Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"هبة اللاين".. طوابير مأجورة أم رغبة في الشراء؟

ظاهرة جديدة تشهدها المقاهي والمطاعم والمتاجر... ومراقبون: رغبة مصطنعة نحو المنتج

أعداد كبيرة في الرياض تقف ضمن صفوف طويلة للحصول على كوب قهوة أو أحمر شفاه من ماركة معينة​​ ​​​​​(مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

ازدحام شديد وطوابير أمام بعض محال الرياض للحصول على صورة ومشاركتها في مواقع التواصل الاجتماعي أزاحا الستار عن ظاهرة جديدة تعرف بـ"هبة اللاين".. فما قصتها؟

لا شيء بالصدفة، أو قل بخمسة دولارات فقط ستصبح "معبود المراهقات"، فربما لم يدرك المغني الشهير الذي ذاع صيته في أميركا قبل نحو 80 سنة فرانك سيناترا أنه سيحقق شهرة كبيرة بين أوساط المراهقات بفضل شراء ميول المعجبات حتى يصرخن عند رؤيته، وفق ما أفصح عنه وكيل الدعاية جوروج إيفانز.

الاستشهاد بهذه القصة ما هو إلا استعارة لوصف ما يحدث في العاصمة السعودية هذه الأيام، إذ تنتشر موضة جديدة تعرف باسم "هبة اللاين"، والمقصود بها الطوابير الطويلة التي تمتد أمام المقاهي والمطاعم وبعض المتاجر، حتى أصبحت الرياض في مرمى سخرية المناطق السعودية الأخرى في حال رؤيتهم أي ازدحام أو طابور بأي مكان بـ"أنهم من أهل العاصمة".

ظاهرة عرفت بـ"الهبة" دفعت متخصصين وكتاباً سعوديين لوصفها بالأسلوب الدعائي الجديد، عبر الدفع إلى جمهور مصطنع أمام المحل الجديد بإعطائه مشروباً مجانياً، ليصبح المقهى أو المطعم لافتاً لأنظار المتسوقين من عشاق تجربة كل ما هو جديد، إذ يستهدف الأسلوب الجديد شغف المراهقين بالوقوف في طابور ما، للحصول على الخدمة أو السلعة وتصويرها عبر أحد التطبيقات الشهيرة "سناب شات" أو "تيك توك" وغيرها ليشاركها مع أصدقائه ومتابعيه.

آخر النماذج العملية لما يعرف بـ"هبة الرياض" ما حدث أمام مرايا في الأبراج المالية، إذ شهد المكان ازدحاماً في الطوابير للحصول على صورة أما تلك المرايا ومشاركتها في مواقع التواصل الاجتماعي التي يرتادها الشباب بكثرة هذه الأيام، لتكون هذه الصورة أو المقطع المصور جواز سفر أو بصمة لذلك المراهق أو تلك بزيارته للمكان وحصوله على مبتغاه، ليكون صاحب شأن بين البقية وهدفاً صعب المنال على كل من لم يحصل وقفة بذلك الطابور.

اللاين للتعارف

وفي تجربة واقعية تحدث الشاب يوسف اللهيب إلى "اندبندنت عربية" عن حبه الكبير للوقوف ضمن الطابور، مشاركاً تجربته بالقول "ما ورانا شيء، نتقهوى ونوقف في الطابور حتى الوصول إلى المرآة والتصوير أمامها"، مضيفاً "في الطابور قد نتعرف على بعضنا بعضاً ونضحك، لكن الواقفين ليس جميعهم من أهل الرياض، وقد يكونوا قادمين من مناطق أخرى فيشدهم الطابور فتأتيهم رغبة المشاركة في التصوير".

أما عبدالله علي فيعتبر تجربته في الوقوف أمام طابور أحد المقاهي مؤشراً على أن مذاقه جميل، عكس المقاهي التي لا ترى فيها إلا زبوناً وآخر فقط، مضيفاً "بالفعل عندما أشاهد ازدحاماً واصطف في المكان أتأكد أن جودته عالية".

طابور مدفوع

إلى ذلك قال الشاب السعودي مشاري المطيري إن أحد أصحابه اكتشف في إحدى الاستراحات مالك مقهى يريد شراء طابور مصطنع للترويج عن مقهاه، وذلك بإعطاء كل واحد من المشاركين بالاصطفاف 50 ريالاً ومشروباً مجانياً، مضيفاً "أنه لم يذهب واستغرب طريقة التسويق الجديدة".

أما رائد الأعمال صاحب أحد المقاهي فهد المسلم فأزاح الستار عن مفاجأة من العيار الثقيل، تتمثل في قيام بعض المقاهي والمطاعم بدفع مبالغ مالية للشباب من الجنسين من أجل الوقوف أو الجلوس داخلها، وذلك من أجل إشعار الناس بجودة الأطعمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف "المعلومة التي لا يعرفها أحد أن ’الوقوف السري‘ أمام بعض المقاهي مدفوع ثمنه، كما أن هناك مقاهي ومطاعم تجدها مزدحمة بالداخل، لكن للأسف بعض منهم مدفوع أجر طاولتهم، وبعضهم الآخر زحمتهم صحيحة لجودة أكلهم"، مشيراً إلى أن المبالغ المدفوعة تراوح بين 80 إلى 120 ريالاً.

محطة مواعدة

بدوره بين الباحث المتخصص في المجال النفسي محمد الغوينم بشكل مبسط الفرق بين "الحاجة" وهي مطلب بيولوجي أساسي كالأكل والشرب بشكل عام، و"الرغبة" وهي تحديد نوع ذلك الطعام والشراب ومواصفات الشريك.

ولفت الانتباه إلى "أن ما يحدث هنا هو صناعة رغبة مصطنعة نحو المنتج الذي يرغب التاجر في ترويجه وتحويله إلى ما يشبه الحاجة الضرورية التي تكمل ’بريستيج‘ الفرد أمام الآخرين، وهؤلاء الآخرون هم الأداة التي يستخدمها خبير التسويق في صناعة الرغبة، فيقوم باستئجار مجموعة من الأفراد ليبدأوا نواة التجمهر المنظم التي سموها ’لاين‘، عندها تبدأ أنظار الناس بالتوجه نحو ذلك المكان (وهو عين ما يحدث عند التجمهر حول الحادثة المرورية أو المشاجرات ومحال الفول، ولكن بطريقة عفوية)، وتعمل محركات الفضول الإنساني على دفع الأفراد نحو الموقع لاكتشاف ما خفي عنهم من أمر عظيم".

وقال الغوينم "ولأن رغبات الإنسان متجددة والأحداث تجر بعضها، تحولت هذه الظاهرة ’لاين‘ إلى محطة يلتقي عندها الأصحاب ومحطة لمواعدة الأحباب بجانب الهدف الرئيس وهو الحصول على المنتج".

وأضاف "يتساءل بعضهم عن هؤلاء المنضمين إلى هذه الصفوف الطويلة وينتظرون ساعات للحصول على كوب قهوة أو أحمر شفاه من ’ماركة‘ معينة، كيف يطيقون أو يقبلون على أنفسهم ذلك؟ والجواب أن قدرات الناس على التفكير المنطقي متفاوتة والغالبية لديها قدرات محدودة جداً ’السوشيال ميديا خير دليل‘".

واستذكر الغوينم انسجام الفرد وانخراطه في الجماعة، كما شخصه عالم النفس جوستاف لوبون، مما يؤدي إلى استبدال عقله الفردي بالعقل الجماعي للمصطفين في اللاين الذين وجهوا كما أشرنا سابقاً من المسوق الذكي، الذي استطاع أن يوحد الرغبات نحو المنتج الجديد الذي يتفرد فيه هذا المتجر.

المتخصص النفسي الغوينم مضى في تفسيره لظاهرة اللاين بقوله "مع مرور الوقت ازدادت أهمية الوقوف في طوابير طويلة لما لها من فوائد جانبية فاقت في جاذبيتها المنتج الأصلي محل الرغبة، فأصبحت المتاجر تتسابق إلى استئجار بعض الأفراد ’لاينات مصطنعة‘ ليجذب الجماهير إلى متاجرهم التي يعلم كل المصطفين علماً يقيناً أن بضاعتهم غير جيدة، ولكن اللاين أصبح هو الهدف في حد ذاته وربما يغادر أحدهم اللاين بعد بضع دقائق من دخوله لحصوله على مبتغاه".

وسيلة إعلانات جديدة

في هذا السياق قال الكاتب فارس الغنامي "ليس ثمة ما يبرر لعلامات التعجب والاندهاش من الأثر الذي أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي في عالم الدعاية والإعلان، ومن ثم عالم التجارة التي توظف تلك المواقع في عمليات الدعاية والترويج لمنتجاتها، فتلك هي طبائع ’الميديا‘ الحديثة وقد مسها طائف من التطوير والتحديث المتسارع، فأسلمت وجهها إلى عوالم الافتراض وفضاءات تلك المواقع التي فتحت أواصر عدة للتعارف بين البشر وإقامة الصداقات والعلاقات بينهم فأحدثت التغيير المدهش في كل شيء، ولا سيما في فضاءات التسويق والترويج والدعاية والإعلان، حتى رأينا الطوابير هنا وهناك للحصول على كوب قهوة أو وجبة طعام".

 

 

وأضاف الغنامي "أن الشبكات الممتدة مترامية الأطراف خلقت نوعاً جديداً من العلاقات الافتراضية التي تتجاوز الأمكنة والأزمنة فتسهل عمليات المعاينة والبيع عن بعد من دون عناء أو مشقة، ولا عجب في ذلك من حدوث هذا في الرياض، إذ أظهرت سجلات المستخدمين لموقع ’يوتيوب‘ بأن المشاهدات في السعودية هي ضمن الخمسة الأعلى على مستوى العالم، مما يعني أن انتشار الإنترنت وجودته أدى إلى صنع ظواهر اجتماعية جديدة بين الشباب".

