Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المغرب جزيرة معزولة أم تمكن من كسر المركزية المشرقية؟

كتاب مغاربة يعيدون النقاش حول تحولات العلاقة الثقافية بين الجهتين

لوحة للرسامة سارة شمة (صفحة الرسامة - فيسبوك)

ملخص

يرى كثيرون أن #المشرق_العربي ما زال يحافظ على مركزيته الثقافية، وأن #المغرب_العربي يعيش بأشعاره ورواياته وقصصه على هامش هذه المركزية

قبل ما يقارب عقدين من الزمن قال المفكر المغربي عبدالله العروي في أحد حواراته: "المغرب جزيرة مطوقة". وأضاف: "قدرنا هو أننا جزيرة. ويجب أن نتصرف كسكان جزيرة". إذا تناولنا فكرة العروي من جانبها الثقافي، هل لا يزال المغرب معزولاً عن الحركة الثقافية العربية والعالمية؟ هل يتعامل العالم العربي مع المغرب بانتقائية، حين يولي الأهمية للفكر والفلسفة والنقد على حساب الإبداع الأدبي؟ يرى كثيرون أن المشرق العربي ما زال يحافظ على مركزيته الثقافية، وأن المغرب يعيش بأشعاره ورواياته وقصصه على هامش هذه المركزية. ألا يبدو هذا الخطاب متجاوزاً؟ هل توارى خطاب مشرق / مغرب أم أنه ما يزال مستمراً بأشكال أخرى؟ هل تحظى الآداب والفنون المغربية اليوم بالتقدير الذي تستحق؟ ماذا عن حضور الرواية والشعر والقصة بالجامعات العربية؟ وهل يتعقب المشارقة آداب المغاربة بالشغف نفسه الذي يحمله أهل المغرب وهم يطالعون أدب أهل المشرق؟

يؤكد الكاتب المغربي أنيس الرافعي أن "المغرب الثقافي لم يعد بالتأكيد جزيرة معزولة، على الأقل خلال العقدين الأخيرين، بل بالأحرى هو أرخبيل يتضام مع أرخبيلات أخرى مشابهة له لتأسيس دينامية ثقافية متحورة جغرافياً". ويضيف صاحب "مصحة الدمى" في حديثه عن ثنائية المركز والهامش عربياً: "في تقديري الشخصي، لقد انتهى زمن المركزيات الثقافية، وتفتتت سطوتها وهيمنتها مع دخول العالم مرحلة التواصل السبراني. صحيح أن النقد والترجمة المغربيين حظيا بقصب السبق من حيث الاهتمام، لكن في ما بعد التحقت بقية الأجناس الأدبية الأخرى رواية وقصة وشعراً ومسرحاً. في العالم العربي لا توجد جدارة مبنية على المنجز، وإنما محاصصة ثقافية في الحضور والنشر والجوائز والذيوع والاهتمام الأكاديمي وصناعة النجم الأدبي".

ربما استطاعت الأجيال الجديدة أن تهدم هذا الجدار الفاصل بين المشرق والمغرب إلى حد كبير، بسبب وسائل التواصل الحديثة التي فتحت للكتاب المغاربة مساحة أكبر على مستوى الحضور والتداول. لذلك يرى الرافعي أن "ثنائية مشرق / مغرب أضحت بائدة، فقط يتحتم على القارئ المشرقي أن يبذل مجهوداً تاريخياً حتى يتمكن من سد ثغرة المواكبة، التي خلفتها عنده سنوات الانهمام النرجسي على الذات، والاعتقاد أن لا شيء يوجد خارج وهم المركز. الهامش الثقافي أيضاً مارس الإعلاء واستطاع قلب الموازين، ودمر توتاليتارية المركز وأصوليته الطاغية".

قراءة المشارقة للمغاربة ضعيفة

يعود الروائي عبدالكريم جويطي إلى تاريخ المغرب، محاولاً استقراء حاضره: "كان المغاربة في تاريخهم المديد رعاة، أرواحهم أرواح رعاة، عيشهم عيش رعاة، نظرتهم للمجال نظرة رعاة، نظرتهم للآخر القريب والبعيد نظرة رعاة، حروبهم الصغيرة والكبيرة من أجل حيازة مراع، شعرهم وأغانيهم تخرج من نفوس لا ترى إلا الكلأ والماء. لكل هذا لم يكن يحد طلبهم للمراعي والماء إلا البحر والصحاري المميتة وقمم الجبال المنيعة. عاش المغاربة ومنذ الأزل في شبه جزيرة يحيط بها بحر مظلم وصحار وجبال عالية، وبقدر ما كانوا يتدبرون أقدارهم في تعاقب سنوات الخصب وسنوات الجفاف، بقدر ما كانوا يبدون شراسة رهيبة في الدفاع عما أبقته لهم الصحراء، شراسة من لا مهرب له. حارب المغاربة دوماً بروح من ويأس من يعيش في جزيرة، وحين كانوا يستشعرون بعض القوة يهدرونها في خوض حروب مستنزفة ما وراء البحر والجبال والصحراء".

يواصل جويطي قراءته التاريخية على النحو التالي: "لقد منح المغرب وطوال قرون خيرة شبابه للجهاد في الغرب الإسلامي ظاهرياً، ولكنه في العمق كان يريد التحرر من قدر الجزيرة الذي يلازمه، تمدد التراب الوطني وتقلص لكن نواته بقيت هي هي. عانى المغرب وإلى جنب قدر الجغرافية من استعلاءين: الاستعلاء الأوروبي والاستعلاء الشرقي، وخاض حروباً لا هوادة فيها من أجل إثبات نفسه كدولة وأمة لها تاريخ ومقومات ومصالح".لوحة للرسام حمزة بو نونوة (صفحة الراسم - فيسبوك)

يقف صاحب رواية "المغاربة" عند ثنائية مشرق / مغرب، ويقول في هذا الصدد: "إن كانت من ميزة للمغرب، ككيان أمازيغي ينتمي دينياً وثقافياً للمجال العربي الإسلامي، فهي كون المغاربة ينجزون يومياً مقارنات بينهم وبين أهل الشرق وأهل الغرب. يرى المغربي ذاته من خلال نظرتين: نظرة المشرقي ونظرة الغربي. ونخب المغرب موزعة بين الانتماءين. ويمكن أن نجد وبسهولة ومنذ حصولنا على الاستقلال نماذج براقة للاستلابين المشرقي والغربي. كثر يعيشون معنا بأجسادهم لكن أرواحهم إما في نجد أو دمشق أو القاهرة أو باريس ولندن... ويكفي أن تحضر تظاهرة ثقافية لترى تهافت بعضهم على كتاب من الشرق والغرب لا أهمية لهم إطلاقاً. ويكفي أيضاً أن تطلع على وسائل التواصل الاجتماعي وما فيها من جنون الظل والاقتراض عن طريق نشر صور مع مشاهير كتاب من هنا وهناك. علينا أن نعترف بأننا نعاني مرض أهل الجزر المعزولة الذين يحتاجون دوماً إلى الاعتراف. قرأ المغاربة دوماً وبشغف وحرص ومبالغة ما ينتجه الشرق، وكان لكل ما يعتمل ثقافياً في الشرق صدى في المغرب".

يتساءل صاحب "كتيبة الخراب": "هل بادل الشرق المغرب الاهتمام نفسه؟ لا أعتقد ذلك، ومعظم من التقيتهم من كتاب مشارقة لا يكلفون أنفسهم عناء قراءة ما نكتب، بل معظمهم لا يقرأون، أو توقفوا عن القراءة من زمن طويل. نعيش معاً واقعاً ثقافياً بئيساً حتى تبادل التهم فيه لن يزيد إلا منسوب البؤس فيه. ما لم ننتبه مشارقة ومغاربة إلى أن أعظم ما ينجز في المجتمع ينجز داخل التعليم أولاً وداخل الأسرة ثانياً سنبقى نراوح في مكاننا، ولا أحد سيقرأ أو يهتم بأحد. القراءة والمعرفة تبنى بغرس الفضول في نفوس الأجيال القادمة ومن دون فضول معرفي سنبقى نتحدث عن جثت".

نظرة المشرق للمغرب انتقائية

يرى الشاعر والناقد صلاح بوسريف أن ما قاله عبدالله العروي "متعلق بالسياق السياسي، ولا علاقة له بالسياق الثقافي. كان يمكن تعميم هذا الرأي على الثقافة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وما قبلهما من عقود، كان فيها المغرب تابعاً، في بعض علومه ومعارفه، وحتى في معلميه ومدارسه وجامعاته ومقرراته الدراسية للمشرق العربي، وكانت الكتب والمجلات تأتيه من المشرق، وعدد من أعلام المغرب، درسوا في مصر وسوريا وفلسطين أيضاً. اليوم، لا مبرر لهذا السؤال، كون المغرب أصبح منتج كتب وعلوم ومعارف، وله أسئلته الفكرية والإبداعية، والتراكم الحاصل في كل حقول ومجالات الفكر والفن والإبداع تشهد على وجود دينامية قوية في المغرب، سببها ما كنا أخذناه في الماضي من المشرق، استوعبناه وهضمناه بشكل جيد، بل وتجاوزنا كثيراً منه، مساءلة وتأملاً ونقداً وتفكيكاً، وما أخذناه من الغرب بلغاته التي ندرسها ونعرفها، ما جعل رؤيتنا وأفقنا المعرفي والإبداعي يتسع أكثر، وصرنا نترجم من لغات كونية أساسية، مثل الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية والروسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتفاءل بوسريف براهن الحركة الأدبية في المغرب: "من يقرأ، فعلاً ما يصدر من شعر، بصورة خاصة في المغرب، سيفاجأ بوجود تجارب كبيرة، ولا أتحدث هنا عن أجيال، فهذا المفهوم استنفذ ذاته، فالتجارب الفردية، هي ما صار اليوم يثير الاهتمام، ومن النقاد المشارقة، وكذلك الشعراء من يقرون بهذا". يستطرد الشاعر المغربي: "فقط، على النقد أن يترك الأشخاص والعلاقات العامة، ويذهب إلى النصوص، فكثير من نقاد المشرق، حتى حين يكتبون عن بعض الشعراء المغاربة، إما يخطئون الطريق إلى التجارب الحقيقية، وإما يكون نقدهم بعيداً من الأعمال، وهو ما يحدث بالاكتفاء ببعض الشعراء دون غيرهم، لتمثيل المغرب في المهرجانات والمؤتمرات الشعرية العربية ومعارض الكتاب، وهذا تدليس وتزوير وقصور في النظر".

يضيف صاحب "لا يقين في الغابة": "نحن نقرأ الجميع، ونكتب عن الجميع، من منطلق التجربة، وما تتميز به من فرادة، لا نجامل أو نبالغ، في حين أن المشارقة أو أغلبهم يطنون أنهم إذا كتبوا عنا سيمنحنونا تأشيرة الشعر أو الفكر والفن والإبداع، وهذا أيضاً جهل بالمعرفة، وما تقتضيه من انتصار للقيمة الإبداعية والمعرفية في سياقهما الكوني، حيث لا مشرق ولا مغرب ولا شرق ولا غرب، بل العقل والخيال وهما يبتدعان ويبتكران ويفتحان الذرى والآفاق".

يدعو صلاح بوسريف إلى تجاوز المعايير القديمة في التفاعل مع آداب العالم العربي وفق شروط جغرافية: "مشكلة المشرق هي المركزية الوهمية التي كانت تحكمها المركزية السياسية، بما تعنيه من هيمنة وصراع على المواقع والسلطات، وهذا لم يعد قائماً، لذلك علينا في الثقافة أن نفتح أعيننا على الشمس لا أن نتركها خلفنا، ونكتفي بالظلال التي تسقط في طريقنا".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة