Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موت مبكر لجيمس آجي المرجع الأميركي لثورة "أصحاب اللحى"

المبدع الذي خاض التحقيق الاجتماعي والنقد وكتب الفيلمين الأكثر شعبية في هوليوود

مشهد من فيلم "الملكة الأفريقية" (موقع الفيلم)

ملخص

"الملكة الأفريقية" و"ليلة الصياد" فيلمان للكاتب الأميركي #جيمس_آجي، اعتبر أولهما انقلابا في السينما الهوليوودية، والثاني من أكثر #أفلام_الشر قسوة

قد يكون من الصعوبة بمكان أن نجد في أوساط الجمهور العريض من يتذكر الكاتب الأميركي جيمس آجي. ومع ذلك حسبنا أن نذكر بعض إنتاجه الإبداعي في أوساط النخبة الأميركية بل حتى في أوساط نخبة النخبة من أهل السينما الأوروبية، حتى يستعاد ذكره بحياته القصيرة وإبداعه المتنوع. غير أن في مقدورنا أن نقول على أية حال إن مجرد حديثنا عن فيلمين أميركيين أيقونيين يعتبران علامتين أساسيتين في تاريخ السينما، حتى يظهر لنا شبح جيمس آجي ماثلاً في خلفيتهما حتى ولو احتاج الأمر إلى وقت لتذكر العنوان الذي طغى عليه دائماً حديث الفيلمين وهما "الملكة الأفريقية" من إخراج جون هستون وبطولة كاترين هيبورن وهامفري بوغارت، و"ليلة الصياد" من إخراج تشارلز لوتون (الممثل الكبير الذي لم يخض تجربة الإخراج إلا هذه المرة الوحيدة) ومن تمثيل روبرت ميتشوم. ويعتبر هذان الفيلمان من أشهر منتجات السينما الشعبية الأميركية الكبيرة. ومع ذلك لا بد من الإشارة أن ليس ثمة بين الجمهور العريض من يمكنه أن يتذكر أن صاحب هذا الاسم هو كاتب السيناريو الذي يقف وراءهما، وهما المعتبران من الأفلام الأسطورية في تاريخ السينما الأميركية: فـ"الملكة الأفريقية" اعتبر انقلاباً في مسار السينما الهوليوودية لأكثر من سبب، و"ليلة الصياد"، لا يزال حتى يومنا هذا يعتبر من أكثر أفلام الشر قسوة. والفيلم الذي عبر أكثر من أي فيلم آخر عن الخطر الدائم المحدق بالبراءة كما يرمز إليها الأطفال.

...وأغضب التقليديين

إذاً، جيمس آجي، هو كاتب سيناريو الفيلمين، غير أن كتابته لهما ومهما كانت لغتهما الفيلمية رائعة واستثنائية لا تكفي بالطبع لرسم صورة عن المكانة التي يجدر بآجي أن يحتلها في تاريخ الإبداع الأميركي الحديث. فالحقيقة أن جيمس آجي، إلى كتابته للسيناريو، كان شاعراً وصحافياً وروائياً، كما كان، بخاصة، ناقداً سينمائياً، عمل طوال سنوات الأربعين من خلال كتابته النقد في مجلتي "تايم" و"نايشن"، على إثارة غضب المنتجين التقليديين في هوليوود لمطالبته بسينما تستلهم الروح الشعبية والقيم وسبل التقدم، بدلاً من أن تكون السينما الأميركية مجرد "مصنع للأحلام" و"أفيون جديد للشعوب"، على حد تعبيره في بعض أفضل دراسات كتابه النقدي الشهير "آجي حول السينما"، الذي صدر بعد سنوات من رحيله وجمعت فيه مقالاته النقدية. ولكن على رغم نشاطه المتعدد والأساسي في مجال السينما، فمن المؤكد أن المكانة الاستثنائية التي يتمتع بها آجي في تاريخ الثقافة النخبوية الأميركية تعود بشكل خاص إلى كتاب وضعه في مجال آخر، هو مجال السوسيولوجيا، وعنوانه "فلنحيي الآن الرجال الكبار" الذي صدر في 1941 فأتى أشبه بقنبلة سقطت على ركود الفكر السوسيولوجي الأميركي.

في أجواء الأزمة

هذا الكتاب الذي ترجم إلى العديد من اللغات يمكن اعتباره بشكل أو بآخر تطويراً وتعميقاً للموضوعات التي عبر عنها جون شتاينبك في روايتين له في الأقل: "عناقيد الغضب" و"رجال وفئران"، أي موضوعات الركود الاقتصادي في أميركا سنوات الثلاثين، تلك المرحلة التي ولدت جانباً أساسياً من كل ما هو تقدمي وثوري في الأدب والفن الأميركيين. كتاب "فلنحيي الآن الرجال الكبار" كتبه جيمس آجي في 1936 وأرفقه بصور فوتوغرافية حققها والكر إيفانز، أحد أكبر المصورين الأميركيين، وموضوعه الحياة اليومية القاسية والمدهشة لمزارعي ولاية ألاباما الأميركية خلال حقبة الركود. فالكتاب إنما هو شهادة على ما أصاب أولئك الناس من فقر عظيم وضعهم على حافة الجوع. لقد صور الكتاب حياة المزارعين وفقرهم، لكنه صور كذلك تمسكهم بالحياة. أما القيمة الفنية والفكرية الأخرى للكتاب، فهي أنه للمرة الأولى في تاريخ الأدب جعل للصورة الفوتوغرافية مكانة لا تقل في أهميتها عن مكانة النص المكتوب. والحقيقة أن تلك التجربة التي ربطت الحياة اليومية المصورة بالنص التأملي والفكري، كانت هي ما ألهم آجي تجربتيه في كتابة السيناريو السينمائي، وهما تجربتان كانتا من الغنى والحس الإبداعي بحيث إنهما فتحتا الدرب عريضاً لذلك التجديد، الذي من المؤسف أن آجي لم يتمكن من متابعته لسببين أساسيين أولهما أن المنتجين الهوليووديين استنكفوا سريعاً عن التعامل معه غير ناسين مآخذه عليهم وهو أمر تحدثوا بصدده عن "نخبويته" كناقد لم يكف يوماً عن مطالبة السينما الأميركية بأن تجدد في مواضيعها ولغتها السينمائية معطية مكاناً واسعاً لكبار المبدعين. ويرى كثر أن تلك المطالبة هي التي دفعت بعض الاستوديوهات الكبرى إلى دعوة مبدعين أميركيين كبار للعمل معها ككاتبي سيناريو، لكنها سرعان ما راحت تمعن في مطالبتهم بما يتناقض تماماً مع ما كان آجي يطالب به، أما السبب الثاني وهو بدوره أكثر إثارة للأسى من السبب الأول، فيعود إلى رحيل آجي باكراً وهو بالكاد تجاوز السادسة والأربعين من عمره. ومن الواضح أنه لو عاش أكثر لكان شهد تلك الانتفاضة التي طاولت كتابة السيناريو وهوليوود كلها بعد سنوات من رحيله عام 1955.

الورثة: أصحاب اللحى

إذاً حين رحل جيمس آجي عن عالمنا عام 1955، بدا واضحاً أن معظم ما سعى إليه وأسسه قد اختفى معه ولو إلى حين، وإلى حين لأن هوليوود لم تكن قد باتت بعد من النضج والتقدم لتستوعب أفكار ذلك المجدد الكبير الذي كان من الواضح أنه سبق زمنه بما لا يقل عن عشرين عاماً، إذ نعرف على أية حال أن أواسط سنوات السبعين شهدت تلك الثورة الكبيرة والتي قادها من لقبوا بـ"ملتحي هوليوود" من أمثال فرانسيس فورد كوبولا ومارتن سكورسيزي وجون لوكاس وسبيلبرغ وبريان دي بالما، أولئك المبدعون الذين لا شك أنهم في ثورتهم كانوا أفضل رد أميركي على كارثتي "حرب فيتنام" وفضيحة "ووترغيت". وعلى رغم أن هاتين الكارثتين الأميركيتن تعودان إلى زمن لاحق لرحيل آجي فلا شك أن نضال هذا الأخير خلال حياته القصيرة في مجال الإبداع، سينمائياً كان أو غير سينمائي، كان إلى جانب نضالات حفنة من سينمائيين آخرين وعلى خطى جون كازافتس المعتبر من أساطين السينما المستقلة، كان في خلفية تجديدات "أصحاب اللحى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شيء من الشهرة

ولد جيمس آجي عام 1909 في مدينة نوكسفيل بولاية تنيسي. وتلقى دراساته الجامعية في هارفرد، حيث بدأت تظهر عليه منذ وقت مبكر ميول أدبية، فنجده ينشر، وكان لا يزال في الثالثة والعشرين من عمره، مجموعة شعرية عنوانها "دعوني أسافر" (1932). صحيح أن أحداً لم يقرأ تلك الأشعار تقريباً، غير أنها كانت بالنسبة إلى صاحبها، طريقه للعمل الصحافي، حيث سرعان ما نجده محرراً في مجلة "فورتشن" ثم في مجلة "تايم"، وكانت مجلة "فورتشن" هي التي كلفته بكتابة التحقيق حول مزارعي ألاباما، لكنها أمام النص ارتعبت ورفضت نشر التحقيق. وظل النص طي أوراق جيمس آجي، حتى نشره في 1941 في كتاب حقق له بعض الشهرة على رغم أن عدد النسخ التي بيعت من طبعته الأولى لم يتجاوز ستمئة نسخة!

عودة خجولة

في تلك الأثناء كان آجي قد أضحى ناقداً سينمائياً وبدأت مقالاته المنشورة في "تايم" و"نايشن" تلفت الأنظار، وفيها كان يدعو إلى سينما تخاطب الحياة والإنسان، وكان يعتبر سينما جون هستون نموذجاً للسينما التي يطالب بها، وهذا ما جعله يكرس دراسة مطولة لسينما هستون، وهكذا توثقت علاقاته بهذا المخرج الاستثنائي، فتعاونا معاً على فيلم "الملكة الأفريقية" الذي يمكننا أن نلاحظ شبهاً كبيراً بين شخصية بطله التي يلعبها همفري بوغارت، وشخصية آجي نفسه. وبعد ذلك كان سيناريو "ليلة الصياد" ثم سيناريو لأحد فصول فيلم "وجهاً لوجه" (1951)، إضافة إلى هذا كتب جيمس آجي روايتين هما "عشية الصباح" (1951) ثم خاصة رواية "موت في العائلة" (1955) التي كانت أشبه بسيرة ذاتية لأن آجي روى فيها طفولته في الجنوب الأميركي، وتوقف مطولاً عند الموت المريع الذي كان من نصيب أبيه. وهذه الرواية نشرت في العام الذي توفي فيه جيمس آجي، فأسهمت في تحويله إلى أسطورة في الثقافة الأميركية في ذلك الحين، أسطورة سرعان ما خبت وطواها النسيان ولو لعقدين أو ثلاثة قبل أن يعود إلى دائرة الضوء ولو بخجل بعض الشيء.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة