Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المعطف" تحفة نيكولاي غوغول الخالدة

استعادة إرشيفية للكتاب الروسي الصادر في القرن التاسع عشر ومهد الطريق أمام دوستويفسكي وتورجينيف

تدور حوادث رواية المعطف التي كتبها غوغول في مدينة سان بطرسبرغ وتتناول حياة الوحدة لرجل عادي في مدينة كبيرة (غيتي)

ملخص

كتب المؤلف الروسي #نيكولاي_غوغول رواية #المعطف في القرن التاسع عشر ثم اعتبر من الآباء المؤسسين #للرواية_الروسية إذ مهد الطريق أمام روائيين كلاسيكيين من قامة #فيودور_دوستويفسكي وإيفان تورجينيف

لا تشابه بين الكتب والاغتيالات. فحتى مع أكثر الكتب إثارة، قد يكون من الصعب تذكر كيف صادفناها. لا أتذكر تماماً ما هي ظروف قراءتي قصة "المعطف" للكاتب نيكولاي غوغول، على رغم أنني متأكد من حدوث ذلك قبل سنوات عدة من انتقالي إلى العيش في موسكو. على كل حال، أتذكر أن قصة غوغول القصيرة المذهلة جاءت بمثابة رؤية كاشفة. إذ تتناول حياة أكاكي أكاكيفيتش، الموظف البائس من مدينة سان بطرسبرغ الذي يتمكن بعد انتظار وتقتير طويلين من خياطة معطف جديد بياقة مصنوعة من فراء القطط ثم يُسرق منه، كانت بمثابة تجلٍ.

قبل ذلك، أحببت قصة "بارتبلي النسّاخ" Bartleby, The Scrivener التي كتبها هيرمان ملفيل، وتتناول حياة نسّاخ من نيويورك تخلى عن حياته. وقد قرأتها مراراً.

استطراداً، نُشرت "المعطف" في عام 1842، أي قبل بارتلبي بـ11 عاماً، لكنها تستبقها من مناحٍ عدّة. إذ تصف القصتان كلتاهما حياة العزلة والموت لرجل مهمش في مدينة كبيرة، وتمتلك كلتاهما راوياً يعترف بجهله بالتفاصيل الأساسية للقصة. وفي كلتيهما، يقدم الموظف التعيس فرصة لزملائه في العمل كي يكونوا طيبين، الأمر الذي يرفضوه في الغالب. لكنني أعتقد أن غوغول يتعمق في ذلك ويتوغل في سبر أغواره.

هناك تفاصيل كثيرة في "المعطف" تعتبر صحيحة بشكل مؤلم في بريطانيا الحديثة على غرار ما كانت الحال في روسيا في القرن التاسع عشر. يشمل ذلك مسائل من نوع القسوة العادية وغياب البعد الشخصي في الحياة المكتبية، إضافة إلى الغطرسة وخداع الذات. يأتي واحد من أروع المواقف حينما يبدأ أحد رؤساء العمل المغرورين في الشعور بالذنب حيال معاملته للموظف أكاكي، فيذهب إلى مواساة نفسه مع عشيقته. يعرف غوغول الفقر ويكتب عنه. إذ يصف في القصة كيف يتخلى أكاكي عن عشائه وإشعال الشموع في المساء من أجل توفير بعض الكوبيكات [السنتات] كي يجمع المال للمعطف الحلم، وكيف أن الأحلام، حتى الصغيرة جداً منها، يمكن أن تكون عكازاً في الحياة. ولقد أدركتُ ذلك بنفسي حينما انتقلت إلى هناك، فإن كثيراً مما ورد في القصة يأتي أيضاً بمثابة نظرة ثاقبة خالدة عن روسيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ظل غياب الصلات المهمة، يغدو موظف غوغول شخصاً محكوماً عليه بالهلاك. كذلك تتخذ "سان بطرسبرغ" هيئة مدينة وهمية مخيفة حيث يفرط الرجال في شرب الكحول. بالنسبة لي، كانت هذه مقدمة مثيرة عن الأدب الروسي. وبحسب دوستويفسكي أو ربما تورجينيف، فلا أحد يعرف على وجه اليقين، في عبارة قصد فيها الروائيين الروس، "لقد خرجنا جميعاً من معطف غوغول". أياً كان القائل، فإنه محق. إن كل السمات التي اكتشفتها لاحقاً في كتابات ورثة غوغول، موجودة هنا [رواية المعطف] وتشمل اختلاط الانحراف بالصدق المتهور، البؤس بالطموح الفكري الجامح، الشخصيات التي تقفز بطريقة ما من صفحات الكتاب بعد بضع جمل حية وغيرها.

وعلى وجه الخصوص، يجسد غوغول الموهبة الروسية السحرية للكتابة في ذاكرات مختلفة، بالمعنى الحرفي والمجازي، في الوقت نفسه.

في ملمح متصل، إن أكاكي شخص غامض وأثيري لكنه حقيقي بشكل مثير للشفقة. إذ يتساقط شعره من مقدمة رأسه، وتلتصق قطع القش والخيوط بسرواله. ثم هناك المعطف الذي يحتل عنوان القصة، ويجسّد في آن معاً الرمز للمكانة والأمن والثوب الحقيقي الضروري. كنتُ أفكر في "المعطف" أثناء كتابة روايتي "زهرات الثلج" Snowdrops، التي حاولتُ فيها نقل الطرق العملية التي يشكل بها الشتاء الحياة الروسية. وفي الوقت نفسه، حاولتُ استخدام الثلج كاستعارة للنسيان الأخلاقي (في العامية المستخدمة في موسكو، تشير زهرة الثلج إلى الجثة التي تبقى مخفية إلى أن يذوب الثلج). لقد تنافست روايتا "لوليتا" Lolita و"موبي ديك" Moby-Dick، لكن كتابي في الحياة يرسم تلك الحكاية الغريبة عن رجل تافه ومعطفه بالياقة المصنوعة من فراء القطط.

© The Independent

المزيد من كتب