Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل انتهك سلفا كير اتفاق السلام في جنوب السودان؟

احتفلت قبيلة "النوير" عام 2009 باستعادة "عصا الكجور" المقدسة من بريطانيا إبان الاستعمار

ترى المعارضة أن الرئيس سلفا كير انتهك شروط اتفاق السلام بإقالة وزيري الدفاع والداخلية (غيتي)

ملخص

ودع #جنوب_السودان #شماله عام 2011 ولم تودع الدولة الجديدة الحرب الأهلية والصراعات السياسية بين قيادات الحكومة المتمثلة في الحزب الحاكم والمعارضة المنتميين للحركة الشعبية

ودع جنوب السودان شماله عام 2011، ولم تودع الدولة الجديدة الحرب الأهلية والنزاعات والصراعات السياسية بين قيادات الحكومة المتمثلة في الحزب الحاكم (الحركة الشعبية لتحرير السودان) بقيادة الرئيس سلفا كير ميارديت، وتحالف أحزاب المعارضة وفي مقدمتها الحركة الشعبية المعارضة (مجموعة الناصر) بقيادة النائب الأول للرئيس رياك مشار.

 

في الثالث من مارس (آذار)، أصدر الرئيس سلفا كير قراراً بإقالة وزيري الدفاع والداخلية، ووزيرة الدفاع وشؤون قدامى المحاربين المقالة هي أنجيلينا تيني العضوة البارزة في المعارضة المسلحة، وسط انتقاد شديد من تحالف المعارضة التي يقودها النائب مشار، وأصدر التحالف بياناً يطالب بإعادة الوزيرة إلى منصبها، واجتمع كير ومشار في جوبا، لكن لم يتم التوصل إلى قرار في شأن الخلاف حول إقالة كير وزيرة الدفاع. وبعد نحو ثلاثة أسابيع من الاجتماع، سلم كير وزارة الدفاع إلى حزبه بتعيين عضو الحركة الشعبية المقرب منه الجنرال تشول ثون بالوك نائب تيني خلفاً لها، وهو التعيين الذي من المفترض، بموجب شروط اتفاق السلام 2018، أن يقوم به حزب رياك مشار، وعليه شكلت الحكومة الانتقالية في مارس 2020، وعن ذلك قالت المعارضة إن الرئيس كير انتهك شروط اتفاق السلام بتبادل الوزارتين وإقالة وزير الدفاع من دون مشاورات. في المقابل، أعطى الرئيس حزب مشار وزارة الداخلية في خطوة تتعارض أيضاً مع شروط اتفاق السلام لعام 2018.

وتعقيدات هذه المسألة تنبع من اقتسام الوزارتين المهمتين بين الحزب الحاكم والمعارضة، إضافة إلى أن تيني، هي الزوجة الثانية لرياك مشار بعد وفاة زوجته الأولى عاملة الإغاثة البريطانية إيما مكيون عام 1993. ومشار، الذي ينتمي إلى إثنية "النوير"، ثاني أكبر مجموعة عرقية في جنوب السودان، بعد "الدينكا" التي ينتمي إليها الرئيس سلفا كير، عين النائب الأول للرئيس، بعد إعلان انفصال دولة جنوب السودان، ولكن كير أقاله من في يوليو (تموز) 2013، على أثر اتهامه بتدبير انقلاب ضده، ومنها اندلعت حرب أهلية أخرى استمرت حتى عام 2018 بتوقيع اتفاق السلام بين الأطراف المتحاربة.

 

اتفاق منشط

وخصص اتفاق السلام، في سبتمبر (أيلول) 2018، الذي أنهى سنوات الحرب الأهلية بعد الانفصال، وزارة الدفاع للحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة، وتضمن اتفاق كير - مشار ترتيبات أمنية تشمل إخلاء المراكز الحضرية من الوجود العسكري، وإطاراً زمنياً لدمج القوات المتمردة مع الجيش الرسمي، وتشكيل لجنة أمنية مشتركة، وتوحيد ونشر جميع القوات، ولكن يشهد تنفيذ اتفاق السلام بطئاً ملحوظاً، وكثيراً ما اختلفت القوى المتصارعة حول كيفية تقاسم السلطة، كما عطلت بنود أخرى هي العدالة الانتقالية والإصلاحات المؤسسية، وظلت كيفية تنفيذ بنود الاتفاق مثار خلاف بين أطراف الصراع.

وكان مقرراً أن يختتم جنوب السودان فترة انتقالية بإجراء انتخابات عامة، في فبراير (شباط) 2023، لكن الحكومة الائتلافية فشلت في تلبية البنود الرئيسة للاتفاقية، بما في ذلك صياغة دستور، إذ علقت أنشطة اللجنة الوطنية الانتقالية (المجلس الوطني الانتقالي) للتعديل الدستوري، وفي أغسطس (آب) الماضي، أعلنت أطراف الاتفاقية، ولا سيما كير ومشار، عن تمديد فترة الحكومة الانتقالية في السلطة لمدة عامين آخرين، ما يعني إجراء الانتخابات في ديسمبر (كانون الأول) 2024.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهناك بند مهم في الاتفاق المعاد تنشيطه في شأن حل النزاع وهو "إنشاء محكمة مختلطة من قبل مفوضية الاتحاد الأفريقي"، وتفويض هذه المحكمة التحقيق ومحاكمة الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب منذ 2013 حتى نهاية الفترة الانتقالية، وأرجع بعض المسؤولين الجنوبيين ترشيح رياك مشار زوجته تيني كأعلى وزير في الوثائق الممنوحة لـ"الحركة الشعبية لتحرير السودان المعارضة"، ذلك أن وجود تيني في وزارة الدفاع سيساعد حزبه على ضمان استمرار مشاريعه في غيابه بحال عقدت المحكمة المختلطة، مما يستلزم وجوده ومحاكمته مع بقية المسؤولين عن الصراع.

خصومة متصاعدة

مقربون من الرئيس سلفا كير مثل وزير شؤون مجلس الوزراء مارتن إيليا لومورو، قال إن ما أدى إلى إقالة وزيرة الدفاع، هو بغرض السيطرة على وزارة الدفاع وشؤون المحاربين القدامى "فالقوات التي تم توحيدها تسمى القوات الموحدة، وهي تحت قيادة القائد العام، وهو الرئيس الذي يريد تحمل كامل المسؤولية لاستكمال توحيد القوات ونشرها وإضفاء الطابع المهني عليها والانتقال إلى المرحلة الثانية من تجميع وتدريب". والواقع أن اتفاق السلام منح الأحزاب سلطة عزل ممثليها من الحكومة ومجلس الوزراء وترشيح بدائل من خلال أخطار الرئيس كير، وقرار عزل وزير الدفاع هو من صلاحيات الرئيس بموجب الدستور، وهي خطوة إجرائية وإدارية ولا تنتهك روح اتفاق السلام، بينما يرى تحالف المعارضة أن "إعلان كير يدل إلى جهل الرجل بما يقوله وهو ليس على علم ببنود الاتفاقية لأن الاتفاق لا يمنح الرئيس الصلاحيات المطلقة للتصرف من دون استشارة أطراف الاتفاق" التي لفتت إلى أنه على رغم أن كير هو الرئيس، فإنه يمثل طرفاً واحداً في الاتفاقية، ولا يحق لأحد الطرفين تغيير أو أخذ نصيب طرف آخر من دون استشارة أو الحصول على موافقة "أي عمل من دون تشاور هو انتهاك لاتفاقية السلام". وقال بوك بوث بالوانج المتحدث باسم مشار "التحول الذي تم أحادي الجانب، ويعني دورة جديدة من انتهاك الاتفاقية التي تم تنشيطها".

وغير الخصومة المتصاعدة مع الرئيس كير، يواجه مشار خصومة داخل حزبه المعارض، إذ يشكو بعض القادة من تهميشه وإقصائه لهم بعد تقاسمه السلطة مع حزب كير، واتهموه بالانفراد بقيادة الحزب، والفشل في تمثيل مصالحهم ونادوا بعزله من مهامه، وبهذا يواجه مشار مثل كير انقسامات وانشقاقات في صفوف حزبيهما، ويتهم كل منهما الآخر بإحداثها، مما ولد زعامات أخرى منافسة لكل منهما.

ضامن السلام

ووقع لوم تحالف المعارضة في جنوب السودان على ضامني اتفاق السلام، والمجتمع الدولي ودول الجوار بلا استثناء. ومن موقع السودان الرئيس الحالي للهيئة الحكومية المعنية بالتنمية "إيقاد" وأحد الضامنين لاتفاقية سلام جنوب السودان، فقد زار جوبا وفد يرأسه الفريق شمس الدين الكباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي السوداني، وضم الوفد وزيري الخارجية والدفاع، والتقى شركاء السلام لمناقشة التحديات التي تواجه تنفيذ اتفاق السلام لعام 2018، وللتوسط بين الزعيمين ومناقشة التأخير في هيكل القيادة الثاني ومناقشة نشر القوات الموحدة.

كما تدخل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لحل هذا الخلاف، ولكن ينظر الجنوبيون إلى "إيقاد" كآلية مكلفة الإشراف على اتفاقية السلام وإلى الشركاء الآخرين مثل الاتحاد الأفريقي بالإشراف والتدخل لإيجاد حل للنزاع، وربما تكون هذه فرصة فقط قبل أن تتحرك الأطراف المتصارعة لنسف اتفاق السلام بأكمله، وحتى اللحظة، يبدو أن ضامني السلام يقفون مكتوفي الأيدي وعاجزين عن حلول عملية على أرض الواقع، إذ تواجه "إيقاد" مشكلة نقص الموارد ما خلق جموداً سياسياً وأعاق الآليات المقترحة من قبل ضامني السلام لمراقبة الانتقال الديمقراطي في دولة جنوب السودان.

صراع النبوءات

كذلك، فإن تبادل الوزارات بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحركة الشعبية المعارضة قد يقوض تنفيذ الترتيبات الأمنية لأنه سيواجه بتحديات في مقدمتها انعدام الثقة بين الأطراف السياسية، وتغذي انعدام الثقة عناصر متشابكة من التحديات الواقعية تحيط بها وتحركها الأساطير التي تفسر بها الأحداث السياسية عادة، والأساطير عند قبيلتي "الدينكا" التي ينتمي إليها سلفا كير ومن قبله جون قرنق زعيم الحركة الشعبية، وقبيلة "النوير" التي ينتمي إليها رياك مشار، شبه مقدسة، والقبيلتان تنحدران من الجد الأكبر أبينو ينق.

وفي مايو (أيار) 2009، احتفلت قبيلة "النوير" ثاني أكبر قبيلة في جنوب السودان، باستعادة "عصا الكجور" (جالبة المطر) المقدسة من بريطانيا إبان الاستعمار عام 1929، وتسلم رياك مشار عصا جده وتعود أهميتها إلى أنها العصا السحرية للقبيلة التي ترمز في معتقداتهم للسلطة والقوة والزعامة، كما ترتبط بها نبوءة، إذ يدعي أتباع السلطان نقون دينق أنه كان يتمتع بطاقة روحية هائلة، وقد تنبأ منذ مئات السنين بأحداث ووقائع ظهرت في ما بعد منها، حرب الجنوب، وحفر قناة جونقلي، وتوقيع اتفاقية "نيفاشا"، ومقتل جون قرنق تحت الجبل، وانفصال الجنوب. واعتبر كثيرون عودة العصا بمثابة إشارة إلى استقلال الجنوب عن الشمال عام 2011.

أما النبوءة التي تحرك الصراع الحالي بين الرئيس ونائبه فهي أن "أحد أبناء النوير سيحكم الجنوب، ومن صفاته أن في إحدى عينيه حولاً، وفي يديه [شول]، وفي أسنانه فلجة، ولا توجد في وجهه علامات". ويرى كثيرون أنها صفات تنطبق على رياك مشار. ووفقاً لتلك النبوءة، سلم مشار العصا المقدسة لكير للاحتفاظ بها حتى يسلمها له عندما يخلفه، لكن الجزء الثاني من النبوءة يتصارع حوله الرئيس ونائبه في أجواء من عدم الثقة. وإن كان مشار يستخدم عصاه، فإن كير الذي يظهر دائماً معتمراً قبعة سوداء يعتقد أيضاً أنها تحميه من المؤامرات السياسية والشرور التي يضمرها له خصومه، خصوصاً رياك مشار.

المزيد من تحلیل