ملخص
هنيبعل القذافي قضية لا تزال عالقة أمام القضاء اللبناني، فهل إضرابه عن الطعام سيسهم في إيجاد حل بعد 10 سنوات على توقيفه؟
عادت قضية هنيبعل القذافي الابن الخامس للرئيس الليبي الراحل إلى الضوء مجدداً، بعد ما كشفه محاميه بول رومانوس، عبر رسالة صوتية لوكالة "أسوشيتد برس"، عن أن هنيبعل يعاني صداعاً وآلاماً بالعضلات وصعوبة في الحركة. وأضاف أن نجل القذافي يعاني أيضاً آلاماً بالظهر بسبب احتجازه في غرفة صغيرة لا يستطيع التحرك أو التريض بحرية فيها. وكان هنيبعل بدأ إضراباً مفتوحاً عن الطعام منذ الثالث من يونيو (حزيران) الجاري، احتجاجاً على استمرار حبسه منذ ثماني سنوات في أحد السجون اللبنانية.
من جانبه ذكر مسؤول أمني لبناني، رفض الافصاح عن هويته، أنه لا معلومات لديه بشأن حالة القذافي الصحية.
خطف من سوريا
في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2015 أفاد مصدر أمني لبناني باختطاف هنيبعل القذافي في منطقة البقاع القريبة من الحدود السورية، وأضاف أن الخاطفين طالبوا بالحصول على معلومات عن الإمام موسى الصدر ورفيقيه. وكشفت وسائل إعلام لبنانية في ذلك الوقت عن أن خاطفي نجل الزعيم الليبي الراحل كانوا استدرجوه من سوريا إلى لبنان، حيث اختطفوه قبل أن يطلقوا سراحه في ظروف غامضة.
وتحدثت المصادر اللبنانية حينها أن الاستدراج تم عبر سيدة أقنعته بالقدوم إلى لبنان لمتابعة قضية شقيقه سيف الإسلام أمام المحكمة الجنائية من لبنان، وما إن وصل إلى لبنان حتى خطف من مجموعة مسلحة مجهولة الهوية. ثم سلم بعد ساعات إلى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي عبر وسيط في منطقة بعلبك، وجرى نقله إلى بيروت لمتابعة ملابسات القضية.
وكان الخاطفون نشروا في وسائل إعلام محلية تسجيلاً مصوراً له، يتحدث فيه عن ظروف خطفه وأسبابه وظهر وهو متورم العينين، وقال إنه "بصحة جيدة ومرتاح، ولا شيء يدعو للقلق"، داعياً كل من لديه "أدلة" عن ملف رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام موسى الصدر إلى "تقديمها فوراً ومن دون تلكؤ وتأخير"، مضيفاً "يكفي ظلماً".
الإمام الصدر شوهد للمرة الأخيرة في ليبيا في الـ31 من أغسطس (آب) 1978، مع رفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، ولكن نظام القذافي لطالما نفى هذه التهمة مؤكداً أن الثلاثة غادروا طرابلس متوجهين إلى إيطاليا. والصدر هو مؤسس حركة "أفواج المقاومة الوطنية"، أو ما بات يعرف بحركة "أمل" التي يترأسها رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري. ومنذ سقوط نظام القذافي نشطت "لجنة متابعة قضية الإمام موسى الصدر"، التي أقرها مجلس النواب لإجراء التحقيقات الرسمية والمباشرة في القضية بين لبنان وليبيا مروراً بإيطاليا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المختطفون استغلوا الخط العسكري بين لبنان وسوريا
وكان هنيبعل القذافي روى تفاصيل خطفه من سوريا في مقابلة صحافية فبراير (شباط) 2019، وقال إنه بتاريخ السادس من ديسمبر 2015 اختطف على يد عصابة مسلحة من سوريا، وأدخل بالقوة وبصورة غير شرعية من سوريا إلى لبنان، واحتجز من الخاطفين لمدة أسبوع عنف خلالها وعذب جسدياً ومعنوياً بهدف إرغامه على البوح بمعلومات عن قضية اختفاء موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب (والد مدبر عملية الاختطاف النائب السابق حسن يعقوب) وعباس بدر الدين التي وقعت عام 1978.
وتابع أن علي يعقوب وحسن يعقوب دبرا عملية اختطافه من سوريا، مستغلين الخط العسكري لدخولهم إلى سوريا وعدم تفتيشهم من السوريين. وعند سؤاله عن أن احتجازه جاء بناء على تهمة إخفاء الحقيقة في قضية موسى الصدر، قال إنه محتجز عند قوى الأمن اللبنانية. وبتاريخ الرابع من فبراير (شباط) 1981 صدر المرسوم رقم 3974 عن مجلس الوزارء اللبناني قضى بإحالة قضية اختفاء الصدر ورفيقيه على المجلس العدلي، وبتاريخ الـ21 من أغسطس 2008 صدر قرار الاتهام عن قاضي التحقيق العدلي واتهم بموجبه معمر القذافي بخطف الإمام الصدر ورفيقيه.
ويقول هنيبعل إنه أثناء فترة التحقيق العدلي الممتدة من 1981 حتى 2008 لم يعتبر شاهداً ولا مشتبهاً فيه ولا مطلوباً، وآخر محقق في القضية هو القاضي زاهر حمادة في عام 2014.
وفي المقابلة ذاتها يشير نجل القذافي إلى أن قاضي التحقيق اللبناني الذي أنهى تحقيقاته عام 2008 استدعاه كشاهد وبغياب المحامين، إذ كرر عدم وجود أية معلومات لديه عن القضية. وأنه بتاريخ "الاختفاء" عام 1978 كان عمره سنتين، إذ إنه من مواليد 1976.
ويؤكد هنيبعل أن سبب استجوابه هو خطفه وليس لمعطى معين موجود في الملف القضائى المقفل من عام 2008، ويقول "إن قاضي التحقيق اللبناني ليس في ملفه المقفل أي دليل، إذاً سبب التوقيف ليس قضائياً، بل فقط لأني ابن معمر القذافي".
تحرك حكومي
وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة أشار إلى تشكيل لجنة لمتابعة وضع هنيبعل، مؤكداً أن حكومته تتابع أوضاع أي سجين ليبي خارج البلاد. وقال في فيديو نشر على "تيك توك" إنه أجرى اتصالاً هاتفياً برئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي بحث معه خلاله قضية هنيبعل، وقال "هنيبعل ليس شخصاً عادياً، بل ابن معمر القذافي، ومن لديه أي رأي أو اتهام يتوجه به إلى القضاء الليبي".
من جانبه نفى ميقاتي تلقيه أي اتصال هاتفي من أية جهة ليبية، وبدوره حذر أحمد قذاف الدم من استمرار اعتقال هنيبعل في لبنان ومن دون محاكمة، واعتبر أن ما حصل "إساءة لسوريا وهذه البلطجة تسيء للشيعة".
هنيبعل أوقف بناء على إشارة من الإنتربول
وفي السياق كان نقل عن مسؤولين حكوميين ومن بينهم السفير الليبي لدى دمشق، أن حركة "أمل" هي من تحتفظ بهنيبعل سجيناً لديها، وينفي مصدر من حركة "أمل" لـ"اندبندنت عربية" ذلك الاتهام جملة وتفصيلاً.
وفي شهر ديسمبر 2015 أعلنت وزارة العدل اللبنانية رفضها تسليم هنيبعل القذافي إلى سوريا، محتفظة لنفسها بحق الإفراج عنه أو عدمه وفق مسار التحقيقات التي تجريه.
وكانت الوزارة تسلمت طلباً صادراً عن النيابة العامة السورية لتسليم القذافي "باعتباره لاجئاً سياسياً ومقيماً بصورة شرعية داخل الأراضي السورية"، واستند الرفض اللبناني على اتفاق بين البلدين موقع عام 1951. ويشير مصدر مسؤول متابع في ملف قضية اختفاء الصدر لـ"اندبندنت عربية" إلى أن سجن هنيبعل يأتي بناء لمذكرة توقيف وجاهية بجنايتي كتم المعلومات وعقوبتها تصل إلى أكثر من 10 سنوات، والتدخل اللاحق بجرم الخطف المستمر، فجريمة الخطف تعتبر جرماً مستمراً. ويشير إلى أنه موقوف كمشتبه فيه ومتورط في الملف وليس معتقلاً سياسياً كما يزعم بعضهم، ولا يحاكم لأنه ابن معمر القذافي.
ويضيف أن هنيبعل ليس متهماً بإخفاء معلومات فحسب، بل متهم أيضاً بالمسؤولية عن مصير الصدر ورفيقيه، وأن ما يمتلكه من معلومات كبير جداً، مما يعني تدخلاً لاحقاً بجريمة الخطف. وما اعترف به للمحقق العدلي يناهز 50 صفحة، وقال إنه لن يتحدث ويعطي كامل معلوماته وأسماء المتورطين والمساعدة في الوصول إلى الحقيقة كاملة، "إلا عندما يطلق سراحي وأصبح في الطائرة". وهذا دليل قاطع على حجم المعلومات التي يمتلكها وعلمه بتفاصيل اختفاء الصدر ومكان اعتقاله.
ويشير المصدر عينه إلى أن حكومة بلاده (ليبيا) كانت مدعية عليه بجرائم الإبادة الجماعية وجرائم قتل خلال الثورة، وهو توقف في لبنان بناء على إشارة من الإنتربول، فإذا أرادت الحكومة الحالية تغيير رأيها فهذا لا يعني القضاء اللبناني، ولا يحق للحكومة الحالية التلاعب بقضية (اختفاء الإمام). ويلفت إلى متورطين في أعمال "سمسرة" في القضية، وعلى رغم الضغوط المحلية والدولية لإطلاق سراحه فهو موقوف بموجب مذكرة توقيف دائمة لتكتمه عن معلومات خلال توليه الاستخبارات البحرية طوال 20 عاماً في نظام والده.
وكان هنيبعل كشف عن معلومة خلال التحقيق معه عن وجود الإمام الصدر ورفيقيه في "جنزور"، وهي منطقة تحتوي على مقار للمخابرات الليبية في ضواحي العاصمة طرابلس بين 1978 و1982.
وتحدث المصدر نفسه عن أن عائلة القذافي سعت وتسعى إلى إبرام صفقة أو تسوية تقضي بدفع تعويضات مالية، لكن عائلة الصدر واللبنانيين رفضوا مثل هذه الصفقة سابقاً في عهد القذافي الأب، ولن يقبلوا بها اليوم بأية حال من الأحوال، ويسأل هل يعقل أن شخصاً كان عمره أقل من عامين عند حصول الجريمة يمتلك كل هذه المعلومات لو لم يكن مسؤولاً مباشراً عن الملف؟
ويؤكد أنه وبحسب ما سمع منه يدل على أنه مطلع على التفاصيل كافة في هذا الملف بعكس ما ادعى بأن لا علاقة له بقضية الإمام الصدر، وهذا ما يدل على أنه متورط بشكل لا يدعو إلى الشك. ويتابع أن هنيبعل استبدل عدداً كبيراً من المحامين يناهز العشرة محامي، وأحدهم غسان المولى عندما تقدم بطلب تخلية سبيل، وكشف عن استعداد القذافي للإدلاء بمعلوماته عندما يصبح في الخارج.