Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل هناك من يدفع قطاع الاتصالات في لبنان نحو الإفلاس؟

بلغ عدد المشتركين في هيئة "أوجيرو" 419 ألفاً في مقابل أكثر من 600 ألف مشترك يتعاملون مع شبكات غير شرعية

تعتبر بعض الأوساط أن قطع الإنترنت وتردي الخدمات والتهويل بخطر عزل اللبنانيين عن العالم هو سياق بات معروفاً في البلاد يسبق أي رفع مقبل للأسعار (أ ف ب)

ملخص

عادت أزمة الإنترنت و"السنترالات" في لبنان للواجهة من جديد وسط غياب الحلول المستدامة واستمرار المشكلات الاقتصادية

دخلت أزمة قطاع الاتصالات في لبنان منعطفاً خطراً نتيجة الصراعات بين حكومة تصريف الأعمال ووزارة الاتصالات من جهة وموظفي هيئة "أوجيرو" المشغلة للقطاع من جهة أخرى، مما أدى إلى ترد كبير في خدمات الإنترنت وانقطاع واسع لتغطية الشبكة بعد خروج عدد من "السنترالات" (مراكز خدمات الهاتف والإنترنت) عن الخدمة ببعض المناطق.

وتعد "أوجيرو" الهيئة الرسمية المشغلة للاتصالات الأرضية والتزود بالإنترنت في لبنان وتتبع لوزارة الاتصالات، وتتغذى منها شركتا الهاتف الخلوي "ألفا" و"تاتش" وشركات الإنترنت الخاصة التي تقدم الخدمات إلى زبائنها. وتسعى "أوجيرو" إلى توفير مادة المازوت لنحو 2100 محطة كهربائية للاتصالات في البلاد، وتواجه مصاعب كبيرة في تغطية نفقاتها، في حين تتراجع قدرتها على تقديم خدمات الصيانة نتيجة شح مواردها، ويبلغ عدد موظفيها حوالى 2500 موظف بمختلف مراكزها.
وتعود أزمة الإنترنت و"السنترالات" في لبنان للواجهة من جديد وسط غياب الحلول المستدامة واستمرار المشكلات الاقتصادية التي يواجهها قطاع الاتصالات، وسبق أن حذرت هيئة "أوجيرو" من تدهور الوضع من ناحية رواتب الموظفين والقدرة على توفير مادة المازوت للمولدات وتأمين قطع الغيار بسعر الدولار في السوق الموازية.
من ناحيته يؤكد المدير العام لهيئة "أوجيرو" عماد كريدية أنه "لم يعد بإمكان المؤسسة الصمود أكثر"، معلناً أن "توقف الإنترنت والسنترالات في لبنان بات أمراً واقعاً، مما سينعكس سلباً على المؤسسات والشركات والقطاعات كافة".
ووفق مصدر في هيئة "أوجيرو" هناك نقاش حول اعتماد "التقنين" بشكل دوري بين السنترالات إذ لم تحول الحكومة الاعتمادات المطلوبة، إذ يتم إيقاف 20 في المئة من السنترالات، أي نحو 25 سنترالاً من أصل 103 عن العمل موزعين على المناطق اللبنانية كافة.