وأشار إلى أنه ليس من قبيل المفارقة أن تصل أحجام المبيعات والصفقات التي تتم عن بعد عبر الإنترنت إلى مليارات، موضحاً أن هناك طوابير أخرى لمناديب شركات التوصيل تقف لأوقات طويلة للحصول على وجبة ما أو مشروب ما، وذلك من قبيل التجربة أو التوصية على منتج ما من إحدى هذه الجهات فقط لإثبات الوجود أمام الآخرين ومشاركة صورة تلك الوجبة أو المشروب على مواقع التواصل الاجتماعي".

وفي السياق ذاته نوه الغنامي إلى أن خبراء التسويق والدعاية في العالم يدركون مدى التأثير الذي يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي أن تحدثه في عملية الترويج للمنتجات ومن ثم في حجم المبيعات المحقق بعد كل عملية ترويج مماثلة، خصوصاً تلك العمليات التي تسند إلى النجوم والمشاهير من شتى ميادين الحياة، إذ تتلاشى الأمكنة والأزمنة التي تفصل بين هؤلاء النجوم ومحبيهم، وتصبح مواقع التواصل الاجتماعي بينهم جميعاً أشبه ما يكون بالمائدة الكبيرة التي تذيب الفوارق والمسافات فيحدث التأثير المرجو لعمليات الترويج والدعاية للمنتجات والسلع والخدمات ونحو ذلك مما يناط بالمشاهير الترويج له عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ورجح الغنامي مرد التأثير المدهش الذي يحدث في العملاء المستهدفين وانعكاسه على الطوابير هنا وهناك، إلى عملية دعاية تتم بواسطة المشاهير من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يتلقى مستخدموها حديث النجم المروج لسلعة ما بوصفه واحداً من الأصدقاء في الجلسات البينية، نتيجة لآصرة الصداقة الافتراضية التي تجمع بين ذلك النجم ومرتادي صفحته عبر وسائل التواصل.

كما وصف حجم الإقبال بأنه "مريع"، ويحدث على كل سلعة أو منتج يروج له أحد المشاهير عبر وسائل التواصل، أما ما يمكن استنتاجه من وراء تلك الاستجابة السريعة والمدهشة من الجماهير لتلك الإعلانات فهو أن مساحة كبيرة جداً من أوقات البشر أصبحت مرهونة بالجلوس على مصادر تلك ’الميديا‘ الحديثة من أجهزة الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب على حساب الأوقات المخصصة لأنشطة الحياة الأخرى كالقراءة وممارسة الرياضة وارتياد أماكن التعلم، وكذلك تعلم الحرف والمهارات الأخرى كمهارات الصناعة والزراعة ونحو ذلك من المهارات الإنتاجية.

نظرة إيجابية

من جهة أخرى وصفت المتخصصة الاجتماعية عبير السعد "الظاهرة" التي تشهدها مطاعم ومقاهي العاصمة الرياض بأنها ليست حالاً متفردة بل عالمية اجتاحت الكرة الأرضية تزامناً مع ظهور "فيسبوك" و"تويتر" وأخواتهما، مضيفة "نرى الطوابير بالمئات في العاصمة الفرنسية باريس لزيارة متحف اللوفر لمشاهدة لوحة الموناليزا، فيما تجد طوابير أكثر بكثير على بعد كيلومترات من أمام مدينة الألعاب الشهيرة ’والت ديزني‘، وتشاهد الحشود تتدافع في العاصمة البريطانية لندن للحصول على فرصة لدقائق لزيارة متحف الشموع هناك".

وبينت السعد أن العالم اليوم يعيش بشكل أو بآخر "نظرية القطيع"، التي ترددت إلى مسامعنا أثناء جائحة كورونا (كوفيد – 19) التي ضربت العالم أخيراً، إذ لجأت بعض الحكومات ومنها البريطانية بقيادة بوريس جونسون إلى التعامل مع الجائحة من منطلق العزل حتى يتمكنوا من السيطرة على الفيروس آنذاك، وهذا ما يفسر انسياق الشباب هذه الأيام لمثل هذه الهبات التي قد يكون لها جزئية إيجابية بصنع واقع اجتماعي أكثر ودية في ما يتعلق بالعلاقات بين المصطفين في الطوابير.

كما نبهت إلى أن كل ما ينفق من أموال في البلاد عن طريق شتى وسائل التسويق يذهب جميعه بالمحصلة إلى إنعاش السوق المحلية، مما يزيد من فرص العمل وتقليل مستويات البطالة، مما ينعكس إيجاباً على مدخولات خزانة الدولة، إذ كان الشباب السعودي سابقاً يدخر كل ما بجعبته من أجل إنفاقه بالخارج، حتى بلغ الإنفاق السياحي خارج السعودية بأحد الأعوام إلى نحو 80 مليار ريال (21.33 مليار دولار).

المزيد من تحقيقات ومطولات