Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كامل كيلاني أسس أدب الصغار العرب ووسع خيالهم

"ألف" روايات شكسبير وحكايات هندية وإغريقية وخلف مئات الكتب في مجالات عدة

كامل كيلاني (1897 – 1959) (اندبندنت عربية ـ علاء رستم)

ملخص

الأديب المصري #كامل_كيلاني "ألف" روايات #شكسبير وحكايات هندية وإغريقية وخلف مئات الكتب في مجالات عدة

"تحكي هذه القصة عن تاجر شاب من إيطاليا يدعى "أنطونيو"، ينتظر مراكبه لتأتي إليه بمال، لكنه يحتاج للمال من أجل صديقه "باسنيو" الذي يحبه كثيراً. ذلك أن "باسنيو" يريد أن يتزوج من "برشا" بنت دوق بالمونت الذكية، فيضطر "أنطونيو" للاقتراض من التاجر المرابي "شيلوك" الذي يشترط عليه أخذ رطل من لحمه إذا تأخر عن سداد الدين. ويتأخر "أنطونيو" في جلب المال فيطالب "شيلوك" برطل من لحمه، ويجره إلى المحكمة، ويكاد ينجح في قطع رطل من لحمه لولا مرافعة "برشا" التي تنكرت في شكل محامٍ واشترطت على "شيلوك" أن يأخذ رطلاً من اللحم من دون أن يهدر نقطة واحدة من دماء "أنطونيو" وإلا يسجن، فعجز "شيلوك" وتراجع.....". حسناً! هذه السطور تلخص كما هو مفترض نظرياً، قصة كتبت للأطفال وصدرت في كتب عدة ووزعت في طول العالم العربي وعرضه تحت غلاف يحمل بكل وضوح عنوان "تاجر البندقية" من "تأليف كامل كيلاني". والحقيقة أن أطفال العالم العربي وطوال القرن العشرين يظلون على اعتقادهم بصحة هذا العنوان وصحة اسم الكاتب الذي ينسب إليه حتى يكبروا ويدركوا أن ما قرأوه أطفالاً ليس سوى تلخيص موفق لطيف ومبسط، لمسرحية وليام شكسبير التي تحمل الاسم نفسه مع أن اسم الكاتب المسرحي الإنجليزي الكبير لا يرد لا داخل سياق قصة كامل كيلاني ولا على هامشها. ومع ذلك ليس ثمة سرقة أدبية ولا أي شيء من هذا القبيل هنا. كل ما في الأمر أن ذلك كان الأسلوب الأفضل الذي ارتآه الرائد الكبير لأدب الأطفال في العالم العربي منذ بداياته عند الربع الأول من القرن العشرين، لتزويد مخيلة القراء العرب الصغار بما يوسع من ثقافتهم ومن ذلك الخيال، ويفتح عقولهم على ثقافات العالم من دون أن يزحم تلك العقول بمعلومات قد تصعّب الأمور عليهم.

حكايات من كل مكان

بهذا الأسلوب إذ أثرى كامل كيلاني مكتبة الأطفال العربية التي كان رائدها ومن مؤسسيها الكبار، بعدد آخر من مسرحيات شكسبير مبسطة ومهذبة وبعدد كبير من القصص الهندية وأساطير اليونان وما يشبه ذلك من دون أن يفوتنا هنا أن المرة الأولى التي قرأ فيها طفل عربي حكاية "حي بن يقظان" أو حكاية "روبنسون كروزو" التي تقابلها في اللغات الأوروبية – إنما مترجمة إلى العربية طبعاً – كان ذلك في قصة من هذا النوع "ألفها" كامل كيلاني. فجميع تلك القصص ومهما تكن أصولها وأوطانها الأصلية تم تلقيها بالنسبة إلى الطفل القارئ مع عبارة  تقول بكل بساطة إنها "من تأليف كامل كيلاني". ومهما يكن من أمر هنا: هل نحن متفقون على أية حال على معنى كلمة "مؤلف"؟ وشكسبير نفسه أفلم يكن وقبل كيلاني بمئات السنين قد "استعار" النص نفسه الذي بنى عليه مسرحياته من كتاب سبقوه وأحياناً من تراث شفهي إنساني لا يملكه في الحقيقة شعب معين أو كاتب بذاته وما إلى ذلك؟ في النهاية "ألف" كامل كيلاني، إذاً نحو 300 رواية وحكاية نشر 200 منها في حياته وتولى ابنه من بعده نشر القسم الأكبر مما تبقى. وفي المحصلة إذاً أن ما من كاتب عرف كيف ينتج مثل هذا الأدب الضخم لصغار القراء الذين أحبوا دائماً كتاباته وفضلوها مئات المرات على ما كانوا يُدرَّسونه في صفوفهم، مضفياً على حياتهم تلك الأبعاد التي لا شك أنها كانت ولا تزال في كثير من الأحيان في أماكن عربية عدة، غير متوافرة لا في الحياة المدرسية ولا في الحياة العامة، ولا حتى في البيوت إن لم تكن ثمة في البيوت تينك الجدات الرائعات اللواتي يتقنّ ويحكين قصصاً رائعة غالباً ما تبقى في ذاكرة الأطفال بعدما ينسون كل ما لُقنوه على مقاعد الدراسة.

