Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصة الشاي مع العرب بدأت متأخرة رغم تاريخه العريق

عرفوه في القرن الـ19 وبدأ نخبوياً ثم صار شعبوياً و"حفلة شاي" بدأت باحتجاج وانتهت باستقلال أميركا

يحتفظ الشاي بمركزه الثاني كأكثر المشروبات تناولاً بعد المياه (أ ف ب)

ملخص

بدأ الشاي مشروباً نخبوياً في دول مثل مصر مع الاحتلال الإنجليزي لكنه أصبح شعبوياً بعد ذلك مع الحرب العالمية الأولى... فما قصة الشاي مع العالم العربي؟

بالنعناع كان أو القرنفل بنكهة الميرمية أو الحبق، مجهزاً على الجمر أو موقد غاز، تختلف أشكال الشاي ومذاقاته أيضاً، بتعدد الأمزجة والأمكنة. يحتل مكانة بين الجميع، لا يضاهيها فيها مشروب آخر بعد الماء، فكأنه ملك على عرش المشروبات، وهو بين ذلك كله في يد الفقير والغني، بالمعنى الحرفي والاقتصادي.

المشروب الذي أطلقت على اسمه حروب، وبات له وجود في العالم السياسي منذ زمن طويل، بدأ الاحتفال به عالمياً للمرة الأولى في الخميس الـ21 من مايو (أيار) لعام 2020. واعتبر ذلك التاريخ "اليوم الدولي للشاي".

كان الهدف من الاحتفال تنفيذ الأنشطة الداعمة لإنتاج الشاي، وإذكاء الوعي بأهميته في مكافحة الجوع والفقر، وتمكين المرأة، إضافة إلى أهداف أخرى يحققها ذلك الكوب الصغير أو الكبير.

اقتصاد كبير

تقول منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، إن زراعة الشاي وإنتاجه وتصنيعه مصدر رئيس تعتمد عليه ملايين الأسر لكسب العيش، ومن شأن الاحتفال باليوم الدولي للشاي أن يعزز من تجارته بشكل مستدام، بما يضمن الحد من الفقر المدقع ومحاربة الجوع.

وبحسب المنظمة نفسها، فإن الشاي يدعم أكثر من 13 مليون شخص حول العالم، بمن في ذلك صغار المزارعين وأسرهم، المعتمدين عليه في سبل المعيشة، وبعضهم في البلاد الأقل نمواً.

 

كما يدخل الشاي في اقتصادات دول، فيعد مصدراً للدخل وعائدات الصادرات في بلدان تصنف على أنها أشد فقراً، وتتيح صناعة ذلك المشروب فرص عمل في مناطق نائية ومحرومة اقتصادياً، ويلعب دوراً في تنمية الريف وتحقيق الأمن الغذائي في البلدان النامية، بحسب بيانات للأمم المتحدة.

وخلال العقد الماضي، ازداد استهلاك الفرد للشاي حول العالم 2.2 في المئة، ووصلت كمية إنتاجه عالمياً في عام 2021 إلى 6.5 مليون طن، وتصل قيمة إنتاجه عالمياً نحو 18 مليار دولار سنوياً، أما إجمالي قيمة تجارة الشاي فتصل إلى 9.8 مليار دولار أميركي سنوياً.

وتعد البلدان الرئيسة لزراعة الشاي هي الصين والهند وكينيا وسيريلانكا، وذلك بحسب منظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة، فيما بلغ الاستهلاك العالمي للشاي، بحسب آخر إحصائية للجنة الدولية للشاي عام 2018، نحو 273 مليار ليتر في ذلك العام، أي نحو 748 مليون ليتر يومياً من الشاي.

المشروب الثاني عالمياً

وعلى رغم تعدد أشكال الشاي، فإنه جميعاً من نبات واحد، هو "كاميليا سينينسيس"، لكن الاختلافات في ما بين أوراقها لاختلاف ظروف نمو ذلك النبات باختلاف المناطق وعمليات إنتاجه، وهو دائم الخضرة على مدار العام.

ومن غير المعلوم وفقاً للأمم المتحدة، المكان المحدد لنمو نبات الشاي للمرة الأولى، ويعتقد أن استهلاكه بدأ في شمال شرقي الهند وشمال ميانمار وجنوب غربي الصين، لكن هناك أدلة على أن بداية استهلاكه في الصين بدأت قبل خمسة آلاف عام، بحسب ما تذكره الأمم المتحدة في بياناتها.

وقد يعزف البعض عن شرب القهوة، لكن الشاي يحتفظ بمركزه الثاني كأكثر المشروبات تناولاً بعد المياه، بحسب الأمم المتحدة، وهو رفيق شبه دائم في السهرات، وبين الضيف والمضيف، حتى باتت الدعوة إلى شربه تحمل عدة أوجه، فهو في بعضها دعوة للصلح، وفي بعضها الآخر للضيافة أو بداية للحظات تخطيط أو مع الساعات الأولى في العمل، بعبارة مختلفة والمعنى واحد "تعالَ اشرب شاي".

في السراء والضراء

وما يبدأ بكوب شاي واحد لا ينتهي عند ذلك الحد، إذ يعقبه أكواب أخرى بحسب رغبة كل شارب. والسكر والنكهات المختلفة تكون حاضرة في المشهد، سواء في منزل أو على نصبة شاي بالشارع أو في مقهى، حتى إن كثيرين يحتفظون بالشاي في أسفارهم ورحلاتهم الطويلة بحمله في أكواب تحفظ الحرارة، إذ لا غنى عنه لكثيرين في أي وقت ومكان.

 

ولا موعد محدداً لتناول الشاي فهو الرفيق في الصباح والمساء، قبل الأكل وبعده، لحظات الفرح والحزن، والعمل والترفيه، وهو اهتمام جعل منه مادة أساسية مدرجة في منظومة السلع المدعمة، ويصرف على بطاقات التموين في دول عربية عدة.

ويحتفظ الشاي رغم تعدد نكهاته، ببقائه كما هو في شكله المعهود، بالنسبة إلى كثير من شاربيه، بمن في ذلك الشباب، الذين يتزايد إقبالهم عالمياً على ذلك المشروب، فقد سجلت شرائح الاستهلاك الأكثر نمواً، وفي دول منتجة له، مثل الصين والهند، ويبحثون عن مزيد من تفاصيله كالجودة والأصل، سواء كانوا يشربونه في محلات الشاي المتخصصة، والمطاعم والفنادق والمقاهي، بحسب بيان للفاو، أشار إلى تزايد استهلاك الشاي عالمياً. ولا يضاف إلى المشروب الثاني عالمياً مواد تخرجه عن المألوف كما حدث مع القهوة في السنوات الأخيرة، كما أنه ليس مرتفع السعر مثلها.

الشاي والسياسة

وكان الشاي قديماً مقتصراً على المثقفين والطبقات الغنية، وعلامة على الثراء، وفي بعض الدول كانت له خصوصية دينية، إذ اقتصر شربه في اليابان التي نقلته من الصين عبر كهنتها، وقوافلها التجارية في القرن السادس، على رجال الدين، وتحول شربه إلى ما يشبه الطقس الديني.

كان الهولنديون أول من أدخلوا الشاي إلى أوروبا باستيراده عام 1609، لكن شركة الهند الشرقية الإنجليزية، استطاعت أن تضع يدها على استيراد الشاي، بدعم من الإمبراطورية البريطانية آنذاك.

 

وتقول مراجع تاريخية، إن الهند أصبحت ذات ثقل تجاري للشاي، بعد أن بحثت بريطانيا عن مصدر بديل للشاي المستورد من الصين، على أثر خلاف بين بريطانيا الشهيرة بأكواب الشاي، والصين، فلجأت شركة الهند الشرقية، لعالم نباتات وعهدت إليه بالذهاب متخفياً للصين، وتهريب الشاي إلى الهند، فنجح في ذلك، وأصبح للهند في ما بعد تجارة موازية للشاي.

لكن لتلك الشركة (الهند الشرقية) حكاية شهيرة مع الشاي، فقد مرر البرلمان البريطاني "قانون الشاي" عام 1773، بفرض ضرائب على عدة سلع في مستعمرات بريطانيا في أميركا، وكانت شركة الهند الشرقية تستورده، فقاطع الساكنون في المستعمرات الأميركية الشاي البريطاني، إلى أن صعد مجموعة على متن ثلاث سفن، تتبع شركة الهند الشرقية، في بوسطن، وأفرغوا ما فيها من الشاي في المياه، وهي الحادثة التي عرفت في ما بعد بـ"حفل شاي بوسطن" فتصاعدت الأمور إلى أن وصلت إلى حرب هزم فيها البريطانيون في "يورك تاون"، وكانت تلك شرارة لمزيد من الحروب والصراعات حتى حصلت أميركا على استقلالها.

العرب والمشروب الساخن

عرف العرب الشاي بشكل فعلي مع القرن الـ19، ولاقى انتشاراً في سوريا ومن قبله تركيا، بعد ترخيص الحكومة العثمانية استيراده، ثم انتشر بشكل أكبر في العالم العربي كله، وفي حين أنه بدأ مشروب نخبوي في دول مثل مصر مع الاحتلال الإنجليزي عام 1882، لكنه أصبح شعبوياً بعد ذلك مع الحرب العالمية الأولى التي كانت بين عامي 1914 و1918، كما تشير مراجع ومنشورات في صحف مصرية آنذاك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في العام الماضي، كان السعوديون يحتفون بالشاي في إقبال جماهيري كبير على معرض "ألوان الشاي الدولي" داخل قاعات معرض الرياض الدولي، كأول معرض متخصص في الشاي وتجهيزاته. ويعتبرونه إرثاً له ثقافته وأسلوب تناوله. وهو أمر ليس بالغريب إذ تأتي السعودية والكويت في المرتبة الأولى لاستهلاك الشاي عربياً، بمقدار 1.2 كيلو غرام سنوياً.

وفي المركز الثاني جاء المغرب بمقدار كيلوغرام سنوياً، أما مصر فقد كانت في المركز الثالث بـ0.9 كيلوغرام، وعمان في المركز الرابع بـ0.8 كيلوغرام، وتونس في المركز الخامس بـ0.7 كيلوغرام، ثم قطر والسودان في المركز السادس بمقدار 0.6 كيلوغرام، ثم العراق ولبنان والأردن والجزائر والبحرين بنصف كيلوغرام، ثم الإمارات بـ0.4 كيلوغرام، وهي جميعاً تفوق المعدل العالمي 0.2 كيلوغرام سنوياً من الشاي.

أما من ناحية الاستيراد عربياً، فالإمارات في المركز الأول، ثم مصر، يليهما السعودية، ثم المغرب، وذلك بحسب آخر إحصائية للجنة الدولية للشاي عام 2018.

شيفرة خاصة

ولكل شاي بحسب تفاصيل مقاديره، أو "تلقيمته" والمواد المضافة إليه، اسم مختلف، وفي المقاهي المصرية فإن الأمر يشبه شيفرة خاصة بالعاملين في المقاهي، فهناك شاي "فريسكا" وهو شاي قليل وسكر أكثر، وشاي "ميزة" وهو كوب لبن صاف مضاف إليه شاي وسكر، وشاي "بربري" وهو ثقيل مضاف إليه بعض اللبن، وشاي "على بوسطة" وهو شاي عادي، وللمقادير أيضاً لغتها، فإذا رغب الزبون في كمية شاي قليلة فإن الكوب يطلق عليه "خمسينة".

وما بين مقهى في مصر أو عربة في فلسطين أو منقل في السعودية، يظل للشاي مزاج خاص لدى شاربيه، يعدونه بأشكال مختلفة، فينتظرون وصول "الأتاي" كما يطلق عليه في المغرب إلى مرحلة "التشحيرة"، حين يترك على النار الهادئة بعد تحليته وغليه أو يضيفون إليه ما يشاؤون، فيصبح "الكرك" كما في العراق بإضافة اللبن والبهارات. تدور الملاعق في الأكواب، وتشرب وتقدم أخرى، من دون ملل أو كفاية، فكوب الشاي يعقبه كوب آخر.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات