ملخص
لا تصح مقارنة #فرحة_العيد حالياً بعقود مضت، لكن الفرحة قائمة عبر الزمن نظراً إلى رغبة الجميع في تغيير الأجواء وكسر #نمطية_الحياة
صوت المطربة المصرية أم كلثوم يملأ الأجواء ويعطي إشارة البدء لاحتفالات تنطلق من ليلة الأول من شوال، ولا تنتهي إلا بعد أيام العيد، إذ يدندن المصريون بكلمات "يا ليلة العيد آنستينا" ثم يبتهجون مع صوت صفاء أبو السعود "أهلاً بالعيد"، ومع الأغنيات تنتشر التكبيرات في الفضاء.
للعيد في مصر طقوسه الخاصة، تبدأ من ليلة الوقفة بأجوائها المميزة، مروراً بصلاة العيد في الصباح وارتداء الأزياء الجديدة، وانتهاء بجلسات الحكي والدردشة أمام شاشات التلفاز أو تطبيقات المشاهدة الجديدة، وفي الخلفية ضحكات الصغار والكبار.
ولا تصح مقارنة فرحة العيد في أيامنا الحالية بأيام طويلة مضت، فلكل عصر مفرداته في الاحتفال، لكن الفرحة قائمة بين الماضي والحاضر نظراً إلى رغبة الجميع في تغيير الأجواء وكسر نمطية الحياة، بحيث تضيف تلك اللحظات سعادة في النفوس وإن كانت محدودة أو مسروقة من الزمن.
عين على الماضي
بنظرة إلى الماضي، تحديداً ما بين عامي 1833 و1835، كانت احتفالات المصريين بعيد الفطر والمعروف باسم "العيد الصغير" تمتد لثلاثة أيام، فيحتشد المصلون بعد طلوع الشمس مباشرة بأبهى حلة في الجوامع ويتبادل الأصدقاء التهاني والزيارات ويرتدي الأشخاص حتى لو انتموا إلى الطبقات الدنيا حلة جديدة للعيد.
كانت هذه ملامح العيد في تلك الأيام، كما أوردها إدوارد ويليام لاين، المؤرخ الإنجليزي الذي زار مصر ونقل ثقافتها في كتابه "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم". وبعض تلك العادات لا يزال مستمراً وإن اتخذ أشكالاً أخرى.
في تلك الأيام كان معظم سكان القاهرة يأكلون الفسيخ والكعك والفطير والشوريك (نوع من المخبوزات)، وتحضر بعض العائلات طبق "الممززة" المؤلف من اللحم والبصل ودبس السكر والخل والطحين الخشن. وهي مأكولات لا يزال المصريون يتناولونها في أيام العيد، لكن تضاف إليها أطعمة أخرى مثل وجبة "الكشري" التي يغلق كثير من محالها أبوابه في شهر رمضان.
في مصر طقس لازم عند بعض الأسر في أول أيام العيد وهو التوجه إلى المقابر وزيارة الموتى، حيث يقوم بعض أفراد العائلات، بخاصة النساء، بزيارة أضرحة موتاهم في أيام العيد، ويحمل الزوار سعف النخل وأغصان الريحان لوضعها فوق القبور منذ الصباح الباكر ولا يعودون إلا مع الظهر.
الأزياء الجديدة في عيد الفطر دفعت بعضهم إلى تسميته بـ"عيد الحلل" وذلك في العصر الفاطمي، بحسب حوار صحافي مع الأثري عبدالرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بوزارة السياحة والآثار، وهذه الحلل الجديدة مرتبطة برجال الدولة.
كان الأهالي يجتمعون أمام منزل إمام الجامع الذي سيصلي بهم العيد ويزفونه حتى يصل إلى المسجد وفي يدهم القناديل، ثم يعيدونه إلى المنزل مرة أخرى بعد الصلاة. وكانت عادة أكل الأسماك المملحة المجففة موجودة في ذلك التوقيت.
ما الذي تغير؟
قبل ساعات من صلاة عيد الفطر عام 1977 كانت عزة الدسوقي، الطفلة البالغة من العمر ست سنوات، تنام في منزلها بمحافظة المنوفية وإلى جوارها فستان وحذاء ومنديل مطرز وجوارب مزركشة ونقود جديدة للعيد، في انتظار لحظة إيقاظها للذهاب إلى الصلاة بحلتها الجديدة، فهي الطفلة المدللة في أسرتها وليس لها أخ أو أخت.
تقول عزة التي تعيش الآن في مدينة قليوب بمحافظة القليوبية، والتي جاوزت الـ55 سنة، في حديثها إلى "اندبندنت عربية" إن أجواء العيد قديماً كانت مختلفة، "كانت البركة في كل شيء، الوقت والنقود وراحة البال".
في هذه الأوقات كانت تعرض إعلانات في الصحف القومية لأزياء العيد في عروض تجذب شرائح مختلفة من الناس، وكان منها إعلان يعاد نشره الآن بين الحين والآخر على مواقع التواصل الاجتماعي هو إعلان مؤسسة "ملابس الأهرام" التي كانت تروج لـ"بدلة أطفال تروبيكال بميدالية. بطانة حرير" للأعمار من ثلاث وحتى سبع سنوات، ويبدأ سعرها من 324 وحتى 394 قرشاً، كما كانت محال تجارية تعرض أسعاراً جديدة لمنتجاتها بمناسبة العيد.
كانت "العيدية" لا تتجاوز الـ25 قرشاً بالنسبة إلى أقران عزة، لذا فهي تتفاخر بالجنيهات الخمسة التي كانت تحصل عليها قبل العيد من أمها. تقول "توفي والدي وأنا صغيرة وكانت أمي تدخر لي تلك الجنيهات، كان مبلغاً كبيراً آنذاك وكنت أحتضن ملابسي الجديدة وأنتظر ساعة صلاة العيد".
تخرج عزة الطفلة وقد ارتدت نظارة بلاستيكية، تتفاخر بملابسها وسط أبناء قريتها، وبعد الصلاة تتجه إلى الشيخ سعيد الرفاعي، فقد "كان لدى هذا الرجل تلفاز يشاهد عبره الأطفال المسرحيات وبعض الأفلام مقابل كذا تعريفة (تساوي الواحدة خمس مليمات أو نصف قرش)، ويخرجون بعدها للتنزه ثم يعودون إلى البيت وقد امتلأ بالزوار والمحبين".
لا يمر اليوم الأول من العيد في طفولة عزة إلا وقد لعبت عند "المراجيح" التي كانت قريبة من موقف سيارات في قريتها بالمنوفية، وهي تعتبر تلك اللحظات أسعد ما في العيد خلال فترة طفولتها، إضافة إلى اللعب بالمفرقعات مع أقرانها. وكانت تلك الألعاب خشبية في الماضي كما توضح الصور القديمة، لكنها تطورت واختلفت أشكالها وباتت لها حدائق ومدن ملاهٍ متكاملة.
اختلاف أجيال
تزوجت عزة وانتقلت مع زوجها من محافظة المنوفية إلى حيث تعيش الآن، وأنجبت ابنتين وولداً، ثم توفي زوجها عام 2018 تلاه ابنها سيد، وصارت تعطي ابنتيها عيدية تصل الآن إلى 500 جنيه (نحو 16 دولاراً) للواحدة، تقول الأم "لم يعد للأموال قيمة كبيرة، تزداد العيدية عاماً بعد عام بسبب زيادة الأسعار".
وعلى رغم أن عزة لم تعد صغيرة فإنها ما زالت تأخذ عيدية من زوجي ابنتيها، وترى في الأمر تمسكاً بالعادات التي لم تفارقها منذ أن كانت تحتضن ملابسها في منزلها بإحدى قرى المنوفية، توضح "حتى هذه اللحظة قد أشارك بناتي اللعب وقت العيد، لكن كبر السن يفرض عليّ ألعاباً معينة لا تتطلب مجهوداً كبيراً".
والعيدية لفظ ارتبط بالعيد منذ أن كانت الدولة أو الأوقاف توزع نقوداً على بعض الموظفين من باب التوسعة عليهم أثناء العهد المملوكي، وكانت تعرف في دفاتر الدواوين باسم "الرسوم"، وتقدم في أطباق مملوءة بدنانير ذهبية إلى جانب مأكولات فاخرة، بحسب دراسة لعلي الطايش أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار بجامعة القاهرة.
تشارك منار والدتها في تجهيز المنزل قبل العيد، فتغسل الحوائط وتفرش سجاجيد نظيفة وتعلق الزينة، خصوصاً بعد أن شهد المنزل زيارات متعددة لتجهيز الكعك الذي تحرص عزة على إعداده بنفسها، على رغم اتجاه أخريات لشراء الجاهز منه توفيراً للوقت والمجهود.
تقول منار "بشكل شخصي أفضل تجهيزه بنفسي، هذه أجواء العيد التي ينبغي ألا تسقط مع الوقت، هذا جزء من تراثنا". وهي تحصل على العيدية بأشكال مختلفة، ففي بعض الأوقات تصل إليها من خلال لوحة مزينة وعليها النقود وقد عقدت على هيئة شجرة، أو رسمة لصورتها يجهزها زوجها، وقد يتطلب الأمر فريقاً متخصصاً في ذلك الأمر.
الآن تقوم صفحات بترويج أشكال مختلفة لـ"العيدية" على مواقع التواصل الاجتماعي بديلاً عن منح النقود بشكل مباشر لصاحبها، بحسب منار "المهم أن تصل العيدية، فقد بلغت 31 سنة لكنني حريصة على أخذها، هذا جزء من فرحة العيد وأجوائه".
منصات وحنين افتراضي
تتذكر عزة حين كانت تشاهد التلفاز في قريتها وهي طفلة مقابل مبالغ صغيرة، وتقارن ذلك الوضع بما تجده الآن من محطات تلفزيونية مختلفة ومسرحيات متاحة على مواقع المشاهدة، فتنتصر للتلفاز القديم في بيت الجار الذي يملك التلفاز الوحيد في القرية. تقول "هذا الزخم محير، كنا نجلس وننتظر الفيلم أو المسرحية المعروضة فحسب".
تبث القنوات المصرية المملوكة للدولة مسرحيات عدة في أيام العيد وباتت هذه الأعمال جزءاً من طقوس اليوم، ومنها "سك على بناتك" و"شاهد مشافش حاجة" و"مدرسة المشاغبين"، و"الواد سيد الشغال" و"العيال كبرت" وغيرها من المسرحيات التي كانت تجمع الأسر لمشاهدتها معاً. الآن ومع زخم المواد الفنية وتعدد المنصات بات لكل شخص منصته المفضلة وأعمال فنية يحبها دون غيرها.
أما السينما، فعيد الفطر يعد موسماً خاصاً ومميزاً لها، إذ يصبح الزحام أمام قاعات العرض ملحوظاً وكبيراً، ويفتخر كل صاحب عمل بإيراداته في موسم تنافسي قوي بات جزءاً من طقوس العيد في مصر.
تلعب الذكريات في العيد دوراً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يعاد نشر صور قديمة لألعابه وملابسه وطقوس الاستعداد له، وعادة ما تكون الصور المنشورة مقتطعة من مشاهد قديمة لأفلام أو من صور قديمة يحتفظ بها بعض الناس في إطار الحنين لتلك الأوقات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لحظات الطفولة
باسم محمد أحد هؤلاء الذين كتبوا عن العيد ولحظات الطفولة، حين كان يجد في تلك الأيام سعادة أكبر مما يشعر به الآن، "كان للعيد بهجة حقيقة، لا أقول إن اختلاف الزمن هو السبب، لكن في الطفولة أنت لا تحمل مسؤولية وليست عليك واجبات، بعكس الآن".
يعمل باسم (32 سنة) مترجماً لمصلحة إحدى دور الترجمة ولديه أسرة يعيلها، وأصبح العيد بالنسبة إليه موسماً للإنفاق، بداية من العيدية مروراً بتجهيز حاجات المنزل استعداداً للزيارات المختلفة، ومع ارتفاع نسبة التضخم في مصر إلى مستويات غير مسبوقة، فإن هذه التجهيزات تفرض على الشاب قلقاً لم يكن يجده في الماضي، فـ"إذا نظرت إلى لهو الأطفال ستجدهم مستمتعين بكل شيء، لا مسؤوليات ولا واجبات"، يقول الشاب لـ"اندبندنت عربية".
كان باسم في طفولته يذهب برفقة أسرته إلى حديقة الحيوانات بمحافظة الجيزة، فإذا كانت مزدحمة فإن هناك حدائق أخرى يمكن للأسرة الذهاب إليها. أصبح الشاب الآن رب عائلة، وبدلاً من خروجه للتنزه بلا مسؤولية أو واجبات فإن الأمر يختلف الآن، لقد تبدلت الأدوار، وهو ما يراه باسم الآن وجهاً آخر من وجوه العيد.