Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هجوم الربيع أم حافة الهاوية؟

لما لا يكترث طرفا الحرب بخاصة الغرب بكل هذه الأخطار والاحتمالات للانزلاق إلى ما لا يمكن السيطرة عليه

شهدت مناطق ومنشآت حيوية روسية حدودية هجوماً بالطائرات المسيرة (أ ب)

ملخص

من المهم التوقف عند ضجة قائد "فاغنر" وما الذي تعكسه تصريحاته

يتواصل تعقيد المشهد في الحرب الأوكرانية بخاصة بعد استهداف طائرات مسيرة الكرملين وتصاعد الاتهامات الروسية بأن واشنطن تقف خلفها، وبصرف النظر عن تفاصيل كثيرة في جوانب التصعيد العسكري والإعلامي بين الجانبين، فإنه من الخطأ التعامل مع المشهد الراهن بوصفه مجرد حلقة عادية في صراع تجاوز عاماً حتى الآن.

المشهد العسكري يزداد خطورة

ونبدأ من التداخل والتصعيد الجاري، ومن أبرز عناصره، كما سبق، استهداف طائرات مسيرة الكرملين ورد موسكو بأنها كانت تستهدف اغتيال الرئيس فلاديمير بوتين، وإصرار الكرملين على هذا الاتهام الذي عبر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف أخيراً على هامش اجتماعات مجموعة شنغهاي في الهند، وردت موسكو بقصف شديد للعاصمة الأوكرانية.

من ناحية أخرى، شهدت مناطق ومنشآت حيوية روسية حدودية هجوماً بالطائرات المسيرة، وفي كل هذه الحالات، ردت واشنطن بنفي الاتهامات الروسية بتورطها في هذا التصعيد، وكان من اللافت تصريح وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أن مسألة هجوم الطائرات المسيرة على الكرملين تبدو أمراً مثيراً للغرابة.

وعلى الصعيد العسكري أيضاً، أعلنت كييف نجاحها في التصدي لصاروخ فرط صوتي، وذلك بواسطة نظام "الباتريوت" الأميركي، هذا إذا ثبت سيكون إضافة للتفوق التكنولوجي الغربي العسكري، ثم تأتي أهم جوانب التصعيد العسكري بالعمليات الأوكرانية في شبه جزيرة القرم التي تعني جدية كييف في إعادة هذا الجزء إلى أراضيها.

ولا يقتصر الوضع العسكري على ما سبق وإنما تضاف إليه أيضاً الضجة والتصريحات الغاضبة لمؤسس مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين في شأن تقاعس وزارة الدفاع الروسية عن تزويده بالذخائر مما سيؤدى إلى انسحاب قواته من باخموت وترك المسألة للجيش الروسي، وكل هذا أحيط بقدر هائل من الاندفاع والهجوم من قبل بريغوجين ويثير كثيراً من التساؤلات.

اضطراب أم مناورات؟

هذا التصعيد الخطر بما تضمنه من اتهام روسي لواشنطن بأنها خلفه ونفى أميركي لهذا، يتضمن كثيراً من التساؤلات وقد يقود إلى مستويات من العنف غير المسبوق، وصحيح أنه يأتي في ظل خلفية وصفناها منذ بداية الأزمة بأنها معركة صفرية، إلا أن تفاصيل المشهد الراهن مع طبيعة هذه المعركة تمثل أخطاراً كبيرة، فمن الصعب تصديق عدم دراية واشنطن بهذه الخطوات وعدم محاولتها منع كييف من هذه المغامرات بخاصة أنه كما سبق تلا هذا استهداف المسيرات منشآت روسية أخرى وإن كانت أقرب إلى الحدود الأوكرانية.

ومع ذلك، وهذه ملاحظتنا الأولى، فإن المشهد بافتراض المناورات من الجانبين على نطاق واسع، فمن المحتمل أن هذا التصعيد في نهج المواجهة من الجانب الأوكراني راجع إلى أحد أمرين، الأول المخاوف وعدم الثقة من مراهنات كييف ومعها القوى الغربية في شأن ما يسمى هجوم الربيع وأن يؤدي إلى نكسة في الجهود الحربية لهذا المعسكر، ومن ثم اللجوء إلى الأعمال الاستفزازية التي تترتب عليها ردود روسية عنيفة تستدر العواطف الغربية ضد موسكو أو الأعمال الرمزية التي تبرر بدء مفاوضات تسوية، والاحتمال الثاني أن يكون هذا ضمن تكتيكات الإرباك السابقة على الهجوم العسكري الواسع المزمع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الموقف الروسي فمن المهم التوقف عند ضجة قائد "فاغنر"، وما الذي تعكسه تصريحاته، فإما أن يكون هذا أيضاً من الإرباك والمناورة بحيث يتم استدراج القوات الأوكرانية للمسارعة في هجوم يكون الجانب الروسي مستعداً له أو يكون الأمر قد وصل إلى تخبط روسي داخلي شديد، وفي جميع الأحوال تقودنا هذه الاحتمالات من الجانبين سواء كانت مناورات أو تخبطاً إلى منزلقات غير مؤكدة وقد تصل إلى ما هو أخطر.

هل التصعيد قد يهدد التماسك الغربي؟

وثانياً، تداعيات هذا التصعيد قد تؤدى إلى خلخلة المعسكر الغربي وليس بالضرورة تماسكه، صحيح أنه حتى الآن ما زالت واشنطن تسيطر على حلفائها، وبعد أن أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضجته حول استقلال أوروبا، واجه ضغوطاً كافية لكي يؤكد مجدداً استمرار دعمه الجهود العسكرية الأوكرانية، لكن التاريخ يعلمنا أن الأمور تتحرك والتحالفات تتبدل ولو ببطء وبقدر من التذبذب، وثمة أمور عديدة في المشهد لا يمكن تجاهلها منها التظاهرات التي تندلع في بعض المدن الغربية ضد الحرب وآثارها من وقت لآخر، ومنها أيضاً البيانات التي خرجت حول مسؤولية واشنطن عن تفجيرات "نورد ستريم" والتي، من دون شك، تضعف ثقة كثيرين من الأوروبيين في شأن صحة الخضوع الكامل للسياسات الأميركية ومدى رشادة هذا النهج، وسيهتز بالتالي كثير من الأسس التي حققت بها واشنطن تماسك المعسكر الغربي بما لم تشهده الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي السابق.

رؤى أخرى حول العالم

أما ثالثاً، وهي مسألة سبق لنا طرحها، فإنه خلافاً لما يسود إعلام طرفي الصراع من سرديات وقيم تبرر موقفه، يظل لدول ومفكرين عديدين حول العالم رؤى أخرى تتفهم مواقف الطرفين ولكنها لا توافق على كثير من جوانب هذه الرؤى، فالقيمة الكبرى الرئيسة التي انتهكتها هذه الحرب ويرفضها معظم دول العالم هي عدم أحقية فكرة غزو بلد آخر، ويرتبط بهذا بعد آخر كان رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي أفضل من عبر عنه دولياً، وهي فكرة أن زمن الحرب ولى وربما كان عليه أن يكمل أن البشرية قد ملت من حماقتها التاريخية بهذا الصدد، ومن ناحية أخرى يتحفظ كثيرون حول العالم، بل ربما في أغلب دول الجنوب من أمرين، عدم وفاء واشنطن لالتزاماتها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، واستقلال أوكرانيا من شرط حيادها وعدم انضمامها إلى حلف "الناتو"، والأهم من كل ذلك استياء العالم من أن هذه الحرب بالأساس لهدف تحقيق استمرار هيمنة واشنطن على النظام الدولي ولو كانت كلفة هذا خراب أوكرانيا وتدميرها وسقوط روسيا ومعاناة غالبية اقتصادات العالم، وبشكل غير مسبوق في ما بعد الحرب العالمية الثانية وبأثمان باهظة على دول العالم كافة بما في ذلك أوروبا، وإن ما يحدث لا أفق له، وهنا تقارن هذه الأغلبية طوال الوقت بسجل الولايات المتحدة في تدخلاتها وحروبها الخارجية، وآخرها وأكثرها سوءاً العراق، إذ لا تحاسب على الجرائم التي اقترفتها والتشوه الذي خلفته في هذه الدولة، بل وتسليمها لنفوذ إيراني، والغريب في المشهد أن الولايات المتحدة وبعض المحافل الغربية لا تكترث بالرؤى والشعور العميق لدى قطاعات واسعة في العالم في شأن هذه المعايير المزدوجة، وإذا كان العالم العربي يشعر بالتحفظ دوماً ضد السياسات الأميركية بسبب مواقفها من القضية الفلسطينية، ثم لاحقاً تجاه كثير من القضايا العربية وآخرها العراق، فإن هذه التحفظات منتشرة بقوة لدى أوساط عديدة حول العالم بما في ذلك أوساط أوروبية.

ورابعاً وأخيراً لماذا نستدعي هذه الملاحظة الأخيرة وقد بدأنا حديثنا بأخطار التصعيد الجاري؟ فلأن هذا بالضبط أحد أبعاد المعضلة التي تواجهها واشنطن والعالم، وهو السؤال الخطر، لمَ لا يكترث طرفا الحرب بخاصة الغرب بكل هذه الأخطار والاحتمالات للانزلاق إلى ما لا يمكن السيطرة عليه، على رغم أن مليارات من البشر حول العالم لا يرونها حرباً رشيدة ولا يقبلون أنها حرب أخلاقية مبررة لأن طرفيها لا تحركهما إلا المصالح الضيقة وغرور القوة، ولا تردعهما حتى المعاناة التي لم يفلت منها أحد في العالم حتى في الولايات المتحدة باستثناء صناعة السلاح والموت؟

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل