Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الآشوريون يستحضرون الطقوس التاريخية للاحتفال ببداية السنة البابلية

يصبح عمر العراق حضارياً في هذا اليوم ووفقاً للتقويم الآشوري 6773 سنة

يعد عيد بداية السنة البابلية - الآشورية من الأعياد المهمة والمشهورة لدى سكان بلاد ما بين النهرين لما يحمله من أثر لدى المجتمع الرافديني (اندبندنت عربية - دلاور بهلوي)

ملخص

مثل إحياء #رأس_السنة_البابلية لدى سكان #بلاد_الرافدين القدماء احتفالاً بخلق الأرض والنظام وتذكيراً بمخاطر الفوضى

"أكيتو بريخا" هي العبارة التي يتداولها الآشوريين في هذا اليوم للتهنئة بالعام الجديد، وهو من أهم الأعياد لحضارة بلاد ما بين النهرين، إذ تبدأ في الأول من أبريل (نيسان) السنة البابلية – الآشورية الجديدة، أو كما يسمى محلياً "عيد الأكيتو"، ويستمر لمدة 12 يوماً، وبذلك يصبح عمر العراق حضارياً وفقاً للتقويم الآشوري - البابلي 6773 سنة.
تاريخياً، كانت تتخلل هذا الاحتفال، إقامة طقوس وشعائر مختلفة يقوم بها الملك وعامة الشعب، وتتم فيه دعوة ملوك من مدن أخرى. وعلى رغم اهتمام سكان حضارة ما بين النهرين بالاحتفالات وتخصيص أيام محددة لها خلال السنة، فإن عيد السنة البابلية يكاد يكون أهم الأعياد.

"أكيتو" أقدم الاحتفالات في العالم

يعد عيد بداية السنة البابلية - الآشورية من الأعياد المهمة والمشهورة لدى سكان بلاد ما بين النهرين لما يحمله من أثر لدى المجتمع الرافديني ولما يتخلله من طقوس وفعاليات مثيرة للاهتمام، وامتدت الاحتفالات بهذا العيد منذ منتصف الألف الثالث قبل الميلاد وحتى القرن الثاني قبل الميلاد.
في هذا السياق، يوضح الباحث في مجال الآثار، منتظر العودة، أن "الاحتفالات بهذا العيد كانت تمتد إلى أكثر من مدينة من مدن بلاد ما بين النهرين، وتحتفل به كل شرائح المجتمع، وقد تطور من احتفال زراعي للحصاد إلى عيد سنوي - وطني يعبر عن بداية السنة مع بداية الربيع".
أما أستاذ اللغة السومرية، حيدر عقيل، فأوضح أن "عيد السنة البابلية الأكيتو، والذي كان يستمر 12 يوماً هو من أقدم الاحتفالات في العالم، إذ تخبرنا الأدلة الكتابية (النصوص المسمارية)، أن بداية أكيتو كان احتفالاً بالحصاد الزراعي لدى السومريين، وأقيم مرتين في العام، الأولى في شهر أبريل لحصاد البذور، والثانية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) لبذر بذور القمح، ثم جاء البابليون ليصبح الاحتفال واحداً في بداية شهر أبريل مع بداية السنة الجديدة، واستمر حتى اليوم، إذ أصبح الأكيتو جزءاً من موروث عديد من الجماعات التي ما زالت تحتفل به اليوم".
 


لماذا الأول من أبريل؟

يشير عضو المكتب السياسي لحزب "أبناء النهرين"، أدد يوسف، إلى أن "الأول من أبريل يعني الاحتفال ببداية سنة جديدة على الأرض، ولأن الإنسان الرافديني ارتبطت حياته بشكل كبير بالأرض والطبيعة، فقد اختار الأول من أبريل بداية لدورة الحياة في هذه الطبيعة، على اعتبار أن الحياة في هذا الشهر تبدأ بالتجدد والانبعاث من جديد بعد فترة الجمود في فصل الشتاء".
ويكمل يوسف أن "البعد التاريخي للاحتفال الذي يستند على أسطورة تقول إن الإله آشور (في نينوى)، وهو إله الخير قد دخل في معركة مع تيامات، وهي إلهة الشر (إلهة العالم السفلي)، ويتمكن آشور من تحقيق النصر، وهذا الانتصار يحدث في اليوم الأول من أبريل، حيث تزدهر الطبيعة وتلبس حلتها الجديدة".

طقوس الاحتفال تاريخياً

مثل احتفال رأس السنة البابلية لدى سكان بلاد الرافدين القدماء، احتفالاً بخلق الأرض والنظام، وتذكيراً بمخاطر الفوضى، كذلك نال أهمية كبيرة في فترة ازدهار الحضارة البابلية والآشورية، كونه ذا طابع سياسي لتجديد نفوذ الملك، فضلاً عن الجانب الشعبي المتمثل في مشاركة الناس في الاحتفال والبهجة، على الأخص خلال استعراض موكب الآلهة.
بالعودة إلى أستاذ اللغة السومرية، حيدر عقيل، الذي استعرض طقوس احتفال السنة البابلية وقال إن "احتفال رأس السنة البابلية يمتد على مدار 12 يوماً، لكل يوم طقس خاص به، الأيام الأربعة الأولى خصصت لإقامة الصلوات في معبد مردوخ في بابل، فيما خصصت الأيام التي تليها، وهي الخامس والسادس والسابع لكفارة الملك، ووصول موكب نابو لمدينة بابل، ثم زيارة نابو لوالده مردوخ".
أما الطقوس المتنوعة فتقام في اليوم الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر، وتتضمن عرض مسرحية سعي نابو لتحرير والده مردوخ، ويوم الفرحة لانتصار مردوخ على قوى الظلام ومغادرة موكب القوى العليا (الآلهة بحسب اعتقاد سكان بلاد الرافدين القدماء) إلى مكان تقرير المصير للملك، ثم مغادرة موكب القوى العليا إلى بيت أكيتو خارج المدينة، ثم عودة الموكب إلى مدينة بابل مرة أخرى، ثم إكمال تقرير المصير وإقامة وليمة تمثل ختام احتفال رأس السنة البابلية، فيما خصص اليوم الأخير لمغادرة موكب القوى العليا المشتركة في الاحتفال ومغادرتها إلى مدنها.


البعد السياسي

دونت الرقم الطينية (الألواح الطينية) تفاصيل احتفالات السنة البابلية، والتي تبدأ من الأول من أبريل، وخلالها تقام مهرجانات وتمارس طقوس وشعائر مختلفة يشارك فيها الملك وعامة الشعب، بل ويدعى إليها رسمياً ملوك بلدان أخرى، ولم تكن تخلو من البعد السياسي، إذ يوضح أدد يوسف، أن "غالب هذه الطقوس والممارسات كانت تحمل دلالات ومعاني سياسية واجتماعية ووطنية، وتهدف إلى إيصال رسائل مهمة إلى عامة الشعب، من بينها ما يحدث في اليوم السادس من الاحتفال. فكان الملك يتنازل عن عرشه ويختفي عن الأنظار، ويؤتى بشخص آخر من عامة الشعب، وعادة من المحكومين عليهم، ويسلم له الحكم تماماً إلى نهاية ذلك اليوم، حيث يشيع الفوضى في البلاد، إلى أن يعاد الحكم الشرعي إلى الملك الحقيقي. ويقال إن المغزى كان لإجراء مقارنة بين الحكم الرشيد والعادل والحكومة غير الرشيدة".

"دقنا نيسان"

حافظ الآشوريون في العراق على طقوس الاحتفال ببداية السنة البابلية، فكثير من العادات والتقاليد بقيت تتناقلها الأجيال، ومن بين الرموز التي لا يزالون يحافظون عليها، وفقاً لأدد يوسف، "تذهب الأمهات في غالب القرى الآشورية في الأول من أبريل في الصباح الباكر إلى الحقول وتأتين بقبضة عشب خضراء وتعلقنها على عتبة الدار، حيث يقال عنها (دقنا نيسان)، أي ما اقتناه نيسان، وهي إشارة للترحيب بقدوم الربيع والفرح بانتصار الحياة الجديدة على الأرض".
غالباً ما تستمر الاحتفالات 12 يوماً وتتضمن بشكل رئيس إقامة مسيرات راجلة في المدن الرئيسة لتمركز الآشوريين، حيث يجتمع الآلاف، ويرتدي المحتفلون ألواناً زاهية، وغالبها يحمل رموزاً تاريخية من الحضارة الآشورية إلى جانب رفع العلم الآشوري، وتلقى فيها كلمات بالمناسبة تذكر بأهمية العيد ومعانيه التاريخية والوطنية والقومية، وما يحمله من مغزى الفخر والاعتزاز للارتباط بهذا الإرث وهذه الأرض، وكذلك لإيصال رسالة أن الشعب الآشوري ما زال حياً على أرضه التاريخية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


البعد القومي

تعد "الحركة الديمقراطية الآشورية" (زوعا)، أول من تبنت الاحتفال برأس السنة البالبلية - الآشورية بشكله الحالي منذ عام 1993، وينتقل الاحتفال إلى عدة محافظات، حيث يوجد الآشوريون مثل نينوى وبغداد. ويقول مصدر في الحركة "يسبق الاحتفال السنوي عدة فعاليات منها استقبال وفود أبناء شعبنا القادمين من مختلف بقاع العالم للانضمام إلى هذه المناسبة والذين يأتون قبل أسبوع أو أكثر من بدء الأعياد النيسانية، وتستغل هذه الوفود وجودها لزيارة الأماكن التاريخية والثقافية لإبناء شعبنا كالمدارس الآشورية المنتشرة في شمال العراق كذلك زيارة المؤسسات الثقافية ومقار الحركة الديمقراطية الآشورية في كل مناطق وجود في محافظات دهوك وأربيل وسهل نينوى". وأضاف المصدر "تبدأ المسيرة البنفسجية (لون البنفسج هو اللون الرسمي للحركة الديمقراطية الآشورية)، بالتحرك في شوارع المدنية في الساعة الحادية عشرة صباحاً من يوم الأول من أبريل، ونرتدي ملابسنا القومية الآشورية المسماة خومالا، ونرفع أعلام زوعا والعلم الآشوري. وتتخلل المسيرة إلقاء الأشعار ودق الطبول والرقص". وزاد "تستمر المسيرة لما يقارب 5 أو 6 ساعات، يتخللها عديد من الفعاليات الثقافية والفنية، وعند استقبال الوفود يتم إعداد الأكلات الشعبية العريقة لهم، وهي الكبة والدخوا والخمصا. والدخوا هو كبة لحم مطبوخة في ماء اللبن، والخمصا هي كبة لحم ورز، أو جريش مطبوخة في ماء مضاف إليه اللحم وبعض الخضراوات".
وتمتد الاحتفالات إلى أكثر من مدينة كما كان الحال أيام الحضارة البابلية، وهذا ما يوضحه أدد يوسف، فيقول إنه في العام الماضي، 7672 آشورية، 2022 ميلادية، أقيم الاحتفال في مدينة آشور (الشرقاط)، وهذه السنة سيكون الاحتفال في نينوى ومن أمام باب نركال وادد (أحد أبواب سور نينوى)، وهكذا الفكرة ستستمر وتشمل النمرود (كالح) وشاروكين وبابل وغيرها.

هوية العراق

وتطالب جهات آشورية باعتبار هذا اليوم يوم عطلة رسمية لكي يحتفل به العراقيون على مختلف توجهاتهم، إذ يشير يوسف إلى أن "عيد السنة البابلية هو عيد لكل العراقيين، وليس الآشوريين فحسب باختلاف مناطق وجودهم في شتى بقاع العالم ودول الشتات".
وفي السياق ذاته يوضح "منتظر العودة" أن "هذا العيد هو عيد لجميع العراقيين بجميع أطيافهم وعرقهم ودياناتهم وانتماءاتهم نظراً إلى ما يمثله من بعد استثنائي لهوية العراق التاريخية ولما يمثله من غنى لتراثنا اللامادي".

مناسبة للتذكير

يحافظ الآشوريون على تراثهم الثقافي ولغتهم، إذ توجد لهم في العراق 150 مدرسة، قسم منها يدرس كل المواد باللغة السريانية، أما القسم الأكبر فيدرس السريانية كلغة. وتناقصت أعداد الآشوريين في العراق بسبب الحروب ولا توجد إحصائية رسمية لعددهم في العراق، إذ تقدر مصادر غير رسمية أن عدد الآشوريين في العراق يتراوح بين 15 و20 ألف شخص، في هذا السياق يوضح عضو مجلس النواب العراقي، جوزيف صليوا، أن "الاحتفال بالسنة البابلية أصبح بالنسبة إلى الكلدان السريان الآشوريين مناسبة للتعبير عما لحق بهم من مظالم ومن تهجير ومذابح جماعية وتهميش سياسي وإداري واستهداف اقتصادي ولتأكيد هويتهم القومية ومطالبتهم بالحقوق السياسية والإدارية والثقافية والاقتصادية".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات