Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أطفال الطلاق" في المغرب... أزمة الأم والأب والمجتمع

تضافرت تحركات برلمانيين وهيئات حقوقية ومنظمات نسائية في اتجاه المطالبة بإجراء تعديلات جوهرية على مدونة الأسرة

مقترح قانون جديد يعطي الأم المغربية حق القيام بالشؤون والإجراءات الإدارية المتعلقة بالأولاد (أ ف ب)

ملخص

قرار محكمة بمدينة الدار البيضاء بتجريد أب من الولاية الشرعية على طفلتيه جدد النقاش حول موضوع الولاية على الأبناء عند طلاق الوالدين

عادة ما يدفع الأطفال ثمن أخطاء أو ظروف أو قرارات الكبار ليصبحوا ضحية الانفصال أو الطلاق أو حتى موت أحد الوالدين.

وفي المغرب تمنح مدونة الأسرة الحق في الولاية القانونية للأب أو الطليق، باعتباره ولياً شرعياً على ولده القاصر، كما تمنحه الحق في ممارسة الولاية من لحظة ولادة الطفل إلى وقت بلوغه سن الرشد القانونية (18 سنة)، أما الأم فلا يمكنها أن تمارس الولاية على أبنائها القاصرين إلا في حالات خاصة ونادرة جداً.

غزلان مطلقة مغربية في عقدها الثالث، تواجه مشكلات متكررة تتعلق بتبعات الولاية الشرعية لطليقها على ابنتها الصغيرة التي تتطلب دراستها أحياناً أوراقاً ووثائق إدارية لا يمكنها الحصول عليها إلا بموافقة وحضور الأب.

وتضافرت تحركات برلمانيين وهيئات حقوقية ومنظمات نسائية في اتجاه المطالبة بإجراء تعديلات جوهرية على مدونة الأسرة (قانون الأسرة) في المغرب بشكل يتيح للأم أيضاً أن يكون لها حق الولاية على أطفالها أسوة بالأب.

مبادرات ومطالب

غزلان ليست المطلقة الوحيدة التي تواجه إشكال الولاية القانونية على الأطفال في المغرب، فالمحاكم تتداول في كثير من الملفات من هذا القبيل، لعل أبرزها وأشهرها إعلامياً قضية الفنانة جميلة الهوني التي لا تزال تطالب بإسقاط ولاية طليقها الفنان أمين الناجي على ابنهما.

وكانت الممثلة الهوني رفعت دعوى قضائية ضد طليقها الناجي بسبب "حرمان ابنهما من الدراسة في مؤسسة تعليمية تابعة لبعثة أجنبية، والحصول على جواز سفر لمرافقة أصدقائه في رحلة خارج البلاد"، غير أن المحكمة قضت بعدم قبول طلب إسقاط ولاية الناجي عن ابنه.

لكن قرار محكمة بمدينة الدار البيضاء أخيراً القاضي بتجريد أب من الولاية الشرعية على طفلتيه بسبب الغياب وإسناد الولاية للأم حفاظاً على حقوق الطفلتين، فتح باب الأمل لدى الهيئات النسائية وجدد النقاش حول موضوع الولاية على الأبناء عند طلاق الوالدين.

وفي هذا الصدد قدم البرلمانيان أحمد تويزي وحورية ديدي ومجموعة من نواب حزب الأصالة والمعاصرة المشارك في الحكومة مقترح قانون تغيير وتتميم المادتين (236) و (238) من مدونة الأسرة في شأن شروط ومقتضيات الولاية على أبناء المطلقين.

وتقول المادة (236) من مدونة الأسرة إن "الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي، وللأم أن تقوم بالمصالح المستعجلة لولدها في حال حصول مانع للأب".

ويطالب مقترح القانون التشريعي الجديد بتعديل المادة بما يلي، "الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي، وللأم كذلك حق القيام بالشؤون والإجراءات الإدارية المتعلقة بأولادها بما يحفظ المصلحة الفضلى للطفل، ويحق للأم الحصول على الوثائق الإدارية لأولادها من المؤسسات العمومية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي وقت تنص المادة (238) من المدونة على أنه "يشترط لولاية الأم على أولادها أن تكون راشدة، وعدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية أو غير ذلك"، فإن مقترح القانون ينص على أنه "يشترط لولاية الأم على أولادها عدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية، أو مبحوث عنه من أجل جنحة إهمال الأسرة أو أثناء قضائه عقوبة حبسية بسبب جنحة أو جناية أو بغير ذلك".

إجحاف

رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بشرى عبده تحدثت عما سمته "الإجحاف والظلم" الذي تتعرض له المرأة بصفتها أماً لأطفال تتوقف دراستهم أو خطواتهم المقبلة في الحياة على موافقة الأب (الطليق)، على رغم كون هذه الأم هي من تناضل من أجل تربية ورعاية هذا الطفل".

ووفق الناشطة النسائية فإنه "على رغم المسؤولية الملقاة على عاتق الأم في تربية الأبناء والسهر على صحتهم، لا تتمتع بالحق نفسه في الولاية القانونية على أبنائها القاصرين إلا بتوافر شروط تم تحديدها في الفصل (238) من مدونة الأسرة، ومنها غياب الأب أو وفاته أو فقدانه للأهلية القانونية، وحتى في حال وفاة الأب تحرم الأم من هذا الحق إذا كان الأب قد عين قيد حياته وصياً قانونياً آخر على أبنائه".

وترى المنظمة نفسها أن "الأب يبقى دائماً الوصي القانوني على الأبناء عند الطلاق حتى في حال منح الحضانة للأم، التي لا تستطيع مباشرة أي إجراء إداري يخص الطفل إلا بعد حصولها على إذن من ولي أمره والوصي عليه، كما هو الشأن في ما يخص السفر مع الطفل إلى الخارج وتسجيله في المدرسة أو تغييرها".

وترى عبده أن هذه الفصول القانونية من مدونة الأسرة تناقض ما ورد في اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي وقع عليها المغرب وتنص على أن الدول الأطراف تضمن " الحقوق والمسؤوليات نفسها في ما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفي جميع الأحوال تكون مصلحة الأطفال هي الراجحة".

وتطالب المنظمات النسائية "بإلغاء جميع المقتضيات التي تجرد المرأة من حقها في الولاية القانونية على أبنائها القاصرين، ومراجعة جميع المقتضيات التي تجعلها في مرتبة ثانوية أو تحت وصاية طرف آخر"، علاوة على "التنصيص على حق الأم في النيابة الشرعية على أبنائها إلى جانب الأب واعتبارهما معاً متساويان في الولاية القانونية على الأبناء".

سلطة معرقلة

من جهته يقول مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان عبدالإله الخضري إنه "بالنظر إلى نوعية قضايا المنازعات بعد الطلاق يتضح أن موضوع حصول الأمهات على موافقة الآباء من أجل القيام ببعض الإجراءات الإدارية الخاصة بالأولاد يتبوأ المرتبة الثانية بعد منازعات النفقة أمام القضاء".

وأفاد الخضري بأن "استفراد الأب بالولاية القانونية على الأطفال بعد الطلاق يشكل معضلة كبيرة تسببت في حرمان كثير من الأطفال من حق الدراسة أو حق الهجرة مع أمهاتهم للبحث عن فرص عيش أفضل".

واستطرد المتحدث ذاته بأنه "من الناحية الحقوقية يمكن التأكيد على أن ولاية الأب على الأبناء في حال طلاق الوالدين أصبحت سلطة معرقلة في حياة الطفل الذي يعيش مع أمه، إذ إن امتناع الأب من الموافقة على أمور تخص حياة الطفل غالباً ما تكون لأسباب انتقامية ضد أم الطفل المطلقة".

ولفت الخضري إلى أن قضية الولاية على "أطفال الطلاق" موضوع "يحتاج إلى نقاش مجتمعي معمق من قبل الأطراف والجهات المتداخلة كافة من أجل رفع الظلم عن الأطفال الذين يذهبون ضحية الصراع الأسري والشخصي وحتى النفسي بين الوالدين".

واستدرك الفاعل الحقوقي بأنه على رغم ذلك من منطلق تجربته لا يرى الحل في منح الولاية القانونية بالمطلق إلى الأم المطلقة، وإنما بعد دراسة معمقة لكل حال على حدة، مقترحاً أن "يوضع الموضوع بيد القاضي مع جعل البت في تلك المنازعات ضمن القضايا الاستعجالية التي تنبغي معالجتها فوراً، على أن يتم ترجيح المصلحة الفضلى للطفل".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير