Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسار الثنائي البرهان- حميدتي من رفقة السلاح إلى حرب الأعداء

إصرار المؤسسة العسكرية وتمسكها بدمج الدعم السريع خلال عامين كانت "القشة التي قصمت ظهر البعير"

ظل حميدتي والبرهان على مدى فترة زمنية طويلة تقارب الـ20 عاماً يعملان جنباً إلى جنب في ميادين القتال (أ ف ب)

 

ملخص

#البرهان و#حميدتي جمعتهما دروب القتال وفرقهتما الحرب

فيما تدخل معارك الخرطوم بين القوات المسلحة والدعم السريع يومها السادس وسط فظائع ومشاهد مأساوية وكارثية على سكان العاصمة السودانية والولايات الأخرى، مخلفة ما يزيد على 300 قتيل في صفوف المدنيين، بحسب آخر إحصاءات لجنة أطباء السودان والمنظمات الأممية، تتهاوى الهدن المعلنة من الجانبين بتواصل القصف الثقيل المتقطع. ووسط الركام الدموي يتساءل الناس عن أسباب الحرب التي يقودها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) وقد كانا حتى الأمس القريب وعلى مدى فترة زمنية طويلة تقارب الـ20 عاماً يعملان جنباً إلى جنب في ميادين القتال، فما الذي حدث في علاقة الجنرالين، كيف بدأت واستمرت ثم آلت إلى مصير الحرب الحالية المفزع؟
منذ تفجر التمرد في إقليم دارفور في عام 2003، أمضى كل من الفريق عبدالفتاح البرهان والفريق محمد حمدان دقلو نحو عقدين من الزمان في خندق واحد يقاتلان جنباً إلى جنب يتقاسمان الأدوار والذخيرة والتعيينات. حينها كان الضابط البرهان ممسكاً بلواء إنهاء حركات التمرد في دارفور، في أوج عنفوان معاركها مع الجيش السوداني.

اللقاء الأول

وبينما كُلف ضابط سلاح المشاة الفريق البرهان منسقاً لعمليات الحرب في دارفور، كان حميدتي يقود مجموعة محدودة من الشباب المسلحين لا يتعدى عددهم العشرات لحماية الأهالي وقوافل تجارتهم من الأقمشة والمواشي التي ظلت تتعرض للنهب المتكرر في الصحراء والتخوم على مشارف الحدود الليبية، وتقطعت بهم السبل بين السودان وليبيا. توحد الهدف بين الرجلين وقتها.
قبل 20 عاماً جمعت الأقدار بين الرجلين ليوحدا جهدهما وقوتهما في القتال تحت راية واحدة للتصدي للجماعات المسلحة في إقليم دارفور كعدو مشترك بينهما، مذاك تعززت علاقات الرجلين المقاتلين.

ظل الرجلان اللذان جمع بينهما أيضاً الإشراف على ملف الجنود السودانيين المشاركين في "عاصفة الحزم" في حرب اليمن، يضعان يداً على يد لتقود الأقدار علاقتهما من بُعد نحو الصعود التدريجي المطرد، ليدور الزمان دورته ويعودا في عام 2019 إلى صدارة المشهد ليجتمعا ويشتركا معاً من جديد، تحت هدف مشترك وتحالف عسكري سياسي مختلف هذه المرة، ألا وهو إسقاط حكم الرئيس السابق عمر البشير تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية العارمة التي اجتاحت كل أنحاء البلاد. وتشاء الأقدار أيضاً أن يتوليا مقاليد الحكم في البلاد من خلال المجلس العسكري الانتقالي.

أمام القيادة

بعد نحو 16 عاماً وإبان اندلاع الاحتجاجات في ديسمبر (كانون الأول) 2018 التي عمت البلاد مطالبة بإسقاط نظام البشير، وفي أبريل (نيسان) 2019 وتحت ضغط الاعتصام الشعبي أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، اتفق الرجلان على أن مصلحة البلاد العليا تقتضي إنهاء نظام البشير.
تشكل وقتها مجلس عسكري يقود فترة انتقالية لحكم البلاد، ترأسه البرهان، الذي عين بدوره حميدتي في منصب نائب رئيس المجلس العسكري، وذلك قبل الدخول في مفاوضات مع تحالف "قوى الحرية والتغيير" التي أسفرت عن توقيع الوثيقة الدستورية في 2019 تكوّن على أثرها مجلس السيادة الانتقالي، برئاسة البرهان في دورته العسكرية الأولى، وبات دقلو نائباً له في هذا المجلس أيضاً، كما تشكل على المستوى التنفيذي، حكومة مدنية بقيادة عبدالله حمدوك.
بعد عامين وإثر بروز ملابسات فاجعة لعملية فض الاعتصام، بدأت بعض الشروخ تظهر داخل المكون العسكري في شأن المسؤولية عما جرى في ذلك اليوم. وحمل عام 2021 أولى بذور الخلاف التي كانت تطفو على السطح وسرعان ما يتم تجاوزها.

امتعاض واعتراض

لاحقاً، ورغم دعمه وتأييده الإجراءات التي اتخذها البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، لكن حميدتي ظل يكرر احتجاجه على إعادة قائد الجيش لعديد ممن وصفهم بعناصر نظام البشير والإسلاميين إلى السلطة.
وبحسب مقربين من الأحداث في ميدان اعتصام القيادة العامة، خلال الأيام الأولى لنجاح ثورة ديسمبر 2018، وإثر تجدد الاحتجاجات الرافضة لرئاسة الفريق ابن عوف  للمجلس العسكري الانتقالي الأول الذي أعلن عزل البشير والتحفظ عليه في مكان آمن، اضطر ابن عوف للتنحي، في تلك اللحظات برز اسم الفريق أول عبدالفتاح البرهان خلفاً لرئيس المجلس السابق. خرج بعدها البرهان إلى ميدان الاعتصام ليخاطب المحتجين برفقة القيادي بتحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، إبراهيم الشيخ الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني، الذي يزعم مقربون أنه ونتيجة لعلاقاته الشخصية الطيبة مع قائدي الجيش والدعم السريع، كان أول من تطرق لفكرة شراكة الحكم بين المدنيين والجيش، عقب سقوط الفريق أول ابن عوف.

اختيار الرفيق

بعد قبوله رئاسة المجلس العسكري خلفاً لابن عوف، اختار البرهان رفيقه محمد حمدان دقلو الذي تمت ترقيته إلى رتبة فريق أول ليكون نائباً له في المجلس العسكري الانتقالي، ومضت العلاقة بينهما من دون تشويش، حتى إن حميدتي أيّد الإجراءات التي أعلنها البرهان في أكتوبر 2021 وأنهى فيها الشراكة مع "قوى الحرية والتغيير" وعطل مؤسسات الفترة الانتقالية ومسار التحول المدني الديمقراطي، قبل أن يستدرك لاحقاً ويعتذر عن مشاركته في ما وصفه بالانقلاب واعتبره خطأً أسف له.
ويشير مراقبون إلى أن المنعطف الذي وسع الشُقة بين الرجلين، بدأت تداعياته عقب توقيع "الاتفاق الإطاري" وما تضمنته ورشة إصلاح النظام العسكري ودمج قوات الدعم السريع بالقوات المسلحة في ما يخص المواقيت والجداول الزمنية للدمج. وبدا واضحاً أن الخلاف كان أكبر من أن تحتويه مسيرة علاقات العمل المشترك بين الرجلين، وارتبط هذه المرة بقضية وجود الدعم السريع وتذويبها داخل الجيش بصفة نهائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


قشة الدمج

يعتبر المراقبون أن إصرار المؤسسة العسكرية وتمسكها بدمج  قوات الدعم السريع خلال عامين لا أكثر، هي "القشة التي قصمت ظهر البعير"، إذ إن قوات الدعم طالبت بأن يكتمل الدمج خلال 10 سنوات ووفق جداول زمنية وترتيبات يتفق عليها في الاتفاق النهائي المطوِّر للاتفاق الإطاري، ويكون الدعم السريع خلال تلك الفترة تحت إمرة رئيس مجلس السيادة، معتبرين أن تلك كانت نقطة الخلاف التي دقت أول إسفين في اتجاه توتر مسيرة العلاقة بين الرجلين، ليشتعل بعدها عداء خفي بينهما تجاوز الملاسنات والتراشق الإعلامي، إلى فوهات الرشاشات الثقيلة في حرب يتهم فيها كل طرف الآخر بأنه كان المبادر بالاعتداء، وتنذر باحتراق البلاد كلها.
في السياق يلقي الباحث الأمني، دسوقي ضوء البيت، بعض الإضاءات على تفاصيل العلاقة الطويلة بين الرجلين وقال إنه "رغم امتداد العلاقة بينهما لما يقارب 20 عاماً، فإن كل منهما يتحدر من مدرسة قتالية مغايرة، فعند شراكتهما الأولى في حروب دارفور، كان البرهان عسكرياً عُرفت عنه الصرامة والشدة بل والغلظة في تعامله مع الحركات المسلحة، بينما كان حميدتي يقود ميليشيات شبابية مسلحة متمرسة في مطاردة الحركات المسلحة. فبينما كان الأول يعتمد التخطيط وإعطاء الأوامر، كان الثاني تقوده خبرته وحدسه البدوي الموسوم بالشجاعة والإقدام، عليه فإن ما جمع بينهما كانت ضرورات مرحلية تتقاطع مع ظروف حرب دارفور".

المصلحة المشتركة

وتابع ضوء البيت أنه "رغم إلحاق مجموعة حميدتي الأولى بقوات حرس الحدود وعسكرتها، وما تلى ذلك من تطورات في مسيرة قوات الدعم السريع وتقنين وضعها بموجب القانون الخاص بها في عام 2017، ظل حميدتي يشعر في قرارة نفسه أنه قدم كثيراً من التضحيات من أجل استقرار الدولة أو الحكومة على وجه الخصوص من دون أن يجد التقدير اللازم، كما ظل مشبعاً بروح الهامش وغبنه التي كثيراً ما عبر عنها في بعض خطابات وهو نائباً لرئيس مجلس السيادة الانتقالي".
ويشخص الباحث الأمني حيثيات العلاقة بين الرجلين بأنها "تشير إلى أن المصلحة المشتركة في دحر حركات دارفور، كانت تؤكد حاجة كل منهما إلى الآخر في ذلك الوقت، ولطالما ظلت حاجتهما لبعضهما البعض قائمة، لكن يبدو أن وجود قوات الدعم السريع ونموها المطرد عدة وعتاداً، تحت مرمى سمع البرهان ونظره أزعج كثيرين من المحيطين بالأخير".
وأردف المتحدث ذاته أن "ذلك الوضع بات مصدراً لتغذية الانزعاج والشكوك المتسربة تدريجاً إلى الفريق البرهان المتطلع بشدة إلى وضع قوات الدعم السريع تحت إمرته كقائد أعلى للجيش، تماماً كما كان الوضع خلال فترة حكم البشير، وأمام تحفظات حميدتي تنامت شرارة الحرب".

صعود الجنرالين

وتعود جذور البرهان إلى شمال الخرطوم (قرية قندتو)، حيث ولد في عام 1960، تخرج في الكلية الحربية وتلقى عدة تدريبات عسكرية في مصر والأردن، وعمل عقب تخرجه ضمن وحدات الجيش السوداني بالعاصمة القومية، كما شارك في جبهات القتال في جنوب السودان وقاتل الحركات المسلحة في دارفور ومناطق أخرى.
شغل البرهان مناصب عدة طيلة مسيرته المهنية حيث بدأ ضمن قوات حرس الحدود ثم صار قائداً لها في ما بعد، ليصبح نائباً لرئيس أركان عمليات القوات البرية ثم رئيساً للأركان في فبراير (شباط) 2018، ثم نال منصب المفتش العام للجيش لفترة من الزمن. كما شغل أثناء عمله بالجيش وظيفة الملحق العسكري لجمهورية السودان في العاصمة الصينية بكين.
في المقابل، كان حميدتي الذي تخلى الدراسة في سن الـ15، انخرط منذ بواكير شبابه في قيادة مجموعات شبابية لحماية وتأمين القوافل وردع قطاع الطرق، سرعان ما اشتهرت بشراستها في ملاحقة حركات التمرد.

الإصلاح والدمج

في عام 2013، تم تشكيل قوات الدعم السريع كقوة مساندة للقوات النظامية في حربها ضد حركات دارفور المسلحة وبالتالي اعترفت بها الحكومة كقوة نظامية، وجرى تزويدها بالأسلحة وسيارات الدفع الرباعي المقاتلة، وأُسند إلى الفريق حميدتي قيادتها، وقُدِّر عديدها بنحو 40 ألف مقاتل، بينما رجح مراقبون أن يكون العدد قد قارب حتى اليوم نحو 100 ألف مقاتل، مع استمرار عمليات التجنيد طوال السنوات الماضية. كما توسع انتشارها ليشمل معظم أنحاء البلاد وليس دارفور وحدها كما كانت خلال مرحلة نشأتها.
وكان البشير سعى إلى خلق وضع دستوري وأساس قانوني لوضع قوات "الدعم السريع" بضمها رسمياً لرئاسة الجمهورية وفق القرار الجمهوري رقم 351 في 21 أبريل (نيسان) 2016، بعد أن كانت تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات، ولم تعد مهماتها مقتصرة على دحر حركات التمرد المسلحة بل باتت تعمل على حماية الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وحتى مكافحة المخدرات، فضلاً عن الثروة الكبيرة التي تجمعت بيد حميدتي بامتلاكه مناجم كبيرة لتعدين الذهب والتجارة الواسعة لشركات الدعم السريع.
ووقع حميدتي والبرهان "الاتفاق الإطاري" مع أحزاب من "قوى الحرية والتغيير" وأصبح أحد أقوى الداعمين لتطويره إلى اتفاق نهائي لتشكيل حكومة مدنية وانسحاب العسكر من الحكم، غير أن مطالبة الجيش باستعجال دمج قوات الدعم السريع في الجيش، خلال عامين فقط، حول المفاوضات إلى سلسلة توترات عسكرية تهدد بتعطيل العملية السياسية وإطالة أمد الأزمة السياسية في السودان.

المزيد من تقارير