Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف انطلت "كذبة أسلحة العراق" على البرلمان البريطاني؟

الحكومة أفرجت عن وثائق رسمية تفند حجج الغزو وبلير كان يعلم بعدم امتلاك بغداد لها لكنه تجاهل تماشياً مع رغبة واشنطن

كرر توني بلير مزاعم الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الشعبویة حول امتلاك العراق أسلحة دمار شامل (أ ف ب)

ملخص

معظم المعلومات التي اعتمدتها أجهزة #الاستخبارات_الأميركية والبريطانية كانت قد طبخت في مطابخ استخباراتية معادية للعراق

بعد مرور عشرين عاماً على غزو العراق، أفرجت الحكومة البريطانية أخيراً عن وثائق رسمية تفند حجج الغزو، حيث استماتت حكومة توني بلير عام 2003 في إقناع البرلمان والرأي العام البريطاني بالحرب.

وأفادت الوثائق الحديثة بأن رئيس الوزراء البريطاني السابق كان يعلم بعدم امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، لكنه تجاهل مثل هذه القناعة تماشياً مع سياسة الولايات المتحدة الأميركية في تلك الفترة.

وتناقلت وسائل الإعلام في يونيو (تموز) الماضي زلة لسان الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، حيث كان يتحدث بمدينة دالاس الأميركية أمام جمهور من الأميركيين. تلك الزلة التي تناولتها وسائل الإعلام بسخرية وانتشر مقطع الفيديو الذي كان يتضمنها كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية. كان بوش يتحدث عن النظام السياسي الروسي منتقداً عدوانه على أوكرانيا، قائلاً إن "الهجوم على العراق كان غير مبرر ووحشي"، قبل أن ينتبه لما أدلى به لسانه من زلة فاضحة ويضع أوكرانيا بدل العراق.

لم يكن بوش وحده من اتخذ قراراته واستغل سلطاته بناءً على معلومات استخباراتية مضللة، قوامها رسوم ووشايات أطراف المعارضة العراقية وتصورات واهية، بل كان رئيس وزراء بريطانيا توني بلير شريكاً وضالعاً في العدوان على العراق وإسقاط نظامه عام 2003.

معظم المعلومات التي اعتمدتها أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية كانت قد طبخت في مطابخ استخباراتية معادية للعراق، وروجت لها وسائل الإعلام الغربية مركزة على خطورة النظام العراقي المتمثل برئيسه صدام حسين على الأمن الإقليمي والسلم الدولي وذلك من خلال امتلاكه لبرنامج تطوير أسلحة دمار شامل، واتهام العراق بنشر علوم هذا البرنامج والتحذير من تداعيات هذه السياسة.

خلال البحث في الوثائق البريطانية المؤرشفة والمتاحة لاطلاع العموم ومنها جلسات البرلمان البريطاني للفترة التي سبقت الهجوم العسكري على العراق عام 2003 يشير التقرير الرسمي‏ لاجتماع مجلس العموم البريطاني المنعقد صباح يوم الثلاثاء 24 سبتمبر (أيلول) 2002 ‏لمناقشة قضية أسلحة الدمار الشامل‏ في العراق والاستماع لتقرير رئيس الوزراء البريطاني توني بلير حول هذه القضية، إلى أن بلير استهل كلمته بالترحيب برئاسة مجلس النواب وأعضاء البرلمان، قائلاً: "أشكركم على تذكيركم البرلمان لمناقشة أفضل طريقة للتعامل مع مسألة القيادة الحالية للعراق وأسلحة الدمار الشامل. ‏لقد نشرنا اليوم ملفاً من 50 صفحة، يفصل تاريخ برنامج العراق لأسلحة الدمار الشامل، وخرقه لقرارات الأمم المتحدة، ومحاولاته لإعادة بناء ذلك البرنامج غير القانوني".

استذكر توني بلير في الاجتماع عملية انسحاب مفتشي الأمم المتحدة من العراق عام 1998 وهو الانسحاب الذي مهد لهجوم عسكري أميركي - بريطاني استهدف منشآت عسكرية ومواقع اعتبرتها الجهات الاستخباراتية الغربية حينها أنها كانت تشكل الهياكل الأساسية لأسلحة الدمار الشامل العراقية ولقدرات العراق الصاروخية، حيث أدى الهجوم إلى "تراجع البرنامج العراقي، ولكنه لم ينهه".

