ملخص
بلدة #روسيتو الأميركية الصغيرة أثارت الفضول حولها طوال عقود بسبب #طول_أعمار أهاليها وصحتهم المتينة. والأرجح أن #التضامن_ الاجتماعي بين أفراد تلك البلدة، سبب أساسي في ذلك
في خمسينيات القرن الـ20، دار لغز حول بلدة "روسيتو" الصغيرة الواقعة في ولاية بنسلفانيا. إذ سجلت معدلات الوفيات فيها مستوى يقل بمقدار الثلث عما يسجل في بقية الولايات المتحدة. وانعدمت أمراض القلب فيها تقريباً في المجموعات المعرضة لخطر الإصابة به. ولم يستطع أحد أن يحدد السبب.
حللت مصادر المياه، وفحصت أنماط الحياة. لم يكن السبب نظامهم الغذائي، إذ دأبوا على استهلاك النبيذ والسيجار وكرات اللحم من دون ضوابط. لم يكن السبب الرعاية الصحية أو جودة الهواء.
تمثل السبب في العلاقات.
عاشت ثلاثة إلى أربعة أجيال تحت سقف واحد. وتمتع الجيران بروابط ثقة عميقة مع بعضهم بعضاً. كانت "روسيتو" بلدة الأصدقاء المقربين.
وتبين أن سر الحياة الأبدية لا يكمن في ما يعرفه المرء، بل في من يعرفه.
في المقابل، تتوالى أحداث السنوات الثلاث الماضية في ذاكرتي مثل لقطات مقربة مأخوذة بكاميرا فيديو. ويظهر فيها "التربية البدنية مع جو" [سلسلة فيديوهات على "يوتيوب"]، وطوابير الراغبين في شراء ورق التواليت، وأخبار الرحلات إلى بلدة "برنارد كاسل" الإنجليزية [زارها السياسي دومينيك كامينغز في كسر لقواعد العزل]، والتصفيق على المداخل [تحية للعاملين الصحيين]، والتحديثات الحكومية اليومية [عن حال جائحة كورونا]. إذاً، لننتقل إلى "الصفحة التالية من العرض التقديمي من فضلكم".
أتذكر اللغة الشائعة التي هيمنت على محتوى "تويتر" الخاص بي في "الوضع الطبيعي الجديد" غير المسبوق. قبل مارس (آذار) 2020 كنت لأفترض أن "الرقم_ آر" [معدل العدوى] شيء قد فوته في حصص الرياضيات قبل نيلي شهادتي الثانوية العامة، والإجازة المدفوعة يكون لها صلة بالزراعة، وجوناثان فان تام [المسؤول الطبي الأول في إنجلترا] يلعب كرة القدم باسم هولندا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن بالنسبة إلي، ينتهي الحنين عند تلك النقطة. على غرار عديدين، كان عام 2020 سيئاً. نشر كتابي الأول كمؤلف في الأسبوع الذي أغلقت فيه متاجر الكتب كلها أبوابها. ثم اكتشفنا أن سرطان أمي كان عضالاً. وتوفيت في الثامن من يونيو (حزيران) من تلك السنة.
مكنني شيئان من تجاوز المحنة هما الإيمان والصداقة. كنت محاطاً بالأصدقاء، وسأتذكر دائماً بامتنان من وقفوا إلى جانبي.
لكن بالنسبة إلى بعضهم في ذلك الوقت، كان التباعد الاجتماعي يعني العزلة الاجتماعية. وجد "مكتب الإحصاءات الوطنية" أن مليون شخص آخرين ذكروا أنهم شعروا بالوحدة دائماً أو في كثير من الأحيان، على مدار عام 2020. وتستمر موجات الصدمة. وجدت "مؤسسة موفمبر" أن ما يصل إلى رجل من كل ثلاثة رجال ليس لديهم أصدقاء مقربون.
وليست الصورة أكثر إشراقاً بكثير للنساء. إذ تذكر 40 في المئة من اللاتي تتراوح أعمارهن بين 16 و24 سنة أنهن يشعرن بالوحدة "دائماً أو في كثير من الأحيان". تجعلنا التكنولوجيا الاستثنائية المحمولة في جيوبنا وأكفنا الجيل الأكثر ترابطاً في التاريخ، ومع ذلك ترسم ضغوط الحياة وسردية الفردية السائد، صورة مفككة في شكل مدمر.
كذلك أظهرت الدراسات إنه إذا لم يكن لدينا صديق مقرب، فستزيد مستويات هورمون الإجهاد، الـ"كورتيزول"، في شكل كبير، مع عواقب مميتة. توضيحاً، إن الـ"كورتيزول" مادة كيماوية تحفز على مواجهة خطر داهم أو الفرار منه، وتخرجنا من السرير وتبعدنا عن الخطر. في المقابل، يؤدي استمرارها بشكل مرتفع إلى سحب الموارد الجسدية بعيداً من الوظائف البيولوجية الأساسية، مما يعني زيادة تعرضنا إلى الأمراض عموماً، خصوصاً وأمراض القلب والسرطان والسكري.
على العكس من ذلك، تعد الصداقة شيئاً قوياً في شكل مدهش. إذ تترك آثاراً إيجابية عميقة في صحتنا العقلية والعاطفية والروحية. حتى لو كان نظام المرء الغذائي رديئاً، ولا يمارس المرء الرياضة، ويهمل مجالات أخرى من صحته البدنية، لكن لديه أصدقاء جيدين، فسيعيش لفترة أطول من شخص معزول اجتماعياً. من الأفضل تناول الكباب مع الأصدقاء بدلاً من السلطة بمفردكم.
بالتالي، تشكل حال بلدة "روسيتو" شهادة على أن تخصيص وقت للتواصل العلائقي يشكل أمراً جيداً للغاية لصحتكم.
لقد انتهيت للتو من تأليف كتابي الثاني الذي يتناول الصداقة. ومن دواعي السرور، لم تمنعه الجائحة هذه المرة من الوصول إلى الرفوف [في المكتبات العامة ومحال بيع الكتب]. يريد كل شخص تقريباً أن يكون صديقاً أفضل، لكننا بحاجة إلى نقاش أعلى صوتاً حول ما ينطوي عليه ذلك. أعتقد بأن الصداقة تمثل العلاقة الأكثر أهمية في مجتمعنا لكنها لا تنال سوى النصيب الأقل من أحاديثنا.
في السياق نفسه، يظهر أن الضغوط على علاقاتنا أمر حقيقي. لكن احتمال التغيير حقيقي أيضاً. نحن مترابطون علائقياً، ومخلوقون للتواصل. قد لا نتمكن من تحقيق تلك البلدة الفاضلة [روسيتو] التي عرفتها بنسلفانيا في خمسينيات القرن الـ20، لكننا جميعاً يمكننا أن نكون أكثر تعمداً واستعداداً للتضحية في هذا المجال.
أخبرني صديق أن المرء يقع في الحب، لكنه يصنع الصداقات. إن فن الصداقة مهم حقاً، ويحتاج بشدة إلى إعادة اكتشاف، ويستحق وقتنا. تتفق العلوم وعلماء الاجتماع والحكماء والكتب المقدسة على أن الوحدة ليست جيدة لنا.
بالتالي، قد نتذكر جيداً أوجه عدم الملاءمة في جلسات الشرب بعد العمل وحفلات أعياد الميلاد وحفلات الزفاف والجنازات التي أقمناها عبر تطبيق "زووم" ونتأسف عليها. دعونا نعطي الأولوية لنمو قدراتنا العلائقية ودوائر صداقاتنا. دعونا نفضل الجودة على الكمية، والثقة على الشك، والعمق على السطحية.
دعونا لا نواجه تحديات الحياة وحدنا. يمكننا جميعاً أن نحسن أداءنا في هذا المجال. دعونا نلتزم بأن نكون أفضل الأصدقاء. إنها حقاً مسألة حياة أو موت.
* فيل نوكس مؤلف "أفضل الأصدقاء"
© The Independent