مسرحية الأسعار

في المقابل تعتبر بعض الأوساط أن قطع الإنترنت وتردي الخدمات والتهويل بخطر عزل اللبنانيين عن العالم هو سياق بات معروفاً في البلاد يسبق أي رفع مقبل للأسعار، إذ تلجأ السلطة إلى قطع الخدمة وتخيير المواطنين بين الزيادة أو عدم توفر الخدمة وبالتالي تهيئة أرضية لإخضاع المواطن، مع التذكير بأن هذه "المسرحية" شهدها لبنان قبيل رفع أسعار الدواء والمحروقات والكهرباء وغيرها من السلع والخدمات.
وفي إطار تأمين واردات للقطاع تصحح العجز الحالي في اعتمادات المازوت والصيانة، تشير المعلومات إلى أن وزير الاتصالات جوني القرم يضع اللمسات الأخيرة على مشروع رفع أسعار خدمات "أوجيرو" سبعة أضعاف، وهي تشمل زيادة رسوم الخطوط الثابتة وكلفة المكالمات وأسعار باقات الإنترنت لـ419 ألف مشترك لدى "أوجيرو". علماً أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 600 ألف مشترك في شبكة الإنترنت يتعاملون مع شبكات غير شرعية مما يفقد القطاع مداخيل طائلة، ومن هذا المنطلق يتساءل خبراء في القطاع لماذا لا يقوم الوزير بحملة لمنع الشبكات غير الشرعية بدل زيادة الأسعار وتحميل المواطنين أعباء كبيرة.
إلا أن مصادر في الوزارة تقول إن عدم قدرة الدولة على تأمين الخدمات بشكل متواصل، إضافة إلى تفلت الوضع في البلاد وصعوبة اتخاذ إجراءات أمنية تشمل كل أنحاء البلاد، تدفع إلى غض النظر عن القيام بمثل تلك الحملة.

أسعار جديدة

من جانبه ينفي الوزير القرم الكلام عن زيادات عشوائية على الأسعار، كاشفاً عن أن أسعار باقات الإنترنت سترتفع بطريقة منطقية، وستبدأ أسعارها من 420 ألف ليرة (4.5 دولار) بدلاً من 60 ألف ليرة لبنانية (أقل من دولار) لباقة الـ89 غيغابايت، ومليونين و275 ألفاً (25 دولار) لباقة 800 غيغابايت بدلاً من 325 ألفاً (3.05 دولار).
كذلك يتضمن اقتراح القرم رفع سعر السعات الدولية (E1) التي تشتريها شركات تقديم خدمات الإنترنت من "أوجيرو" خمس مرات ونصف، مما يعني أن سعر أدنى باقة إنترنت سيرتفع من 10 دولارات إلى 55 دولاراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير اقتراح الوزير إلى أهمية رفع المداخيل لمعالجة أزمة القطاع المالية، ويقول إن "اعتمادات الصيانة تشمل المازوت الذي نحتاج إليه سنوياً بما بين 18 إلى 20 مليون دولار لصيانة المحطات، وغيرها من الأعمال المفترض القيام بها حفاظاً على استمرارية القطاع، في حين أن هناك قرارات ومراسيم اتخذها مجلس الوزراء لم تنفذ بعد، ولم نقبض حتى الآن سوى 469 مليار ليرة المتصلة بالمساعدات الاجتماعية، وهذا هو كل ما دخل إلى صندوق أوجيرو".

أما في ما يتعلق برواتب الموظفين المتدنية أكد القرم أن المداخيل الإضافية المحصلة نتيجة الزيادات على أسعار الخدمات غير مرتبطة بزيادة الإنفاق الذي يتبع القاعدة الـ12، وبالتالي "ننتظر الموازنة الجديدة أو إقرار اعتمادات إضافية لنتمكن من تغيير حجم إنفاق القطاع العام وتحسين رواتب الموظفين".
وكانت أسعار شركتي الخلوي رفعت منذ العام الماضي لتصبح قيمة الفواتير ستة أضعاف، في حين ارتفعت أسعار خدمات "أوجيرو" بمقدار ضعفين ونصف ضعف.

الرواتب والصيانة

ويمكن حصر المشكلات الأساسية في سببين رئيسين، الأول هو قضية رواتب الموظفين وانقطاعهم عن الحضور إلى أعمالهم، والثانية عدم توفر الاعتمادات لإجراء أعمال الصيانة المطلوبة وتأمين الفيول للمولدات التي تغذي السنترالات وأعمدة الهوائيات.
في السياق أوضح أمين سر نقابة موظفي "أوجيرو" عبد الله إسماعيل أن "الموظفين باتوا بسبب الأزمة الاقتصادية من دون غطاء استشفائي، ورواتبهم فقدت 95 في المئة من قيمتها الفعلية"، كاشفاً عن أن "260 موظفاً بين مهندس وفني تركوا المؤسسة نتيجة عدم تصحيح الرواتب بما يتناسب مع التضخم في البلاد".
ولفت إسماعيل إلى أنه على رغم كل شيء لا يزال عدد كبير من الموظفين يتناوبون على تحمل المسؤولية، إلا أن الانقطاع الكبير في الخدمات هو بسبب توقف السنترالات، لافتاً إلى أنه "في كل يوم تتوقف ثمانية سنترالات على الأقل بسبب انقطاع مادة المازوت عن المولدات الكهربائية، إضافة إلى أن تلك المولدات شبه مهترئة". وأضاف أنه "في عام 2018 كانت هناك خطة لتغيير 326 مولداً، أما الآن ومع غياب الصيانة فإن هذا الرقم تضاعف بشكل كبير".

تحرير القطاع

من جهة أخرى انتقد أستاذ السياسات العامة والتحديث الإداري في الجامعة اللبنانية برهان الدين الخطيب خطة وزارة الاتصالات برفع التسعيرة، مشيراً إلى أنها "تحمل المواطن المسؤولية الكبرى من أجل الموازاة بين سعر المبيع والكلفة التي غالباً ما تتحدد وفقاً لعناصر ومعايير عدة"، معتبراً أن "هذا القرار يسعى إلى تأمين المستلزمات المطلوبة بالتوازي مع احتساب الكلفة المالية العالية لأسعار دقائق التخابر، لكنه في المضمون يسعى إلى تغطية تكاليف تضخم القطاع لا سيما وأن شركتي الخلوي تضمان كثيراً من الموظفين الذين يتقاضون رواتب عالية جداً".
ورأى الخطيب أنه "يجب اتخاذ قرار بتحرير القطاع وإعادته كاملاً لكنف الدولة كأحد القطاعات الاستثمارية التجارية، ولا يحق للدولة إلا أن تأخذ جزءاً من عائداتها في حين تترك للقطاع الخاص حرية التصرف والإدارة"، مطالباً بإعادة هيكلة القطاع وإجراء دراسة شاملة لتطويره وفتحه أمام المنافسة والسماح لأكثر من شركتين بالدخول إلى السوق، لخلق جو من المنافسة لناحية السعر وما سيرافق ذلك من رفع الجودة وتحسينها".

نظرية المؤامرة

وفي لبنان يدخل عامل "المؤامرة" في كل شيء، إذ تتخوف أوساط سياسية من أن يكون "تدمير قطاع الاتصالات ممنهجاً" أسوة بكل القطاعات الأخرى، كما الحال في قطاع التعليم والصحة والمصارف وغيرها، إذ تعتقد تلك الأوساط أن هناك جهات تدفع باتجاه تدمير جميع القطاعات مستغلة الانهيار الاقتصادي وحال التفلت من المراقبة والمساءلة والمحاسبة للوصول إلى تلك الغاية.
ويرى هؤلاء أن "هناك متمولين مدعومين من دول غربية وإقليمية تسعى إلى دفع تلك القطاعات نحو الإفلاس من أجل شرائها بأدنى الأسعار أو استثمارها بحالها الصعبة، من أجل تحقيق أرباح هائلة خلال المرحلة المقبلة، إذ يفترض أن يبدأ لبنان مرحلة التعافي التدريجي من الانهيار الاقتصادي".
ويعزز هؤلاء رأيهم باستعادة سيناريوهات سابقة حول خصخصة القطاع، إضافة إلى استمرار تمديد عمل الشركات لفترة طويلة بعد انتهاء العقد بينها وبين الدولة بشكل غير قانوني، إضافة إلى معلومات سرت سابقاً عن محاولة إدخال شركة اتصالات إيرانية إلى البلاد.

المزيد من تقارير