Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لاجئو السودان يتجرعون مرارة التهجير ثانية

أخطار كثيرة ربما تنتعش خلال الفترة المقبلة وعلى رأسها نشاط عصابات التهريب وتجارة البشر

 بعد أن بدأت الحرب في السودان أحس هؤلاء اللاجئون بأنهم سيواجهون لجوءاً جديداً للمرة الثانية أو الثالثة (اندبندنت عربية – حسن حامد)

ملخص

 أخطار كثيرة تهدد اللاجئين من السودان وفي مقدمها نشاط عصابات التهريب وتجارة البشر

مخاوف وتردد وعدم شعور بالاستقرار الكامل على رغم الترحيب واقتسام اللقمة، ومشاعر مختلطة ظل يحملها اللاجئون من جنسيات مختلفة أثناء مكوثهم في السودان بعد فرارهم من أوطانهم جراء الحروب، وتولدت هذه الأحاسيس من ذكريات الحروب التي عاشوها في بلدانهم ومن الأحداث السياسية والاقتصادية التي ألمت بالسودان، الوطن البديل، خلال ما يزيد على 10 سنوات مضت.

 

وبعد أن بدأت الحرب في السودان منذ الـ 15 من أبريل (نيسان) الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أحس هؤلاء أنهم سيواجهون لجوءاً جديداً للمرة الثانية أو الثالثة، ولكن إلى أين؟ إلى أوطان لم يستتب الوضع فيها تماماً؟ أم إلى دول الجوار السوداني التي تعاني أيضاً صراعات مستمرة وانعدام الأمن الغذائي والاضطرابات الأمنية؟ وهل سيوفر لهم المستقبل القريب أمناً وسلاماً؟ أم سيكونون مرة أخرى في قلب أحداث ليس لهم فيها يد؟

لم يكن للاجئين السوريين واليمنيين والصوماليين والإريتريين ومن دولة جنوب السودان خيار آخر، فبدأوا رحلات جديدة إلى مصير مجهول عبر الطرق البرية إلى مصر وجنوب السودان وتشاد وإثيوبيا وإريتريا، وبعضهم تم إجلاؤهم عبر البحر الأحمر إلى السعودية ثم إلى بلدانهم، وهناك من ينتظر أو في طريقه إلى الخروج، ولم تمح من ذاكرتهم بعد محنة الخروج الأولى عندما توجهوا نحو السودان، وليست هناك حلول عاجلة للاجئين في كل مناطق الصراعات، لذا يكون الفرار من منطقة الحرب هو الحل الأسرع والأكثر عملية وإيجابية لإنقاذ الأرواح أولاً.

 

رهبة مضاعفة

صدى أصوات إطلاق النار ودوي المدفعيات والأسلحة الثقيلة وتحليق الطائرات الحربية في سماء الخرطوم ظل في آذان معظم الفارين، ومنهم اللاجئون الذين اختاروا الوصول إلى مدينة بورتسودان الساحلية والبحث عن فرص تضمهم إلى رعايا الدول الأخرى الذين استوفوا شروط اللجوء، عبر التنسيق مع سفارات بلدانهم أو المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فالطريق طويل ويزيده طولاً نقاط التفتيش المختلفة من "قوات الجيش" أو نقاط ارتكاز "قوات الدعم السريع"، وبهذا تزيد المدة بين العاصمة الخرطوم وبورتسودان عن زمنها الأساس حوالى 15 ساعة.

هذا الطريق يربط في جزئه الأول بين الخرطوم ومدينة وَد مدني شاقاً ولاية الجزيرة التي يلفها النيلان الأبيض والأزرق عن اليمين وعن اليسار، قبل أن يستمر في رحلته حتى بورتسودان، ويسمى "طريق الموت" لكثرة الحوادث التي تقع فيه، ولهذا ربما تتضاعف رهبة سلكه ويبقى الوسيلة الفضلى على رغم ذلك، وكذلك طريق عطبرة الموصل إلى ساحل البحر الأحمر، إذ إن طريق وَد مدني يخرجهم من العاصمة سريعاً.

تعقيدات اللجوء

وتحيط بوضع اللاجئين في السودان تعقيدات ولا سيما إجراءات انتقالهم إلى دول أخرى، أولاً لأن معظمهم لا يحملون هويات لأن خروجهم من بلدانهم كان في أوقات الحروب والكوارث الطبيعية، فضلاً عن الإجراءات الطويلة لتسجيلهم لدى مفوضية شؤون اللاجئين في الخرطوم، وثانياً أن معظم اللاجئين في السودان مروا بتجربة سابقة، ويعد وصولهم في وقت سابق إلى السودان لجوءاً مزدوجاً، كما أن مفوضية اللاجئين قامت بتعليق برنامج إعادة توطينهم بعد نتائج تحقيقات تتعلق بالكشف عن ممارسات رشاوى وفساد وتزوير في عهد نظام عمر البشير صاحبت إجراءات إعادة التوطين في دول أخرى، وثالثاً أن السودان يعد لكثيرين من اللاجئين منطقة عبور، وحتى أولئك الذين أسسوا فيه أعمالاً أو ارتبطوا بنشاطات تجارية أو دراسة وغيرها ينتظرون ترتيب أوضاعهم لمغادرته، ولكن التحولات السياسية والاقتصادية خلال السنوات الأخيرة لم تمكن كثيرين من الاستفادة مادياً، وربما لم يتجاوز العائد المالي ما يمكنهم من تدبير أمورهم في أفضل الأحوال، كما أن كثيراً منهم معدمون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رابعاً حدثت تغييرات دولية كثيرة نسفت جهود مفوضية اللاجئين بإعادة توطين اللاجئين الموجودين في السودان ونقلهم إلى بلد ثالث، كما بددت آمالهم بصدور قرارات من دول أوروبية كانت الوجهة المفضلة وتضمن فرصاً تنظمها المفوضية، ومثال لذلك حين أنهت السويد عهد سياسة اللجوء المفتوحة منذ عام 2015، وأضافت قوانين أخرى خلال السنوات التالية، أما بريطانيا فقد اقترحت حكومتها أخيراً مشروع قانون جديد للجوء وصفته الأمم المتحدة بأنه "مقلق للغاية وينتهك القانون الدولي"، وقبله كانت قد نفذت قرار ترحيل المهاجرين إلى رواندا، وهذا القرار من شانه أن يقلص فرص الهجرة الشرعية أيضاً على رغم أن الحكومة البريطانية قالت إنه "جزء من محاولات معالجة الزيادة في عدد الأشخاص الذين يصلون إلى بريطانيا عبر معابر القنال الإنجليزي كل عام".

أخطار في الأفق

ومن قبل أن تندلع الحرب لم تتوافر إحصاءات دقيقة لعدد اللاجئين في السودان بسبب كثرة التنقل، وعلى رغم أن غالبهم يتمركز في الخرطوم وأطرافها والمدن الرئيسة القريبة من بلدانها، إلا أن عملية الحصر التي تقوم بها مفوضية اللاجئين تتعرض للتذبذب كثيراً، وعموماً تتراوح أعداد اللاجئين الإثيوبيين بين 3 إلى 4 ملايين شخص بسبب حرب "تيغراي".

وعلى رغم توقيع اتفاق السلام بين الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، إلا أن عودة اللاجئين تحتاج إلى ضمانات أكثر لتنفيذ وقف دائم للأعمال العدائية وإنهاء الحرب.

أما لاجئو دولة جنوب السودان فيقدر عددهم بنحو 3 ملايين شخص، عدد منهم فضل الإقامة في السودان بعد انفصال الجنوب عام 2011، ومعظمهم لجأ عبر الحدود بعد اشتداد المعارك هناك عام 2013، واستمرت حتى توقيع اتفاق السلام بين الحزب الحاكم الذي يتزعمه الرئيس سلفا كير ميارديت والمتمردين بزعامة نائبه رياك مشار، بينما لم يستتب الأمن تماماً إذ تعرضت البلاد لنزاعات قبلية أخرى وأخطار ناتجة من الفيضانات والمجاعة.

وفي إقليم "تيغراي" أيضاً أبدت الأمم المتحدة مخاوف على سلامة حوالى 96 ألف لاجئ إريتري يعيشون في أربع مخيمات لجأ منهم عدد كبير إلى السودان، وكان قد اندمج عدد كبير منهم في المجتمع المحلي شرق السودان، نسبة للتداخل القبلي بين البلدين.

وفي حين لا يتوافر إحصاء دقيقة عن عدد اللاجئين اليمنيين في السودان، فإن عددهم يقدر بأكثر من 700 ألف شخص، غادر عدد كبير منهم إلى أوروبا وبلدان أخرى، أما اليمنيون الذين يقيمون في السودان بصورة شرعية فقد تم إجلاؤهم من ميناء بورتسودان إلى جدة عبر عمليات الإجلاء المتواصلة التي تقوم بها السعودية لرعايا الدول العربية والأجنبية، ثم تم تيسير نقلهم وإعادتهم إلى محافظتي عدن ومأرب باليمن.

الملاذ الأخير

ووصل عدد السوريين القادمين إلى السودان منذ اشتعال الأزمة في سوريا إلى أكثر من 3 ملايين شخص، وشهدت السنوات الماضية هجرة عدد كبير منهم إلى بلدان أخرى من طريق مفوضية اللاجئين أو من خلال جهود فردية، وبحسب التقديرات فإن حوالى 300 ألف سوري مقيمين في السودان يواجهون خطر اللجوء مرة ثانية، ومن هذا العدد تم توطين بعضهم بجوازات سفر سودانية استخدمها معظمهم للهجرة إلى دول أخرى، ومنهم أصحاب أعمال صغيرة وطلاب وغيرهم.

وأعلنت وزارة الخارجية السورية أنه "أجلي مئات السوريين الراغبين في ذلك عبر مدينة بورتسودان بمساعدة السعودية والأردن والجزائر"، وأما من بقي منهم فإما بسبب "انتظار قرار رسمي عالي المستوى"، كما أعلنت وسائل إعلام محلية، أو "ترتيبات تتعلق بالإمكانات المادية واللوجستية لهذا العدد الكبير"، أما الأسباب الأمنية التي قد تعوق عودة هؤلاء إلى ديارهم فهي أن معظم السوريين في السودان معارضون لنظامهم، كما أن الشباب منهم فارون من الخدمة العسكرية الإلزامية.

ومن ناحية أخرى يواجه السوريون قيوداً فرضتها الحكومة الانتقالية السودانية في عهد رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك منذ التاسع من ديسمبر (كانون الأول) 2020، تتعلق بإجراءات دخولهم إلى السودان، وكانت سابقاً تتم من دون تأشيرة، فضلاً عن إسقاط الجوازات السودانية عن 10 آلاف سوري حصلوا عليها في عهد حكم عمر البشير.

وتعبيراً عن تلك الإجراءات أوردت صحيفة "ذا أوبزرفر" البريطانية أن "اللاجئين السوريين يشعرون بالأسى لفقدان ملاذهم الأخير في السودان"، بإشارتها إلى أن "السودان كان حتى نهاية 2020 الدولة الوحيدة في العالم التي يمكن للسوريين السفر إليها من دون تأشيرة، ومثل ملاذاً فريداً للاجئين السوريين الباحثين عن حياة جديدة بعيداً من بلادهم التي مزقتها الحرب الأهلية".

أوقات عصيبة

ولا يخرج الاضطرار إلى اللجوء عن أسبابه المعروفة، وهي الحروب والنزاعات القبلية والطائفية والصراعات السياسية على الحكم والكوارث الطبيعية، ونظراً إلى هذه الحالات الإنسانية يتساوى من كانوا مواطنين بالأمس مع من دفعتهم الظروف إلى دروب اللجوء الشائكة، وعندما تتحدث مفوضية اللاجئين من السودان فهي تحاول فك الارتباط بين التعريفات بوصف أكثر دقة للاجئين، فالمواطنون السودانيون خصوصاً من العاصمة الخرطوم والشمال يختبرون حالات اللجوء للمرة الأولى، والنازحون من أقاليم دارفور وجنوب وشرق السودان مروا بتجربة لجوء سابقة في تشاد ودولة جنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا، وغيرهم من جنسيات أخرى يمرون بهذه التجربة ربما للمرة الثالثة.

وفي محنة كهذه ربما يحز في نفوس كثير من السودانيين أن من استجاروا بالسودان في أوقات عصيبة مرت بها أوطانهم، يفرون منه ويقفون معهم ليحدد "اتفاق اللاجئين"، الذي وقع عام 1951، "من هو المؤهل كلاجئ والتزامات الدول الموقعة عليها لحمايته" من أخطار كثيرة ربما تنتعش خلال الفترة المقبلة إن لم تتوقف الحرب وينقطع سيل اللجوء، وعلى رأسها نشاط عصابات التهريب وتجارة البشر.

المزيد من تحقيقات ومطولات