عاد اللاعبون الجزائريون الفائزون، بكأس (الكاف) من القاهرة، في اليوم الذي فيه إيران، احتجزت ناقلة نفط جزائرية لـ(سونطراك)... إقليم في حجم وأهمية ما يسمى بالشرق الأوسط، كما ملعب كرة ساخن.
إقليم بلاد العجائب حيث ناقلة نفط عملاقة تضيع فيه، أخرى مجهولة المالك، طائرات عسكرية مجهولة الهوية، تفرغ حمولتها من القنابل هنا وهناك، شعوب تسقط رؤوس أنظمة تحكمها، وتتخبل في جسد الأنظمة المقطوعة الرأس، إقليم كل ما فيه هش، فموت لرئيس عجوز كـ (السبسي) يثير زوبعة، وانتخاب رئيس لوزراء بريطانيا كـالبهلوان (جونسون)، ينشر قلقاً وريبة في راهن الإقليم، ما يستقر على كف عفريت.
ملالي إيران، المهووسون بالزعامة الإلهية للكون، محاصرون، من زبون يقاطع شراء سلعتهم الوحيدة النفط، فيما التركي المريض، بداء الباب العالي العضال، تحاصره الليرة العثمانية، بهبوط لا إرادي، بينهما دولة مملكة داوود، تغص بأسطورتها، أما العرب العاربة، العرب المستعربة، فمرعوبة، من ظلال مستقبل غامض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هكذا إقليم بلاد العجائب، أرض لحروب لا تكل ولا تمل، حروب وقودها دول كبرى، فقدت رشدها، بعد حربين كبريين وحرب باردة، فاتخذت من العالم القديم، أرضاً للخلاص، من كوابيسها.
في هذه الحال، وعلى مسرح كهذا، طلع من ثنايا القارة الجديدة، من دولتها الأكبر في التاريخ، مهرج يدعى ترمب، مضحكاته مآس، مبكياته فاجرة.
هذا المشهد السريالي المرعب، كرة نفط تتدحرج، في انتظار غودو ليشعل ناراً، لكن غودو كعادته يأتي ولا يأتي، لهذا العقل متشائل في عالمنا الراهن، ولا ينفع في فهمه حتى مسرحي كـ (بيكيت)، الذي رأى أن لا شيء يحدث ولا أحد يجيء (بيكيت) منذ منتصف القرن العشرين بُشر بذلك، لكن عالمنا المأزوم، طفح على سطحه، مسخ كفكاوي كترامب.
إقليم بحاله، في حجم وكثافة الشرق الأوسط، يغص بالحروب الصغيرة، ويجعل العالم على شفا حرب كبرى. هذا الإقليم أرض الديانات الكبرى، المواد الأولية الأهم كالنفط، توسطه العالم، كل هذا وغيره الكثير، جعله سطح صفيح ساخن منذ نهاية الحرب الباردة. وبعد، فيه حروب صغرى تنشطر، وثورات تنفجر كقنبلة انشطارية، لا تقر ولا تستقر.
وكل أخبار هذا الإقليم تختزل في (عاجل)، ما بات اعتيادياً حتى الثمالة، هذا الإقليم الذي عاد مرة ثانية، كمحطات لسفن دول إمبريالية، تتنافس بشكل محموم، لأجل العود الأبدي. خصوصاً وأن أزمات مجتمعات، هذه الإمبرياليات المتنافسة، باتت تفرز يمينها المتطرف للقيادة، التي في ما مضى، كلفت دولها الكبرى الحربين الكبريين الساخنتين.
وما تتناقله الأخبار من تفاصيل حد اللامعقول، التفاصيل مكمن الشيطان، لا تزيد ولا تنقص، عن أن إقليم العجائب، أول وآخر معقل للتنافس الخارجي، فما زال الحلقة الأضعف، في تضاريس الكرة، ما فيها الأقدم أيضاً، وهو إقليم غاص بالمشاكل التاريخية والجيوسياسية، كما هو معروف، لذا من السهل، أن يكون مكباً لزبالة القوى العظمى، وهذا العامل الخارجي، الفاعل بالقوى والفعل، مع إضافة ضعف لقواه الداخلية، التي استنزفت منذ حقب طويلة، في صراعات داخلية، ما للخارج دور رئيس فيها.
وبطبيعة الحال، أن أي قوة تكبر تدخل المضمار، وتنافس من أجل نفوذها ومصالحها، في الإقليم المُوفّر، لمُكنة التدخل الأسهل، في العالم الراهن. فروسيا المثقلة، بشبح الإمبراطورية السوفياتية، تجد شيئاً من خلاصها، في العراك الدائر في الشرق الساخن، ما في حكم الحديقة الخلفية، أما الصين الإمبراطورية التجارية الأحدث، فإن حروب الشرق الأوسط، تمنحها الامتداد خلسة في أسوق العالم، ومن هذا المختبر، تجري تجربة أن تكون دولة كبرى على الأرض، وليس في أروقة الأمم المتحدة فحسب.
يقدم الإقليم مسرحاً لحروب بالوكالة، حتى الآن، غير ضارة، بمعنى لا تستفحل، كما يقدم معضلات تحت الكنترول، ويستوعب على الرغم من وهنه ومشاكله، بل وبمستطاعه دفع ثمنها.
ولهذا مَثلَ المذيعُ السابق ترمب، دور السمسار، فهو يرغب ويعمل، لأجل دفع إتاوات له، لتحقيق أمن الإقليم، الأمن ما هو القوى الرئيسة، في زعزعته.
ومن الجزائر حتى إيران، ثمة ملعب، تُتقاذَفُ فيه كرة ساخنة، تمثل وقود حرب، ضرورة عند دول كبرى، ما لا تكون كبرى، من دون حروب كبرى. لكن نجحت، هذه الدول، هذه المرة وإلى الساعة، في أن تكون الحرب الكبرى، كـ (فرانكشتاين) افتراضي، لعبة إلكترونية، تديرها بالريموت.
لعبةٌ البشر فيها في الإقليم، يقدمون أرواحهم، على مذبح هذا الإله الدموي، صاغرين، كمتدينين، يدينون بالولاء، لهذا الإله، خصوصاً أنهم أبناء الأراضي المقدسة، أصحاب الديانات التوحيدية الثلاث.