Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الموت فجأة"... شبح جديد يتهدد المصريين

100 ألف حالة سنوياً والضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وراء الظاهرة والقطاع الطبي يتصدر

الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر عززت من فرص انتشار الموت المفاجئ في مصر (أ ف ب)

ملخص

أظهرت نتائج دراسة علمية حول الموت المفاجئ في مصر أن ألف شاب من بين كل ثمانية آلاف معرضون للموت المفاجئ

"هل راودك يوماً شعور بأن تسلب حياتك بلا أي مقدمات ومن دون سابق إنذار؟"، لم يعد ذلك التساؤل من قبيل الأمور الافتراضية، بل باتت الإجابة عنه ضرورة حتمية وملحة في وقتنا الراهن بمصر، لا سيما في ظل الانتشار الواسع لحالات الموت المفاجئ التي باتت تشكل كابوساً مفزعاً، مما دق ناقوس الخطر، ودفع المؤسسات المعنية بالشأن الصحي والتشريعي إلى وضعها في صدارة الأولويات، لمعرفة العوامل المسببة لانتشار تلك الظاهرة، والظروف المحيطة بها، وما إذا كانت متعلقة بفئات وشرائح عمرية محددة، وكيف يمكن تجنبها في المستقبل؟

وكشف تقرير رسمي صادر عن منظمة الصحة العالمية في ديسمبر (كانون الأول) عن عام 2020، عن أن أمراض القلب تعتبر السبب الرئيس للوفاة على الصعيد العالمي على مدى السنوات العشرين الماضية، إذ ارتفع عدد الوفيات الناجمة عنها إلى تسعة ملايين حالة وفاة في عام 2019، مقارنة بمليونين في عام 2000.

ووفقاً للتقرير، فإن داء القلب الإقفاري أشد الأمراض فتكاً في العالم ومسؤول عن 16 في المئة من إجمالي الوفيات في العالم، تليه السكتة الدماغية وداء الانسداد الرئوي المزمن.

وقائع متكررة

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية اتشحت حسابات عدة منسوبة إلى مصريين في قطاعات مختلفة، سواء كانت فنية أو رياضية أو حتى من بين عموم الناس، بالسواد، نتيجة انتشار وقائع حالات الموت المفاجئ لذويهم وأصدقائهم، بخاصة ممن يوصفون بـأنهم في "ربيع العمر".

وآخر تلك الوقائع كانت وفاة الفنان المصري مصطفى درويش، الذي ووري الثرى في مايو (أيار) الجاري، عن عمر ناهز 43 سنة، على أثر إصابته بضعف في عضلة القلب التي توقفت بشكل فجائي تسبب في وفاته في الحال، على رغم عدم معاناته من أية مشكلات صحية سبقت الوفاة، بحسب ما ذكرت نقابة المهن التمثيلية بمصر، آنذاك.

ولم تكن حالة درويش متفردة بذاتها، بل كانت استكمالاً لسلسلة من الأحزان المتوالية على صعيد رحيل عدد من البارزين فنياً، أبرزهم هيثم أحمد زكي وعلاء ولي الدين وعمرو سمير وممدوح عبدالعليم.

ولم يقتصر الأمر عند حد الأسماء اللامعة بمصر، بل كان لافتاً ظهور حالات عديدة بين الممارسين للرياضة، وأيضاً داخل القطاع الطبي سواء على مستوى الأطباء أو قطاعات التمريض، فلا يكاد يمضي يوم إلا وتظهر منشورات عبر منصات التواصل الاجتماعي لنماذج طبية فارقت الحياة بشكل مفاجئ.

ويعضد هذا الأمر البيان الذي سبق أن أصدرته نقابة الأطباء بمصر في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي عقب اجتماع هيئة مكتبها، في شأن أسباب عمل الأطباء فترات طويلة تصل إلى ساعات وأيام في بعض الأوقات، وعزت ذلك إلى ضغوط العمل وعجز العناصر في بعض الجهات مثل المستشفيات الجامعية والمبالغ المتدنية للرواتب والنوبتجيات.

وأظهر البيان أن معدلات وفيات شباب الأطباء من خارج إصابات كورونا وصل إلى طبيبين كل شهر في عام 2022، مقابل ثلاث وفيات في عام 2018، و11 وفاة في عام 2019، و7 وفيات عام 2020، و10 وفيات عام 2021.

عوامل خطر مستجدة

وفي هذا السياق يقول عميد معهد القلب الأسبق جمال شعبان "توجد مسببات رئيسة للموت المفاجئ، يأتي في مقدمتها الضغط المرتفع والسكر والكوليسترول، علاوة على أمراض السمنة والتدخين والعوامل الجينية والوراثية وعدم ممارسة الرياضة، وجميعها تعد من عوامل الإصابة بأزمات القلب والشرايين والسكتات الدماغية".

غير أنه في الوقت ذاته يرى شعبان في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن هناك عوامل خطر مستجدة جرى اكتشافها "تتمثل في الإصابة بالشرايين التاجية الجديدة الناجمة عن الحالات المصحوبة بالتهاب عام في الجسم، ومشكلات الحمل والولادة، وملوثات الهواء، إضافة إلى الأنماط الصحية الخاطئة، مثل عدم تناول وجبات الإفطار، وكذلك مشروبات تحتوي على السكر والمحليات الصناعية على المدى الطويل، والتعرض لضغوط العمل فترات طويلة".

وأشارت تقديرات مشتركة أولية صادرة عن منظمة الصحة العالمية والعمل الدولية، في 17 سبتمبر (أيلول) 2021، في شأن عبء الأمراض والإصابات المرتبطة بالعمل، لتسبب الأمراض والإصابات المرتبطة بالعمل في وفاة 1.9 مليون شخص في عام 2016، وكانت غالبية الوفيات ناجمة عن أمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية.

100 ألف حالة سنوياً بمصر

"لا يوجد رصد دقيق لعدد حالات الموت المفاجئ بمصر، إلا أن التقديرات غير الرسمية ترجح أن النسب تقدر سنوياً بـ100 ألف حالة، بالمقارنة بأميركا التي تسجل 300 ألف حالة وفاة"، يقول شعبان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعدد عميد معهد القلب بعض الأعراض التي تؤدي إلى جلطات في المخ والقلب، كالصداع والتنميل في جانب من الجسم واختلال درجات الوعي، علاوة على التوتر والصدمات العاطفية، قائلاً "يوجد نوعان من الخلايا حينما يموتان لا يمكن أن يعوضهما شيء أو ينمو مكانهما، وهما خلايا المخ والقلب".

وفي هذه الأثناء، يبين شعبان أن الصدمات المبكرة في الحياة والضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية بسبب الظروف المحيطة من عوامل الخطورة، لا سيما على الأفراد الصغار ومتوسطي العمر.

ويتماشى ذلك مع التصريحات الصحافية التي سبق وأدلت بها ممثل منظمة الصحة العالمية بمصر نعيمة القصير، أن أمراض القلب تتسبب في وفاة نحو 17.9 مليون شخص كل عام، موضحة أن ثلاثة أرباع تلك الوفيات تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وأن نسبة الوفيات بسبب أمراض القلب في مصر وصلت إلى 40 في المئة عام 2018.

التصاعد المستمر في حالات الموت المفاجئ دفع نواباً بالبرلمان المصري في مايو الحالي، إلى توجيه طلبات إحاطة لوزير الصحة والسكان، للتساؤل عن أسباب انتشار الظاهرة بين الأوساط الشبابية وكيفية مواجهتها.

فحوص دورية

ويطرح المتخصص في أمراض الكبد والجهاز الهضمي أشرف عمر بعداً آخر في القضية، إذ سلط الضوء على ضرورة إجراء فحوص دورية وبصفة مستمرة لتجنب أخطار الموت الفجائي، مشدداً على ضرورة الابتعاد عن عوامل الخطورة، مثل الضغط المرتفع والوزن الزائد وأمراض الكبد الدهني.

يتماشى ذلك، مع ما كشف عنه مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الصحة والوقاية محمد عوض تاج الدين، في تصريحات سابقة، عن أن مبادرة 100 مليون صحة أظهرت حالات مرضية كثيرة منها ما قد يؤدي إلى الموت المفاجئ.

ويفسر عمر، خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، حالات الوفاة المفاجئة لعدد من ممارسي الرياضة إلى بذل مجهود مضاعف في أثناء ممارسة النشاط الرياضي والتوقف عنه فجأة.

وشدد أستاذ أمراض الكبد على ضرورة حصول صالات الجيم (أماكن لممارسة الرياضة)، على شهادات وتقارير طبية قبل استقبال الممارسين للرياضة للتأكد من عدم وجود مشكلات قد تهدد حياتهم في المستقبل، مستشهداً بواقعة وفاة الفنان المصري عمرو سمير، الذي توفي بسبب هبوط حاد في الدورة الدموية بعد بذله مجهوداً كبيراً في أثناء ممارسة الرياضة.

وفي مارس (آذار) 2017، كشف فريق دولي من العلماء من (كندا، وجنوب أفريقيا، وإيطاليا)، النقاب عن الجين المسؤول عن زيادة أخطار وقوع الشباب والرياضيين ضحية للموت المفاجئ، وعرفوه بأنه جين (CDH2)، وهو اضطراب وراثي يضاعف من احتمالات الإصابة بالسكتة القلبية، ويشكل سبباً رئيساً للوفاة المفاجئة غير المتوقعة بين الشباب.

الأخبار الصادمة تعزز انتشار الظاهرة

"الاضطرابات والضغوط النفسية ليست بمنأى عن تلك القضية، وتعتبر من عوامل الخطورة"، بحسب ما يرى المتخصص في الطب النفسي جمال فرويز، مشدداً على ضرورة تجنب الصدمات النفسية والحزن والضغوط العصبية الشديدة التي تؤثر بدورها في القلب والمخ، وتحدث مشكلات خطرة قد تؤدي في النهاية إلى الموت الفجائي، مؤكداً أن فرص الوفاة تزيد مع الأشخاص الذين لديهم عيوب خلقية في القلب أو المخ.

وأظهرت نتائج دراسة علمية مصرية حول الموت المفاجئ للشباب أفصح عنها مؤسس طب الحالات الحرجة بمصر شريف مختار، في تصريحات تلفزيونية سابقة، أن ألف شاب من بين كل ثمانية آلاف معرضون للموت المفاجئ، قائلاً "توترات الحياة تجعل الجسم يفرز هرمون الأدرينالين الذي يرفع الضغط ويؤثر في الدم، وتم إجراء فحص للبحث عن التاريخ الأسري في شأن الإصابة بالسكتة القلبية، وتبين أن 290 لديهم تاريخ أسري للإصابة بالمرض".

فيما ترى المتخصصة في علم الاجتماع بجامعة عين شمس هالة منصور أن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر، علاوة على فقدان الأمان النفسي وفشل العلاقات الاجتماعية والعاطفية، عوامل عززت من فرص انتشار تلك الظاهرة.

ويعضد ذلك البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية بأن أكثر من ثلاثة أرباع الوفيات الناجمة عن الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

وتبين المتخصصة في علم الاجتماع في حديثها إلى "اندبندنت عربية" أنه يجب مراعاة التعامل بحرص مع الأخبار الصادمة، بخاصة المنتشرة على صفحات التواصل الاجتماعي، لأنها تخلق بدورها حالة من القلق والإحباط، وهو ما يرفع نسب الحالات بصورة أكبر، مؤكدة ضرورة عمل حملات توعية لتجنب تداعياتها في المستقبل.

وأطلقت الهيئة العامة للرعاية الصحية بمصر في مايو من العام الحالي حملة توعوية للمحافظة على القلب من أخطار الموت القلبي المفاجئ، موضحة أنه في أغلب الحالات تحدث بين سن 40 و75 سنة، وتشمل الأعراض ألماً شديداً بالصدر وضيقاً بالتنفس مفاجئاً وتسارعاً واضطراباً بضربات القلب ودواراً ودوخة شديدة مع فقدان القدرة على بذل الجهد.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات