Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السورية سؤدد كعدان: الفيلم وطني الذي فقدته

قالت إن كثيرين يحاولون تنميط أبناء بلدها في صورة الضحية لكنها تكافح لتحريرهم من هذا الإطار

ما قدمته كعدان لا يمكن نسيانه لأنها أكثر المخرجات اللواتي قدمن صورة مغايرة للفرد السوري (صفحة المخرجة على فيسبوك)

ملخص

تتوافر صاحبة "نزوح" على مشروع سينمائي دقيق يصور #البيئة_السورية ويعري شجونها وأحوالها ويكشف عن حجم تناقضاتها أمام #الرأي_العام العالمي، هنا تدلي بتفاصيل التجربة

طالما نظرت إلى المخرجة السورية سؤدد كعدان باعتبارها من التجارب السينمائية العربية الأصيلة التي بزغ نجمها في الأعوام الأخيرة، تجربة سينمائية مميزة وصادقة وضعت الواقع السوري داخل مختبر بصري تحديثي، فجاءت مجمل أفلامها عبارة عن سردية سينمائية تعمل على تخييل الواقع السوري ونقله إلى مضمار آخر، لكن وهي تنقل واقعها تبدو صورها وعوالمها وشخصياتها باقية هناك وكأنها تأبى الرحيل، متشبثة بجرحها ويومياتها المنكوبة، وحتى وهي ترحل وتستقر داخل سياقات أخرى وفضاءات جديدة، فإن الجرح السوري يصبح أكبر بالنسبة إلى شخصياتها على الشاشة.

كل ذلك يجعل صاحبة "نزوح" تتوافر على مشروع سينمائي دقيق يخيل البيئة السورية ويعري شجونها وأحوالها ويكشف عن حجم تناقضاتها أمام الرأي العام العالمي.

"يوم أضعت ظلي"

فما قدمته سؤدد كعدان في "يوم أضعت ظلي" و"نزوح" لا يمكن نسيانه لأنها أكثر المخرجات اللاتي قدمن صورة مغايرة للفرد السوري، فهي تترك شخصياتها تتصارع مع أحداثها وواقعها ولا تحاول أن توجه إصبع الاتهام إلى نظام أو مؤسسة أو مجتمع أو حزب، بل كل ما يهمها هو الجري درامياً وراء الشخصيات والإعلاء من الألم الإنساني، مما جعل الفيلمين يقدمان سردية سينمائية متكاملة عن سوريا والمخاض العسير الذي عرفته منذ بداية موجة "الربيع العربي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثمة وعي مسبق لدى سؤدد كعدان بما تقوم به، فهي من المخرجات العربيات اللاتي يكتبن أفلامهن بأنفسهن، وهكذا تعمل وفق خطة منهجية ناجعة تجعلها تعيش الفيلم في مخيلتها قبل تصويره على أرض الواقع، وهذا التعدد الفني الذي تعيشه في ذاتها بين التأليف والإخراج يجعل أفلامها مميزة ذات عمق فكري لأنها لا تسعى إلى تقديم سينما تجارية تبوئها مكانة داخل مهرجانات ترفيهية، بل تفكر لحظة الكتابة وتتألم في البحث عن أفكار قبل تشكيل معالمها داخل صورة سينمائية.

منذ فيلمها الروائي الطويل الأول "يوم أضعت ظلي" بدا واضحاً أننا أمام مخرجة سورية لا تعيد توليف المكرر من المشاهد بقدر ما تستحدث صوراً جديدة خاصة بها.

بين الكتابة والإخراج

بمناسبة مشاركة فيلمها "نزوح" ضمن مهرجان "مالمو" للسينما العربية، تحدثت سؤدد إلى "اندبندنت عربية" عن علاقتها بفعلي الكتابة والإخراج، فتقول إنهما "لا ينفصلان في أفلامي عن بعضهما بعضاً وأعتبرهما جزءاً من عملية فنية واحدة، بخاصة في الأفلام الذاتية، فكل مرحلة أعيشها بطريقة مختلفة، وأحاول أن اكتشف شيئاً جديداً عن نفسي وعن العملية الإبداعية والسينمائية في كل مرحلة، ولا أحاول البحث عن حكاية سهلة وبديهية، فكلما كانت الصعوبات أكبر كلما استمتعت بإنجازها متحدية نفسي، لكنني أحاول أن أجعل الحكاية تبدو بسيطة في الظاهر، متعددة المعاني والمستويات في الحقيقة، لكي أترك الحرية للقارئ والمتفرج في أن يجد المستويات الأخرى المركبة لها إن رغب في ذلك".

 

 

لكن أين تجد نفسها بشكل أقوى وأكثر حميمية، تجيب سؤدد أن "الفعلين مختلفين كلياً، فالكتابة هي تأمل وعزلة وتحتاج إلى أن تنفصل عن كل شيء ولا تواجه إلا نفسك والصفحة البيضاء، لذلك أعتبر أن مرحلة الكتابة هي الفترة الأصعب والأهم في عملية تحضير الفيلم، لكنني حتى عندما أكتب أرى السيناريو دائماً كصور، لذا عندما يطلبون مني أن أكتب سيناريوهات لمخرجين آخرين بموازنات أكبر، أو أن أشارك في كتابة نص لمخرج أو مخرجة أخرى أرفض لأنني عندما أكتب الفيلم أراه إخراجياً أيضاً، أراه بعين المخرجة، وعندها سيكون من الصعب أن أتركه، بخاصة أن كل أعمالي أنجزتها بعاطفة وحب كبيرين ولا أستطيع أن أرى العمل السينمائي وظيفة ذات هدف مادي".

وتضيف "إذا لم أكن منغمسة في العمل كلياً بعاطفتي وفكري لا أستطيع أن أباشره، ولا يوجد أجمل من اللحظة الأولى التي تدور فيها الكاميرا للمرة الأولى خلال تصوير الفيلم، ولا شعور أجمل خلال صناعة الفيلم من تلك اللحظة التي تكون فيها وراء الكاميرا مع فريق العمل، وتحاول مع الممثلين خلق عالم جديد للفيلم. هناك لحظات عالية من الأدرينالين، من الحب، وتكون العواطف في أقصاها لإنجاز العمل، وتتدخل الصدفة لتضيف مزيداً من السحر السينمائي على ما أعددناه معاً مسبقاً".

سردية سينمائية سورية

عن مسألة العبور من الفيلم القصير إلى الطويل، تقول صاحبة "عزيزة"، "أنجزت فيلماً قصيراً في البداية هو ’خبز الحصار‘ وأستطيع القول إنني تعلمت كثيراً في هذا الفيلم خلال أعوام الدراسة، فهي التي حضرتني لإنجاز فيلمي الطويل الأول ’يوم أضعت ظلي‘، لكنني عندما أردت أن أحضر لفيلمي الثاني ’نزوح‘ واجهت صعوبات، على رغم أن الفيلم الطويل الأول فاز بجائزة أفضل فيلم أول في مهرجان فينيس، إذ كان من الصعب على المشاهد أن يتخيل الكوميديا السوداء في ’ نزوح‘، أو في أي فيلم يتناول موضوعاً عن سوريا".

 

 

وتستكمل "لذلك قمت بكتابة وإخراج الفيلم القصير ’عزيزة‘ الذي فاز بالجائزة الكبرى في مهرجان ’ساندانس‘ للفيلم القصير، لأوضح مزاج الفيلم في ’نزوح‘، وعندها استطاع المشاهد أن يفهم ما أسعى إلى التعبير عنه، تلك الكوميديا السوداء التي تجعلك تشعر بعبثية الوضع، أمر أشبه بكوميديا ’انتظار غودو‘. ومع نجاح فيلم ’عزيزة‘ استطعت أن أحصل على تمويل لأروي هذه الحكاية السورية بطريقة مختلفة".

وتضيف سؤدد "كثيرون يطالبون الفيلم السوري بأن يكون صورة عن فيلم ’ريبورتاج‘ هدفه البروباغندا المباشرة وأن يحاول تنميط السوري في صورة الضحية ومشاعر البكاء فقط، فأردت أن أقدم شيئاً مختلفاً، أن يشعر المشاهد بندية مع الشخصيات، يحبها، يكرهها، يتعاطف معها، يضحك لها أو منها، لتتحرر الشخصية من إطار الضحية وتتحول إلى إنسان مثل جميع البشر، لكنه يعيش في ظروف الحرب الصعبة".

من الفني إلى الجمالي

عن التقاطع الفني والجمالي بين تجربتها في الفيلم القصير ونظيره الطويل،والصعوبات التي اعترضت طريقها خلال مسيرتها، ترى سؤدد أن "الطريق إلى الفيلم الطويل الأول صعب جداً، فيلمي الأول ’يوم أضعت ظلي‘ استغرق سبعة أعوام حتى استطعت إنجازه، وأنا لست استثناء في ذلك، فمعظم المخرجين والمخرجات يعانون كثيراً في طريق إنجاز الفيلم الأول لأن المجازفة أكبر، ولا يريد كثيرون المراهنة على شخص لم ينجز فيلماً من قبل بموازنة كبيرة، والصعوبة تكون أكبر عندما تكون سورياً فقدت بلادك ومكانك وجمهورك وتحاول أن تحصل على تمويل لإنجاز فيلم، بينما تحاول أن تبحث عن بلد تستقر فيه وعن بلاد لكي تصور أفلاماً علها تشبه البلد الذي فقدته، لذلك تكون الصعوبات مضاعفة مع الفيلم الروائي خلال فترة الحروب".

 

 

أما عن أسباب بقائها أمينة لبلدها بينما تعلي من حجم الشرط الإنساني وتخييلاته الفنية، فتقول "هي بلادي التي أحملها معي أينما ذهبت والتي أحاول أن أمثلها وأدافع عنها في كل فرصة والتي أحارب كي أضيف جنسيتها إلى أفلامي رسمياً أينما ذهبت على رغم صعوبة ذلك، وهي أيضاً الجرح الذي نحمله آملين يوماً في أننا سنستطيع العودة إليها، وهي المكان الذي أفتقد التصوير فيه كأنه بيتي الذي أحاول إعادة خلقه في كل مكان جديد أرتحل إليه".

وتؤكد "مهما حاولت ألا أتكلم عن سوريا في أفلامي فإنني لا أستطيع، تنساب البلاد بين كلماتي والصور التي أتخيلها، وأعتقد بأن أفلامي سياسية من دون أن تصرح بذلك مباشرة، فعلى رغم أن الشرط الإنساني يأتي أولاً، فإن اختيار مكان الحكاية والشخصيات والصراع نابع من موقف سياسي واضح من دون أن يلغي موقفاً آخر".

بين الواقع والذاكرة

وتقول سؤدد "لأنني عشت معظم حياتي في سوريا، وأعرفها قبل الحرب وأثناء الثورة، وراقبت تحولها في ما بعد إلى حرب بشعة، أفلامي تولد من هذا الواقع، ولو أن والديّ اختارا أن يبقيا في فرنسا حيث ولدت لكانت الحكاية مختلفة وصوري كذلك، لكن الواقع المعاش وواقعي كشخص تربى في سوريا منبع كل هذه الأحلام والهواجس والكوابيس".

أما عن علاقتها بالذاكرة وما إذا كان المخرج مضطراً دائماً إلى الحفر والتنقيب فيها بحثاً عن ألم أو ذكرى أو حلم ضائع، فترى سؤدد أن "هناك أمراً عميقاً بين السينما والذاكرة، والرغبة في أن تضع كل أفكارك وأحلامك وصورك في فيلم وكأنه صندوق للذكريات. يتعمق هذ الشعور عندما تفقد وطنك، فتشعر بأن الفيلم هو هذا البيت الذي خسرته، ويتحول إلى البيت أو الصندوق الذي وضعت فيه كل ذكرياتك ومشاعرك. سؤالك جعلني أفكر وأنتبه إلى أن فيلمي المقبل أيضاً يتحدث عن موضوع الذاكرة وإن بطريقة مختلفة. لا أعرف إن كان كل مخرج يقوم بذلك أو لا، فهناك مخرجون لا يكتبون نصوص أفلامهم، لكنني دائماً أبدأ فعل الكتابة من صورة أراها، صورة نابعة من ألم، من ذاكرة شخصية، ومن مشاعر صادقة، وتلك الصورة تظل تلاحقني حتى أضعها على الورق وأنجزها في فيلم، وعندها أتحرر منها".

المزيد من سينما