ملخص
تعرضت مقار سيادية ذات أهمية إستراتيجية لقصف عنيف منذ بداية الاشتباكات المسلحة منها القيادة العامة للجيش ومطار الخرطوم الدولي.
مع استخدام طرفي القتال في العاصمة السودانية للمدفعية الثقيلة والغارات الجوية سعياً إلى كسب المعارك تتعرض منشآت حيوية ومبان تاريخية في الخرطوم لأضرار بالغة، بحيث طاول التدمير ممتلكات عامة وخاصة على حد سواء بالتوازي مع وضع بيئي بالغ التعقيد يهدد بكارثة يصعب تداركها بسبب تركز القتال في وسط العاصمة.
مع كل ذلك ثمة سؤال يطرح نفسه، هل ستتمكن الدولة من إعادة إعمار الخرطوم في مرحلة ما بعد الحرب، وكيف لها أن تحقق هذه الغاية في بلد متعثر اقتصادياً ولا يزال غارقاً في الصراع والانقسام السياسي؟
دمار مبان تاريخية وسيادية
تعرضت مقار سيادية ذات أهمية إستراتيجية لقصف عنيف منذ بداية الاشتباكات المسلحة منها القيادة العامة للجيش ومطار الخرطوم الدولي، إلى جانب مبان حكومية تقع في مرمى نيران الطرفين المتقاتلين، مما خلف دماراً وأضراراً بالغة.
يعد القصر الرئاسي في العاصمة واحداً من مسارح القتال الدائر منذ اندلاع المعارك في الـ 15 من أبريل (نيسان) الماضي، وفي اللحظة الأولى من المواجهات سيطر الدعم السريع بالكامل على القصر ودارت خلال الأيام الماضية معارك عنيفة في أكثر من مرة، بادر فيها الجيش بالهجوم لاسترداد القصر بكل رمزيته السياسية والسيادية والتاريخية، فيما كشفت قوات الدعم السريع في بيان لها أمس الثلاثاء عن قصف بالطيران من جانب الجيش السوداني تسبب في انهيار كامل للقصر القديم من الناحية الغربية، وهو ما لم يعلق عليه الجيش حتى الآن.
الباحث والمعماري هاشم خليفة محجوب قال إن "المعارك ألحقت أضراراً بالغة ببعض المباني التاريخية والمنشآت الإستراتيجية في العاصمة، ويدفعنا الأمل بعد أن تسكت أصوات المدافع وتصفو فوهات البنادق في إعادة رونق العاصمة لتقف مرة أخرى شامخة، لكن التحديات كبيرة والأوضاع معقدة للغاية".
وأضاف أن "العمارة الحضرية في البلاد لن تعود لسابق مجدها، بخاصة القصر الرئاسي القديم، سواء إن كان تعرض للقصف كله أو جزء منه، إذ يشكل بدايات حركة العمارة في السودان بتاريخنا الحديث".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح محجوب أن "هناك مباني لمقار حكومية ووزارات صممها رموز العمارة في البلاد، بالتالي من الصعب أن تعود كما كانت، وفي المقابل فإن العمارة الحديثة التي نهضت أخيراً تم تغليفها بألواح ألمنيوم ولذلك حدث فيها تدمير سريع بعكس الحجر والرمل".
ويتابع "مطار الخرطوم الدولي يعد رقماً في معادلة الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع ويعتبر معلماً مهماً مثل السكة الحديدية، وهو لم يسلم من الدمار والخراب ومن الصعب ترميمه بالكيفية القديمة ذاتها".
وأشار الباحث والمعماري إلى أن "الأزمة الاقتصادية التي يعانيها السودان ستقف حائلاً بين الأمنيات والآمال والواقع الأليم"، لافتاً إلى أن" المباني التاريخية لن تعود لوضعها الطبيعي".
واقترح محجوب إعادة ترميم مباني العاصمة الخرطوم بنفس البصمة والجودة حتى تستعيد مجدها من جديد.
أخطار بيئية
في موازاة ذلك تتراكم أطنان القمامة والنفايات في منطقة وسط العاصمة، إضافة إلى مخلفات الأسلحة، في أزمة تنذر بظهور أخطار بيئية وأوبئة مع اشتداد درجات حرارة الصيف، ويتخوف كثيرون من أن تستمر المشكلة لموسم الأمطار المقبل، في ظل عدم مقدرة عمال النظافة على العمل في الوقت الحالي مع حظر التجوال.
مستشار العناية بالبيئة واستدامة التنمية عيسى محمد عبداللطيف قال إن "هناك آثاراً بيئية أهمها انتشار الأوبئة نتيجة لتراكم النفايات ووجود الجثث المتحللة، إضافة إلى تلوث الهواء من الذخيرة بأنواعها والحرائق وكمية الدخان الصادر عن عمليات القصف من الأرض أو الجو، أضف إلى ذلك التلوث الضوضائي المرعب الناتج من الانفجارات وصوت القذائف".
وأردف أن "الحرب تؤدي إلى دمار البيئة الطبيعية من غابات ومراع وكائنات حية هي من الأهمية بمكان لحفظ التنوع البيولوجي والتوازن البيئي، إذ إن النباتات ذات أهمية قصوى في انسياب الطاقة من الشمس إلى النظام البيئي وفي امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإنتاج الأوكسجين وتوفير الغذاء للإنسان والحيوان والكائنات الدقيقة والحشرات والأخيرة تلعب دوراً مهماً في تلقيح النباتات بالدورة الغذائية".
ويتابع الخبير البيئي، "الحرب أيضاً تلوث مصادر المياه والزراعة، إضافة إلى أن هجر الناس لمنازلهم يؤدي إلى تكاثر الآفات مثل القوارض والحشرات التي تصعب مكافحتها لاحقاً، أضف إلى ذلك دمار المنشآت الذي يتسبب في الخراب وتعطيل العمل والحياة وتراكم الأنقاض يسهم في توالد الآفات وصعوبة إعادة الأعمار".
وحول إمكانية تأهيل البيئة والتخلص من مخلفات الحرب وإعادة الإعمار، يعلق عبداللطيف قائلاً "تحتاج أولاً إلى الإرادة السياسية المفقودة حالياً وإلى منظومة حكومية مؤهلة تخضع لأسس الحوكمة البيئية، وهذه لن تتوافر في بلدنا ما لم يتغير نظام الحكم المركزي النخبوي إلى نظام قاعدي فيه تمثيل للقواعد الجماهيرية مع أهمية أن تندرج السلطة من أسفل إلى أعلى حتى تكون لدينا حكومات محلية راشدة مسؤولة بشكل كامل عن مناطقها ولا تنظر إلى المركز".
تعقد أزمة الاقتصاد
قدر متخصصون حجم الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بقطاعي الصناعة والمصارف بنحو 4 مليارات دولار وسط توقعات بأن ترتفع بشكل كبير إذا لم تتوقف الحرب الحالية.
المحلل الاقتصادي منتصر عبدالجليل قال إن "الأزمة كبيرة وستعوق الإنتاج الصناعي تماماً، مما سيشكل خطراً على إمدادات الغذاء والدواء على المدى القصير ويؤدي إلى تراجع كبير في الناتج الاقتصادي"، مضيفاً أن "الدمار الحالي الذي تعرضت له المصانع ستكون له عواقب وخيمة على آلاف الأسر التي ستفقد مصادر رزقها".
وأوضح أن "إصلاح التخريب الذي تعرضت له منشآت القطاع الصناعي في العاصمة الخرطوم يحتاج إلى أعوام طويلة، خصوصاً في ظل التوقعات بعدم قدرة المصارف على القيام بدورها نظراً إلى تأثرها بعمليات النهب والسلب".
ويتابع عبدالجليل "المعارك الحربية عقدت أزمة الاقتصاد في السودان لتفاقم من المشكلات الهيكلية الخطرة التي يعانيها في الأساس".