كما كرر توني بلير في هذه الجلسة مزاعم الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الشعبویة مسوقاً للتقرير الذي قدمه للبرلمان من أجل الموافقة عليه، ومحرضاً النواب على قبوله، "إنه في الواقع تاريخ دام 11 عاماً، تاريخ من إرادة الأمم المتحدة، وأكاذيب قالها صدام حول وجود برامج أسلحته الكيماوية والبيولوجية والنووية، وعرقلة وتحدٍ وإنكار". ‏

ولكي يحمل بلير الرئيس العراقي مسؤولية ما آلت إليه الأمور قال: "كان بإمكانه السماح للمفتشين بالعودة وإطلاع العالم عن البرنامج، وكان بإمكانه أن يتعاون مع الأمم المتحدة".

تكهنات

وردت في كلمة بلير بجلسة مجلس العموم البريطاني، عشر نقاط، معظمها كانت تكهنات واستنتاجات بدائية لا يمكن أن تكون مواد قانونية دامغة تؤدي إلى إصدار قرار أممي للاعتداء على العراق وإسقاط نظامه عام 2003. وهي التالي:

‏- إن التقرير واسع ومفصل وموثوق ويخلص إلى أن العراق يمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية، وأن صدام استمر في إنتاجها، وأن لديه خططاً عسكرية قائمة ونشطة لاستخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، التي يمكن تفعيلها في غضون 45 دقيقة، بما في ذلك ضد شعبه الشيعي، وأنه يحاول بنشاط الحصول على قدرات أسلحة نووية. ‏

‏- يبين الملف أن العراق لا يزال ينتج مواد للأسلحة الكيماوية. وأعاد بناء مصانع الإنتاج المدمرة سابقاً في جميع أنحاء البلاد، واشترى مرافق كيماوية مزدوجة الاستخدام، واحتفظ بالموظفين الرئيسين الذين كانوا يعملون سابقاً في برنامج الأسلحة الكيماوية، ولديه برنامج بحثي جاد مستمر في إنتاج الأسلحة، وكلها ممولة تمويلاً جيداً. ‏

‏- في ما يتعلق بالأسلحة البيولوجية، استمر في إنتاج المواد البيولوجية مرة أخرى، وأعاد بناء المرافق التي كانت تستخدم في السابق لتلك الأسلحة، وقد تم شراء معدات لهذا البرنامج، واحتفظ صدام بالموظفين الذين عملوا على البرنامج قبل عام 1991.

- اكتشف نظام التفتيش التابع للأمم المتحدة أن العراق كان يحاول الحصول على مرافق أسلحة بيولوجية متنقلة، والتي يسهل بالطبع إخفاؤها. وتؤكد المعلومات الاستخباراتية الحالية أن لديه الآن مثل هذه المرافق. ونعتقد أن العراق يمكن أن ينتج الجمرة الخبيثة والبوتولينوم والسموم والأفلاتوكسين والريسين- وكلها تؤدي في النهاية إلى موت شامل ومؤلم. 

- أغلق المفتشون برنامج صدام السابق للأسلحة النووية، بعد أن كشف المنشقون عن طبيعته السرية الكاملة. ويعتمد هذا البرنامج إلى تخصيب اليورانيوم بالطرد المركزي للغاز. أما المخزونات المتبقية المعروفة من اليورانيوم فهي الآن تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ‏

‏- نعرف أن صدام اشترى أو حاول شراء مضخات تفريغ متخصصة من التصميم اللازم لسلسلة أجهزة الطرد المركزي الغازية لتخصيب اليورانيوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

- حاول، سراً، الحصول على 60 ألف أنبوب ألومنيوم متخصص أو أكثر، والتي تخضع لضوابط صارمة بسبب استخدامها المحتمل في بناء أجهزة الطرد المركزي الغازية. ‏

‏- نعلم أن صدام كان يحاول شراء كميات كبيرة من اليورانيوم من أفريقيا، ولا نعرف ما إذا كان قد نجح.

- لدينا معلومات استخباراتية تستند إلى أسس قوية تخبرنا بأن صدام يرى أن برنامجه لأسلحة الدمار الشامل حيوي لبقائه ودليل على قوته ونفوذه في المنطقة.

- إذا رفضنا تنفيذ إرادة المجتمع الدولي، فإن صدام سيواصل قدماً، وستكثف جهوده، وستزداد ثقته، وفي مرحلة ما في مستقبل ليس بعيداً جداً، سيتحول التهديد إلى حقيقة، لذلك فإن التهديد ليس متخيلاً. إن تاريخ صدام وأسلحة الدمار الشامل ليسا دعاية أميركية أو بريطانية. التاريخ والتهديد الحالي حقيقيان. ‏

ويختم بلير كلامه بقوله إن "العراق يستحق أن يقوده شخص يستطيع الالتزام بالقانون الدولي، وليس ديكتاتوراً قاتلاً، بل إنه يستحق أن يسوده شخص يستطيع إعادة العراق إلى المجتمع الدولي حيث ينتمي".

وكانت حكومة توني بلير مقتنعة تماماً بأن العراق لم يلتزم بقرارات مجلس الأمن فحسب بل بات يشكل تهديداً مباشراً لجيرانه، وذلك من خلال امتلاكه أسلحة دمار شامل والعمل على تطويرها. كما اتخذت الحكومة البريطانية استراتيجية عمل مكثف من شأنها دعم الولايات المتحدة الأميركية لكي لا تبدو بأنها تتصرف من جانب واحد، وجعل الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش قادراً على تبني خطة عمل ذات غطاء دولي تقضي على النظام العراقي تحت ذريعة الدفاع عن السلم والأمن الإقليمي والدولي.

تهديد للسلام

تشير محادثات مجلس الوزراء البريطاني المنعقد في يوم السابع من مارس (آذار) 2002 أي قبل عام من احتلال العراق إلى أن الحكومة البريطانية كانت تواكب الهجمة الإعلامية الشرسة المعادية للعراق في تلك الفترة، إذ يقول وزير الدولة للشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث في حكومة توني بلير في هذا الاجتماع:

"إنه بالنظر إلى تكهنات وسائط الإعلام الحالية في شأن العمل العسكري ضد نظام الرئيس العراقي صدام حسين، من المهم تذكير الزملاء بخلفية الحالة الراهنة. شن الرئيس صدام حسين غزواً غير مبرر على الكويت عام 1990. وفي أعقاب هزيمته عام 1991، فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 27 التزاماً منفصلاً، تهدف هذه الالتزامات إلى توفير مستقبل سلمي للشعب العراقي وجيرانه. والتزم نظام الرئيس صدام حسين بثلاثة فقط. ولا يزال نظامه يشكل تهديداً للسلام من خلال تطويره لأسلحة الدمار الشامل ونشر علومها. وقد أُجبر مفتشو الأسلحة التابعون للأمم المتحدة على مغادرة العراق في عام 1998 لأنهم كانوا على وشك الكشف عن المدى الكامل لبرامج الرئيس صدام حسين. ويشعر جيران العراق بالقلق إزاء التهديد الذي يشكله للسلام لكنهم يخشون إذا ما فشل العمل العسكري ولم يؤد إلى إزاحته من السلطة، فإنه قد يؤدي إلى تعزيز موقفه".

 

وتابع وزير الخارجية والكومنولث، "لم يتخذ أي قرار في شأن القيام بعمل عسكري آخر ضد النظام العراقي، لكن من المهم ضمان فهم الجمهور البريطاني والرأي العام الدولي للطبيعة الحقيقية للتهديد الذي يشكله النظام والحاجة إلى الرد الحاسم". وأثناء المناقشة، أثيرت النقاط الرئيسة التالية:

- من المهم التمييز بين الحملة ضد الإرهاب الدولي والجهود الرامية إلى التصدي للتهديد الذي يشكله استمرار النظام العراقي في تطوير أسلحة الدمار الشامل للسلم الدولي.

- سيكون إقناع الجمهور بالحاجة إلى القيام بعمل عسكري ضد الرئيس صدام حسين أصعب من إقناع الجمهور بضرورة الحصول على الدعم للعمل ضد تنظيم "القاعدة" ونظام "طالبان" في أفغانستان بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

- سيكون من الضروري وجود أساس قانوني واضح للعمل العسكري وإقناع الناس بأن الحالة قد تدهورت بما يكفي لتبرير العمل العسكري.

- من أجل عزل الرئيس صدام حسين عن بقية العالم العربي، كان من الضروري إحراز تقدم نحو حل المشكلة الإسرائيلية - الفلسطينية وإلا فإن الغرب سيتهم بعدم الحيادية.

 - يعتقد كثير من الناس أن حكومة الولايات المتحدة منحازة وغير ناقدة لحكومة إسرائيل. ومن المهم إقناع حكومة الولايات المتحدة بأن توضح أن الأمر ليس كذلك. ويمكن لرئيس الوزراء (البريطاني) أن يؤدي دوراً رئيساً في تحقيق ذلك.

وفي يوم 18 مارس 2003 أي قبل يوم واحد من بدء العملية العسكرية لغزو العراق، صرح توني بلير في البرلمان البريطاني: "ترى المملكة المتحدة ضرورة التمسك بشرعية الأمم المتحدة على النحو المنصوص عليه في القرار 1441 وعديد من القرارات التي سبقته، بالتالي تؤيد قرار حكومة صاحبة الجلالة بأن تستخدم المملكة المتحدة جميع الوسائل اللازمة لضمان نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، وتقدم الدعم الصادق لرجال ونساء القوات المسلحة لصاحبة الجلالة الذين يعملون الآن في الشرق الأوسط، استعداداً للعمليات العسكرية".

المزيد من وثائق