Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا انفصال ولا استقرار... هل ما زالت قضية أبيي مستعصية؟

كان نظام البشير يلعب على عامل الزمن وعبر تعدد الاتفاقات ولجان الحل

 تأسس الجدل على ضرورة الوصول إلى حل سياسي وأمني يرضي جميع الأطراف (اندبندنت عربية- حسن حامد)

ملخص

ما تحتاج إليه منطقة #أبيي أكبر مما هو مطلوب من دولة #جنوب_السودان، والذي صيغ في "ضرورة مواصلة الجهود المشتركة لتحقيق التنمية وتوفير الخدمات الأساسية وبناء السلام"

على طول تاريخ قضية أبيي، المنطقة الواقعة في نقطة مشتعلة لعقود، وانفصلت من حولها دولتا السودان وجنوب السودان، واستعصت هي على الانفصال أو الاستقرار، تأسس الجدل على ضرورة الوصول إلى حل سياسي وأمني يرضي جميع الأطراف، ويؤدي إلى عقد الحوار بين قبيلتي دينكا نقوك الجنوبية والمسيرية التي تنتمي إلى الشمال.

أثناء ذلك تداولت القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة المكونة من بعثة السلام هناك مسؤولية الحفاظ على أمن المنطقة، لكن من دون جدوى. وتخلل تلك الفترة خرق للاتفاقات من الطرفين، وشهدت تمسك كل طرف بموقفه في محاولة لفرض حل أحادي على المنطقة. وظلت المنطقة تحت تهديد أوضاعها الإنسانية والأمنية، إذ لم تعرف استقراراً طوال العقود الماضية.

ومن اتفاق إلى آخر، ولجنة تقترح الحلول وتسلمها إلى أخرى كان النظام السابق يلعب على عامل الزمن. وبعد سقوط حكومة الرئيس السابق عمر البشير تم إحياء عمل اللجان، وصولاً إلى اللجنة العليا للإشراف السياسي والإداري على منطقة أبيي التي ترأس اجتماعها نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي).

ما تحتاج إليه منطقة أبيي أكبر مما هو مطلوب من دولة الجنوب، والذي صيغ في "ضرورة مواصلة الجهود المشتركة لتحقيق التنمية وتوفير الخدمات الأساسية وبناء السلام". ومن أول الأساسات هي ملء الفراغ الإداري الحكومي وإيجاد سلطة للتواصل مع مواطني المنطقة، وهي حاجة ملحة أكدتها الاتفاقات الماضية، وآخرها "اتفاق الترتيبات الإدارية والسياسية" التي جاءت بدعم من المجتمع الدولي.

وأهم ما دار في اجتماعات "الدورة العشرين للآلية السياسية الأمنية المشتركة" في يناير (كانون الثاني)، هي بعث اتفاق سبتمبر (أيلول) 2012، والتي وقعت بين بلدين بدلاً من الاتفاقات التي سبقتها، وتم توقيعها بين الحزب الحاكم في الشمال والحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب ضمن الدولة السودانية الواحدة.

وجاءت قضية منطقة أبيي في صدارة هذه الدورة، وتكشفت بعض الحقائق من تقريري بعثة الأمم المتحدة في أبيي (يونيسفا) التي أسسها مجلس الأمن بتاريخ 27 يونيو (حزيران) 2011، والآلية الأمنية للتحقق ومراقبة الحدود.

ويقتضي تنفيذ الاتفاق حسم قضايا أخرى لا تقل أهمية، وهي النفط والتجارة والتعاون الجمركي، والمعابر الحدودية، وما تكفله منظومة الحريات الأربع لضمان حركة مواطني البلدين، وتكوين القوات المشتركة على الحدود بين البلدين.

المجتمع الدولي

بعد دخول المجتمع الدولي بثقله من خلال رعاية بروتوكول مشاكوس الذي وقع في يوليو (تموز) 2002، إذ كان النواة لاتفاق السلام الشامل (نيفاشا) عام 2005، ثم بعد إدراك الحكومة السودانية حجم قضية أبيي ضحى انفصال الجنوب، راحت تنادي بعدم تدويل المشكلة وضرورة "سودنتها" حتى يتسنى لها العودة إلى طاولة المفاوضات.

في الواقع إن نظام البشير كان هو الأكثر زهواً بالوجود الدولي في تلك الفترة، بعد قطيعة مع نظامه خلال عقد التسعينيات وبداية الألفية الثانية. وفي غمرة ذلك مر اتفاقا مشاكوس ونيفاشا من دون أي اعتراض على أي من بنودهما.

وصممت الاتفاق الأولى على أساس بقاء شمال السودان تحت حكم الإسلاميين مقابل أن تشكل حكومة ذاتية للجنوب، لكن الحركة الشعبية لتحرير السودان التي كانت متمركزة في جبال النوبة بإقليم جنوب كردفان، والنيل الأزرق، إضافة إلى الجنوب، ومنطقة أبيي غرب كردفان، دخلت في صراع سياسي لتنال جزءاً من حقوق الجنوب بما فيها حق تقرير المصير لتشمل تلك المناطق، مما عقد التفاوض، وخصصت لهذه المناطق جلسات خاصة. وهنا ظهرت عقبة إجراء استفتاء لالتحاق المنطقة بشمال أم جنوب السودان.

نفذت الحكومة بروتوكولات اتفاق السلام الشامل (نيفاشا) عدا بروتوكول منطقة أبيي. والأطراف الموقعة على اتفاق السلام الشامل هي كينيا وأوغندا ومصر وإيطاليا وهولندا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، ومنتدى شركائها الدوليين وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأوروبي.

التخلص من اللعنة

تصدرت أبيي قضايا ما بعد الاستفتاء بين الشمال والجنوب وعقدت مباحثات حولها في أديس أبابا في مارس (آذار) 2012. عندها، دعا سياسيون شماليون وجنوبيون إلى التوقيع على اتفاق أديس أبابا لضرورة الإسراع في إكمال تنفيذ اتفاق "يونيسفا" التي بموجبها دخلت القوات الإثيوبية.

وبالعودة إلى المباحثات الأولى لفريق الوساطة الأفريقي برئاسة الرئيس الجنوب أفريقي الأسبق ثابو أمبيكي، فإن الحركة الشعبية رفضت مقترحاته بعد موافقة الخرطوم على مقترح تعديل خريطة المنطقة، بحيث يصبح بحر العرب الفاصل الطبيعي بين الدولتين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا المقترح يجعل حكومة الشمال تتنازل عن نحو 15 كيلومتراً من مساحة البلاد، وعليه ستقع الحدود جنوب بحر العرب بالمساحة نفسها التي كان سيتنازل عنها السودان في حال قبول الحركة الشعبية بمقترح الحاجز الطبيعي، لكن رفضت حكومة الجنوب ذلك المقترح، إضافة إلى تنازلها عن مناطق أخرى مفضلة التفاوض.

وعلى رغم أن قضية أبيي تجاوزت بعد ذلك مرحلة إجراء استفتاء، وأصبحت بنودها واضحة، فإن المشكلات القائمة التي تواجه الطرفين أشعلتها عوامل عدة، فالعامل الأول هو المكونات الاجتماعية، إذ رفضت قبيلة المسيرية التقسيم بعد أن وافقت عليه الحكومة.

والعامل الثاني هو أن تجربة ترحيل ملف القضية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2008 أظهر خلافاً آخر وهو اعتراض أبناء دينكا نقوك في الحركة الشعبية على تمثيل أبناء منطقة أبيي في الحركة ذاتها في أغلب المفاوضات، إذ كان هؤلاء يصرون على حل جميع القضايا العالقة مع الشمال من دون تجزئة، بحجة أن الخطوة ستفتح لهم باب التنازلات، مما جعل الملف يقبع في مكانه. أما العامل الثالث فهو استبعاد اللجنة السياسية المشتركة عامل النفط، ووضعت ما يسمى "خريطة أبيي" التي أسهمت في تهدئة الأوضاع بالمنطقة إلى حين انفصال الجنوب، وبعد زوال المؤثر عادت القضية إلى الواجهة.

وقضى اتفاق أديس أبابا بدخول القوات الإثيوبية إلى المنطقة، وأن توكل إليها مهمة حفظ الأمن جنباً إلى جنب مع الوحدات الإدارية من شرطة مدنية ومجلس تشريعي لتقديم الخدمات لمواطني المنطقة. ورأت الحركة الشعبية أن هذا الأمر سيكون في صالح حكومة الخرطوم وصالح المسيرية العرب الرحل جنوب بحر العرب وضد قبائل دينكا نقوك. ومباشرة اتخذ رئيس وفد الجنوب في تلك المفاوضات القيادي بالحركة الشعبية دينق ألور موقفاً بالاعتراض على تلك الخطوة، مما جعل رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت أن يكلف عضواً آخر بالحركة هو باقان أموم للذهاب إلى أديس أبابا والتوقيع على الاتفاق "حتى يتخلص الجنوب من لعنة أبيي".

خرق الاتفاق

بدا النزاع حول منطقة أبيي أكثر عناصر اتفاق السلام الشامل وما بعدها عرضة للانفجار، فالمشكلات على الأرض تحيد حيناً لأغراض التهدئة ثم تعود إلى الواجهة، مما زاد من هشاشتها. وربما يكون من غير الملائم العودة إلى اتفاق نيفاشا، فبموجبه خضعت الأرض المتنازع عليها، والتي تحتوي نسبة كبيرة من احتياطي السودان النفطي، لإدارة خاصة، وظلت لفترة طويلة تحت سيطرة الحكومة بانتظار نتيجة الاستفتاء الذي أجري عام 2011، وكان مخططاً أن يحدد إذا ما كانت المنطقة ستلحق بالجنوب المستقل أم تبقى في الشمال، لكن الحكومة وقتها خرقت اتفاق نيفاشا برفض الحكم النهائي الوارد في تقرير لجنة حدود أبيي، فنتج من ذلك فراغ سياسي وإداري أدى إلى فوضى وتعديات ونزاعات بعد هدنة موقتة. ولما توقفت المفاوضات بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان حشد الجانبان قواتهما العسكرية حول أبيي، فنادت أطراف التفاوض بأنه "يتعين على المجتمع الدولي إعادة العمل على تطبيق اتفاق السلام الشامل في أبيي بالخصوص، وبشكل عاجل، قبل الانزلاق مجدداً في دوامة الحرب". ووفقاً لذلك بدأ بروتوكول أبيي الوارد في اتفاق السلام الشامل بترسيم الحدود، ولكن لم يكتمل الترسيم لتعنت الطرفين، وخصوصاً النظام السابق.

حزام النزاعات

الآن، وبعد سقوط النظام السابق الذي كان متعنتاً في تطبيق الاتفاق، واستعداداً لفترة انتقالية أخرى تعقبها انتخابات تؤدي إلى حكومة مدنية، ومحاولات دولة جنوب السودان حل هذه القضية حتى لا تضاف إلى مشكلاتها الداخلية، يتردد الطرفان في الموافقة على رعاة دوليين لحلها. وإذا كان لا بد من ذلك، فإن الرسالة الموجهة للولايات المتحدة خصوصاً هي بسبب صياغتها لبروتوكول أبيي.

وبما أن الوضع الحالي يقتضي تخفيف حدة التوتر في أبيي ومحيطها، فإن تسكين الإجراءات الأساسية لا يحل المشكلة، لكن يؤجلها فقط، مما يعني ابتدار مسألة حسم مسألة الإجراءات المتمثلة في ترسيم الحدود وتعيين إدارة محلية متوافق حولها.

يمكن الاستفادة من فاعلية المجتمع الدولي بالمساعدة على تغيير الدينامية السابقة بأخرى تعمل على تذليل الحوار بين قبائل المسيرية ودينكا نقوك بهدف تعزيز الضمانات لتتمكن هذه الجماعات من الاحتفاظ بحقوق رعاية ماشيتها في أبيي، عبر مشاريع تنموية في مناطق الدينكا والمسيرية، وتتم حمايتها وتأمينها بدعم المنظمات الدولية.

ومثلما لعب النفط دوراً في تأجيج النزاع، فإن ترجيح التعامل معه وفق أحكام تقاسم الثروة، رجوعاً عند بروتوكول أبيي، قد لا يبدو حلاً واقعياً، نظراً إلى أن النفط قد لا يستمر بالأهمية ذاتها التي كانت قبل عقدين. فكثير من المؤشرات بدأت التركيز على أنه بدأ ينضب، بالتالي ستقل عائداته عما كانت عليه أوان البروتوكول، وذلك يعني أن تغيير النظرة إلى المنطقة عبر منظار النفط وإهمال المشكلات المتجذرة في الأرض والمرعى والنزاع القبلي، ربما لا يقود إلى حل في نهاية المطاف.

اللجنة الحالية تقول إن العنف بأبيي لن يستمر أكثر من ذلك، لكن هذا لا يعني أن المنطقة سيسودها الهدوء، فالنزاع بين فترة وأخرى يتجدد بتجدد التعديات على الأرض، وإعلان القوات المسلحة أوان انفصال الجنوب بأن أبيي منطقة حرب لم يفارقها، فقد حاولت حكومة الخرطوم فرض سيطرتها قبل الانفصال وإدارتها من قبل قوات دولية مستقلة.

ولا يختلف شكل المنطقة الحالي كثيراً عن وقوعها ضمن حزام نزاعات لم يقتصر على قبائل دينكا نقوك والمسيرية وحدهما، وإنما تكررت حوادث الهجوم على قوافل بعثات الأمم المتحدة التي كانت تنقل جنوداً دوليين وسودانيين تابعين للقوات المشتركة، ووراء كل هجوم تصعيد جديد، مما يهدد دائماً الالتزام بأي هدنة لتجنب النزاع.

المزيد من تحلیل