Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مآلات حرب الخرطوم بين الحسم العسكري وتطوير الهدنة

محللون: الجيش يملك إنهاء المعارك بإعلان التعبئة العامة والوسطاء يخشون عودة الإسلاميين لحمل السلاح

تظل هناك أخطار كبيرة من طول أمد الحرب أهمها زيادة عدد الضحايا المدنيين وتدمير ما تبقى من بنى تحتية (أ ف ب)

ملخص

يرجح باحثون أن المعارك قد لا تطول أكثر مما طالت بالنظر إلى الانتهاكات الجسيمة التي رافقتها تجاه المدنيين الذين كانوا ولا يزالون الخاسر الأكبر في هذه الحرب.

مع احتدام معارك الخرطوم التي تجاوزت حتى الآن 40 يوماً، لا يزال الناس يسألون بلهفة متى تنتهي الحرب؟ بعد أن فاقت معاناة الموجودين منهم داخل العاصمة كل الحدود، وتشتت الفارون أيادي سبأ، وتباينت رؤى المراقبين والمحللين بين من يستبعد إمكان الحسم العسكري للحرب كونها من نوع حروب المدن، وبين مناد بالوقف الفوري لها أو بتطوير الهدنات الهشة المتلاحقة إلى وقف تام لإطلاق النار، فإلى أين تمضي الأمور؟ وما هو مستقبل القتال الدائر؟

انتصار وإصلاح

يؤكد المحلل السياسي عبدالعزيز البشرى أنه مهما طال أمد الحرب فسيكون الانتصار لمصلحة القوات المسلحة التي هي بالنسبة إلى كل السودانيين فوق كل انتماء وحصن الدولة السودانية، لكنها لن تعود لسابق عهدها من حيث التركيب والبنية، بل ستحتاج إلى كثير من الإصلاحات السياسية مع إعطاء الأولوية لاستعادة الثورة وأهدافها التي تصب في إطار إعادة صياغة الدولة السودانية بكل مكوناتها.

ويشير البشرى إلى أن قوات الدعم السريع ليس لها برنامج سياسي، فهي ليست حزباً بل فصيلاً عسكرياً أنشأته السلطة المركزية لحكومة البشير ثم قننته، فضلاً عن خسارتها المعنوية وفقدانها أي تعاطف شعبي بعد الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها باحتلال البيوت ونهبها وطرد سكانها، راسمة صورة قاتمة ومكروهة لدى عامة الناس مما رأته أعينهم.

ويحمّل المحلل السياسي نظام البشير مسؤولية صناعة ميليشيات الدعم السريع، وبالقدر ذاته يرى أن كل من القيادة الحالية للجيش والقوى المدنية التي شاركتها قيادة الفترة الانتقالية مسؤولة أيضاً عن تطور الأوضاع بدخول قائد هذه الميليشيات حاكماً إلى القصر الرئاسي، مما عزز طموحه وعلاقاته خارجياً بحصوله على حلفاء إقليميين ودوليين التقت مصالحهم معه، مما سيضاعف كلفة الحرب المادية والبشرية.

ويرى البشرى أنه لا بد من أن يترافق وقف الحرب مع مشروع سياسي واضح الأسس والمعالم مسنود بالإرادة الشعبية، من أجل فتح المجال لواقع جديد في التحول الديمقراطي، وبناء جيش قومي مهني موحد بدمج ما تبقى من قوات الدعم السريع فيه، مع توسيع عملية السلام لتضم حركتي كل من عبدالواحد محمد نور في دافور، وعبدالعزيز الحلو في جنوب كردفان.

خيارات الأطراف

وعلى الصعيد ذاته يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية الزمزمي بشير عبدالمحمود أنه على رغم انعدام وجه المقارنة بين الجيش السوداني كمؤسسة قومية عريقة سابقة لقيام الدولة السودانية الحديثة، وبين قوات الدعم السريع التي لا يتجاوز عمرها الأعوام الـ 10، تظل هناك أخطار كبيرة من طول أمد الحرب، أهمها الزيادة المتوقعة في عدد الضحايا المدنيين وتدمير وفقدان ما تبقى من البنى التحتية في البلاد.

ويشير الزمزمي إلى أن الجيش يملك خيارات عدة لإنهاء الحرب ومن بينها إعلان التعبئة العامة لحسم المعركة واستدعاء قوات الاحتياط، وهو ما تتخوف منه الوساطة السعودية - الأميركية، كونه سيفسح المجال للإسلاميين لحمل السلاح مما قد يشكل خطورة على الفترة الانتقالية، ويزيد مخاوف عودتهم للسلطة مجدداً، بخاصة أن لديهم مجموعات مؤهلة ومدربة على القتال قد تسرع من كسبهم للمعركة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح أستاذ العلوم السياسية، "يبقى متاحاً أمام الجيش أن يقوم بعمليات نوعية للقضاء على قوات الدعم السريع وإحداث ارتباك وخلل واضطرابات في داخلها، وعمل قيادة بديلة لأسرة دقلو تقبل وتوقع على الدمج مع الجيش"، متكهناً باحتمال ربط ذلك بصفقة تزيح الفريق عبدالفتاح البرهان من قيادة الجيش ورئاسة مجلس السيادة الانتقالي.

وفي ما يخص الطرف الآخر فيشير الزمزمي إلى وجود إشكال في التواصل بين قوات الدعم السريع وقادتها الميدانيين والجنود، كما أن عدداً كبيراً من قياداتها لا يؤمنون بالهدنة ولا تؤمن عواقب أفعالهم، وبعضهم لا يثق في نيات الولايات المتحدة بالنظر إلى الشكوك الأميركية في علاقاتهم مع روسيا وشركة "فاغنر".

ومع كل ذلك لا يستبعد المحلل السياسي أن تقبل قيادة الدعم السريع تطوير مفاوضات الوساطة السعودية - الأميركية ودمج قواتها مع الجيش برعاية الطرفين، باعتباره الخيار الأسرع والأقل كلفة، متوقعاً أن تقوم سلطة مدنية برئاسة عسكرية تضم الحركات المسلحة وبعض القوى بهدف قطع الطريق أمام الإسلاميين الذين يريدون الاستفادة من الفراغ السياسي.

ضمير العالم المؤرق

وفي السياق يرجح الباحث السياسي محمد علي يوسف أن الحرب قد لا تطول أكثر مما طالت، بالنظر إلى الانتهاكات الجسيمة التي رافقتها تجاه المدنيين الذين كانوا ولا يزالون الخاسر الأكبر في هذه الحرب، فقد دفعوا ثمن المعارك الضارية لوحدهم بفقدان سبل معاشهم وديارهم، وقبلها أمنهم واستقرارهم وكل أسباب الحياة، مما يشكل عبئاً أخلاقياً وسياسياً على كل الدول والمنظمات الإقليمية والدولية وضمير العالم، وبالتالي الضغط بشدة وبكل الوسائل الممكنة لإيقافها خلال الأيام المقبلة.

ويشير يوسف إلى أن الحرب الجارية في السودان بشكل عام والخرطوم بخاصة وما صاحبها من انتهاكات، هي صراع سياسي بالأساس، لكن تتشابك وتتقاطع فيه المصالح الإقليمية والدولية التي تضع في اعتبارها قبل الانخراط في صناعة المشهد الجديد، مآلات ما بعد الحرب.

ويلفت الباحث السياسي إلى أنه في الوقت الذي يبدو أن أطراف القتال منشغلون بتفاصيل إدارة المعارك اليومية من دون أي اعتبار للكارثة التي تطرق أبواب المدنيين، تتركز جهود الفاعلين الدوليين لوقف الحرب على مدخل حماية المدنيين من الانتهاكات المروعة التي يتعرضون لها، وتفادي تحولها إلى حرب أهلية قد يطاول شررها بعض دول الإقليم.

ولذلك يرى يوسف ضرورة التركيز على تشجيع جهود تقليل حدة النزاع وتضييق نطاقه، وصولاً إلى وقف الحرب بصورة نهائية والكف عن محاولات التجييش المجتمعي من طريق الدعوات المتكررة للمواطنين المدنيين إلى حمل السلاح والدفاع عن أنفسهم، محذراً من أن الزج بمكونات المجتمع في أتون المعركة قد يؤدي إلى حرب أهلية يصعب التنبؤ بمآلاتها.

ويحذر الباحث السياسي من تطور الانقسام الذي يشهده الرأي العام السوداني والسجالات التي لا تنتهي بين المنادين بالحسم العسكري والمطالبين بالوقف الفوري للحرب تحت شعارات "لا للحرب" و "أقفوا هذه الحرب اللعينة" إلى حال من التشظي المجتمعي، بخاصة مع بروز خطابات التخوين واتهامات إشعال الحرب بين الفئتين، إذ تتهم الثانية الأولى بأنها من أشعلت الحرب، وترد عليها الأولى بتهم الخيانة وموالاة قوات الدعم السريع.

وقف الحرب أولاً

وعلى نحو متصل بحث نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة فولكر بيرتس، ورئيس قسم شرق أفريقيا بالخارجية الألمانية تورستن هوتر، كل على حدة، الأوضاع في السودان وكيفية العمل على حل الأزمة وإنهاء الاقتتال الذي لا يزال دائراً في العاصمة الخرطوم ومناطق مختلفة من كردفان ودارفور.

وأوضح عقار في تعميم صحافي أنه أكد خلال لقاءاته الثلاثة أن الأولوية الراهنة هي إيقاف الحرب في المقام الأول، واستعادة الأمن للمواطنين وضمان حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية إليهم، بعيداً من الحديث عن أية عملية سياسية أو نقاش حول السلطة في الوقت الحالي.

ووجه عقار رسالة إلى جميع القوى السياسية والرفاق في الجبهة الثورية والأحزاب السياسية الوطنية ومنظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة والمتطوعين الأبطال والمواطنين السودانيين كافة، لإيقاف الحرب بأسرع ما يمكن، لافتاً إلى أن وقف مزيد من الدمار والخراب في البلاد هو الهدف الذي ينبغي أن يوحد الجميع في هذا الوقت الحرج، بوضع مصلحة السودان أولاً.

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة ضرورة الإسراع والتعجيل ببدء عملية فاعلة للإغاثة الإنسانية للسودانيين العالقين في مناطق الحرب والنازحين في أنحاء البلاد واللاجئين إلى دول الجوار، معتبراً أن التراخي في تخفيف الآثار الكارثية للحرب على المواطنين أمر غير مقبول.

وشدد التعميم على أن الوضع في السودان يحتاج إلى عملية سلام جادة مبنية على تحليل حقيقي للواقع، وأن تتم داخل البيت الأفريقي تحت مظلة الآلية الرئاسية التي كونتها "إيغاد" من رؤساء دول جنوب السودان وكينيا وجيبوتي، وبمشاركة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والشركاء المهمومين بالسلام في السودان كافة، لتقديم الدعم التقني والسياسي اللازم، داعياً إلى توحيد جميع المبادرات المطروحة تفادياً للتأثير السلبي لتعدد المنابر على العملية السلمية.

مجلس السلم يدين

وكان مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي دعا في بيان له إلى الوقف الفوري للقتال من دون شروط مسبقة، مشيراً إلى أنه لا حل عسكرياً لأزمة السودان.

وناشد المجلس في قراره رقم (1156) طرفي النزاع في السودان الوقف الفوري للحرب من دون أي شروط مسبقة، واعتماد الوسائل السلمية لحل الخلافات ومواصلة العملية السياسية التي تنتهي إلى حكم ديمقراطي منتخب.

ودان المجلس خلال اجتماعه الذي انعقد في مقر الاتحاد الأفريقي، 27 مايو (أيار) الحالي، الحرب ووصفها بأنها "عبثية وتشكل خطراً حقيقياً على حياة المدنيين، وتمثل خرقاً فاضحاً لاتفاقات فيينا المتعلقة بحماية البعثات الدبلوماسية، وانتهاكاً للقانون الإنساني الدولي".

ورحب بيان المجلس باتفاقات جدة الخاصة بإعلان حماية المدنيين، واتفاق الهدنة الموقتة لوقف العدائيات، مشيداً بدور السعودية والولايات المتحدة في تسهيل التوصل إلى هذا الاتفاق، ومؤكداً أهمية مشاركة أصحاب المصلحة من السودانيين والاتحاد الأفريقي و"إيغاد" خلال المفاوضات المقبلة للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وإكمال العملية السياسية للانتقال.

ويصف مراقبون مخرجات اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي بأنها مهمة وتنطوي على تأكيد تنسيق الجهود الدولية لإنهاء الحرب في السودان، كما تؤكد اعتماد مبدأ الحلول الأفريقية لقضايا القارة والمدعوم من المؤسسات الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي الذي اتفق الأعضاء دائمو العضوية فيه على اعتماد قرارات المؤسسات الإقليمية بالإجماع، مما يفتح الطريق لتنسيق قرارات دولية مهمة لإنهاء الحرب المندلعة في السودان منذ الـ 15 من أبريل (نيسان) الماضي، ووضع حد لمآسيها المتفاقمة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير