Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تغير المناخ يهدد ذاكرة الحرب العالمية الثانية بفرنسا

الشواطئ التاريخية في النورماندي يتهددها ارتفاع مستوى البحار

تدور رحى حرب "مناخية" على شواطئ النورماندي تهدد باندثار مسرح أبرز العمليات الحاسمة في الحرب الثانية (رويترز)

ملخص

يعيث تغير المناخ وتآكل التربة خراباً بالسواحل الفرنسية برمتها، ما يثير أسئلة كثيرة حول السلامة والتنمية المستدامة، لكن على طول الشريط الشمالي للشواطئ والمنحدرات في النورماندي، حيث هبط 150 ألف جندي من الحلفاء لمواجهة المدافع الرشاشة والفاشية، يتهدد الخطر التاريخ والذاكرة وحتى الهوية.

في السادس من يونيو (حزيران) 1944، شهد ساحل "النورماندي" الممتد بطول 80 كيلومتراً في شمال فرنسا أكبر عملية غزو بحري بالتاريخ، وشكل محطة حسمت مجرى الأحداث في الحرب العالمية الثانية.

في عتمة الليل، قفز الآلاف من قوات مظلات الحلفاء، وكان معظمهم من أميركا وبريطانيا وكندا، خلف خطوط دفاعات ألمانيا الساحلية، وعند الفجر قصفت السفن الحربية المواقع الألمانية ثم نفذت مئات الزوارق إنزال قوات المشاة.

يومذاك، قتل الآلاف من كل جانب، لكن الإنزال مهد الطريق أمام تحرير غرب أوروبا من القوات النازية، وحسم كفة الحرب لصالح قوات الحلفاء كاتباً خاتمة الحرب العالمية الثانية، بيد أن حرباً أخرى ما زالت تخوضها شواطئ النورماندي، حرب تقودها الطبيعة ليلاً ونهاراً متسلحة بتغير المناخ وتداعياته التي لا تنفك تحقق انتصاراتها على المنطقة حتى كادت تختفي من الوجود وتندثر.

كاثرين بورتر من صحيفة "نيويورك تايمز" قصدت مواقع الإنزال في الـ"دي داي" كما يسمى، أو إنزال الحلفاء على شواطئ النورماندي في شمال فرنسا، وسافرت عبر تلك المواقع حيث شاهدت بأم العين ارتفاع مستوى البحر يجتاح هذه المنطقة التي تبحث عن طوق نجاة.

"بوانت دو هوك"

تقول بورتر، إن أياً من تلك المواقع لا ينقل الرعب والبطولة اللذين صبغا تلك اللحظة المحورية في الحرب العالمية الثانية كما تفعل "بوانت دو هوك" Pointe du Hoc، لكنها للأسف آخذة في الاندثار بسرعة كبيرة.

هذا الربيع، تعرضت نقطة الدفاع والمراقبة النازية هذه الكائنة بين شاطئي إنزال في النورماندي، التي احتلتها يومذاك الكتيبة الأميركية "رينجرز"، لثلاثة انهيارات أرضية أخرى.

سكوت ديجاردان، المشرف على الموقع الذي يجذب نحو 900 ألف زائر سنوياً متأكد من أن هذه المنحدرات ستخسر شطراً كبيراً من مساحتها. صحيح أن جنود الحلفاء استبسلوا في الدفاع عن المنطقة في الماضي، لكن من عساه يقف في مواجهة الطبيعة الأم اليوم. في رأيه "يبقى الخوف الأكبر في سرعة تلاشي هذه المنطقة"، كما نقلت "نيويورك تايمز" عنه.

في الواقع، يعيث تغير المناخ وتآكل التربة خراباً بالسواحل الفرنسية برمتها، ما يثير أسئلة كثيرة حول السلامة والتنمية المستدامة، لكن على طول الشريط الشمالي للشواطئ والمنحدرات في النورماندي، حيث هبط 150 ألف جندي من الحلفاء لمواجهة المدافع الرشاشة والفاشية، يتهدد الخطر التاريخ والذاكرة وحتى الهوية.

والسؤال الذي تطرحه بورتر: عندما تختفي هذه المواقع من الوجود، كيف ستروي فرنسا لنفسها وللعالم عن تلك المرحلة الاستثنائية التي سطرها التاريخ؟ وفي المقابل، كم ستبلغ كلفة إنقاذ الشواطئ من الاندثار كي لا تتحول تلك الحقيقة إلى مجرد خرافة؟

يقول ديجاردان، "إذا اختفى الموقع، ستفقد المنطقة السند التاريخي للأحداث،" وقد امتزج في صوته الألم والحسرة والحنين وراح ينظر إلى الأمواج التي ما برحت تشق البحر وتقوض المنحدرات بضرباتها.

متاحف مهددة

وفق مكتب السياحة في النورماندي، ترك يوم الإنزال خلفه ما يربو على 90 موقعاً رسمياً، من بينها 44 متحفاً، تجذب أكثر من خمسة ملايين زائر سنوياً، لكن لا يبدو أن عظمتها التاريخية تسعفها أمام جبروت تغير المناخ. حتى إن الحكومة الفرنسية، وبعد قرون من الاستعدادات الصخرية ضد ثورات المحيط، تراها تؤيد الآن مبدأ "التعايش مع البحر، وليس ضده".

كمل أن الدوائر الأهلية الممتدة على أطراف فرنسا، بما في ذلك الموجودة على طول شواطئ "دي داي"، تعمل على خطط التكيف مع تغير المناخ، التي ستشمل الانتقال المحتمل إلى بر الأمان، ولكن بالنسبة إلى كثيرين، التخلي عن هذا الموقع ذي التاريخ الحافل بالتضحية والشجاعة والانتصارات مرفوض تماماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"ينطوي هذا المكان على رمزية عميقة، إنه مكان أسطوري"، قال تشارلز دي فالافييل، وهو يقف على شاطئ مادلين بيتش، الذي صار يسمى "يوتا" Utah اعتباراً من السادس من يونيو 1944.

وفي رأي دي فالافييل، رئيس البلدية المحلي، "لا بد من أن يزور المرء هذه المنطقة ولو مرة واحدة في حياته كي يفهم الأحداث التي دارت رحاها هنا".

على غرار كثير من السكان، ترتبط قصة السيد دي فالافييل الشخصية ارتباطاً وثيقاً بـ"دي داي". أطلق المظليون الأميركيون النار على والده ميشال في ظهره خمس مرات ذلك الصباح، ثم حملوه إلى خيمة عسكرية حيث خضع لجراحة أنقذت حياته، ومن هناك نقلوه إلى إنجلترا لإجراء مزيد من الجراحات. في وقت لاحق، أصبح ميشال دي فالافييل العمدة، وافتتح واحداً من أول متاحف "دي داي" في المنطقة داخل ملجأ ألماني سابق على شاطئ "يوتا".

أخذ المتحف يتوسع على طول الكثبان الرملية إفساحاً في المجال أمام نحو 1300 قطعة أثرية، من بينها قاذفة أصلية من طراز "بي- 26"، ولكنه للأسف، يجد نفسه الآن في مرمى تداعيات تغير المناخ.

على مدى السنوات الماضية، منح دي فالافييل الإذن بملء الشاطئ أمام المتحف بأحمال من الرمال، لكن التصريح الرسمي ينتهي في 2026، وينص الأخير على أن تجديد المكان مرهون بتطوير المتحف خطة طويلة الأجل من التدابير.

لكن بالنسبة دي فالافييل، "علينا أن نحمي المتحف تماماً" بأي وسيلة، مشيراً إلى أن المدن الهولندية مثل روتردام قد أتقنت بناء السدود. في رأيه، "لا بد من أن يبقى المتحف هنا، فهو يطبع أهمية هذا المكان".

القلق عينه يعتري المديرين في "متحف الإنزال" Landing Museum في قلب مدينة آرومانش ليه با. أعيد فتحه بعد عملية تجديد ضخمة للمبنى بكلفة 11 مليون يورو، أو نحو 11.8 مليون دولار. وقال مدير المتحف فريديريك سومييه، إن تقييم المخاطر الداخلية للمتحف كشف عن أن الموقع لن يتعرض للفيضانات أو التآكل على الأرجح، حتى في ظل تغير المناخ.

في عام 2010، أنفق المهندسون الأميركيون ستة ملايين دولار لتأمين مقر الرصد والمراقبة في "بوانت دو هوك"، وزرعوا كتلاً أسمنتية في قاعدة الجرف وثبتوها في الصخر العميق بالأسفل.

منذ ذلك الحين، لم يتزحزح قبو المراقبة. ولكن، مع ذلك، فقد تآكلت الكتل الأسمنتية من الأسفل بسبب ضربات الأمواج، قال ديجاردان. إنه يخطط لتجديد آخر بكلفة 10 ملايين دولار، ولكنه لا يضمن الحماية ضد عواصف المحيطات.

إذا قررت يوماً إن تحجز لك مكاناً بين زوار كثيرين للمنطقة سترى كيف أن أطراف الطرق الريفية قد ازدانت بعشرات النصب التذكارية لجنود الحلفاء الذين لقوا حتفهم في القتال، وستزور ساحات القرى التي سميت "6 يونيو"، والمحلات السياحية التي تعج بتذكارات مغناطيسية كتب عليها "دي داي" وأدوات الجيش العتيقة. وربما تكون محظوظاً أكثر فتحضر عروض الدبابات والمركبات رباعية الدفع، والنشاطات الترفيهية التي تحاكي تلك الأحداث البطولية، لكن هل يبقى تاريخ النورماندي صامداً حتى ذلك الحين؟

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير