Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محطات مهمة في مسيرة الدولار إلى عرش عملات العالم

من الحرب العالمية الأولى واقتراض الحلفاء من أميركا إلى صدمة نيكسون وإلغاء قاعدة الذهب

عقد الثمانينيات من القرن الـ20 كان الأسوأ لقيمة الورقة الخضراء نتيجة الركود التضخمي في الولايات المتحدة(أ ف ب)

ملخص

عام 1971 فك الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ارتباط الدولار بالذهب على أن يحدد سعر الصرف بشكل حر في السوق.

في ظل تصاعد الحديث عن تهديد عرش الدولار الأميركي كعملة احتياط رئيسة في العالم والعملة المهيمنة على التعاملات النقدية والتجارية الدولية وكذلك عملة تقييم القدر الأكبر من الديون الخارجية للدول، من المهم معرفة مسيرة العملة الأميركية منذ إطلاقها بشكلها الحالي وحتى اليوم.

بدأ طبع الدولار بالشكل الذي نعرفه حالياً مع تأسيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي عام 1914.

لكن عملة الدولار كانت العملة الأميركية منذ الاستقلال عام 1776 وتبنت الولايات المتحدة علامة الدولار بعد ذلك بتسع سنوات عام 1785.

وعام 1863 أسست الحكومة الأميركية مكتب إدارة العملة ومكتب العملة الوطنية وبدأت تلك الهيئات الحكومية بطباعة العملة الأميركية وصكها عام 1869، وكانت العملة تصك وتطبع من قبل شركات خاصة قبل هذا التاريخ، وتولت الخزانة الأميركية مسؤولية الإصدار نهاية القرن الـ19 عام 1890.

وصدر قانون الاحتياطي الفيدرالي عام 1913 كرد فعل على اضطراب النظام النقدي وعدم الاستقرار للعملات التي كانت من قبل تصدرها البنوك المختلفة، إذ كان كل بنك يصدر عملته، ومع تأسيس الاحتياطي الفيدرالي في العام التالي كان الاقتصاد الأميركي أصبح أكبر اقتصاد في العالم متجاوزاً الاقتصاد البريطاني الذي كان يحتل تلك المرتبة من قبل.

أزمة انهيار البنوك الأولى

شهد الدولار الأميركي أزمة انهيار في قيمته مطلع القرن الماضي مع أزمة "الهلع المصرفي" عام 1907، إذ بدأت الأزمة في مدينة نيويورك لتنتشر في أنحاء الولايات المتحدة، وكانت شرارة الأزمة انهيار شركة تداول الأوراق المالية للمستثمر أوتو هاينز بعد فشل رهانه الهائل على سهم شركة النحاس "يونيون كوبر"، كما انهار بنك "ستيت سيفنغ بنك أوف بوته" الذي يملكه هاينز كما انهارت بنوك أخرى عدة، وكادت نيويورك أن تفلس تماماً لولا تدخل المستثمر جيه بي مورغان وإقناعه عدداً من الشركاء بشراء سندات دين بقيمة 30 مليون دولار.

ونتيجة فقدان الثقة بالنظام المصرفي الأميركي وقتها هوى سعر صرف الدولار، كما أن الأثر الاقتصادي لأزمة انهيارات البنوك ضغط على الدولار نزولاً أيضاً، إذ ارتفعت معدلات البطالة وقتها من نسبة ثلاثة في المئة إلى نسبة ثمانية في المئة وتراجع الإنتاج في الاقتصاد بنسبة 11 في المئة وهبطت الواردات بنسبة 26 في المئة.

الحرب العالمية الأولى

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، كانت معظم الدول الكبرى تربط عملاتها بالذهب كأفضل طريقة لضمان استقرار أسعار الصرف، لكن الحرب جعلت غالبية تلك الدول تتوقف عن قاعدة الذهب وتدفع كلفة متطلباتها العسكرية نقداً، (العملات الورقية) وأدى ذلك إلى انخفاض قيمة عملات تلك الدول وسعر صرفها.

وكانت بريطانيا الوحيدة التي أبقت على ربط الجنيه الاسترليني بالذهب، إذ إن معظم المعاملات التجارية العالمية في ذلك الوقت كانت بالجنيه الاسترليني.

وبدأت بريطانيا تحت ضغط الحرب الاقتراض بكثافة للمرة الأولى واضطرت إلى التخلي عن ربط الجنيه بالذهب عام 1931.

 وفي فترة الحرب العالمية الأولى كانت كل الدول تقترض من الولايات المتحدة، وأصبحت أميركا حائزة على نحو ثلاثة أرباع الذهب في العالم، ومع نهاية الحرب وبحلول مطلع الثلاثينيات من القرن الـ20 أصبح الدولار عملة الاحتياط الدولية، فأزاح الجنيه الاسترليني عن عرش العملة الدولية الأولى.

إلى ذلك انتعش الاقتصاد الأميركي بقوة في عشرينيات القرن الماضي وزاد التفاؤل بتكوين الثروة وسميت تلك الفترة "العشرينيات الزاعقة"، أي بالتفاؤل في الاقتصاد وقوة العملة، واستمر الغليان في الاقتصاد والأسواق الأميركية إلى قرب نهاية عشرينيات القرن الماضي.

الثلاثاء الأسود

في الـ 29 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1929 انهارت بورصة نيويورك فيما أصبح يعرف باسم "الثلاثاء الأسود"، بعدما فقدت البورصة أكثر من ربع قيمتها في غضون 24 ساعة فحسب، وأدى ذلك إلى انهيار قيمة الدولار الأميركي مع تردد المستثمرين في شراء سندات الخزانة أو الأصول المقيمة بالدولار.

 كانت تلك الفترة بداية ما أصبح يعرف بفترة "الكساد الكبير"، إذ استمر الركود في الاقتصاد الأميركي والاقتصاد العالمي لأعوام، لكن انخفاض سعر صرف الدولار في ذلك الوقت ساعد الاقتصاد الأميركي بطريقة غير مباشرة، إذ إن المنتجات الأميركية أصبحت أكثر تنافسية في الخارج، مما ساعد على زيادة الصادرات، لكن العملة الأميركية شهدت تراجعاً في قيمتها عن مقابلها من الذهب، خصوصاً بعد مراكمة الاحتياطي الفيدرالي لسندات الخزانة طويلة الأجل على كشف حسابه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبدأ المواطنون والعملاء يبيعون الدولار ويكنزون الذهب إلى أن صدر قانون احتياط الذهب عام 1933، وكان الاحتياطي الفيدرالي مطالباً بأن تكون لديه نسبة 40 في المئة على الأقل من قيمة عملاته في السوق بالذهب، لكنه كان وصل إلى حده الأقصى، فأصدر الرئيس روزفلت القانون الشهير المعروف بالقانون رقم 6102 الذي ألزم كل الأميركيين بيع كل ما لديهم من الذهب، باستثناء كمية قليلة من الجنيهات الذهبية، إلى الاحتياطي الفيدرالي بسعر محدد عند 20.67 دولار للأوقية.

وبعد استحواذ الاحتياطي الفيدرالي على كل ذهب الأميركيين، صدر قانون في العام التالي يحد من تحويل الدولارات إلى ذهب، إذ كانت العملة مثلها مثل عملات الدول الكبرى مربوطة بقيمة محددة من الذهب، وبالطبع حال ذلك دون موجة بيع للدولار كما حدث في 1929 حين استبدل الناس الدولارات بالذهب.

بريتون وودز

بعدما أدت الحرب العالمية الأولى والكساد الكبير إلى التخلي تقريباً عن قاعدة ربط العملات بالذهب، عادت من جديد قاعدة الذهب مع الحرب العالمية الثانية حتى نهايتها، وكان الدولار المستفيد الأكبر مرة أخرى، إذ لم تدخل الولايات المتحدة الحرب إلا في آخرها، لكنها كانت المورد الرئيس للسلاح وغيره من حاجات الحلفاء خلال أعوام الحرب، وكانت تلك الدول تدفع لأميركا بالذهب، مما جعل استمرار قاعدة الذهب مستحيلة، إذ نفدت تقريباً احتياطات دول الحلفاء منه.

وكان ذلك وراء عقد مؤتمر "بريتون وودز" في شمال شرقي أميركا حيث التقت وفود 44 دولة لمدة 22 يوماً وانتهى المؤتمر بالاتفاق على نظام صرف عملات دولي يقضي بالتخلي عن ربط العملة بالذهب، وإنما ربط عملات الدول بالدولار على أساس أن الدولار ترتبط قيمته بالذهب.

 وهكذا تحتفظ البنوك المركزية باحتياطاتها النقدية بالدولار، أو سندات الخزانة الدولارية، وتكون الولايات المتحدة مستعدة لتحويل تلك الدولارات إلى ذهب عند الطلب.

صدمة نيكسون

  وكان ذلك تتويجاً للدولار الأميركي كعملة احتياط دولية رئيسة نتيجة اتفاق "بريتون وودز"، وشرعت أميركا مع نهاية الستينيات في برامج داخلية تطلبت تمويلاً هائلاً، فضلاً عن تمويل الحرب المكلفة في فيتنام التي انتهت بهزيمة أميركية، لذلك لجأت الحكومة الأميركية إلى بيع سندات خزانة بكميات هائلة للاحتياطي الفيدرالي الذي أخذ يطبع دولارات للحكومة مقابلها، مما أدى إلى انخفاض شديد في قيمة الدولار وارتفعت قيمة أوقية الذهب رسمياً من 35 دولاراً (معيار ربط الدولار بالذهب) إلى 200 دولار للأوقية تقريباً.

في ذلك الوقت اتهم الرئيس الفرنسي شارل ديغول الولايات المتحدة بخفض قيمة عملتها عمداً على حساب الدول الأخرى في العالم، وبدأت دول كثيرة تحويل احتياطاتها من الدولارات إلى ذهب وكان على أميركا تحمل الفارق.

عام 1971 أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون فك ارتباط الدولار بالذهب على أن يحدد سعر الصرف بشكل حر في السوق مثل العملات الأخرى في العالم، وعرف ذلك القرار وقتها باسم "صدمة نيكسون"، وهكذا أصبح الدولار عملة ورقية فحسب لا تمثل أي قيمة بالذهب، بالتالي لم يعد ممكناً للبنوك المركزية حول العالم تحويل احتياطاتها من الدولار، أو من سندات الخزانة الدولارية إلى ذهب، ونتيجة ذلك أخذ سعر الذهب في الارتفاع حتى تضاعف سعر الأوقية ثلاث مرات في نحو 10 أعوام.

الركود التضخمي

ظهرت آثار صدمة نيكسون في ما بعد بالنصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، إضافة إلى أزمة النفط آنذاك التي ضغطت أيضاً على قيمة العملة الأميركية نتيجة ارتفاع التضخم، إلا أن عقد الثمانينيات من القرن الـ20 كان الأسوأ لقيمة الورقة الخضراء نتيجة الركود التضخمي في الولايات المتحدة، وفي ذلك الوقت، على سبيل المثال، وصلت الفائدة على قروض الرهن العقاري للأميركيين إلى أكثر من 21 في المئة، ولم يتعاف الدولار إلا في النصف الثاني من الثمانينيات.

بورصة وهجوم وأعاصير

مع مطلع التسيعينات كانت فورة شركات التكنولوجيا وشركات الإنترنت، وبقرب نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي، كان ذلك القطاع الجديد وصل إلى مرحلة من الغليان توشك على الانفجار، إذ أصبحت القيمة السوقية لشركات الإنترنت (ومنها جاء وصف فقاعة "دوت كوم") مغالى فيها بشكل هائل، ومع انهيار الأسواق هوى سعر صرف الدولار، خصوصاً مقابل عملات رئيسة مثل الجنيه الاسترليني، إذ لم تكن العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) صدرت رسمياً آنذاك.

وشهد الدولار تراجعاً حاداً في سعر الصرف مرتين بعد انفجار فقاعة "دوت كوم" وحتى الوصول إلى الأزمة المالية العالمية الأخيرة، أولاهما كانت في أعقاب هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001 التي أدت إلى انهيار البورصات الأميركية لتفقد في الأسبوع التالي للهجمات وحده 1.4 تريليون دولار، بينما كانت الثانية نتيجة الدمار الذي نتج من إعصاري "كاترينا" و"ريتا" عام 2005 وبلغت خسائره أكثر من 100 مليار دولار. وتضررت الأسواق الأميركية بشدة، مما زاد الضغط على قيمة العملة وتراجع سعر صرف الدولار.

الأزمة المالية العالمية

كانت أحدث محطة مهمة في مسار الورقة الخضراء الأزمة المالية العالمية في 2007 – 2008 والناجمة عن انهيار بنوك نتيجة فقاعة المشتقات المالية الوهمية في الأسواق، خصوصاً تلك المرتبطة بقروض الرهن العقاري الأميركي، ومنذ ذلك الحين بدأت كثير من دول العالم تخفض من الدولارات في احتياطاتها الأجنبية لدى البنوك المركزية، وبعدما كان للدولار النصيب الأكبر لنحو ثلاثة أرباع تلك الاحتياطات العالمية، أصبح الآن يمثل أقل من نصف تلك الاحتياطات النقدية.

وكان اليورو صدر واستقر، فأصبح يستحوذ على أقل من ربع تلك الاحتياطات النقدية الأجنبية لدى البنوك المركزية حول العالم، كما أن المدفوعات والتحويلات في التعاملات المالية والتجارية حول العالم أصبحت تنجز بعملات أخرى غير الدولار من اليوان الصيني إلى الروبل الروسي والرند الجنوب أفريقي، وذلك طبعاً إضافة إلى العملات الرئيسة التقليدية من اليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني والفرنك السويسري.

اقرأ المزيد