Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تتوالى خسائر اليسار ويتضاءل نفوذه في أميركا؟

اقتراب انتخابات 2024 يجعل بايدن أكثر ميلاً لتهميش الليبراليين

مع دخول الرئيس بايدن حلبة السباق الانتخابي من المرجح أن يتخذ مزيداً من المواقف الوسطية ليحقق وعده الانتخابي بأنه سيكون رئيساً لجميع الأميركيين (أ ب)

ملخص

مني اليسار الليبرالي في الولايات المتحدة بنكبات عدة خلال الأشهر الأخيرة ما ضاعف المخاوف لدى بعض التقدميين من حلفاء بايدن من أن نفوذهم يتضاءل

واجه التقدميون في أميركا هزيمة لاذعة خلال الأيام الأخيرة عندما وافق الكونغرس على صفقة سقف الديون بتوافق من الحزبين والتي عارضوها بشدة، ولم تكن تلك سوى نكسة أخرى يشهدها اليسار، خلال الشهر الماضي، ما ضاعف مخاوف التقدميين بأن نفوذهم على إدارة الرئيس جو بايدن وداخل الحزب الديمقراطي يتضاءل، بينما تستعد الولايات المتحدة لانتخابات أخرى في عام 2024، فما أبرز المعارك التي خسرها اليسار الليبرالي؟ وما سبب ابتعاد الرئيس بايدن عنهم هذا العام؟ ولماذا عانى مرشحهم من هزيمة محبطة في انتخابات عمدة فيلادلفيا بعدما حققوا انتصارات بارزة على مدار العام الماضي في مدن مثل لوس أنجليس وبوسطن وشيكاغو؟

مني اليسار الليبرالي في الولايات المتحدة بنكبات عدة خلال الأشهر الأخيرة ما ضاعف المخاوف لدى بعض التقدميين من حلفاء الرئيس بايدن من أن نفوذهم يتضاءل، في الوقت الذي تتسارع فيه الاستعدادات لانتخابات أخرى مشحونة في عام 2024، وتمثلت هذه الخسائر في خمس خيبات أمل مختلفة كما يلي:

صفقة الديون

كانت آخر نكسة عانى منها التقدميون هي تلك المتعلقة بهزيمتهم خلال اتفاق الديون الذي وصل إلى مأزق صعب في الأيام الأخيرة من مايو (أيار) الماضي قبيل تمرير ما يسمى "قانون المسؤولية المالية"، وهو القانون الذي تجنب تخلف الولايات المتحدة عن تسديد ديونها، وكان ينذر بكارثة اقتصادية على الصعيد الوطني والعالمي، فعلى رغم أن اليسار حصل على بعض ما يريده في الصفقة من خلال رفع سقف الدين ورفض بعض التنازلات التي أصر عليها الجمهوريون، إلا أن الاتفاق بين بايدن ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثي، تخلى أيضاً عن الكثير مما كانوا يرغبون فيه من وجهة نظرهم، وبخاصة التخلي عن مزايا اجتماعية كان يحصل عليها محدودو الدخل.

وبينما طلب العديد من الليبراليين في مجلس الشيوخ والنواب من بايدن استخدام التعديل الـ 14 لتجنب فرض شروط الجمهوريين وللحفاظ على مزايا الأسر العاملة، إلا أن مسعاهم فشل بسبب مخاوف بايدن من الطعن على هذا القرار غير المسبوق في التاريخ الأميركي على رغم اقتناعه بالمنطق والتفسير القانوني كمبرر له.

وأعربت بعض هذه الأصوات نفسها عن شعورها بالعزلة عن العملية بعدما تجنبت إدارة بايدن اطلاعهم على تفاصيل المفاوضات في اللحظات الحاسمة، وسارعوا إلى تصنيفها على أنها صفقة يقودها الجمهوريون، كما اتهموا الحزب الجمهوري باستخدام تكتيكات "خطف الرهائن" من أجل تمرير الصفقة.

وفي نهاية المطاف حذر المشرعون اليساريون من أن الحزب الديمقراطي بحاجة إلى معرفة كيفية إجراء تغييرات كبيرة في مشكلة سقف الديون وحدود الميزانية الفيدرالية قبل أن تحدث المعركة نفسها مرة أخرى في غضون عامين، وحتى الآن من غير المعروف ما إذا كان القادة الديمقراطيون، وبخاصة التقدميين منهم، مهتمين بالخوض في أي إصلاحات جوهرية يمكن أن تنتقص من رغباتهم ومطالبهم.

قضية المناخ

وأصيب التقدميون بالإحباط من إدارة بايدن بشأن خط أنابيب "ماونتن فالي" و"مشروع ويلو"، وكلاهما سيفيدان ولايتين جمهوريتين هما وست فيرجينيا وألاسكا، لكنهما سيضران بالمناخ والبيئة على المدى الطويل وهو ما أثار غضب الليبراليين بسبب عدم الالتفات إلى مواقفهم ضد المخاوف من التأثير السلبي على البيئة والمناخ، بما يناقض مواقف الديمقراطيين الرسمية المعلنة على المستوى الوطني والدولي.

ويعد مشروع خط أنابيب "ماونتن فالي" للغاز الطبيعي الذي يمتد من شمال ولاية وست فيرجينيا إلى جنوب ولاية فيرجينيا، مفيداً في تعزيز خدمة الغاز وتوسيع الفرص للأنشطة التجارية والتصنيعية، غير أن نشطاء المناخ والبيئة وغالبية الليبراليين اليساريين يستشهدون بتقارير حذرت من أن خط الأنابيب سيؤدي إلى انبعاثات سنوية تزيد على 89 مليون طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون أي ما يعادل إضافة 26 محطة طاقة تعمل بالفحم أو انبعاثات 19 مليون سيارة ركاب، في حين أن "مشروع ويلو" الذي سيتم بمقتضاه بيع أراض في ألاسكا لاستخراج 180 ألف برميل من النفط يومياً، ما سيفيد اقتصاد ألاسكا كثيراً ويعزز أمن الطاقة في الولايات المتحدة من خلال تقليل الاعتماد على الطاقة الأجنبية، لكن المشروع سيطلق، وفقاً لتقديرات الحكومة الأميركية، نحو 9.2 مليون طن متري من الكربون سنوياً، والذي يعد أحد أسوأ العوامل المساهمة في ظاهرة الاحتباس الحراري، وهو ضرر بيئي يساوي الضرر الناتج من إضافة مليوني سيارة إلى الطريق.

وعلى رغم أن الأمور كانت تسير على ما يرام بين نشطاء المناخ وأعضاء الدائرة المقربة من الرئيس بايدن، وأعرب كلا المعسكرين عن أملهما في وقت مبكر من إدارته، في أن تكون لديهما رؤية مشتركة، واستمر هذا التفاؤل بعد أن حصل الرئيس الأميركي على سلسلة من الإجراءات التي تحافظ على المناخ في قانون الحد من التضخم التي أسعدت النشطاء وطمأنتهم بشأن استراتيجيته في ما يتعلق بالكوكب، إلا أنه في الفترة التي سبقت موسم الانتخابات الرئاسية، ذهب بايدن في اتجاه أثار قلق المدافعين عن المناخ في الكونغرس، حيث تم الإعلان عن "مشروع ويلو"، في ألاسكا بمليارات الدولارات، ما أثار غضب التقدميين الذين احتجوا على هذه الخطوة وقاتلوا البيت الأبيض وجهاً لوجه.

والآن، فإن الصفقة التي تم التوصل إليها مع الجمهوريين، وصدق عليها الحزبان الجمهوري والديمقراطي لتجنب التخلف عن السداد، أقرت أيضاً خط أنابيب "ماونتن فالي"، بمساعدة من السيناتور الوسطي جو مانشين والسيناتور كيرستن سينيما، وكلاهما اصطدما برغبات اليسار الليبرالي خلال العامين الأخيرين، ويتوقع أن يستفيدا من إقرار المشروعين في انتخابات مجلس الشيوخ التي سيخوضها كل منهما عام 2024. 

الهجرة

وكان التقدميون مستائين من تعامل بايدن مع قضية الحدود، وحثوه على التمييز بشكل أوضح بين موقفه وموقف الحزب الجمهوري، فعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات، أي منذ بداية وباء "كوفيد-19"، استخدم مسؤولو الحدود الأميركية في عهد الرئيسين دونالد ترمب وجو بايدن ما يسمى "الباب 42" في القانون والذي يعود إلى عام 1944 لطرد مئات الآلاف من المهاجرين إلى المكسيك أو بلدانهم الأصلية على أساس أن دخولهم قد يسهم في انتشار فيروس كورونا.

وفي حين أن البند القانوني يعد إجراء رسمياً للصحة العامة، إلا أنه استخدم كأداة لردع الدخول إلى الولايات المتحدة من خلال الحدود بشكل غير قانوني، لا سيما في ظل إدارة بايدن التي واجهت موجة هجرة غير مسبوقة تغذيها الهجرات الجماعية من البلدان المنكوبة بالأزمات مثل كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا، ولهذا دان الديمقراطيون التقدميون استخدام البند 42 لأنه منع المهاجرين من طلب اللجوء، وهو حق قانوني يتمتعون به عادة إذا وصلوا إلى الأراضي الأميركية، في حين صوره الجمهوريون على أنه أداة فعالة لمراقبة الحدود، واقترحوا الاستمرار في استخدام هذا البند من خلال قانون بحيث يمكن استخدامه خارج سياق الوباء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال الأسبوع الماضي، أعلن تحالف يضم أكثر من 10 مدعين عامين في الولايات التي يسيطر عليها الحزب الجمهوري، مقاضاة إدارة بايدن بسبب إقرار قاعدة يقولون إنها تجعل من السهل على المهاجرين دخول الحدود على رغم المسارات القانونية التي حددتها إدارة بايدن حديثاً بعد انتهاء صلاحية الفقرة 42، الشهر الماضي، ما يجعل إدارة بايدن تحت الضغوط بشكل دائم، وفي حين أن التقدميين لم يقولوا إن التحدي القانوني الجديد هو خطأ بايدن، فإن كثيرين من اليساريين لا يزالون قلقين بشأن الاتجاه الذي ستتخذه الإدارة على الحدود مع اشتداد حمى الانتخابات الرئاسية واستمرار الضغوط على بايدن، بخاصة أن هذا الملف تطرحه غالبية المرشحين الجمهوريين بما قد يدفع الرئيس الأميركي لاتخاذ مواقف وسطية من شأنها أن تثير غضب اليسار الليبرالي.

القروض الطلابية

خلال إدارة بايدن، حفزت سياسات قليلة القاعدة التقدمية مثل احتمال إعفاء ما يصل إلى آلاف الدولارات من قروض ملايين الطلاب المتعثرين، وهو قرار حفز الناخبين الشباب وألهمهم للخروج للتصويت في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ما ساعد على تأمين سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس الشيوخ وخفض ما توقعه الكثيرون أنه سيكون فوزاً ساحقاً للجمهوريين.

لكن هذه الإثارة تضاءلت، عندما طعنت ولايات عدة بقيادة الجمهوريين في الأمر التنفيذي لبايدن الذي يعفي الطلاب المقترضين المؤهلين ما بين 10000 و20000 دولار، ما جعل جدوى الأمر موضع تساؤل.

وعلى رغم رفض قاض فيدرالي لتلك الدعوى، فقد دخلت القضية في معارك قانونية عدة وتم نقلها إلى المحكمة العليا، والتي من المرجح أن تصدر قراراً في وقت لاحق من يونيو (حزيران) الجاري، ومع ذلك لقد تركت هذه الحادثة الكثيرين غير متأكدين من أن الغالبية المحافظة في المحكمة العليا ستحكم لمصلحة الإلغاء.

ومثلت هذه التطورات ضربة كبيرة للتقدميين الذين قاتلوا خلال دورات الانتخابات، وفي أثناء فترة ولاية بايدن الأولى في المنصب لضمان إعفاء الديون للطلاب، لكن ما زاد الطين بلة أن صفقة سقف الدين غيرت وضع الخطة أكثر فأكثر من خلال إجبار المقترضين على استئناف المدفوعات خلال الصيف.

سباق عمدة فيلادلفيا

وحقق التقدميون عدداً من الانتصارات البارزة على مدار العام الماضي في مدن مثل لوس أنجليس وبوسطن وشيكاغو، وتحدوا الحملة التي انتشرت ضدهم بأنهم ينفرون الناخبين ويؤدون إلى خسارة الحزب الديمقراطي، لكن اليسار عانى من هزيمة محبطة أخيراً في انتخابات رئاسة بلدية فيلادلفيا، حيث تغلبت المرشحة الوسطية لرئاسة البلدية شيريل باركر على العديد من المتنافسين الليبراليين.

وكان ملف الجريمة، نقطة الخلاف الرئيسة داخل الحزب الديمقراطي، وكافح الليبراليون لتغيير الآراء بأن نهجهم أفضل من المواقف المتشددة للسلامة العامة، بما في ذلك الموقف الذي تفضله باركر، بينما سعى الديمقراطيون إلى تحقيق توازن بين معالجة مخاوف الناخبين بشأن معدلات الجريمة والعنف المتزايدين في الجيوب الحضرية، وبين رسم تناقض مع رسالة العدالة الجنائية المتشددة للجمهوريين.

وعلى رغم أن هذا السجل كان مختلطاً في النهاية، إلا أن فوز باركر في فيلادلفيا يمكن أن يعزز حجة الديمقراطيين الوسطيين بأن النهج الصارم حول الجريمة هو الاستراتيجية الأكثر قابلية للتطبيق في المنافسات الانتخابية في المدن والضواحي.

ومع دخول الرئيس بايدن حلبة السباق الانتخابي، من المرجح أن يتخذ مزيداً من المواقف الوسطية ليحقق وعده الانتخابي السابق بأنه سيكون رئيساً لجميع الأميركيين، وهو ما سيزيد من مشاعر اليسار بالتهميش حتى انتهاء انتخابات عام 2024.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل