Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بطل لبنان الأخير... "أسد الطائف" حسين الحسيني

ترك إرثاً غنياً بالمصالحات الطائفية وأداء سياسياً يلخص مرحلة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية

الراحل حسين الحسيني (موقع العربية الإنجليزي)

قليلون هم مستحقو لقب "رجل الدولة" عن جدارة ضمن المنظومة السياسية اللبنانية، إذ أثبتت الغالبية العظمى ممن يعرفون بالنخبة السياسية في لبنان أنهم غير قابلين للإصلاح، وقد عفا عليهم الزمان. ومن بين الرجال الذين يندر وجودهم الرئيس السابق للمجلس النيابي اللبناني حسين الحسيني الذي فارق الحياة عن 86 سنة. 

ترك لنا الحسيني إرثاً غنياً بالمصالحات الطائفية وأداء سياسياً يلخص مرحلة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)، وما تلاها من نهوض للبنان أعقبه السقوط الحالي.
حسين الحسيني هو سليل واحدة من أبرز العائلات الشيعية اللبنانية الموجودة في منطقة سهل البقاع وقضى جل حياته وهو يخدم بلده وشعبه. 
في البداية، وبعمر 18 سنة، أصبح مختاراً لقريته شمسطار التي كانت موطناً لعائلته منذ زمن بعيد. وبعد ذلك، دخل الحسيني مجلس النواب اللبناني عام 1972 ليكون من بين الأعضاء الأصغر سناً في آخر مجلس تم انتخابه قبل اندلاع الحرب الأهلية. وبعد تسع سنوات، عام 1984، انتخب رئيساً لمجلس النواب. 
قمة عطاءات الرئيس الحسيني لبلده لبنان كرئيس لمجلسه النيابي كانت عندما أسهم مباشرة عام 1989 بإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية عبر رعاية سعودية لمحادثات سلام جرت بين مختلف الطوائف والأحزاب في بلاد الأرز، بحيث عقدت تلك المحادثات في مدينة الطائف بالسعودية برعاية المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز وجامعة الدول العربية والمجتمع الدولي. والتقى خلالها كل من تبقوا من البرلمان المنتخب عام 1972.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وهناك في الطائف وتحت التوجيهات والإشراف المباشر لحسين الحسيني، تعاون نواب البلد المنكوب على كيفية الخلاص من 15 عاماً من المواجهات الطائفية الدامية واستحداث صيغة جديدة للحكم التشاركي عرفت لاحقاً باسم "اتفاق الطائف". 
وبصفته عراب الاتفاق، كما صار يلقب لاحقاً، أصبح حسين الحسيني حامياً للدستور اللبناني وضامناً لسيادة القانون. وصار دوماً الصوت الصارخ في بلد الأرز وبكل قوة لضرورة تطبيق اتفاق الطائف بحذافيره.
إلا أن مآثر الرئيس الحسيني لا تنحصر بهذا الإنجاز التاريخي له في الطائف، فهذه الشخصية اللطيفة والحازمة، كان لها دور محوري في تأسيس حركة "أمل" اللبنانية، إلى جانب المعمم الشيعي إيراني المولد السيد موسى الصدر الذي أصبح رئيساً للحركة. 
ولاحقاً، شغل الحسيني نفسه رئاسة الحركة بعد اختطاف الصدر ورفيقيه في ليبيا في أغسطس (آب) 1978، وربما تم ذلك بأمر من الديكتاتور الإيراني آية الله الخميني الذي كان يخشى من الكاريزما التي يتمتع بها الصدر، ولم يكن ليرضى بوجود قوة شيعية أخرى في المنطقة ذات استقلالية عن طهران.
وعلى رغم مكانته الرفيعة ومقامه العالي في المجتمع الشيعي اللبناني، لم يكن حسين الحسيني مناسباً للصورة التي تفضلها القوى الإقليمية الفاعلة عن السياسي وأمير الحرب والتي كانت تسعى إلى صناعة وكلاء موالين لها في بلد الأرز. 
ولهذا، قام نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد باستبداله بنبيه بري في رئاسة الحركة. فالأخير كان محظياً لدى دمشق كونه شخصية تسعى بطبعها إلى تقديم التنازلات. ومن سخرية القدر أن يحل بري بديلاً عن حسين الحسيني أيضاً في رئاسة مجلس النواب اللبناني عام 1992، وهو المنصب الذي لا يزال يشغله حتى اليوم.
على أي حال، وحتى بعد تنازله عن منصبه كرئيس لمجلس النواب، استمر حسين الحسيني بأداء دور غاية في الأهمية كمشرع وضامن لصيرورة الإجراءات الدستورية بصيغتها الصحيحة، وهو ما لم يطب للمنظومة السياسية اللبنانية التي لم تتفق طرقها الملتوية النفعية والانتهازية مع نهج الرئيس الحسيني الذي التزم به طيلة حياته السياسية. 
وفي عام 2008، أجبر الحسيني على الخروج من مجلس النواب عبر التحالف الثنائي الشيعي المهيمن بين حركة "أمل" (التي أسهم في تأسيسها) و"حزب الله" المدعوم من إيران الذي لم يعد يتقبل النهج السياسي المعتدل للحسيني وميوله النابذة للعنف، لا سيما بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005. 
حينها اتهمت النخبة السياسية الفاسدة في لبنان حسين الحسيني وجيله بالسذاجة والمثالية الزائدة عن الحد. وشددوا على نقطة مفادها بأن اتفاق الطائف لم يكن سوى ديباجة تغطي قيام حافظ الأسد ونظامه بالسيطرة المطلقة على لبنان ومصادره، ويا للعجب! فهم باتهامهم له بذلك يتمثلون بالمقولة العربية القديمة "رمتني بدائها وانسلّت"، فالحسيني كان أقل من يستحق توصيف عميل دمشق من بين سياسيي لبنان كافة.
وحتى آخر أيامه، واصل الرئيس الحسيني دعوة اللبنانيين إلى ضرورة استعادة دولتهم لمكانتها عبر تمهيد الطريق وصولاً إلى دولة مواطنة مدنية تحكمها مؤسسات دستورية فعلية يديرها موظفون مدنيون مهرة من ذوي الخبرة والدراية. 
وعلى رغم أن رؤية الرئيس الحسيني لجمهورية اتفاق الطائف لم تر النور خلال حياته، إلا أن اسمه وإرثه العظيم سيبقيان حاضرين في نفوس أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع في ثورة أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019 للمطالبة بالإصلاح والكرامة والسيادة. 
اقرأ المزيد

المزيد من آراء