Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتصار زلنسكي في أوكرانيا يوجّه ضربة مؤلمة للأقلية الحاكمة ولاستراتيجية بوتين

تحول أوكرانيا إلى دولة متنامية ونشَّطة منخرطة بشكل كامل في الفضاء الديمقراطي الأوروبي سيمثل ضربة موجعة لروسيا بقيادة بوتين

الرئيس الأوكراني الجديد فلاديمير زيلنسكي مجتمعا إلى قادة البلاد الأمنيين قي كييف 23 يونيو 2019 (أ.ب) 

فيما تستعد أوروبا لوداع المملكة المتحدة وهي تهمّ، في ظل قيادتها القومية، بالخروج من الاتحاد الأوروبي الذي تعتبر أكبر دولة عضو فيه من الشطر الغربي من القارة ، ويعجز برلمانها في ذاك الجزء من أوروبا عن فرض سيطرته على السلطة التنفيذية، انتُخب للتو أعضاء البرلمان الجديد في أوكرانيا الذي تُعلق عليه آمال قوية، وللمرة الأولى منذ سقوط جدار برلين، بأن ينجح في المضي بالبلاد على طريق التخلص من السياسات السيئة ومن الاقتصاد الأسوأ.

شهدت أوكرانيا لحظتين ثوريتين في هذا القرن. تمثلت الأولى بانتفاضة شعبها عام 2004 في ثورته البرتقالية بالعاصمة كييف ثم في "ميدان" بكييف في شتاء عام 2014.

لايتعلق الأمر بوجود رغبة قوية لدى  فلاديمير بوتين بانضمام أوكرانيا من جديد للفيدرالية الروسية؛ بل بالأهمية الكبيرة لاستمرار النظام  الروسي، القائم على اقتصاد فاسد تتحكم به أقلية موالية للزعيم في ظل غياب أي دور فعال للقانون، في أوكرانيا حتى تبقى بمن فيها من مواطنين يبلغ عددهم  48 مليون نسمة، معزولة عن أي مستقبل أوروبي مشترك.

بعد الإذلال الذي لحق بالرئيسين المدعومين من الكرملين في عامي 2004 و2014، انتُخب رؤساء جدد أعربوا عن أمنيتهم بالتحول بأوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي والناتو، ولكنهم لم يبذلوا جهوداً كافية لتفكيك الشبكات السياسية للأقلية الحاكمة من رجال مال وأعمال.

إضافة إلى ذلك، كان رئيس أوكرانيا من جهة، وبرلمانها من جهة أخرى، يخضعان لقوى متعارضة ما جعل تمرير قوانين لإصلاح البلاد وتجديدها صعباً للغاية إن لم يكن مستحيلاً.

فبعد خمس سنوات من ولاية رجل الأعمال بيترو بوروشينكو الذي ظل يحمي خلال رئاسته البلاد زملاءه أعضاء الأقلية الحاكمة، انتُخب شاب إصلاحي، هو فولوديمير زلنسكي، رئيساً بأغلبية وصلت إلى 73 % من الاصوات في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

مع ذلك، كان زلنسكي يحتاج إلى اغلبية برلمانية كي يستطيع تمرير القوانين الضرورية للمضي بعملية الإصلاح. وإذ استمرت عملية فرز الأصوات وقتاً طويلاً في أعقاب الانتخابات التي أجريت الاحد الماضي، فإن الرئيس الجديد قد حصل على أغلبية مقاعد البرلمان الأوكراني الذي يٌنتخب جزئيا على أساس نظام القوائم الحزبية على مستوى البلاد، وجزئيا على انتخاب نواب الدوائر المختلفة وفق نظام " الأغلبية البسيطة".

وهذه هي المرة الأولى التي يكون الرئيس والبرلمان فيها متوافقين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يأمل بعض المحللين السياسيين في كييف أن يستطيع البرلمان الجديد غير المسبوق لجهة تركيبته التي يشكل النواب المنتخبون على أساس القوائم الحزبية الوطنية، ثلثيها ، أن يغير وضع أوكرانيا وبشكل كبير نحو الأحسن.

في المقابل، لم يحصل أي من الأحزاب الأخرى بما فيها "منبر المعارضة" الموالي لروسيا أو الأوكرانيون الناطقون بالروسية الذين لم يفقدوا الأمل يوما من الاتحاد مجدداً بروسيا الام، على أكثر من 10 % من الأصوات.

كذلك هو الحال مع الأحزاب التي يتزعمها سياسيون مقربون من رجال المال والأعمال الأوليغاركيين،  مثل الرئيس السابق بوروشينكو نفسه،  أو يوليا تيموشيكو رئيسة الوزراء السابقة ذات الشعر الأشقر، إذ لم يحصل أي منهما على أكثر من 8%.

فاز زلنسكي بحوالي 126 مقعداً بموجب حصته في الانتخابات على أساس نظام القوائم الحزبية، لكن من المتوقع أنه قد حصل أيضاً على 100 مقعد آخر في الجزء الثاني من الانتخابات الذي أجري وفق نظام " الاغلبية البسيطة"، وبالتالي بات الحائز على الاغلبية في البرلمان الذي يضمّ 450 مقعداً.

 كانت هذه المقاعد الفردية تذهب في الماضي إلى أشخاص منتخبين من قبل الأكثرية على المستوى المحلي وهم أقرب إلى الأقلية الحاكمة  ورجال الأعمال ممن يمارسون عملية شراء أصوات الناخبين في المناطق النائية أو الفقيرة أو تلك المعادية لكييف وذلك لضمان انتخاب ممثليهم من الرجال والنساء، أي انتخابهم هم أنفسهم، فعلياً.

على هذا الصعيد، يبلغ ثمن مقعد في برلمان أوكرانيا ما يتراوح بين 2 إلى 3 ملايين دولار. لكن لمّا كانت عقود القطاع العام تأتي إلى أعضاءالاقلية الحاكمة المختلفين بمساعدة نواب الأقاليم الفاسدين، فإن إنفاق مبلغ كهذا لضمان استمرار ورود هذه العقود هو تصرف حكيم من وجهة نظرهم.

وبفعل هذا النظام المتعفن فإن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في أوكرانيا يساوي حوالي ربع نظيره في جارتها بولندا. وإذا كان بإمكان الاوليغاركيين أعضاء الاقلية الحاكمة وحتى المجرمين ان يشتروا مقاعد برلمانية توفر لصاحبها الحصانة القانونية فإن الفساد يتغلغل في الاقتصاد وإدارة الدولة كلها وصولاً إلى البلدات الصغيرة و القرى.

وإذا استطاع زلنسكي التعويل على أغلبيته، بشقيها المذكورين آنفاً، لإصلاح الشرطة ومكتب المدعي العام ودوائر الأمن والقضاء عن طريق تعيين إصلاحيين حقيقيين على راس هذه المؤسسات،  ستتمكن أوكرانيا من المضي قدماً إلى الأمام.

في هذا السياق، يشير الاقتصادي أنديرز أسلند، الخبير البارز في اقتصاديات روسيا وأوكرانيا في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي، إلى أن الترخيص بالبيع الخاص للأراضي، وجذب الاستثمار من الخارج إضافة إلى تحقيق ادخار على المستوى المحلي،  يمكن أن تؤدي معاً إلى رفع معدل نمو أوكرانيا الذي يتراوح حالياً بين 2 و3% إلى 7 %.

يمكن القول إن تحول أوكرانيا إلى دولة  أكثر رخاءً يطرد فيها المال النظيف المتأتي من نشاط اقتصادي شرعي المال السيئ الآتي من الفساد والتجارة غير الشرعية، هو أمر سيقلق بوتين.

فضمّ روسيا لجزيرة القرم لايزال بلا حل. ويرفض معظم النواب المنتخبين في أوكرانيا احتلال الكرملين العسكري لبلادهم ونشاطه في القرم ودونباس. غير أن تحول أوكرانيا إلى دولة متنامية ونشَّطة منخرطة بشكل كامل في الفضاء الديمقراطي الأوروبي سيمثل ضربة موجعة لاستراتيجية لرؤية بوتين ذات الطابع القومي الروسي.

يجلس بوتين الآن في الكرملين متأملاً عجز الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة وكندا بمن فيهما من مهاجرين أوكرانيين يبلغ عددهم  1.3 مليون شخص، عن مساعدة أوكرانيا.  فقائمة مشاكل المناطق الحدودية المعلقة في أوروبا الطويلة لم تتقلص ، بدءاً من بريكست البريطاني مرورا بالبلقان الغربية، إلى دول شرق وجنوب البحر المتوسط الفاشلة التي لا تكف عن قذف اللاجئين والمهاجرين باتجاه أوروبا، وتركيا مع تنقيبها المزعزع للاستقرار عن النفط في مياه قبرص، إضافة إلى أن أوكرانيا منذ عام 2004.

مع ذلك فإن هناك الآن بصيصا من الأمل في أن يستطيع  الشعب الأوكراني، الذي قام بثورتي احتجاج سلميتين، أخيرا من استخدام صناديق الاقتراع لإحلال التنوع الديمقراطي محل السياسات الأوليغاركية التي تخدم أقلية من رجال المال والأعمال.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء