Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

باتروشيف يهدد بتدمير أي "خصم يهدد وجود روسيا"

"القارة الأوروبية أصبحت رهينة للولايات المتحدة وأوكرانيا مجرد أداة يستخدمها الغرب لتنفيذ سياساته"

أمين عام مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف يعتبر أن الاستقرار النسبي الذي يسود الدول الآسيوية يزعج واشنطن (أ ف ب)

ملخص

#روسيا تتوعد ما تصفه بتمادي #الولايات_المتحدة وحلفائها في محاولات النيل من أمنها ومصالحها على الصعيدين الإقليمي والدولي

عادت موسكو إلى سابق عهدها بالوعيد والتهديد حيال ما تصفه بتمادي الولايات المتحدة وحلفائها في محاولات النيل من أمن روسيا ومصالحها على الصعيدين الإقليمي والدولي. وكان الرئيس فلاديمير بوتين كشف أكثر من مرة أن بلاده تجاوزت كثيراً من مخلفات ما أصابها من "عورات" تسعينيات القرن الماضي، وما شهدته من تفريط في أمنها القومي، وتنازلها عن كثير من مظاهر السيادة، ومنها ما يتعلق بتوسع "الناتو" شرقاً. ويذكر المراقبون خطابه الذي ألقاه في مؤتمر ميونيخ للأمن الأوروبي في فبراير (شباط) 2007، وأعلن فيه رفض روسيا قبول عالم القطب الواحد، وانفراد دولة بعينها بمقاليد الأوضاع العالمية، بعيداً من الشرعية الدولية ومنظمة الأمم المتحدة.

وثمة ما يشير إلى أن ذلك الخطاب حدد ولا يزال يحدد كثيراً من ملامح سياسات روسيا الخارجية، وما ترتكز إليه من عناصر استراتيجيتها للأمن القومي. ومن هنا يكتسب مجلس الأمن القومي الروسي بتشكيله الحالي كثيراً من معاني القوة التي تبدو على النقيض مما كانت عليه في أعقاب الإعلان عن تشكيله للمرة الأولى في الثالث من يونيو (حزيران) 1992 مع مطلع سنوات حكم الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين. وكانت موسكو الرسمية كشفت عن أولويات عمل هذا المجلس، وما تشمله من استراتيجية الدفاع وتقييم المخاطر والتهديدات العسكرية، ووضع التدابير اللازمة لتحييدها، على أساس الحاجة إلى الردع الاستراتيجي ومنع النزاعات العسكرية، وتحسين مكونات التنظيم العسكري للدولة، وتطوير أشكال وأساليب استخدام القوات المسلحة/ والقوات الأخرى، استناداً إلى ما أصدرته من قوانين ووثائق، ومنها العقيدة العسكرية للاتحاد الروسي، وخطة الدفاع لروسيا الاتحادية.

شخصيات القيادية

وانطلاقاً من هذه المهام، شهدت السنوات التي أعقبت تشكيل مجلس الأمن القومي الروسي، تناوب كثير من الشخصيات القيادية لرئاسة هذا المجلس، ومنها من كان يقف على طرفي نقيض من جوهر توجهات المجلس وأبعاد مهامه، على غرار الملياردير بوريس بيريزوفسكي الذي شغل في تسعينيات القرن الماضي منصب نائب الأمين العام للمجلس، وهو الذي كان يحمل الجنسية الإسرائيلية، إلى جانب ما عرف عنه من اتصالات خارجية، في غير وفاق مع الأمن القومي لروسيا في ذلك الحين، ما انتهى عملياً إلى هربه إلى بريطانيا حيث قضى نحبه "منتحراً"، في أغلب الظن. ولعل ذلك ما قد يكون وراء اختيار نيكولاي باتروشيف أحد أقرب الشخصيات السياسية والأمنية إلى الرئيس بوتين، وهو الذي سبق ووقع عليه اختياره لخلافته في رئاسة جهاز الاستخبارات منذ عام 1999، وحتى 2008 التي شهدت انتقاله إلى موقعه الحالي كأمين عام لمجلس الأمن القومي الروسي منذ ذلك الحين وحتى اليوم. ومن المعروف أن باتروشيف من مواليد لينينغراد (حالياً سان بطرسبورغ)، وهي ذات المدينة الأم للرئيس بوتين، وغالبية أعضاء النسق الأعلى للسلطة في روسيا، فضلاً عن الزمالة والصداقة التي تربط باتروشيف مع بوتين منذ أولى سنوات التحاقهما بجهاز أمن الدولة "كي جي بي" عام 1975. ولذا لم يكن غريباً أن يوكل الرئيس بوتين إلى باتروشيف مهام رئاسة جهاز الاستخبارات الروسية، خلفاً له بعد اختياره رئيساً للحكومة الروسية في أغسطس (آب) 1999، تمهيداً لخلافة بوريس يلتسين على عرش الكرملين اعتباراً من عام 2000.

ولعل التمعن في مراحل مثل هذه المسيرة، يمكن أن يكشف عن كثير من مكامن القوة لنيكولاي باتروشيف، وأهمية ما يشغله من مواقع، على غرار مجلس الأمن القومي الروسي بكل ما يوكل إليه من مهام. ومن هذه المهام، الإشراف على المؤسسات الصناعية الدفاعية وتطويرها، بما في ذلك تطوير صناعات المنظومات الصاروخية والطائرات الحربية والمدنية، وبناء السفن بما فيها المزودة بأسلحة بعيدة المدى عالية الدقة، والمجمع الإلكتروني، وصناعة الأسلحة التقليدية والذخيرة، والمعدات التقنية، وتحديث مرافق الإنتاج، وإدخال التقنيات الرقمية وتوسيع الاستخدام المدني والمزدوج التوجهات. وفي هذا الصدد، نشير إلى أن الرئيس بوتين ومع تزايد الضغوط الخارجية والعقوبات التي تدفقت من كل حدب وصوب منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في 2014، لم يجد أفضل من دميتري باتروشيف، ابن رفيقه وصديقه نيكولاي باتروشيف، ليوكل إليه مهمة تأمين حاجات روسيا من المواد الغذائية والإنتاج الزراعي من موقعه الجديد كوزير للزراعة، وهو ما نجح فيه إلى أبعد الحدود التي قفزت بروسيا من موقعها كواحدة من أكبر مستوردي الغلال، إلى صدارة قائمة مصدري الحبوب في العالم خلال سنوات معدودة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"رهينة للولايات المتحدة"

ونعود إلى نيكولاي باتروشيف وما يصدر عنه من تصريحات، على غرار تلك التي أوجزها في حديثه الأخير إلى صحيفة "روسيسكايا جازيتا" الجريدة الرسمية للدولة. في هذا الحديث حمل باتروشيف على الولايات المتحدة التي قال إنها "تدير أوروبا متجاهلة حقيقة أن دور الريادة في القارة الأوروبية مسند تاريخياً إلى روسيا" منذ سنوات الإمبراطورية الروسية. ومضى ليقول إن هناك من الخبراء من يرى "أن القارة الأوروبية أصبحت رهينة للولايات المتحدة، وأوكرانيا هي مجرد أداة من الأدوات التي يستخدمها الغرب لتنفيذ سياساته المناسبة، ذات كثير من العواقب الوخيمة، بما في ذلك إضعاف الاتحاد الأوروبي كقوة اقتصادية منافسة للولايات المتحدة". وإذ توقف باتروشيف عندما وصفه بصبر روسيا تجاه ما يجري حولها من تطورات وأحداث، عاد ليقول إنها تملك من القدرات العسكرية والأسلحة التي يمكنها "تدمير أي خصم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، في حال ظهور ما يهدد وجودها". وإذ أعاد للأذهان ما يقوله السياسيون الأميركيون "حول أن روسيا في حال نشوب صراع مباشر، فإن الولايات المتحدة الأميركية قادرة على توجيه ضربة صاروخية وقائية، لن تتمكن روسيا بعدها من الرد"، وصف سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي باتروشيف ذلك، بأنه "غباء خطر وقصر نظر" من جانبهم، على حد تعبيره.

وفي مثل هذا التوقيت الذي يعقب ما يصفه مراقبون كثيرون في موسكو بالزيارة التاريخية للرئيس الصيني شي جينبينغ، لم يكن باتروشيف ليغفل الإشارة إلى مواقف بلاده و"حلفائها"، تجاه ما تبذله الولايات المتحدة من محاولات للالتفاف حول روسيا والصين، وما يرومه حلف "الناتو" من توسعات تصل بمفرداته حتى شواطئ المحيط الهادئ، على مقربة مباشرة من الشرق الأقصى الروسي. وقال المسؤول الأمني الروسي، إن "الاستقرار النسبي الذي يسود الدول الآسيوية يزعج الولايات المتحدة، ولهذا السبب شرعت بالتخطيط لإنشاء حلف الناتو الآسيوي، بهدف كبح جماح الدول المستقلة، وتحويلها إلى كتلة عدوانية جديدة، موجهة ضد روسيا والصين". وكشف المسؤول الأمني الروسي الكبير عن قناعته بأن هاتين القوتين العظميين تحديداً، تقفان في وجه هيمنة الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945. فمن جانب تلتزم روسيا بمواقفها المستقلة الرامية إلى تعزيز عالم القطب الواحد، وتبنيها من جانب آخر لما يتجاوز الولايات المتحدة من مثل روحية وأخلاقية وعسكرية. أما عن الصين فهي المنافس الاقتصادي الرئيس والأول في العالم.

وخلص باتروشيف إلى استنتاج مفاده بأن الولايات المتحدة ما إن تفرغ من مواجهة روسيا والتخلص منها، حتى تنقلب إلى مواجهة الصين، هذا أعاد للأذهان ما صدر عن مجلس الأمن القومي الأميركي منذ ما يزيد على 75 عاماً، مما كان يسمى "مهام ضد روسيا"، بما نصت عليه من تدابير لتدمير الاتحاد السوفياتي. ونذكر بهذا الصدد ما تداولته المصادر التاريخية حول مخططات أميركية تداولتها حول ضرورة تقسيم روسيا في اندلاع ثورة 1917 إلى خمس جمهوريات، واحدة في سيبيريا، والأربع الأخرى في الشطر الأوروبي من "الإمبراطورية الروسية"، بل وهناك مخططات أميركية ظهرت أيضاً مطلع عام 1992 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي نهاية عام 1991، تنص على ضرورة تقسيم روسيا إلى ما يزيد على 50 ولاية، وهو ما عملت الولايات المتحدة على تنفيذه، منذ وقفت وراء دعم انفصال الشيشان، وغيرها من جمهوريات شمال القوقاز في منتصف تسعينيات القرن الماضي.

معالجة أخطاء الأمس

وفي هذا الصدد، قال باتروشيف إن "النشوة" لم تستمر طويلاً، حيث كانت روسيا باشرت مطلع القرن الجاري، مهام إعادة بناء الدولة ومعالجة أخطاء الأمس، بما ضمن لها ليس فقط الاستقرار الداخلي، بل وأيضاً التصدي لما يهدد أمنها القومي من أخطار خارجية. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، إذ عادت روسيا إلى مد يد العون للآخرين مثلما حدث في سابق العصر والأوان، وهي التي كانت "ساعدت الولايات المتحدة مرتين عبر التاريخ، ومنعت انهيارها خلال حرب الاستقلال والحرب الأهلية"، بحسب ما أشار باتروشيف في حديثه الأخير إلى الصحيفة الرسمية للدولة، كما سارع ليقول إنه لم يعد من المناسب الآن لروسيا "مد يد العون للولايات المتحدة مجدداً، في الحفاظ على سلامتها واستقرارها"، وهي التي لطالما "اكتسبت مكانتها كقوة عظمى من خلال اقتصادها القائم على الاستيلاء على الأراضي والموارد واستغلال الشعوب والاستفادة من المشكلات العسكرية للدول الأخرى". وأعرب عن ثقته بأن هذه الأسس الضعيفة للولايات المتحدة ستتفكك عاجلاً أم آجلاً، وذلك في توقيت يعيد فيه مراقبون كثيرون إلى الأذهان ما تملكه روسيا من قدرات وثروات طبيعية تبلغ ما يزيد على 30 في المئة من ثروات العالم، تنتظر ما ستضيفه إليها من ثروات المحيط المتجمد الشمالي، وما سيعود عليها من مكاسب "الطريق البحري الشمالي"، وهي الدولة الأكبر مساحة جغرافية في العالم.

وإذ عاد باتروشيف إلى تأكيد دور بلاده "كمدافع تاريخي عن سيادة أي دولة أو شعب لجأ إليها طلباً للمساعدة"، قال إن قادة أميركا اللاتينية لا يخفون إدراكهم للدور التدميري الذي لطالما لعبته الولايات المتحدة، وأن هذا الدور انتشر على نطاق أوسع الآن، معرباً عن يقينه من "أن دول أميركا اللاتينية ستستعيد أراضيها المسروقة عاجلاً أم آجلا". واختتم المسؤول الروسي الأمني حديثه بالتأكيد أن انهيار الاتحاد الأوروبي، أصبح قاب قوسين أو أدنى، وأن الأوروبيين لن يتسامحوا مع هذا الاتحاد الذي شن حرباً مفتوحة مع روسيا، متناسياً المصالح الوطنية للبلدان أعضائه.

وفي هذا الصدد، نعيد إلى الأذهان ما سبق وتناولته "اندبندنت عربية"، في تقارير سابقة لها من موسكو، حول اليقين من أن القادم إلى عرش الكرملين خليفة لبوتين في حال عدم الترشح مجدداً لفترة ولاية جديدة عام 2024، لا بد أن يكون "أكثر راديكالية". ولمن يريد التأكد من هذه التوقعات، مراجعة مفردات ذلك الحديث الذي أدلى به باتروشيف إلى "روسيسكايا جازيتا"، فضلاً عن التفتيش في ما سبق وصدر من تصريحات يمكن وصفها بـ"النارية" إذا جاز التعبير، عن دميترى ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، وغيره من كبار قيادات الدولة والحكومة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير