ستتجنب بريطانيا الركود هذا العام وفقاً لتوقعات جديدة مع تراجع أسعار الطاقة وتراجع اضطراب سلسلة التوريد، وعلى رغم نبرة التوقعات المتفائلة الهشة لا يزال يحذر الاقتصاديون من أن الشركات والمستهلكين ما زالوا يمرون بعام صعب مع مستويات التضخم المستعصية التي تزيد من مخاطر مزيد من الألم للمقترضين بينما يكافح بنك إنجلترا للحد منها.
لم تعد تتوقع عملاق المحاسبة والتدقيق والضرائب "كي بي إم جي" حدوث ركود في المملكة المتحدة هذا العام، كما توقعت ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 0.3 في المئة، أما اتحاد الصناعة البريطاني (CBI) الذي توقع سابقاً انخفاضاً بنسبة 0.4 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي فيتوقع الآن أن يتوسع النمو بنسبة 0.4 في المئة، كما توقع كلاهما أيضاً أن يرتفع النمو العام المقبل، إذ توقعت "كي بي إم جي" زيادة بنسبة 1.1 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي، أما اتحاد الصناعة البريطاني (CBI) فيتوقع زيادة بنسبة 1.8 في المئة.
وقالت كبيرة الاقتصاديين في "كي بي إم جي" يائيل سيلفين لصحيفة "التايمز"، "رأينا زخماً أقوى قليلاً للاقتصاد البريطاني، لكن المخاطر لا تزال مرتفعة على الجانب السلبي، كما سيشهد التضخم الأكثر ثباتاً تشديد السياسة النقدية بشكل أكبر، مما يزيد من مخاطر الآثار الجانبية غير المرحب بها بين الرياح المعاكسة المحتملة الأخرى".
من جانبه قال كبير الاقتصاديين في "اتحاد الصناعة البريطاني" ألبيش باليجا، إن "الرياح الخلفية الاقتصادية كانت أقوى في جميع أنحاء العالم مع انخفاض
أسعار الطاقة وإعادة فتح الصين بعد سنوات من قيود كوفيد-9‘".
فجوة التصنيع
ويبدو أن نمو النشاط التجاري يسير بسرعة أكبر في لندن، فوفقاً لأحدث استطلاع لمؤشر مديري المشتريات الإقليمي لبنك "نات ويست" ظهر أن العاصمة متقدمة بفارق كبير عن المناطق الأخرى مع قراءة 50 نقطة تشير إلى النمو، إذ سجل النشاط التجاري في لندن 58.5 نقطة الشهر الماضي، وكان في جنوب شرقي إنجلترا عند 54.6 نقطة، ووست ميدلاندز عند 54.2 نقطة، كما سجلت ويلز قراءة 49.4 نقطة وهي المنطقة الوحيدة التي شهدت انخفاضاً.
ومن شأن تقدم لندن الواضح أن يختبر طموح الحكومة في "رفع مستوى" النمو في جميع أنحاء البلاد، إذ قال رئيس الوزراء ريشي سوناك في عطلة نهاية الأسبوع "نحن بحاجة إلى تنمية الاقتصاد، وأريد أن يكون الشمال في قلب نمونا الاقتصادي".
كان النشاط التجاري في شمال غربي إنجلترا بقي متخلفاً عن لندن الشهر الماضي بقراءة 52.3 نقطة، وفقاً لمؤشر "نات ويست"، بينما كان شمال شرقي البلاد 51 نقطة.
وقالت الشريكة في الشركة المصرفية "بي دي أو" كالي كروسثويت "إن تباطؤ الضغوط التضخمية يعطي الشركات وعملاءها سبباً للتفاؤل الحذر"، لكن كروسثويت حذرت من أن فجوة الثقة بين قطاعي التصنيع والخدمات "يمكن أن تتعمق أكثر بسبب تحديات سلسلة التوريد المستمرة".
شعور بارتياح ولكن
وقالت المدير العام لـ"اتحاد الصناعات البريطانية "سي بي آي" راين نيوتن سميث، "ستشعر الشركات والمستهلكون على حد سواء بالارتياح لأن الاقتصاد البريطاني تجنب الركود وسيعود لمنطقة النمو في النصف الثاني من هذا العام، لكن الشركات تريد أن ترى النمو - والإنتاجية - يتسارعان، ونحن نريد أن نرى المملكة المتحدة على رأس النمو في الاقتصادات العالمية مرة أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال كبير الاقتصاديين في بنك "نات ويست" سيباستيان بيرنسايد، "أظهرت أحدث مجموعة من بيانات مؤشر مديري المشتريات الإقليمية ارتفاع النشاط التجاري في جميع أنحاء المملكة المتحدة تقريباً في مايو (أيار) الماضي، لكنها أشارت أيضاً إلى أن النمو أصبح متفاوتاً بشكل متزايد، كما أعادت لندن تأكيد مكانتها باعتبارها المنطقة الأسرع نمواً، متجاوزة بذلك بكثير أفضل منطقة أداء تالية وهي المنطقة الجنوبية الشرقية".
كما أدى انتعاش نشاط قطاع الخدمات إلى تعزيز الثقة، إذ وصل الإنتاج إلى أعلى مستوى في 10 أشهر عند 101.55 الشهر الماضي، وفقاً لـ"بي دي أو" التي سلطت الضوء على تباين صارخ في التفاؤل بين الشركات القائمة على الخدمات والشركات المصنعة، مع ارتفاع مؤشر تفاؤل الخدمات إلى 100.79 نقطة، في حين انخفض مؤشر تفاؤل التصنيع إلى 91.56 نقطة، وهو أدنى مستوى له منذ فبراير (شباط) 2021 أثناء إغلاق كورونا.
قد تضطر حوالى 2.6 مليون أسرة في بريطانيا لديها رهن عقاري إلى دفع آلاف الجنيهات الاسترلينية للسداد العام المقبل، ويشير استطلاع حديث للرأي إلى أن ثلث الناس يلومون الحكومة على ارتفاع أسعار الفائدة.
وقالت بيانات "سيتي" إن سوق الرهن العقاري كان يمر "بإعادة ضبط كاملة"، وأن ثلث المقترضين فقط الذين لديهم صفقات رخيصة محددة الأجل تخلصوا منها حتى الآن.
في حين وجد تحليل أجرته شركة "كابيتال إيكونوميكس" أن ثلث هذه الأسر، أي ما يعادل 3.2 مليون، تدفع أسعار فائدة بنسبة ثلاثة في المئة أو أكثر، في حين أنه ومن المقرر بحلول نهاية العام المقبل، أن يرتفع هذا الرقم إلى 5.8 مليون مع مرور تأثير ارتفاع أسعار الفائدة في السوق.
اللوم يقع على الحكومة والحرب وكورونا
وأشار استطلاع أجرته "يو غوف" لصالح صحيفة "التايمز" إلى أن 32 في المئة من البريطانيين ألقوا باللوم على الحكومة في ارتفاع أسعار الفائدة، و17 في المئة ألقى باللوم على الحرب في أوكرانيا و16 في المئة ألقى باللوم على الوباء، في حين قال ما يقرب من النصف إنهم سيجدون صعوبة في سداد أقساط الرهن العقاري.
وفي المتوسط يرتفع متوسط أقساط سداد الرهن العقاري للمقترضين من الصفقات الحالية بنحو 26 في المئة شهرياً، وفقاً لما ذكرته شركة" لندن موني"، وهي سمسار رهن عقاري، التي رصدت العملاء الذين انتهت صفقاتهم بين مارس (آذار) ومايو (أيار) الماضيين، ووجدت أن مدفوعاتهم الشهرية زادت بنحو 392 جنيهاً استرلينياً (493 دولار) شهرياً، من 1474 جنيهاً استرلينياً إلى 1866 جنيهاً استرلينياً (1854 دولار) في المتوسط.
وقال مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال (The Centre for Economics and Business Research)، إن الزيادة في معدلات الرهن العقاري كان من المتوقع أن تكلف المقترضين 9 مليارات جنيه استرليني (11.3 مليار دولار) خلال هذا العام والعام المقبل، مع مواجهة لندن والجنوب الشرقي أكبر الزيادات.
وفي الأسبوع الماضي سحب بنك "إتش أس بي سي" والمصارف الأخرى قروضها بعد إخطار بساعات قليلة فقط بسبب مخاوف من استمرار ارتفاع أسعار الفائدة.
ارتفاع ديون الأسر
ومن المتوقع أن ترتفع كلفة ديون الأسر إلى ثلاثة أضعاف هذا العام مع ارتفاع معدلات الرهن العقاري لدفع أقساط السداد إلى أعلى مستوى لها منذ الأزمة المالية قبل 15 عاماً.
ويواجه اليوم حوالى مليون من أصحاب المنازل الذين تنتهي صفقاتهم الثابتة في النصف الثاني من هذا العام ارتفاعاً متوسطاً في أقساط السداد يبلغ 5304 جنيهات استرلينية (6669 دولاراً) سنوياً.
وقال الاتحاد التجاري "يو كي فاينانس" هذا الأسبوع إن مدخرات الأسر المعيشية انخفضت بنسبة أربعة في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام مقارنة بالعام السابق، وهو أول انخفاض منذ 15 عاماً، مما يشير إلى أن الأسر كانت تستخدم المدخرات في مواجهة ضغوط كلفة المعيشة.