مصادر فن الحكايات

يروي يوسف الشاروني، نقلاً عن كتاب لأنور الجندي، أن كامل كيلاني تلقى أولى دروس الأدب في حياته من أربعة مصادر: أسرة يونانية، حوذي، بائع بسبوسة وشاعر على الربابة. فالأسرة اليونانية استضافها أبوه بعد أن مات عائلها، وعنها عرف كيلاني في طفولته حكايات حروب طروادة وأساطير آلهة اليونان. والحوذي الذي عمل لدى والد كامل وكان دائم الشكوى من حالته المادية، كان هو الذي قص على الفتى صغيراً، حكايات سيف بن ذي يزن والأميرة ذات الهمة وحمزة البهلوان هو الذي كان ملماً بحكايات الجن والساحرات يرويها كما لو أنه عاشها هو نفسه بالفعل. أما بائع البسبوسة فكان جاراً لا يكف عن رواية المعلقات وربطها بالتراث الشعبي. وأما شاعر الربابة فكان الشيخ محمود الملاح الذي كان يحكي أحلى القصص شعراً وغناء في المقهى المجاور. والحال إننا لو تفحصنا عشرات كتب الأطفال التي وضعها كامل كيلاني للمسنا بالتأكيد تأثير تلك المصادر، غير أن كامل كيلاني الذي ولد في القلعة في القاهرة في عام 1887، وتوفي عام 1959، كان كذلك من خريجي الأزهر والجامعة المصرية. ومن هنا حين راح يخوض منذ شبابه في كتابة الأدب للأطفال والفتيان، كان مزوداً ببضاعة أدبية ولغوية وعلمية انعكست في كتبه، وفي الأجيال العديدة من الأطفال العرب الذين تكون وعيهم الأدبي والتاريخي بفضل قراءتهم لكتبه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثقافة عميقة وخيال واسع

لقد كان كامل كيلاني فريد نوعه في تاريخ أدبنا العربي، كان من النادرين الذين جمعوا إلى عمق الثقافة سعة الخيال والرغبة في تحويل ذلك كله إلى رسالة اجتماعية تربوية. وكان يدرك في ذلك الوقت المبكر (الربع الأول من القرن العشرين) أن تربية أمة ما إنما تبدأ بتربية خيالات ومدارك أطفالها. وكانت مشكلته الأساسية في ذلك الحين، أن أحداً لم يكن يجد أنه من المفيد الكتابة للأطفال، باستثناء قلة من أدباء يعدون على أصابع اليد الواحدة، ويتسم ما يكتبونه بحس وعظي واضح ويبدو ثقيل الظل أحياناً. وهكذا، حين بدأ ينتقل من كتابة المقالة الصحافية أوائل العشرينيات إلى كتابة أدب الأطفال كان يدرك أن مهمته عسيرة. ويقول الشاروني إن أول قصة للأطفال كتبها كامل كيلاني كانت بعنوان "الملك النجار"، وكان بعد في التاسعة عشرة من عمره. أما عام 1920 فإنه كان العام الذي شهد بداية إصداره روايات "مكتبة كامل كيلاني" التي قامت إصداراتها، بحسب يوسف الشاروني، على ثلاثة أسس: تشويق الطفل وتحبيبه إلى الكتابة، تجنيبه الخطأين اللفظي والنحوي، والتدرج به من مستوى إلى آخر. ومما يذكره يوسف الشاروني لكامل كيلاني محاولته الناجحة في ردم الهوة السحيقة التي كانت تقوم بين الفصحى والعامية. غير أن كامل كيلاني، وهو في ذروة عطائه ونجاحه أواسط سنوات الأربعين لم يكتف بالنجاح الذي حققه، بل راح يترجم كتبه إلى الإنجليزية كما إلى الفرنسية، ويحرص على أن يعبر ما يترجمه عن قيم الإسلام وأخلاقياته. ثم كان واحداً من أوائل الذين أخرجوا الكتب المصورة بالعربية في ذلك الحين.

مساهمات مسرحية

وفي خضم هذا كله، بالتوازي مع عمله الأساسي في إصدار الكتب للأطفال، خاض كامل كيلاني مهنة التدريس وباللغتين اللتين كان يتقنهما إضافة إلى العربية: الإنجليزية والفرنسية، وعمل موظفاً بإدارة الأوقاف، كما أنه لم يتوقف أبداً عن الكتابة للصحف، حيث رأس تحرير صحيفة "الرجاء" عام 1922، وأسهم في بعض الفرق المسرحية، وكانت له ندوة أدبية شهيرة في القاهرة أوائل القرن من أبرز ما كان يدور فيها أحاديث الأدب والسياسة والوطنية. إلى هذا وضع كامل كيلاني العديد من الكتب الأدبية والتاريخية التي لم تكن، هذه المرة، موجهة للأطفال، ومن بينها "نظرات في تاريخ الأدب الأندلسي" و"موازين النقد الأدبي" و"مصارع الخلفاء" و"مصارع الأعيان". وترجم كتباً عدة منها كتاب المستشرق دوزي "ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام"، كما حقق العديد من الكتب التراثية مثل ديوان ابن زيدون وديوان ابن الرومي و"رسالة الغفران" و"على هامش الغفران"... كان كامل كيلاني موسوعة متنقلة، وكان ناشطاً لا يهدأ. وهو حين رحل عن عالمنا عام 1959، أخذ معه سر ديناميته التي ندر أن اتسم بها أديب آخر من أبناء جيله وجلدته.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة