Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يتهافت المصريون على شهادات الادخار؟

تخطت الحصيلة 27 مليار دولار في 21 يوماً وسط تحليلات تقول إن الهدف هو امتصاص السيولة من الاقتصاد المحلي

إقبال المصريين على شراء الشهادات الجديدة أعاد إلى الأذهان الحصيلة القياسية لشهادات قناة السويس (رويترز)

تخطت حصيلة البنوك الوطنية المملوكة للدولة المصرية، من بيع شهادات ادخار ذات عائد الـ18 في المئة، حاجز نصف تريليون جنيه (نحو 27.42 مليار دولار أميركي) في غضون 3 أسابيع. وبلغت حصيلة بيع تلك الشهادات إلى العملاء في اليوم الحادي والعشرين منذ طرحها، 505 مليارات جنيه (27.4 مليار دولار) في أعقاب خفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي بمقدار 14 في المئة، على إثر رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة في جلسة استثنائية صباح يوم الاثنين 21 مارس (آذار) الماضي.
الإقبال المكثف من المصريين على شراء الشهادات الجديدة التي طرحها أكبر بنكين تابعين للدولة "الأهلي المصري" و"مصر"، أعاد إلى الأذهان الحصيلة القياسية لشهادات قناة السويس ذات عائد الـ15.5 في المئة التي طرحتها البنوك في عام 2014، لتمويل حفر قناة السويس الجديدة، وهو ما دفع "اندبندنت عربية" إلى التوجه إلى المسؤولين والباحثين والأكاديميين، لتفسير سلوك المصريين ودوافعهم لشراء مثل هذا النوع من الشهادات.

27 مليار دولار في 21 يوماً

في البداية، أكد رئيس مجلس إدارة "بنك مصر"، محمد الإتربي، وصول حصيلة طرح شهادة الادخار ذات عائد الـ18 في المئة، إلى 160 مليار جنيه (8.6 مليار دولار) عبر فروع البنك المنتشرة في المحافظات، متوقعاً ارتفاع الحصيلة إلى 170 مليار جنيه (9.2 مليار دولار) قبل منتصف الشهر الحالي، في ظل الإقبال الشديد من قبل العملاء على شراء الشهادة التي لا تزيد مدة استحقاقها عن عام واحد، وتبدأ بفئات من الـ1000 جنيه (55 دولاراً)، ومضاعفاتها.
وفي السياق، قال نائب رئيس البنك الأهلي المصري، يحيي أبو الفتوح، إن "إقبال المواطنين والعملاء على شراء الشهادة ذات العائد الأكبر في الأسواق المحلية فاق التوقعات"، مؤكداً أن البنك باع حتى الآن ما يزيد على الـ345 مليار جنيه (18.7 مليار دولار). وأوضح أن "أغلب أصحاب الودائع والشهادات الادخارية الأخرى كسروا تلك الشهادات، للاستفادة من العائد المرتفع لشهادة الـ18 في المئة".
وطرح البنكان شهادات الادخار بعائد 18 في المئة بعد ساعات من خفض البنك المركزي قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي بنحو 14 في المئة، مباشرةً بعد جلسة استثنائية أعلنت خلالها لجنة السياسة النقدية في المركزي المصري في 21 مارس الماضي، رفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، أو ما يعادل 1 في المئة، بعد أيام قليلة من رفع عدد من البنوك المركزية العالمية والإقليمية أسعار الفائدة، وعلى رأسها البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بعد أن رفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة مئوية للمرة الأولى منذ عام 2018.
وتحرك سعرا عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي بواقع 100 نقطة أساس، ليصل إلى 9.25 في المئة و10.25 في المئة و9.75 في المئة على الترتيب، كما جرى رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 9.75 في المئة.

امتصاص السيولة

من جانبه، قال المدير غير التنفيذي للبنك التجاري الدولي، شريف سامي، إن "إصدار أكبر بنكين مملوكين للدولة أوعية ادخارية بعائد وصل إلى 18 في المئة هدفه الرئيس هو امتصاص السيولة من جسد الاقتصاد المحلي". وأضاف، "كلما زادت السيولة النقدية في أيدي المواطنين، زاد التضخم، إلى جانب جذب شرائح جديدة من العملاء والمستثمرين بعد فترة تراجع منذ عام 2020، عندما بدأ البنك المركزي المصري في سياسة خفض أسعار الفائدة في عام الجائحة، علاوةً على الحفاظ على القوة الشرائية للنقود من التآكل".
وخفض "المركزي المصري" أسعار الفائدة بمقدار 4 في المئة خلال عام 2020، تضمنت 3 في المئة دفعة واحدة خلال اجتماع مفاجئ أيضاً في مارس، كإجراء استباقي لمواجهة تداعيات أزمة جائحة كورونا.

تسييل الذهب لشراء الشهادات

من جانبه، قال عضو مجلس إدارة غرفة الذهب بالغرفة التجارية بالقاهرة، محمد أبو السعود، إن "الأيام الأخيرة من مارس الماضي شهدت تراجعاً كبيراً في أسعار الذهب، خصوصاً في عيار الذهب 21" (الأكثر شعبية عند المصريين)، مفسراً ذلك بعمليات بيع مكثف من المستهلكين، أو ما نطلق عليه تسمية "تسييل الذهب" من أجل شراء شهادات الادخار ذات العائد المرتفع، مشيراً إلى أنه كان يسأل راغبي البيع في محاله عن السبب، لافتاً إلى أن الغالبية اتجهوا إلى شراء شهادات الادخار.
وسجل غرام الذهب عيار 21 تراجعاً خلال الفترة من 23 مارس الماضي، وحتى يوم الأحد 10 أبريل (نيسان) بمقدار 14 جنيهاً (0.81 دولار)، إذ تراجع من 1023 جنيهاً (56 دولار) إلى 1000 جنيه (54 دولاراً) في أقل من 21 يوماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


دوافع وطنية وطمأنة دينية

وقال عميد كلية الآداب السابق في جامعة القاهرة، أحمد زايد، إن "الدوافع الوطنية والدينية في أغلب الأحيان تكون محركاً للمصريين في أوقات الأزمات الكبرى"، موضحاً أن "إقبال المصريين على شراء شهادات الادخار التي أعلنت عنها البنوك الوطنية، جاءت بعد ساعات قليلة من عقد رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي مؤتمراً صحافياً لتوضيح أسباب رفع أسعار الفائدة وخفض قيمة الجنيه، وهو ما أشعر المواطنين بأن هناك أزمة مرتبطة بالحرب الروسية في أوكرانيا"، لافتاً إلى أن "الأمر ذاته جرى عند طرح شهادة ادخار قناة السويس لمدة 3 سنوات بسعر فائدة 15 في المئة عند حفر قناة السويس الجديدة، وهو ما دفع المصريين إلى الشراء بكثافة، وتخطت الحصيلة آنذاك حدود الـ64 مليار جنيه" (3.5 مليار دولار).
وتابع زايد، أنه "في اليوم التالي لطرح شهادة الادخار، الـ18 في المئة، أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى رسمية أجازت وحللت عوائد وأرباح شهادات الادخار، مما كان له تأثير مباشر على زيادة الإقبال على الشراء بقلب مطمئن بعد إعلان الفتوى".
وأجازت دار الإفتاء المصرية في بث مباشر أجرته في 22 مارس الماضي عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الاستثمار في الشهادات. وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، محمد عبد السميع، "إن شهادات الاستثمار حلال وجائزة، ولا شبهة فيها".
وفي 4 سبتمبر (أيلول) 2014، طرحت البنوك الوطنية "شهادات ادخار قناة السويس" بثلاث فئات، 10 جنيهات لطلبة المدارس، و100 جنيه للموظفين، وفئة ثالثة قيمتها 1000 جنيه، بمعدل عائد سجل بدايةً 12 في المئة قبل أن يرتفع فيما بعد إلى 15.5 في المئة، بعد قرار تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار (التعويم) في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، بعد دعوات رئاسية للمساهمة في شق قناة السويس الجديدة آنذاك.
وجمعت بنوك "الأهلي المصري" و"مصر" و"القاهرة" و"قناة السويس" التابعة للدولة، ما يزيد على 64 مليار جنيه (3.4 مليار دولار) في 8 أيام فقط، بعد مشاركة 1.1 مليون عميل. واستحوذ الأفراد على 90 في المئة من إجمالي الشهادات، والباقي لصالح الشركات والمؤسسات المالية.

عائد مرتفع

وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة المنوفية، محمد البنا، إن "المستهلكين والعملاء دائماً ما يبحثون عن الأمان عند استثمار الفوائض المالية"، موضحاً أن "أفضل الخيارات الاستثمارية بالنسبة إلى الأفراد تكون في الذهب بالمقام الأول، ثم الأوعية الادخارية"، مشيراً إلى أن "الأخيرة دائماً هي الملاذ الآمن لاستثمار الأفراد، خصوصاً مع ارتفاع عوائدها مثل شهادات قناة السويس في عام 2014، أو شهادات الادخار ذات العائد 18 في المئة التي طُرحت أخيراً".
وأكد البنا أن "أبرز العوامل التي تدعم الأفراد نحو شراء شهادات الأمان وخلوها من المخاطر، إضافة إلى العائد المرتفع، علاوةً على ضمانتها من قبل الحكومة، إذ تطرحها بشكل دائم البنوك الوطنية مقارنةً بالأوعية الأخرى"، لافتاً إلى أن "أغلب العملاء الأفراد يعتمدون على قوة البنك المركزي المصري، وتدخله بأدواته للحفاظ على القوة الشرائية للنقود في أي وقت باستخدام السياسات النقدية من خلال خفض أو رفع أسعار الفائدة، والحد من معدلات التضخم. ولذلك يكون الخيار الأمثل هو الاستثمار في شهادات الادخار بمثل هذا العائد، مقدماً عن باقي القنوات الاستثمارية، وأبرزها الذهب حالياً".

هل تكبح الشهادات التضخم؟

وأكد الباحث في شؤون المصارف والبنوك، محمد عبد العال، أن الهدف من إصدار البنوك الحكومية شهادات ادخار مرتفعة العائد، هو "كبح معدل التضخم المحلي من خلال تخفيض السيولة النقدية في السوق، خصوصاً لدى القطاع العائلي". وأضاف عبد العال، أن "الشهادات نجحت في جذب استثمارات أجنبية بديلة للاستثمار في أدوات الدين الحكومية، علاوةً على جذب استثمارات عربية مهتمة بالاستثمار في الجنيه المصري".
وواصل معدل التضخم في مصر ارتفاعه للشهر الرابع على التوالي، بعد أن سجل خلال مارس الماضي، مستوى 12 في المئة مقابل 10 في المئة خلال يناير (كانون الثاني)، وفق بيان رسمي صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يوم الأحد 10 أبريل.