Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخرطوم بين قيامتين... نار الحرب وأمطار الخريف

ما زالت ترتعد تحت القصف ولن تستطيع التصدي للسيول المقبلة بعد دمار البنية التحتية وغياب التنسيق وشلل "الأرصاد"

يزداد الوضع تعقيداً حيث سبقت سيول الدم والدموع والحزن أوجاع الخريف المنتظرة (أ ف ب)

ملخص

أغرقتها الدماء والدمار والأشلاء... فمن ينقذ العاصمة السودانية من سيول الخريف؟

من دون حرب، وحتى قبل أن تغتال آلات الدمار والمعارك ما تبقى من البنية التحتية للعاصمة السودانية لم تكن الخرطوم يوماً بمنأى من كوارث فصل الخريف وسيوله المتدفقة من سهل البطانة بالشرق ووديان غرب أم درمان، فكيف سيواجه حطام الخرطوم هذه المحنة الجديدة، في غياب أي تحوطات أو استعدادات، وقد بدأت مناوشات موسم الأمطار بالفعل؟

الموت مرتان

يزداد الوضع تعقيداً حيث سبقت سيول الدم والدموع والحزن أوجاع الخريف المنتظرة، وتحطمت البنية التحتية لتصبح الخرطوم مكشوفة أمام الأمطار، مهددة بالموت للمرة الثانية بمضاعفات أمطار وسيول هذا الموسم.

تشكو الخرطوم أصلاً من تدهور البنيات التحتية وضعف مجاري تصريف الأمطار، لكن يبدو أن المصائب لا تأتي فرادى، وقد تكالبت على الخرطوم هذه الأيام تختبر عزمها، فبينما بدأت الولايات تشكيل لجان وغرف طوارئ لمجابهة آثار الخريف كعادة كل عام، وقطعت شوطاً في الترتيبات الخاصة بذلك، وعقدت اجتماعات عدة في كل من كسلا ونهر النيل وولايات أخرى، فإن الخرطوم ما زالت ترتعد تحت القصف ودوي مدافع "الدوشكا"، ومواطنوها مشغولون بالبحث عن الأمن والغذاء.

تغيب عن العاصمة أيضاً هذا العام حتى نشرات الأرصاد الجوية وتوقعات نسب ومواعيد هطول الأمطار، ومع غياب الاستعدادات والترتيبات والتحوطات للخريف يتوقع متخصصون ومراقبون أن تتضاعف الأضرار المادية والبشرية والصحية والبيئية جراء الأمطار.

البدايات والمخاوف

شهدت الخرطوم خلال الأسابيع الماضية بداية الهطول المبكر لأمطار خفيفة تتحسس مساربها وسط الركام والأنقاض، وقد زادت تداعيات الحرب الطين بلة مع ضعف قنوات التصريف وبخاصة في مناطق شمال بحري وشمال كرري وجنوب أم درمان، في وقت لا يعلم أحد أي معدلات متوقعة للأمطار هذا الموسم بتوقف عمل الهيئة العامة للأرصاد الجوية بسبب الحرب، وفق ما أكده مصدر مسؤول بالهيئة.

في غياب الحلول الجذرية، يكشف كل خريف مدى ضعف وهشاشة البنية التحتية والخلل الهيكلي في مصارف مياه الأمطار بالعاصمة طوال سنوات مضت، بينما ظلت جهود السلطات تنصب في الحلول الإسعافية لمواجهة تداعيات ما بعد كل كارثة، مما ينبئ بأوضاع وتداعيات لا يتصورها أحد في ظل الدمار المهول الذي أحدثته الحرب الدائرة حتى اليوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبل الحرب كانت معظم شوارع الخرطوم تعاني مشكلات هندسية، حيث لم يراع فيها الانحدار اللازم، فأصبحت الطرق نفسها مصارف سطحية للمياه.

مصدر متخصص بالدفاع المدني كشف لـ"اندبندنت عربية"، أن الخرطوم تفتقد في خريف هذا العام كل الترتيبات والاستعدادات الاستباقية التي كانت تتم عادة قبل كل خريف، إذ كان يجري في مثل هذه الأيام تشكيل لجان وغرف طوارئ لرصد ومتابعة تحديات تصريف مياه الأمطار.

ويضيف المصدر "كانت تلك اللجان والغرف تعمل تحت إشراف اللجنة العليا للحد من مخاطر الأمطار والسيول والفيضانات على مستوى الولاية، كآليات مؤسسية منوط بها اتخاذ جميع الترتيبات الخاصة بأعمال الطوارئ، لكن غابت الآن حتى اللجان الميدانية، مما يعني عدم إمكانية أي متابعة أو مراقبة هندسية أو صحية كما كان الأمر في السابق".

كما كان المجلس القومي للدفاع المدني سيعقد دورته الـ42 قبل الخريف بأسابيع، بحضور جميع ولاة وحكام الأقاليم والولايات لبحث محاور خطة الاستعداد، وتوفير وتوظيف الإمكانات بغرض الحد من الكوارث وتقليل الآثار الناجمة عنها. وهنا يضيف المصدر قائلاً "لم تترك الحرب مؤسسة إلا وطاولها قدر من الدمار، وليس هناك أي مجال لاستعدادات أو ترتيبات".

تحطم البنية التحتية

كشف المصدر أن الآثار المدمرة للحرب طاولت كل البنى التحتية وجل المؤسسات التي يعول عليها في التخطيط والتنفيذ لمواجهة الأمطار، وأيضاً الغرف التي تتابع الأوضاع من كثب لحظة بلحظة، وتم القضاء على حلم برنامج الإنذار المبكر الذي كان يعول عليه كثيراً وكاد يصبح واقعاً، إذ كان من المنتظر أن يتم هذا العام استكمال تفعيل نظام معلومات الطوارئ بعد إدخال تقنيات وأجهزة متطورة تمكن من الإنذار المبكر بالتعاون مع المجتمعات المحلية، لكن قضت هذه الحرب على هذا النظام تماماً".

ويضيف مسؤول الدفاع المدني "لم يتم حتى اليوم تطهير الترع ومخرات السيول، كما لم تتم تعلية التروس والجسور، والارتكازات على مناطق الهشاشة بالنيل غائبة نتيجة الدمار، بالتالي لم يبق أمام المواطن المسكين الذي تتضاعف مآسييه كل يوم إلا أن يكابد مرات ومرات، ليس من أجل حماية نفسه من رصاص المعارك ومداهمات اللصوص والميليشيات فحسب، بل بات عليه أيضاً مجابهة مخاطر الخريف والأمطار والسيول هذا العام".

انهيار صحي وبيئي

من جانبه حذر الناشط البيئي عبدالرؤوف حسنين، من أنه مع المشكلات الكبيرة التي كانت قائمة في الأصل من فقر البنيات التحتية وما تفرزه من مشكلات صحية وبيئة، فإن خريف هذا العام سيفاقم الوضع الصحي والبيئي على نحو لا مثيل له، بالنظر إلى تزامن كل هذه المشكلات مع الدمار الكبير الذي أحدثته الحرب، والانتشار الكثيف لمخلفات المعارك من ركام وجثامين لم تدفن بعد وأخرى في مناطق مجهولة، على رغم تمكن الصليب الأحمر وبعض المتطوعين من دفن ما يزيد على 210 من جثث الحرب في الخرطوم حتى الآن.

ولفت الناشط إلى أن التراكم الكبير جداً للنفايات العادية، إلى جانب مخلفات الذخائر المتفجرة وغير المتفجرة ونفايات الحرائق الضخمة بالأسواق والمصانع، تمثل مهددات بيئية خطرة، بخاصة إذا اختلطت بمياه الأمطار وكونت في غياب التصريف بركاً راكدة قد تصبح سامة، ويضاف إلى كل ذلك غياب أي عمل استباقي في وقت تعاني البلاد أصلاً من تعقيدات وضائقة اقتصادية.

وأوضح الناشط البيئي أن غياب الاستعدادات السنوية للخريف على مستوى الولاية بسبب الحرب، مع عدم إمكانية التخلص العاجل من النفايات المتراكمة قبل حلول موسم الأمطار سيجعل بيئة الخرطوم غير صالحة للعيش، وسيشكل مع عوامل أخرى محاضن لتوالد الذباب والبعوض مما يهدد بانتشار أمراض وبائية كالملاريا والتيفويد وغيرها.

وطالب المواطنين بالإسهام بقدر الإمكان في التقليل من المخاطر المتوقعة عبر العمل على مستوى أحيائهم بشكل مبكر ودفن النفايات العضوية في حال عدم التمكن من التخلص منها.

إرث التخطيط السيئ

على الصعيد نفسه، أوضح مهندس تخطيط المدن صلاح عثمان لـ"اندبندنت عربية" أن غياب إدارة حضرية تتولى وضع وتنفيذ الدراسات والبحوث راكم أخطاء هندسية باتت الخرطوم تدفع ثمنها كل خريف، فهي في الأصل تعاني مشكلات ضعف تصريف المياه والغرق المتكرر لشوارعها.

وأشار عثمان إلى أن بعض الشوارع الرئيسة في الخرطوم مصممة على عكس اتجاه الانحدار الكنتوري، وهو ما يفاقم مسألة تراكم المياه في ظل غياب مجاري سفلية، بالتالي فهي تحتاج إلى إجراء معالجات هندسية كنتورية أساسية لكل المشروعات والمنشآت التي شيدت في ما سبق من دون مراعاة لأي اعتبارات مساحية، مشدداً على ضرورة وجود آلية مركزية للتخطيط تضم كل جهات الاختصاص، وتحتكر إصدار تصديقات وتصاريح أي إنشاءات أو مبان ومشروعات، لضمان التزامها المعايير العلمية والهندسية السليمة.

وكانت العاصمة السودانية الخرطوم، على رغم الاستعدادات وغرف العمليات والتحركات المبكرة في إطار التحوطات لفصل الخريف الماضي، تتعرض لتراكم كميات كبيرة من المياه والبرك في الشوارع ووسط الأحياء.

وعلى مدى سنوات تكررت كوارث الأمطار والسيول بصورة شبه دائمة في السودان، محدثة أضراراً كبيرة في ولاية الخرطوم نتيجة تدهور البنية التحتية، حيث شهدت عام 2022 تضرر آلاف المنازل وسقوط عشرات الضحايا في الخرطوم وعدد من الولايات الأخرى.

فالسنوات الأربع الماضية شهدت حدوث كوارث مدمرة بسبب السيول والفيضانات، أسفرت عن مصرع 120 مواطناً، إلى جانب أضرار مادية كبيرة طاولت أكثر من نصف مليون نسمة، فضلاً عن انهيار أكثر من 40 ألف منزل، وتضرر ما يزيد على 118 ألفاً أخرى، إضافة إلى تدمير 250 مرفقاً و97751 ألف فدان ونفوق 5930 ألفاً من الحيوانات الأليفة والدواجن، وشملت الأضرار ولايات الجزيرة، والخرطوم، وسنار، والنيل الأبيض، والبحر الأحمر، وشمال وشرق دارفور.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير