Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شرعية الكراسي الشاغرة... برلمان الجزائر "يصوم" عن العمل

ممثلو الشعب يفضلون قضاء رمضان مع العائلة أو في أداء العمرة ومطالب شعبية بفضح المتغيبين ومعاقبتهم

لم ينجح البرلمان في دفع النواب إلى حضور الجلسات بعد تخفيف أجندته خلال شهر الصوم (وزارة العلاقات مع البرلمان)

ملخص

هل انقطع #حبل_الثقة بين الشعب وممثليه في البرلمان في ظل توسع دائرة تغيب النواب عن الجلسات في #الجزائر؟

عادت ظاهرة الكراسي الشاغرة في برلمان الجزائر لتثير استياء الشارع، لا سيما أن التفاؤل الذي صاحب الانتخابات البرلمانية كان سيد الموقف، حيث اعتبر الشعب أن ممثليه سيكونون في مستوى الثقة الممنوحة لهم، على عكس العهدات السابقة حين كان البرلمان هيكلاً من دون روح، ويبدو أن الأمور هذه المرة لن تمر مرور الكرام بلا إجراءات انضباطية وعقابية.

خطوة غير مجدية

لم ينجح البرلمان في دفع النواب إلى حضور الجلسات والمناقشات بعد إقدامه على تخفيف أجندته خلال رمضان، لكن صعوبة استدعاء ممثلي الشعب لتفضيلهم قضاء أيام الشهر الفضيل مع العائلة، فضلاً عن وجود عدد كبير منهم في البقاع المقدسة لأداء مناسك العمرة، يجعل النشاط البرلماني خافتاً".

وبرمج مكتب البرلمان أربعة مشاريع قوانين فقط تتعلق بقواعد المحاسبة العمومية والتسيير المالي، ومشروع القانون النقدي والمصرفي، إضافة إلى مشروع قانون للوقاية من النزاعات الجماعية وتسويتها وممارسة حق الإضراب، وقانون الإعلام، لتدخل بعدها "الغرفة السفلى" في عطلة رمضانية تتخللها جلستان للرد على الأسئلة الشفوية.

بحثاً عن جذور الممارسة

يرى الباحث بكلية العلوم الاجتماعية دحو بن مصطفى، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن مشهد الكراسي الشاغرة يترك انطباعاً بعدم جدية النواب في أداء مهامهم وواجباتهم، ويحيل الأذهان إلى ممارسات البرلمان في العهد السابق، والصورة النمطية التي ترسخت في المخيال الاجتماعي عن نواب يتقاضون أجوراً عالية من دون القيام بمهامهم.

ويضيف "يجب البحث عن جذور هذه الممارسة في القوانين والنظم المنظمة لعمل البرلمان، فالقانون 12/16 المنظم لعمل البرلمان ومجلس الأمة والنظام الداخلي، والقانون 01/01، لا يلزمان النواب بالحضور إجبارياً لكل الجلسات، إنما يستوجب الحضور لعرض الوزير المكلف أو وزيرة العلاقات مع البرلمان، كما أن النائب ملزم الحضور فقط في جلسات التصويت، أو تقديم مداخلته، أو عند تقديم السؤال الشفهي".

ويواصل بن مصطفى أن "الكراسي الشاغرة لا تعني غياب النواب عن البرلمان، فهم يؤدون واجباتهم كاملة في اللجان المختلفة، أو من خلال مساءلة أعضاء الحكومة، أو تنظيم الندوات، أضف إلى ذلك أن التصويت قد يتم بالوكالة، إلى جانب مشاركتهم في لجان تحقيق أو استعلام"، مشدداً على أن الأمر يحتاج إلى تعديل النصوص القانونية، ذلك أن مداخلة النائب لا يعقبها نقاش عام وإنما رد من الحكومة، لذلك لا يجد النائب جدوى من حضور مداخلة أو سؤال شفهي لنائب آخر. وتذمر المواطنين من المشهد ناتج من عدم معرفتهم بالقوانين وبآليات عمل البرلمان".

سيطرة السلطة التنفيذية

على العكس من ذلك، تقول أستاذة العلوم السياسية نوال لصلج، إن عضو البرلمان يشكل المفتاح الرئيس لتحريك السلطة التشريعية من خلال الأدوار الرئيسة المنوطة به، سواء على المستوى الوطني باعتباره ممثلاً للأمة، أو من خلال دوره المحلي باعتباره وليد دائرته الانتخابية التي أوصلته إلى المقعد النيابي، وهذا كله من أجل أداء برلماني يدفع بالمؤسسة التشريعية إلى الأمام لتجسيد استقلالها، كما يشكل في الوقت نفسه اعترافاً بقيمة النواب على المستوى القانوني، لكن على المستوى الواقعي نلاحظ ظاهرة الغياب التي ألقت بظلالها على المؤسسة التشريعية، فقد باتت مقاعد البرلمان شاغرة أثناء المناقشات والتصويت، وهذا كله يرجع إلى سيطرة السلطة التنفيذية، إضافة إلى غياب نصوص قانونية رادعة تحمل الأعضاء على الحضور".

دار لقمان على حالها

عرفت الظاهرة تجاذبات بين مختلف الأطراف خلال العهدات السابقة، بلغت حد المطالبة بفضح النواب المتغيبين عن الجلسات العامة للبرلمان، عبر نشر أسمائهم في الجريدة الرسمية للمناقشات والموقع الإلكتروني الرسمي الخاص بالبرلمان وكل أركانه، مع فرض عقوبات بمنع الترشح لأجهزة وهياكل الغرفة السفلى والعضوية في الهيئات الوطنية والدولية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما جاء في قائمة المطالب أنه يتعين على البرلماني قبل غيابه توجيه إشعار بالغياب إلى رئيس البرلمان يكون مبرراً لأسباب تم حصرها في حضور نشاط رسمي، أو وجوده في مهمة خارج الوطن، أو مشاركته في مهمة ذات طابع وطني، أو استفادته من عطلة مرضية، وعدا هذه الأسباب فإن الغياب غير مبرر ويعتبر مكتب البرلمان المخول الوحيد بقبول أو رفض المبررات الأخرى.

لكن كل ذلك لم يتم العمل به بعد الرفض القوي من النواب الذين اعترضوا على الخطوة، لتبقى دار لقمان على حالها.

النائب لا يتحمل المسؤولية

في المقابل، يرفض رئيس المجموعة البرلمانية لحزب "جبهة المستقبل" فاتح بوطبيق، تحميل مسؤولية تأجيل الجلسات للنائب وحده بسبب الغياب، وإنما هي مسؤولية مشتركة بين النائب والإدارة والجهاز التنفيذي.

وقال بوطبيق إنه "فضلاً عن الدور التشريعي للبرلمان، فإنه يمثل سنداً سياسياً للحكومة، لذلك وجب عليه الوجود على مدى الساعة، سواء على مستوى دائرته الانتخابية أو في البرلمان"، مضيفاً أنه "يجب العمل على وضع حد لهذه التصرفات عبر تعديل النظام الداخلي للمجلس وتحديد المسؤوليات، لأن البرلمان هو دار الشعب، ويجب ألا يخلو من النواب".

وأوضح أن "من الضروري إيجاد حل لهذه الإشكالية من خلال تكثيف التنسيق مع رؤساء الكتل البرلمانية، وكذا رئاسة الغرفة السفلى، بغية الوصول إلى تحديد معايير الحضور والانضباط، على اعتبار أن هذه المسألة طالما كانت محل نقاش في كل اجتماعات البرلمان".

الركن المعنوي وثقة الشعب

يعتبر الناشط السياسي حليم بن بعيبش أن سبب تغيب النواب معروف، وهو طريقة وصولهم إلى المؤسسة التشريعية، مما يجعل ارتباط النائب بالبرلمان يرتكز على الركن المادي بعيداً من الركن المعنوي المتمثل في الشعور بعبء المسؤولية وإلزامية الحضور للدفاع عن مصالح من انتخبه، موضحاً أن "الأصل في حضور الجلسات ذاتي مرتبط بحس المسؤولية، لكن إذا غاب هذا الحس وجب على السلطات الوصية تشريع قانون يفرض على النواب حضور نسبة معينة من الجلسات خلال دورة البرلمان وإلا يتم تعريضهم لعقوبات قد تصل إلى سحب العضوية".

وأشار إلى أن الظاهرة تسهم في تغول أكبر للسلطة التنفيذية، كما تعطي انطباعاً للمواطن بأن البيروقراطي الإداري المعين أفضل من السياسي المنتخب، وأن وجود البرلمان من عدمه سواء بسواء، الأمر الذي يزيد من ابتعاد المواطن عن السياسة والانتخابات.

من جانبه، يعتقد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بريك الله حبيب، أن "دور النائب قبل أن يكون التباهي بتمثيل الشعب تحت قبة البرلمان مع حضوره الباهت في الوقت نفسه وعدم تفاعله مع القضايا المتنوعة، أن يكون فعالاً منخرطاً في حلحلة مشكلات منتخبيه، وسن وتشريع القوانين التي من شأنها أن تسهم في تسهيل حياة المواطن البسيط والقضاء على المحسوبية والبيروقراطية الإدارية التي أرهقت كاهله، بخاصة مع ما تشهده البلاد من مشكلات اجتماعية وغلاء".

وقال حبيب إن "المسؤولية الملقاة على عاتق ممثلي الشعب يفترض أن تكون على قدر الثقة التي وضعها الشعب فيهم، وأولها إثبات حضورهم على مستوى الاجتماعات العامة واللجان الخاصة".

المزيد من تقارير