Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تستثمر إسرائيل الحادثة الحدودية مع مصر؟

ستحصل تل أبيب على قائمة ترضيات سياسية ومسار العلاقات الراهنة سيقفز إلى مساحات من التعاون الاستراتيجي المهم

يعترف جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" أن هناك تقصيراً حقيقياً قد جرى في منطقة الحدود (أ ف ب)

ملخص

تعمل إسرائيل في اتجاه استثمار ما جرى على الحدود مع رسم سياسات أكثر واقعية في التعامل مع مصر... فما مستقبل العلاقات بين البلدين؟

تتحرك الدوائر الإسرائيلية في مستواها السياسي والأمني والاستراتيجي تجاه ما جرى في منطقة الحدود المصرية- الإسرائيلية التي كانت ساكنة منذ سنوات طويلة، للمطالبة بجملة من التغييرات التي تحتاج إليها لإعادة الهدوء إلى منطقة الحدود مجدداً، وهو ما سيأخذ بعض الوقت في ظل حالة من التوتر الراهن الذي يعم قطاعات الأمن والاستخبارات في إسرائيل، بخاصة أن الإجراءات التي اتخذت سواء على مستوى محاسبة المسؤولين العسكريين أو قيادات المنطقة الجنوبية قد تم، فماذا سيحدث، خصوصاً بعد أن تكثفت الاتصالات الرسمية، وأهمها تلقي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

إجراءات انفرادية

هناك اعتراف داخل جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" أن هناك تقصيراً حقيقياً قد جرى في منطقة الحدود، وأنه بصرف النظر عن التحقيقات التي تتم ولن تعلن نتائجها على الملأ ستكون محل نقاش عميق حول الخطوة التالية التي يمكن التعامل معها تجاه مصر، وما المطلوب لإعادة الأمور إلى نصابها، بخاصة مع حالة الارتياح إلى خروج الاتصالات المصرية - الإسرائيلية والتنسيق اللافت بين القاهرة وتل أبيب إلى النور، وهو مطلب كثيراً ما كانت إسرائيل تتحفظ على تبعاته، وتلتزم عدم النشر، وتعود في هذا الأمر إلى الرقابة العسكرية بصورة واضحة لتحديد مستويات النشر، لكن هذه المرة تركت الأمور إلى العلن مع إبداء الالتزام بخصوصية العلاقات مع مصر، حيث من الواضح أن هناك تيارين في إسرائيل تعاملا مع المشهد التالي.

التيار الأول يدعو إلى التهدئة، وهو الأغلب، واستثمار ما جرى في المطالبة ببعض الملفات التي كانت تتردد في لجنة الاتصال وخارجها ووفق رؤية أجهزة المعلومات الإسرائيلية، بخاصة "أمان"، وهي التي سمحت للجانب المصري بزيادة القوات في سيناء والانتقال من وإلى مناطق "أ، ب، ج" بحرية مع التنسيق المشترك، وفي هذا الإطار سيعمل هذا الرأي على المطالبة بوضع ضوابط التعامل الجديد، والانتقال من المطالبات إلى الحصول على مكاسب تتجاوز الحادثة الأخيرة بكثير.

وهذا الرأي يميل إلى توظيف ما حدث والانتقال بالعلاقات السياسية والاستراتيجية إلى مرحلة أخرى جديدة، وبما لا يخل بقواعد التعامل من دون المطالبة برجوع القوات المصرية أو إعادة انتشارها أو موضعها تخوفاً من أي ردود فعل جديدة في المرحلة الراهنة، التي تعتبر انتقالية.

ويميل هذا التصور إلى المطالبة بتطوير نظام قوات متعددة الجنسيات ومراقبة الحدود إلى السعي إلى مراقبة مشتركة وضبط منطقة الحدود بلجان ارتباط قائمة وتحرك مباشر وفق استراتيجية دعم وغيرها من الإجراءات مع الحفاظ على خصوصية التعاون الأمني والاستخباراتي القائم والمستقر.

ويؤكد ذلك ما قاله الجنرال عاموس يادلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" السابق، بضرورة عدم تخريب العلاقات المصرية- الإسرائيلية بسبب واقعة الحدود، وأن لدى إسرائيل علاقات سلام باردة مع مصر، لكنها ازدادت دفئاً في السنوات الماضية.

يقابل هذا التيار رأي آخر وهو الأقلية في "أمان"، ومجمع "موساد لي" الذي يضم قيادات أجهزة المعلومات بأكملها بأن على إسرائيل استثمار ما حدث، والانتقال من الشكل إلى المضمون وعدم الاكتفاء فقط باللقاءات والاتصالات المشتركة التي تفهم في إطار محاولات الجانب المصري الترضية للجانب الإسرائيلي.

مواقف محددة

هناك حالات عدة مع الجانب الأردني بل والمصري التي يمكن استخلاص نتائجها في العمل معاً والمطالبة بمناورات وتدريبات مشتركة والقيام بالتنسيق الكامل، وهو ما يتجاوز ما كان يجري من اتصالات في حجمها بين البلدين، والانتقال من التعاون الثنائي وتأمين الحدود المشتركة الذي يمكن أن يتم بصورة مباشرة وإجراءات وتدابير مهمة إلى نطاقات في البحرين الأحمر والمتوسط وباب المندب والخليج العربي، أي تعاون يتجاوز ما هو قائم في ظل رهانات بأن مصر يجب أن تنقل العلاقات من دوائر أمنية إلى سياسية مع العمل على تحسين شروط التعاون.

وفي إطار ما يجري في هذا التصور هناك جملة من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات في منظورهم، أولها لماذا تعود العلاقات المصرية- الإسرائيلية للمربع صفر؟ ولماذا كل هذا الكره لإسرائيل؟ وكيف تعامل المصريون مع الحادثة، واعتبروها أمراً طبيعياً في ظل استمرار حالة العداء المستمرة رغم توقيع معاهدة السلام بين البلدين منذ سنوات طويلة؟

وتظهر إسرائيل بأنها العدو الرئيس لمصر والعكس، الأمر الذي سيقلق إسرائيل من أي تغييرات حقيقية في المدى المتوسط والطويل، وهو ما يعني أن مصر قد تتحول إلى عدو في وقت لاحق، وهو ما يزعج إسرائيل، بخاصة مع الاستعدادات الكبيرة التي تقوم بها القاهرة من تطوير جيشها وحجم المناورات، وتنويع سلاحها، الأمر الذي قد يفسر بالاستعداد لمواجهة مقبلة، ولا يتوقف هذا التيار أمام كل ما يجري من قبل الجانبين للحفاظ على السلام مع مصر.

وفي إشارة لها معناها، فإن إسرائيل ستعمل على الحصول على قائمة ترضيات سياسية ومحاولة القفز على مسار العلاقات الراهنة إلى مساحات من التعاون الاستراتيجي المهم وإتمام زيارات لكل المسؤولين في البلدين. ولن يتم الاكتفاء بزيارات وزير الخارجية أو رؤساء أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، بل سيعاد تأكيد ضرورة زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لمصر، وزيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لإسرائيل، لتأكيد صيغة السلام الراهن وإتمامه ونقله إلى مرحلة أخرى من التوافقات السياسية والأمنية والاستراتيجية، وبما يخدم مساحات التعاون، ويحجم التباينات الراهن، بخاصة أن مطلب زيارة الرئيس المصري يأتي بمكاسب حقيقية للعلاقات الدبلوماسية، ويدعم الحكومة الراهنة، ويسهم في نقل رسالة إلى دول الإقليم الأخرى.

يؤكد ذلك سابقاً إعلان مصر وإسرائيل الاتفاق بينهما على تعزيز الوجود العسكري المصري في منطقة رفح الشرقية الحدودية شمال سيناء، في مؤشر إلى أن العلاقات بين البلدين كانت تشهد مزيداً من الدفء.

وكان متحدث الجيش الإسرائيلي قد أعلن عن الاتفاق، الذي قال إنه جرى التوصل إليه خلال اجتماع للجنة العسكرية المصرية - الإسرائيلية المشتركة، وذلك في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. وجاء هذا الاتفاق استناداً إلى الملحق الأول في معاهدة السلام التي جرى توقيعها بين مصر وإسرائيل عام 1979 التي تتيح تعديل ترتيبات الأمن المتفق عليها بناء على طلب أحد الطرفين وباتفاقهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم أن النص الأساسي للمعاهدة قضى بضرورة إقامة "ترتيبات أمن متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبون من الأمم المتحدة"، غير أن تفاصيل ذلك تركت إلى بروتوكول إضافي ألحق بالاتفاقية، وحدد حجم وتوزيع القوات في سيناء، وهو الأمر الذي ستطرأ عليه تعديلات بحسب الاتفاق، وكان الاتفاق الأصلي قد منع انتشار قوات عسكرية مصرية في المنطقة "ج"، وحصر الوجود الأمني فيها بالقوات متعددة الجنسيات والمراقبين، و"عناصر الشرطة المدنية المصرية المسلحة بأسلحة خفيفة" التي تتولى أداء المهام العادية للشرطة داخل هذه المنطقة.

وكان تعزيز الوجود العسكري المصري قد حد من تهريب المخدرات والذخيرة والمواد التي يمكن أن تستخدم في صناعة الأسلحة. على اعتبار أن الطرفين بلغا مستوى من التنسيق الاستراتيجي المشترك بعد كل هذه السنوات يجعل التخوف من اندلاع صراع عسكري قريب بينهما أمراً بعيداً.

في هذا السياق قد يكون هناك مطالبات تتردد في هذه الأجواء بالعمل وعدم الاكتفاء بوجود قوات متعددة الجنسيات الحالية، بخاصة أن الجانب الأميركي وفي وقت سابق دعا إلى تصفية وإنهاء دورها، وفي ظل الترتيبات الأمنية والاستراتيجية المتوقع أن تثار فإن السؤال كيف سيتم التعامل مع مهامها الكبرى في حفظ السلام بين الجانبين؟ هل سيكون ما جرى، أخيراً، على الحدود فرصة لن تتكرر، إما لإنهاء دورها أو تطوير وجودها، بخاصة أن القوات تعمل منذ سنوات طويلة، وبات وجودها أمراً مهماً، إضافة إلى أن الولايات المتحدة باتت لديها الرؤية، والمقاربة لتطوير العلاقات وتعزيزها بعمل مشترك مصري وإسرائيلي، وبدعم أميركي من دون تغيير القواعد الراهنة للعلاقات المشتركة، أو القفز على ثوابت ومعطيات العلاقات الحالية، بخاصة المعاهدة الرئيسة بصرف النظر عن الالتزام ببنودها أو اختراقها في ظل وجود هيكل مشترك في التصرف والمتابعة، وهو ما ينقل رسالة إلى احتمالات الذهاب إلى تغيير البروتوكول الأمني رسمياً خارج السياق الراهن.

وسبق لمصر وإسرائيل أن وقعتا اتفاق ممر صلاح الديني (فيلادليفيا) خارج سياق معاهدة السلام، كما أن نطاق العمليات اتسع ليصل إلى المنطقة "ج" في شمال سيناء التي تقع فيها رفح الشرقية بالاتفاق مع الجيش الإسرائيلي، لكن التعديل الأخير في الاتفاقية بينهما يجعل الأمر مقنناً إلى درجة كبيرة. مع تأكيد أن التحركات على الحدود كانت نشطة بين عامي 2004 و2012، إلى أن بنت إسرائيل سياجاً أمنياً بطول 241 كيلومتراً يمتد من إيلات وطابا على البحر الأحمر حتى نقطة التقاء الحدود المصرية الإسرائيلية - الفلسطينية شرق رفح.

ومن ثم فإن هناك فرصاً مختلفة ورؤية متعددة في إعادة هيكلة العلاقات المصرية - الإسرائيلية، بخاصة أن إسرائيل في حاجة إلى تطوير نظرية الأمن القومي التقليدية التي عملت بها منذ سنوات وسعت لتطوير بنودها، والبناء على ما يجري في الإقليم من تطورات سياسية أو أمنية، تطلبت إعادة النظر في الثوابت الحالية، وهو ما كان يجري.

ومن المفارقات أن إسرائيل تجري مناورات لضبط حالة الأمن والاستقرار في طول حدودها، وهي المناورات التي كانت محل تحفظ واعتراض من المعارضة الإسرائيلية، ومن الجنرالات السابقين الذين يرون أن الأمور لا تمضي لصالح إسرائيل، وأن الإشكالية الرئيسة في رسم سياسة أكثر حضوراً وثقة مع الجانب المصري، بخاصة أن مصر أنشأت مقر قيادة في سيناء للجيشين الثاني والثالث، وكذلك مقراً خاصاً لـ"القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة" التي تدير عمليات مكافحة الإرهاب في سيناء، وهذا المجمع في جبل أم خشيب مجهز بمركز عمليات يقع في قبو محصن على عمق 89 قدماً تحت الأرض، إضافة إلى بناء الجيش المصري منشأة بحرية كبيرة في شرق بورسعيد داخل سيناء.

الخلاصات الأخيرة

تعمل إسرائيل في اتجاه استثمار ما جرى على الحدود مع رسم سياسات أكثر واقعية في التعامل مع مصر، وعدم الاصطدام المباشر والعمل معاً في إطار توطيد العلاقات وتقويتها باعتبارها ركيزة لما هو قادم من تطورات قد تبدو مفصلية في مستوى العلاقات المشتركة، وتوظيف ما يجري لصالحها، وهو أمر طبيعي، تاركة ما دار ويدور على المستوى الشعبي لجهات أخرى في إسرائيل، وعلى رأسها الكتاب والمفكرون لتحليل ما يجري تحت عنوان كبير لماذا يكرهنا المصريون، ولماذا لم يذهبوا بالسلام مع إسرائيل إلى مساحات أخرى؟ هل لأن المصريين حاربوا وتفاوضوا، وبين إسرائيل ومصر جولات من المواجهات التي لم تحسم ولن تحسم في الوقت الراهن، وهو ما تتخوف إسرائيل من تبعاته الحالية والمتوقعة التي يمكن أن تمثل سيناريوهات لما سيجري.

تبقى الإشارة إلى أن وزارة الدفاع الأميركية تقوم وبصورة مكررة بتقديم مبادرات لتقليص حجم الوحدة الأميركية المكونة من 452 جندياً في القوة الدولية المتعددة الجنسيات التي يبلغ قوامها 1154 فرداً، والوحدة الأميركية هي الأساس لهذه القوة في ظل الرفض من قبل القاهرة وتل أبيب.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل