Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما يشي به ترشح ممثل كوميدي للرئاسة في أوكرانيا عن مستقبل سياسة ما بعد الحقيقة

يقدم فولوديمير زيلينسكي تجربة في السياسة من العالم الافتراضي جاهزة يمكن استنساخها في أي مكان آخر في العالم

تابع عشرات الملايين من الأوكرانيين نشرات الأخبار مساء الأربعاء لإلقاء نظرة سريعة إلى مستقبلهم السياسي. فالعرض الأول للمسلسل الثالث من الدراما الكوميدية "خادم الشعب" قدم بعض الوجوه التي يسهل على الجمهور التعرف عليها فوراً، منها "ديميتري سوريكوف"، سيّد قطاع الحليب، وهو شخص ساخر وماكر (المقصود في العرض رئيس أوكرانيا بارون الشوكولاتة). وكذلك جاين دبوريسينكو، وهي عاملة مخادعة تخشى أن ينفد الوقت قبل أن تتمكن من أن تصبح رئيسة، (المقصود جان دارك أوكرانيا أي يوليا تيموشينكو تحاول للمرة الثالثة أن تصبح رئيسة)، وفاسيلي غولوبورودكو، وهو أستاذ تبين أنه رئيس، وهو ابن الشعب، لعب دوره الكوميدي والمرشح الرئاسي الفعلي الأوفر حظاً فولوديمير زيلينسكي.

لم تكن تلميحات العرض خفية. فهو يُظهِر رئيساً ألقي به في السجن – وهي لفتة إلى مزحَة صدرت من زيلينسكي الشهر الماضي عندما قال إن الرئيس بيترو بوروشينكو ترشح لولاية ثانية فقط "لتجنب ولاية أولى في السجن". بعدها تأتي جاين دبوريسينكو (تيموشينكو) التي تمكنت في العرض من بلوغ سدة الرئاسة من طريق وعد الجميع بتقديم كل شيء. شعارها في ذلك هو "إذا قلْتُ إنني سأفعل، فإنني سأفعل"، وهو شعار لم تنفذه أبداً. لكنها للأسف، سقطت في خلاف مع الأوليغارشية الحاكمة التي تتحكم بها، وأُرغِمت على التنحي بعد 50 يوماً من تنصيبها. أفلست البلاد وبدأت ثورة الميدان تلوح في الأفق.

 في الوقت الذي أطلق سراح بطلنا غولوبورودكو من السجن، تصدّعت البلاد إلى 28 دولة مستقلة. وصارت حدود أوكرانيا لا تتجاوز أطراف كييف. وحتى ضواحي ترويشيتشنا انفصلت عن دولتها المنشقة.

وعلى أدنى تقدير، كانت السلسلة محاولة جيدة لجلب الانتباه. لكن يبدو أن العرض التلفزيوني الأخير لزيلينسكي يقدم أشياء أكثر بكثير من المزاح. فمن طريق خلطه الواقع السياسي بالخيال الدرامي، يقدم المسلسل خطة جديدة لكيفية التواصل مع الناخبين والتأثير فيهم في عالم ما بعد الحقيقة الترمبي.

وليس ترشح زيلينسكي المرة الأولى التي يستخدم فيها رجل عروض شعبيته وسهولة تعرف الجمهور عليه لدخول معترك السياسة. فمنذ البداية، لم تخفَ وسائل الإعلام الدولية أوجه الشبه الواضحة بين زيلينسكي ودونالد ترمب. ففي نهاية الأمر، إن الرجلين امتطيا موجة من الشعور العام بالإحباط وتقديم نفسيهما كسياسيين معاديين للسياسة.

يفضل زيلينسكي فمن جهته، الحديث عن رونالد ريغان على الرغم من أن ترشحه ذهب أبعد في رفض الحداثة من مقدمي العروض الأميركيين. ويمكن القول إنه، مقارنةً بأيّ مرشح رئاسيّ آخرَ في التاريخ، يستحيل معه فصل الشخص عن القناع (الدور على الخشبة)، والشخصية الدرامية عن المرشح، والناخب عن مشاهد التلفزيون. فعلى سبيل المثل، ازدرى فريقه فكرة حملة انتخابية تقليدية مفضّلاً تنظيم "عروض موسيقية" مفتوحة.

ولم يكن هناك إلا القليل من النقاش السياسي خلال تلك العروض، ذلك أنه من المؤكد أن الكوميدي ليس المرشح الوحيد الذي قيًّد التواصل مع الإعلام. فالمرشحان الآخران الأوفر حظاً كانا حتى أقل استعداداً للتحدث إلى الصحافيين المستقلين. وهو لا يتحدّر من ماض سياسي بارز، لذا، عليك بذل جهد مضني لفهم ما الذي يمثله حقيقةً المرشح زيلينسكي. كما أن دمج الرجل والقناع مكّن المرشح كذلك من تجنب تحمل المسؤولية عما يصدر منه من أقوال.

فعلى سبيل المثال، وجد دميتري رازومكوف، وهو مخطط الشؤون الإستراتيجية لزيلينسكي، صعوبة في إبعاد مرشحه عن مزحة "ولايتي" بوريشينكو، الذي قال للاندبندنت إنها "مزحة قيلت في الشخصية الدرامية"، وأن الرئيس زيلينسكي لن يمزح حتى في أمور كهذه.

وعلى نحو ما هو الأمر في رواية شخصيات بيلي ميليغان، الـ24 ليس من الواضح أبداً أين تنتهي شخصية غولوبورودكو الدرامية وأين يبدأ المرشح زيلينسكي تماماً. تخيل أيها القارئ ما الذي كان سيبذله ترمب ليتسنى له تقديم رؤية هجينة إلى المستقبل خلال فترات ذروة المشاهدة التلفزيونية، وليتمكن من تقديم نفسه للأمة كمنقذ قوميّ، مقابل مجموعة من الخصوم الفاسدين البائسين غير الصادقين.

لا يكفي هذا لتطوير أدوات جديدة للتلاعب بالناخبين. إن ما يجعل حملة زيلينسكي متألقة هو أن مرشحها في الأساس شخص جيد، يوحّد الناس وله مواقف معتدلة، وهو ما يميزه بالصدفة عن ترمب. ففي أوكرانيا حيث الفضاء الإعلامي مستقطب ومجيّش، لا يحظى البرنامج الانتخابي المعتدل بالاهتمام. لذا، فإن السيد زيلينسكي-غولوبورودكو يسعى سعياً محموماً إلى سد تلك الفجوة.

لذا، فإن شخصية الرئيس رجل عاديّ يحارب الفساد. وهو يناصر فكرة أن تكون لأوكرانيا لغتان رسميتان، مع أن تبقى الأوكرانية اللغة الرسمية للدولة. فهو يؤيد الروس لكنه يعارض بوتين، ويؤيد دفع معاشات للمتقاعدين الفقراء في مناطق النزاع في شرق أوكرانيا. كما أنه يتخذ وفي شكل بارز موقفاً معقولاً من شبه جزيرة القرم، مُقراً أنها لن تعود لأوكرانيا مادام فلاديمير بوتين في السلطة.

وترى الصحافية والمحررة نتاليا جومينيوك إن "زيلينسكي لا يسيء إلى المكسيكيين، ولا يتحدث عن تشييد الأسوار"، مضيفة أن هذا هو ما يجعل الاختيار أمراً عسيراً على الأوكرانيين من ذوي العقلية الديمقراطية الذين يدركون أن كلّ ما يقال ليس حقيقياً. وتقول "نلاحظ جميعاً خيبة الأمل ونتساءل عن العلاقة التي تجمعه مع الأولغارشي المخادع إيلهور كولومواسكي. لكننا كذلك نتساءل عما إذا كانت المواقف المعقولة لرئيس افتراضي قادرة على جعل الواقع معقولاً أكثر".

يوم الأحد، سيعرض زيلينسكي شخصياته المتعددة أمام الأوكرانيين في انتخابات تعدّ أقل واحدة يمكن التنبؤ بنتائجها على مدى جيل. فمن جهة، سيكون التصويت اختباراً لتاريخ أوكرانيا ما بعد ثورة الميدان: هل سيُعرب الناخبون عن رضاهم عن إنجازات بوريشينكو، أم عن غضبهم من ارتفاع أسعار الخدمات العامة، أم عن قلقهم أمام انتخاب من سيُحسّن الدفاع أكثر عن بلدهم.

من جهة أخرى، تَعِدُ الانتخابات بأن تكون معركة بين منهجين من مناهج التحايل على الناخبين، أحدهما قديم والآخر جديد.

وإذا صدق الإعلام المحلي في ما يقول، فإن فريق حملة الرئيس الذي يدافع عن البقاء في منصبه لجأ إلى العديد من الحيل القديمة مثل التلويح أكثر بتهديدات حربية، والتحالفات مع الأعيان الجهويين، ورِشى مساعدات تقاعدية عشية الانتخابات، والسعي إلى خفض أعداد المشاركين من بين الناخبين الذين لا يتوقع أن يصوتوا على النحو المرغوب فيه. ووفق فريق زيلينسكي، فإن تلك الحيل تشمل أيضاً التهديد بحضور ضباط الخدمة العسكرية الإلزامية في مراكز الاقتراع لتقييد مشاركة الشباب في الانتخابات.

ويفيد واحد من آخر استطلاعات الرأي التي صدرت قبيل الانتخابات بأن التكتيكات التي التزمها الرئيس حقّقت بعض النجاح. وتشير الأرقام الواردة فيه إلى أن بوريشينكو حلّ في المرتبة الثانية بعد زيلينسكي، وحاز 22.1 في المئة من الأصوات مقابل 24.1 في المئة لغريمه، وهي نسبة عالية جداً لم يكن أحد يتوقعها.

ولم يتضح بعد ما إذا كان بوريشينكو قادراً على تحويل المكاسب القوية التي حققها إلى نصر. وإن فشل في ذلك، فإن زيلينسكي سيصبح رئيساً، وحينها يمكن القول إن هذه الانتخابات كتبت صفحة جديدة ليس فحسب في تاريخ أوكرانيا، بل في تاريخ العالم أجمع.

© The Independent

المزيد من دوليات