Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"3 جيمات" تمنح شاي الصحراء في المغرب مذاقه الفريد

يحتفظ الأهالي بعادات فريدة في إعداده وتحضيره وتقديمه وفي رغوة "أتاي" ومذاقه

طقوس خاصة ترافق تقديم وشرب الشاي المغربي (وسائل التواصل)

ملخص

يشرب الشاي في العادة بالمجالس الصحراوية في 3 أباريق خاصة

لا يكاد يخلو بيت في المجتمع الصحراوي في المغرب من مائدة تدار فيها كؤوس الشاي أو "أتاي" كما يسميه كثيرون، ويشكل هذا الشاي أيقونة الجلسات ونجمها الأول، ويجتمع حوله أفراد الأسرة أو القبيلة، ومعه يحلو سمر الليالي، وبه تقام حفلات الزفاف، وتنصب ولائم العزاء.

وفي مجتمع "البيضان" (القبائل الصنهاجية الأمازيغية)، يحتفظ أهالي الصحراء بعادات وطقوس فريدة في إعداد الشاي وتحضيره وتقديمه، وفي رغوة "أتاي" ومذاقه، وهي طقوس تختلف بشكل واضح عن طرق إعداد وشرب الشاي في مناطق أخرى من المغرب.

نبذة تاريخية

وإذا كان الشاي المغربي، بصفة عامة، قد صارت له شهرة عالمية، حتى كاد المغاربة يعرفون أكثر بالشاي في عدد من بلدان العالم، فإن لهذا المشروب الدافئ السحري تاريخاً ضارباً في القدم.

ويقول بوزيد الغلا الباحث في التراث والسرديات بالصحراء، إنه من خلال المراجع التاريخية خصوصاً كتاب "من الشاي إلى أتاي" لمؤلفيه: عبدالأحد السبتي وعبدالرحمن الأخصاصي، فإن الشاي دخل المغرب عبر إنجلترا، وكان منتجاً خاصاً بالسلاطين. ولفت إلى أن السلاطين كانوا يقومون بإهداء الشاي والسكر إلى بعض الأعيان والوجهاء والزوايا، قبل أن يتحول الشاي إلى "معدة الفقير" كما ورد في أكثر من مرجع ومؤلف يهتم بتاريخ ومسار الشاي.

وبالعودة إلى مؤلف "من الشاي إلى أتاي"، فإن الشاي دخل في بداية القرن الـ18 إلى المغرب في عهد السلطان المولى إسماعيل، وكان في البدء يستعمل بمثابة دواء لآلام وأوجاع الرأس، كما كان منتجاً خاصاً بالنخبة الحاكمة متمثلة في السلاطين وحاشيتهم، وانتقل الشاي من بلاط السلاطين والأعيان إلى الحواضر والبوادي المجاورة انطلاقاً من أواسط القرن الـ19، قبل أن يصبح هو المشروب المهيمن في القرى والبوادي في نهاية هذا القرن، ليعم بعد ذلك كل المجتمع المغربي في الربع الأول من القرن الـ20.

طقوس فريدة

وللشاي الصحراوي في المغرب طقوس خاصة وفريدة، فهناك طقس رمي الكؤوس، وعادة رغوة الشاي، ودور القائم على إعداد الشاي، أو من يسمى "التياي"، والدمعة والأباريق الثلاثة.

وفي تفاصيل هذه الطقوس، تقول غلية الركيبي، من سيدات منطقة الداخلة الصحراوية، إن عادة رمي كؤوس الشاي لا توجد في أي جلسة شاي في بلد آخر، إذ يرمي الشخص كأس الشاي فارغة، فإذا سقط واقفاً فإن من حق الشارب أن يكلف معد الشاي بالقيام بأي عمل يكون بسيطاً في الغالب، "وهناك طقوس فريدة أخرى في إعداد الشاي الصحراوي، ابتداء من غلي الماء الذي يعد به مشروب أتاي، والذي قد يكون ماء المطر، باعتبار أنه ماء الغيث ويحمل في طياته بوادر الخير والبركة، ويعمد القائم على إعداد الشاي إلى الإبريق الذي يكون فضياً أو نحاسياً من أجل صب الماء المغلي على حبات الشاي الصحراوي، قبل أن يصب الماء الذي حصل عليه في كأس، وهذا الماء يسمى الدمعة"، وتتابع الركيبي شرح مراحل إعداد الشاي الصحراوي بمذاقه القوي، "ومن ذلك الحرص على الحصول على رغوة بيضاء كثيفة قد تملأ أكثر من نصف الكأس، والباقي يملأه مشروب الشاي"، مضيفة أن "هذه الرغوة هي رأس مال كأس الشاي، وهي زينته وحلاوته التي يطلبها الضيوف والحاضرون".

ويشرب الشاي في العادة في المجالس الصحراوية في ثلاثة أباريق خاصة، يكون الأول بمذاق قوي من دون أي حلاوة تذكر، وهو الشاي الذي يوصف بكونه صحياً يصلح للجهاز الهضمي وغيره، بينما الإبريق الثاني تكون نسبة السكر فيه متوسطة، أما الثالث فيكون أكثر حلاوة من الآخرين.

"الجيمات الثلاث"

ويتحدث الباحث بوزيد الغلا عن طقوس أخرى للشاي الصحراوي، مبرزاً أنه يحضر وجوباً، ما عدا في حالات قليلة، على الجمر، وفي الغالب تكون جلسة الشاي طويلة زمنياً، يتم خلالها تبادل الأحاديث والأخبار المختلفة عن الأفراد والجماعة، وأوضح الغلا أن الشاي الصحراوي أضحى مقروناً بما يسمى "الجيمات الثلاث"، وهي: أولاً الجمر، وهو الفحم الذي يتقد فيه النار لإنضاج مشروب الشاي على مهل، وثانياً "الجماعة" أي المجلس الذي تدور فيه الأحاديث، والجيم الثالثة "الجر"، ومعناها في اللهجة "الحسانية" المحلية إطالة الأمد الزمني لإعداد الشاي.

ومن وسائل إطالة الأمد في تحضير الشاي الصحراوي ترديد الأشعار والقصائد التي يقال بعضها في طقوس هذا المشروب السحري، وقد جمعها الباحث والكاتب أحمد البشير ضماني في مؤلفه الشهير "الشاي بالمغرب الصحراوي... من الغرابة إلى الأصالة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سيد المشروبات

وبفضل هذه الطقوس والعادات اللصيقة بالشاي الصحراوي، صار هذا المشروب رمزاً للجمع والتوحيد والألفة والمحبة، فهو يحضر في شتى المناسبات الاجتماعية في الصحراء وحتى في باقي المناطق.

وفي مجتمع "البيضان"، لا يمكن تصور جلسة عائلية أو جلسة بين الأصدقاء من دون حضور الشاي، كما أن حفلات الزفاف في المجتمع الصحراوي لا يمكن أن تقام من دون حضور "سيد المشروبات" بمعية قطع الحلوى، وأيضاً في المآتم يحضر الشاي بقوة في موائد العزاء، كما أنه يقدم في مناسبات الصلح بين المتخاصمين، وفي جلسات السمر النسائية خلال ليالي الصيف.

ويعتقد الصحراويون أن الشاي الذي يعدونه وفق طقوس خاصة يسهم في شفاء بعض الأمراض، بخاصة أمراض المعدة والجهاز الهضمي بالنظر إلى قوة مذاق الشاي الصحراوي، وأيضاً في تبديد أوجاع الرأس، وهو ما يطلق عليه الصحراويون عبارة "يكلع أدواخ"، أو "يتكاد المجاج"، أي يعتدل به المزاج.

ويشتهر في الصحراء نوع "أتاي الدحميس" على وجه الخصوص، الذي يقول عنه أهل الصحراء وحتى غيرهم "أتاي الدحميس الجماعة بيه ما تحلاش"، أي "من دون شاي الدحميس لا يحلو الجلوس والمسامرة مع الجماعة".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات