Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عائلات "داعش" في مخيم الهول تحلم بعودة التنظيم

يطعنون الحراس بالسكاكين ويصرّون على تبعيتهم للبغدادي

مَن يدخل إلى مخيّم الهول للنازحين في شمال شرقي سوريا ويسمع الحكايات عن عائلات مسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي، من طعن حراس ومحاولات هرب ورشق قوات الأمن والعاملين الإنسانيين بالحجارة ورفع راية التنظيم، يدرك أن هؤلاء لم يستسلموا وأن نهاية التنظيم لا تزال بعيدة، طالما أن العالم يقف متفرّجاً على تلك المخيّمات من دون أخذ مبادرة فعلية لحلّ مسألة عائلات عناصر التنظيم.

لا تتوقّف الحركة خلال ساعات النهار في المخيم الذي يؤوي أكثر من 70 ألف شخص. نساء ورجال يشترون من بسطات موزعة هنا وهناك، أطفال يلهون ويصرخون بين الخيم وسكان يحملون عبوات بلاستيكية للتزوّد بالمياه، في ظلّ حراسة مشدّدة ودوريات لقوى أمنية مسلّحة تجوب المخيم.

لكن هذه الزحمة لا تخفي حال التوتر الكامن في المكان، وإن كانت الشكوى من قلّة المساعدات وسوء الرعاية الطبية تتردّد على كل لسان، فإن نساء كثيرات يسارعن فور رؤية الكاميرا إلى تحية زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي، والتأكيد أنهنّ ينتظرن أوامره للعودة إلى "أرض الخلافة".

التضييق على "المهاجرات"

أمّ صهيب (23 سنة) تتّهم قوات الأمن الكردية "الأسايش"، المسؤولة عن أمن المخيم، بالتضييق على "المهاجرات"، التسمية المُطلقَة على زوجات الأجانب من مسلحي "داعش". وتقول بغضب لـ"وكالة الصحافة الفرنسية"، فيما يقف إلى جانبها بعض النسوة، إن قوات الأمن تجري "مداهمات خلال الليل على (خيم) الأخوات"، متسائلةً "لماذا يأخذونهن؟".

وتقرّ أم صهيب، العراقية والأم لثلاثة أطفال، بأنه "تمّ مرتين أو ثلاث مرات طعن الأسايش" من قبل "المهاجرات"، مضيفةً "لماذا يطعنونهم؟ لأنهن يلقين الظلم". وكانت الداعشية العراقية قدمت إلى سوريا قبل سنوات وتزوّجت من أبو صهيب، وهو عنصر تونسي في صفوف التنظيم، عمل في زرع العبوات الناسفة وقُتل خلال عملية "انغماسية" نفذّها ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في بلدة الباغوز، وفق رواية أم صهيب.

تنفيذ أوامر البغدادي

وشكّلت قرية الباغوز الجيب الأخير للتنظيم في شرق سوريا قبل أن تطرده منها "قسد" إثر هجوم بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، معلنةً في 23 مارس (آذار) 2018 القضاء على "داعش". ونتيجة الحملة على التنظيم في سوريا، خرج عشرات آلاف المدنيين، من بينهم أفراد عائلات مقاتلي التنظيم وأنصاره، من جنسيات مختلفة (سوريين وعراقيين وأجانب)، من الباغوز ونقلتهم "قسد" إلى مخيّم الهول.

لم ترَ أم صهيب أهلها منذ نحو ثلاث سنوات، لكنّها لا تأبه لذلك، وتقول إن ما تريده اليوم هو أن "تعود الخلافة وأن نعود إليها"، في إشارة إلى الدولة التي أعلنها التنظيم عام 2014 في مناطق واسعة كانت تحت سيطرته في سوريا والعراق. وتضيف أن البغدادي "أوصانا ألا ننزع هذا الخمار وأوصانا بالدين والشرف والعقيدة، ونحن لن نخلف بوعده ولم نأت إلى المخيم إلا بأمره".

 

عداء وتمسّك بالأيديولوجية

أما مسؤول قوات "الأسايش" في المخيم عامر علي، فقال "ينظرون إلينا بعين العداء، وتنجم عن ذلك مشاكل كثيرة"، تحاول قواته التصدّي لها ضمن إمكانياتها، فمخيّمات شمال شرقي سوريا تأوي نحو 12 ألف أجنبي من عائلات الإرهابيين، أربعة آلاف امرأة وثمانية آلاف طفل، غالبيتهم في مخيم الهول المكتظ. ويحاول بعض هؤلاء الهرب لإعادة تنظيم أنفسهم خارج المخيّم. ويجزم علي أنه "لن يكون سهلاً على الأشخاص الذين انضموا إلى داعش وقطعوا كل المسافات من بلدان بعيدة أن يتنازلوا عن أفكارهم".

وانتشر شريط مصوّر في منتصف شهر يوليو (تموز) الحالي، على مواقع التواصل الاجتماعي، تبدو فيه راية التنظيم السوداء مرفوعة على عمود إنارة تحيط به نساء وأطفال في المخيم. ويوضح علي أن التنظيم "يريد أن ينشر أفكاره عبر نسائه" اللواتي "يردّدن عبارة: إننا نتبع للبغدادي. وعندما رُفع العلم في المخيم، قلن ذلك أيضاً".

"قنابل موقوتة"

وحذّر مسؤولون أكراد مراراً من أن أطفال عناصر "داعش" في المخيّمات يشكّلون "قنابل موقوتة" إذا ظلوا محاصرين وتربيهم أمهاتهم على تعاليم التنظيم. ويقول علي إن الأطفال يرشقون القوات الأمنية بالحجارة بتحريض من أمهاتهنّ، اللواتي يقلن لهنّ إن "هؤلاء قتلوا أباءكم ودمّروا منازلنا".

ويعرب مراقبون عن خشيتهم من أن تشكّل المخيمات سبباً لانتعاش التنظيم مجدداً، ما يدفع الإدارة الذاتية الكردية إلى مطالبة الدول المعنية باستعادة مواطنيها، غير أن دولاً قليلة تجاوبت معها وبشكل محدود. وفي هذا الإطار، يقول مسؤول شؤون النازحين في الإدارة الذاتية شيخموس أحمد عن عائلات المقاتلين "يرون أنفسهم على أنهم التنظيم، ويحلمون في أن يعود إلى قوته... يتمسّكون بأيديولوجيتهم وبأفكارهم، وما زالوا يشكلوّن خطراً".

"نورمبرغ" خاصة بـ"داعش"

وبموازاة معاناة القاطنين في المخيّمات بانتظار حلول جذرية لقضاياهم، يؤكّد كريم خان، رئيس فريق تحقيق الأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب تنظيم داعش "يونيتاد"، لوكالة الصحافة الفرنسية، ضرورة تشكيل محكمة للاستماع إلى ضحايا "داعش" و"تفكيك" عقيدته، على غرار ما حصل مع النازية في محكمة "نورمبرغ".

ويقول خان إن داعش "لم يكن عصابة أو جماعة متمردة متنقلة، بل كان جانباً غير معتاد" بالنسبة إلى العدالة الدولية، إذ لم تكن لديه أي "محرّمات". ويوضح "مَن كان يعتقد أنه سيرى في القرن الـ 21، عملية صلب، إحراق رجال أحياء في أقفاص، واستعباد جنسي، وإلقاء رجال من الأسطح وقطع رؤوس؟" وكل ذلك تحت أعين الكاميرات".

وعلى الرغم من ذلك الرعب، يشدّد خان على أن تلك الجرائم "ليست جديدة... الجديد مع داعش هو الأيديولوجية التي تغذي الجماعة الإجرامية"، "مثل النازيين" من قبلهم. كانت للفاشية الألمانية في نورمبرغ، في العامين 1945 و1946، أوّل محكمة دولية في التاريخ لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين المسؤولين عن عمليات قتل يهود بشكل منهجي.

"أفراد مسؤولون"

من هنا، لا بدّ من "نورمبرغ" خاصة بداعش، وفق خان الذي يؤكّد أنه "ليست هناك مسؤولية جماعية بل أفراد مسؤولون ومدانون. وبالتالي، فإن محكمة لداعش قد تساعد في فصل سمّ التنظيم عن الطائفة السنية". وكما "علّمت نورمبرغ ألمانيا وأوروبا"، فإن محاكمة للتنظيم الإرهابي ستخدم العراق و"أطراف أخرى في العالم، حيث قد تكون هناك مكوّنات عرضة للسقوط في دعاية داعش".

ويعمل فريق "يونيتاد" في العراق حالياً على تحليل ما يصل إلى 12 ألف جثة استُخرجت من أكثر من 200 مقبرة جماعية، و600 ألف شريط فيديو لجرائم "داعش"، إضافة إلى 15 ألف وثيقة لبيروقراطية التنظيم ذاته، في محاولة لإثبات وقوع جريمة ضد الإنسانية أو جريمة حرب أو "إبادة جماعية"، وهي الجرائم الأخطر في القانون الدولي. ويحذّر خان من أن الأدلة التي تُجمع "لن تبقى في مكتب للزينة".

المزيد من العالم العربي