Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من أطلق الرصاصة الأولى في حرب "الشؤم" بالخرطوم؟

لم تكمل العاصمة السودانية في سابع أيام المواجهات جمع جثامينها وكفكفة دموعها وجراحها

يعتقد مراقبون أن شبح الحرب كان ماثلاً منذ فترة لكنها كانت تنتظر فقط ساعة الصفر والشرارة الأولى (أ ف ب)

ملخص

قال #مبارك_الفاضل_المهدي رئيس #حزب_الأمة_السوداني إن ما كان يخشاه وحذر منه قبل أكثر من أسبوع قد وقع بالفعل

لم ينقشع غبار المعركة بعد حتى تنجلي الصورة الكاملة ويقف الجميع على فداحة الحرب وبشاعتها، وستظهر حينها الأرقام الحقيقية الصادمة حول ما خلفته من دمار وضحايا، بخاصة العسكريين من الطرفين، إلى جانب مدنيين أبرياء حصد أرواحهم الرصاص والقذائف الطائشة، منهم طلاب مدارس أطفال وشبان ونساء وكبار سن.

حطام

وقال أحد العسكريين إن منطقة وسط الخرطوم امتداداً من شرق المطار وحتى منطقة المقرن ستظل تحكي لسنين عدداً عن أبشع جراح الوطن، والواقع الفعلي بعد انجلاء دخان المعارك سيكشف عن مدى فظاعة الكارثة وفداحة الخراب.

لم تكمل الخرطوم بعد جمع جثامينها وكفكفة دموعها وجراحها، وهي تدخل سابع أيام حرب 15 أبريل (نيسان). فكيف نشبت هذه الحرب فجأة؟ وأي الطرفين بدأ إشعال شرارة طلقتها الأولى؟

يعتقد مراقبون أن شبح الحرب كان ماثلاً منذ فترة، لكنها كانت تنتظر فقط ساعة الصفر والشرارة الأولى، وشاهدها أرتال قوات الدعم السريع وتعزيزاته التي تدفقت نحو العاصمة الخرطوم في الأسابيع الماضية، في مقابل وصول مجموعات من مدرعات ودبابات الجيش وآلياته الثقيلة، وخلفت تلك التحركات أجواء من القلق والتوتر لدى جميع السودانيين وسكان الخرطوم على وجه الخصوص.


كواليس البداية

وفق ما أسر به أحد القادة البارزين في حركات السلام المسلحة لبعض المقربين منه، فقد كشفت اتصالات بينه وبين طرفي القتال بعضاً من كواليس اللحظات الأخيرة لبداية المعارك، إذ ذكر القيادي أنه اتصل بالفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، صباح يوم بدء الصدامات 15 أبريل، كي يتأكد من أن الاجتماع الذي كان محدداً له ظهر اليوم نفسه مع نائبه في المجلس وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي" سينعقد في الوقت المحدد له، لكن كانت المفاجأة أن جاء رد الفريق البرهان وكأن لسان حاله يقول "قد سبق السيف العذل"، فقد أبلغه بأن قوات الدعم السريع قد نفذت هجوماً على القيادة العامة والقصر الجمهوري وكذلك على القوات المسلحة الموجودة في مدينة الشباب والرياضة بمنطقة سوبا شرق الخرطوم.

وبسؤال القيادي الفريق البرهان عن ماهية الموقف والوضع وقتها، كان رده بحسب المقربين "نحن سنحسم المسألة، وعليكم الحفاظ على الهدوء، وأرجو أن تراقبوا الموقف حتى تظل القضية بين القوات المسلحة والدعم السريع، وقد لا نحتاج حتى إلى قواتنا خارج العاصمة".

تواصل القيادي بعد البرهان مع قائد قوات الدعم السريع، وفق رواية المقربين أنفسهم، فقال له حميدتي وهو يضحك باستياء، لقد شن البرهان علينا الهجوم لكننا "سوف نحسم الأمر اليوم وسنقدمه للمحاكمة".

تحذيرات مسبقة

في السياق، قال رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي إن ما كان يخشاه وحذر منه قبل أكثر من أسبوع قد وقع بالفعل، مشيراً إلى أنه كان قد أطلق نداءً وتحذيراً من مغبة تصاعد مواجهة عسكرية بين الجيش والدعم السريع تضع البلاد على مشارف حرب أهلية بسبب الانقسام وسط القوى السياسية حول إدارة الفترة الانتقالية، وحمل الفاضل القوى السياسية الموقعة على "الاتفاق الإطاري" كامل المسؤولية عن الدفع بالبلاد إلى ما وصفه بمصير كل من اليمن وليبيا، مطالباً القوى السياسية بضرورة تجاوز الصراع وإعلاء مصلحة الوطن وإدارة حوار يفضي إلى توافق واتفاق حول إدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية ونزع فتيل الحرب الأهلية.

وأوضح رئيس حزب الأمة أنه كان واضحاً أن النزاع السياسي في السودان يتجه إلى أن يحسم عبر السلاح، لأن أطرافه عسكريون، فرفض حميدتي إدخال قواته تحت قيادة القوات المسلحة لتكون تحت سيطرتها، هو الذي فجر الخلاف، وما فاقم الأمر تحالف قائد الدعم السريع مع المجلس المركزي للحرية والتغيير في "الاتفاق الإطاري"، لذلك "عندما اشترط الجيش وتمسك بدمج قواته قبل توقيع الاتفاق النهائي، لجأ قائد الدعم السريع إلى تمرير إشارات تهديدية بتكثيف حشد قواته في العاصمة، وقرر إرسال قواته إلى مروي في إشارة واضحة لاستهداف القاعدة العسكرية هناك".

ميراث الأزمة

وأكد رئيس حزب الأمة رفض حزبه المبدئي أي انقلاب أو عمل مسلح يهدف إلى تقويض أهداف "ثورة ديسمبر" في الحرية والسلام والعدالة، أو قيام أي نظام عسكري في السودان مهما كانت المبررات. ولفت الفاضل إلى أن الوضع المأسوي الراهن يعود إلى الأزمة السياسية التي تسببت فيها خطة مدعومة خارجياً لبث الفرقة بين أهل السودان وتسليم السلطة لفئة سياسية صغيرة متحالفة ومحمية من قبل ميليشيات عسكرية.

كما أكد رئيس حزب الأمة دعمه الجيش ورفضه أي تمرد مسلح يستهدف سلامة وقدرات القوات المسلحة كمؤسسة وطنية عريقة قومية تمثل صمام الأمان لسلامة ووحدة أراضي السودان وحماية شعبه، مطالباً القوات المسلحة بوقف ما وصفه بالتدخل الخارجي السافر في شؤون الوطن الذي من شأنه أن يفضي إلى الفتنة والفراغ الحكومي الذي دام ما يقارب العام ونصف العام، فضلاً عن تشجيعه على محاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة العسكرية. وشدد الفاضل على ضرورة الإسراع بدمج الميليشيات وسحب السلاح من الأفراد قبل نهاية الفترة الانتقالية، كما دعا إلى مراعاة الظروف الإنسانية للمواطنين والحرص على سلامتهم والسماح لهم بالحصول على حاجاتهم من الماء والغذاء والكهرباء وتوفير لوازم المستشفيات وحماية الكوادر الطبية.

تصدير الانشقاقات

من جهته أوضح أستاذ العلوم السياسية بابكر عبدالمحسن أن الانشقاقات المتفاقمة التي ضربت الساحة السياسية في المرحلة السابقة، إلى جانب حدة الاستقطاب الذي رافقته حملات خطابية رافضة للآخر، هي التي عمقت الحالة الحادة من الانقسامات الأفقية والرأسية. ورأى أن الحرب جعلت القوى السياسية المتضعضعة أصلاً تبدو الآن في أضعف حالاتها وهي تتوسل العسكريين وقف القتال، وهو الوضع الذي أغرى بالفعل خصومها من الإسلاميين من أنصار النظام السابق للمبادرة والانسجام التام مع القوات المسلحة في مواجهة قوات الدعم السريع بهدف قطع الطريق أمام أي احتمالات للعودة إلى المعادلات السياسية نفسها للإعلان السياسي النهائي، بحثاً عن موطئ قدم لهم في المشهد الجديد ما بعد هزيمة "الدعم السريع"، وهو ما ظلوا يخططون له منذ فترة ليست بالقصيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفت عبدالمحسن إلى أن تقاطع الخلافات السياسية الداخلية مع رغبات ومهام الآليات الدولية سواء في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم التحول الديمقراطي أو الوساطة الرباعية، انعكس سلباً على بيئة نمو وتطور العملية السياسية في اتجاه التحول الديمقراطي، وبدا وكأن هناك حلولاً مفروضة وأطرافاً مقبولة وأخرى مرفوضة، مما عزز حالة التشظي وتطرف المواقف بصورة دفعت كل العملية إلى طريق انسداد الأفق، مما أتاح للخيارات المظلمة الظهور ومنها الصدام العسكري المحزن.

الفاتورة المؤجلة

بدوره اعتبر المحلل السياسي حمزة أبوبكر أن خطر حرب اليوم كان قائماً منذ لحظة تأسيس قوات الدعم السريع، غير أنها كانت حرباً شبه مؤجلة وقد حان سداد فاتورتها خلال هذه الأيام العصيبة. وأشار إلى أنه على رغم أن قوات الدعم السريع قامت ونمت وترعرعت تحت مظلة القوات المسلحة، فإنها لم تكن تنسجم مع قوانينها وأعرافها وموروثها وعقيدتها القتالية، فضلاً عن أن اتساع صلاحياتها واستقلاليتها المالية والإدارية قد شجع على نمو طموحاتها في ظل توافر مقومات قتالية وآليات شبه موازية لقدرات الجيش وليس مكملة لها. وأشار إلى أنه لم يكن خافياً أن التجاذب المستمر بين الجيش و"الدعم السريع" سيتطور في يوم ما إلى تنازع ثم تشاحن وصراع وصولاً إلى الصدام الراهن، معتبراً أن هذه الحرب لن تثمر سوى إضعاف الدولة السودانية وتبديد أحلام الشعب الذي أنهكته الحروب الأهلية منذ فجر الاستقلال وحتى اليوم.

الجيش الواحد

وقال القيادي بـ"الحرية والتغيير" وزير التجارة السابق مدني عباس مدني إن قضية الجيش الواحد هي من قضايا "ثورة ديسمبر" وليست من قضايا فلول النظام السابق الذين رفعوا هذه القضية كـ"قميص عثمان" لإعادتهم إلى السلطة أو تمكينهم العلني منها على وجه الدقة، مشيراً إلى أن الشباب السوداني الذي يناضل من أجل إصلاح المؤسسة العسكرية تم استهدافه برصاص الجيوش وكتائب الظل بسبب مناداته بدولة ديمقراطية بجيش قومي واحد. ولفت مدني، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، إلى أن قوات الدعم السريع التي يقاتلها الجيش الآن هي قوات شكلتها الحكومة المركزية للتصدي لنزاعات الأقاليم، لكن يبقى السؤال القائم: هل ما زال السودانيون يظنون أن هذا هو الدرب للدولة السودانية؟

وأوضح قيادي المجلس المركزي أن مصلحة الجيش السوداني تكمن في تقويته وعدم استنزافه بالزج به في أي حروب داخلية، كون السودان محاطاً بدول عديدة "لبعضها مطامع ومع أخرى صراعات، مما يتطلب وجود دولة قوية وجيش مدرب مؤهل من جهة التقنية والعتاد والكوادر"، لافتاً إلى أن ذلك يستدعي إبعاد الجيش عن أن يكون أداة لطموحات بعض القادة الذين همهم السلطة والثروة التي تشكل أكبر دواعي الصراع في السودان وليس لأي أسباب أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات