالي الذي لا يوفق في غناء القصائد لأنه "غير مدرب على أشكال الغناء، ولا يملك الوعي والمعرفة اللذين يكفلان له أن يقدم عملاً مكتوباً وفق معايير وضوابط تجعل من أدائه لهذا النص إضافة".

وتابع "يفترض بالفنان أن يدرك بأن الفن مسؤولية وليس رفاهية وقلائل هم الفنانون الذين يملكون الوعي والإدراك والفهم لقيمة النص والحرص على تقديم النصوص الجيدة".

 

عن تجربة الجيل السعودي الشاب في غناء القصيدة الفصحى، ذكر زريقان "هم موجودون فعلاً. عبدالرحمن محمد يهتم بالنص الفصيح وقدم عديداً من التجارب في تظاهرات فنية داخل السعودية وخارجها، وهو فنان جدير بالاحترام، كما توجد فنانة شابة اسمها أروى تعمل على تعزيز مهاراتها وقدراتها في الغناء وتغني نصوصاً بالفصحى، ولا بد من أن تسهم القصيدة في انتشارهما عربياً لأنها هي التي أوصلت كاظم الساهر إلى الجمهور العربي من الخليج إلى المحيط".

في المقابل، نبه الناقد السعودي إلى شعراء بارعين في كتابة قصائد بالفصحى ولديهم استعداد كبير لإنتاج نصوص جيدة، "لكن المشكلة في الفنان الذي هو قناة مهمة للتواصل مع الشعوب وشرائح المجتمعات المتعددة، ولكن ثقافته تجعله أسيراً عند محور واحد فقط، بينما يفترض به أن ينفتح على جميع الأطياف، وأن يقدم تجارب فنية جديدة، وأن يمد اليد لكل من يملكون محتوى جيداً والسير في جميع الاتجاهات لإتاحة الفرص للجميع".

واعتبر أن "الشللية هي التي أضرت بالعمل الفني بوجود مجموعة كتاب وملحنين ومؤدين يتعاونون على مدار السنة ويدورون في محور واحد، والفنان المدرك لطبيعة دوره يتجه في مختلف المسارات ويوجد لنفسه منصات عديدة بدلاً من الوجود في منصة واحدة".

ورأى زريقان أن الثقافة الفنية هي ثقافة المهنة فقط، "والمقصود هنا الثقافة العامة التي تتعلق بالبيئة والتربية والاهتمامات والميول والطموح والتطلعات والمشاريع. الفنان الحقيقي هو الذي يملك مشروعاً في حياته ويعمل على إنجازه وليس من درس في كلية أو معهد، فهذه أدوات المهنة، وهي مطلوبة منه".

وعلى رغم غناء القصيدة الفصحى وانعدام الثقافة عند الفنان، بحسب قول زريقان، فإنه يؤمن بأن الأغنية العربية موجودة "لكن من يقدمونها أقل بكثير منها ومن هم على قدر المسؤولية ويمسكون العصا من الوسط عددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، من بينهم عبدالوهاب الدكالي وأحمد الجميري ومصطفى أحمد وعبادي الجوهر ولطفي بوشناق ونور مهنا الذي برز في فترة من الفترات في سوريا ووائل جسار، وهو فنان موهوب، وعلي الحجار الذي يحتل الصدارة في مصر على رغم قلة إصداراته".

المزيد من ثقافة